الحمدلله الذي خلق السماوت والأرض وجعل الظلمات والنور ثمّ الذين كفروا بربهم يعدلون ، سيّر الكون وأخرج المكنون ، وعلمّ العلوم والفنون ، لاتدركه الأبصار والظنون ، وهو العالم بما كان وسيكون كيف يكون ، والصلاة والسلام على النبي الأمين المأمون الذي صانه ربه عن كل مفتون ومـأفون وعلى آله وصحبه الذين هم للحق يدعون وبه يعملون صلاة وسلاماً دائبين متتابعين مادامت الأعوام والسنون
أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فالله أحق أن يُتقى ويُخشى والتقوى سبيل للتمسك بالعروة الوثقى
( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة ٍوخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا ًكثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
واعلموا أن خير الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : يقول الحق تبارك وتقدس : ( ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للنظرين * وحفظناها من كل شيطانٍ رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهابٌ مبين ) وفي ضوء هذه الآية سيكون الكلام حول علم الفلك وما أودع الله فيه من أسرارٍ وعجائبَ لعلنا أن نأخذ من ذلك ولو كمن يأخذ من البحر وشلاً ومن النهر غرفة وعسى أن يكون ذلك طريقاً لخشية الله تعالى وهيبته ومراقبته وتعظيمه وقد صدق من قال : " لاتنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت " .
في هذه السماء العظيمة التي هي كالمحيط والبحر العظيم الذي لايُدرى ماالذي في أعماقه ومن يجري في آفاقه ، سجل مفتوح لايحيط به إلا الفتّاح العليم ، وفي سعتها وضخامة خلق السماء عجباً فالله أخبر أنه وسع السماء سعة عظيمة فقال:(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) وفيها من النجوم والأفلاك والمجرات الشيء العظيم والكثير الذي لايتصوّره بشر ولا يُحيط به مخلوق ، والله أقسم بما نبصر ومالانبصر فقال : ( فلا أقسم بما تبصرون * ومالا تُبصرون ) وذلك يندرج في كبير الخلق وصغيره ولو استطلعنا بعض مافي السماء لطال بنا المقام ولكن لعلنا أن نورد ماذكره الله في القرآن والحديث في علم الفلك خاصة يقوّي الإيمان ويزيد من الخشية لله تعالى ويُعين على التدبر في الآيات ويُبصّر المخلوق بخالقه وربه الذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره ويعلّم بعد النظر والتأمل الإنسان التواضع وترك الكبر والتعالي على الناس ويعلم علم اليقين أن العزة لله جميعاً وأن القوّة لله والملك له والتدبير وأنه أعلى وأعظم وأكبر وأمتن وأجل من كل شيء وهو القوي المتين العلي الكبير ، ولو رجعنا لكتاب الله لوجدنا أن الله ذكر الخنّس من الكواكب وهي الكواكب التي تغيب بالنهار وسمّاها الجوار الكُنّس ومعنى الكُنّس مأخوذ من الكُناس والمَكْنِس وهو الموضع التي تأوي إليه بقر الوحش والظباء وقد ذكر ابن جرير في تفسيره أن من الكواكب ماتغيب أحياناً ومنها ماتخنس أحياناً - أي تستتر - ومنها ماتدخل مكْنِسَها أو كُناسها في النهار وتظهر في الليل وهذه الجوار الكنّس هي الكواكب السبعة وهي الشمس والقمر والمريخ والمشتري وزحل وعطارد والزهرة فبعضها يغيب ويُرى ويستتر ولو تأملت أيضاً في ماذكره الله في الشعرى حيث قال : " وأنه هو رب الشعرى " وتسمّى الشعرى اليمانية وسبب ذكره في القرآن أن أناساً من العرب كانوا يعبدونه ويعظّمونه وهو ألمع نجم في الليل وحجمه أكبر من الشمس بثلاث مرات على بعده الشاسع فهو يبعد عنّا حوالي تسع سنوات ضوئية والسنة الضوئية طويلة المسافة فهي لو حُسبت بالكيلو متر الطولي لكانت أكثر من تسعة آلاف ومائتي مليار كيلو متر هذه هي السنة الضوئية الواحدة فكيف بمسافة تسع سنوات ومسافة ألف سنة ضوئية ومسافة مليون سنة ضوئية ومسافة مليار سنة ضوئية كما ثبت ذلك علمياً فأبعد ماعلمه البشر وجود مجرة بعيدة كأشد بعدٍ في ذهنك وتصورك تبعد عنا مايُقدرّ بمسافة تبلغ بأكثر من ثلاثة عشر مليار سنة ضوئية .
عباد الله : هل علمنا هذا حقّ العلم وعرفناه حق المعرفة وتصورنا قول الله جلّ جلاله حين قال : ( والسماء بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون ) أتُرى الله الذي أحاط علماً بكل شيء وعلم الظاهر والمكنون لايقدر ولا يعلم بأهل الأرض ؟ ولا يعرف عملهم وأحوالهم سبحانه وتعالى ؟ فلقد كفر كفراً بالغاً من أنكر وجود الذات الإلهية أو وصفها بالجهل والنسيان ( وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البرّ والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ٍإلا في كتاب مبين ) بل رد ّ الله جل جلاله على من يفكر أو يحاول أن يخرج عن قبضته سبحانه مبيناً جهل المخذولين من أصحاب النوايا المشينة والمقاصد الممقوته في الفرار من الله أو الهرب من قبضته ووعيده فقال : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم مايُسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) ، وقالت الجنّ كما ورد في سورة الجن : ( وأنّا ظننا أن لن نُعجز الله في الأرض ولن نُعجزه هربا )
عباد الله : يجب علينا أن نتأمل في خلق السماء والأرض الذي هو أكبر من خلق الناس حيث يقول الحق تبارك وتعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكنّ أكثر الناس لايعلمون ) ويتبين خلقها وعظمتها في طولها وعرضها وسمكها وكثرة ساكنيها ففي حديث أبي ذرّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني مالا ترون أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط - أي سُمع لها صوت أطيط كأطيط الرحل حينما يُكثر العبد في الحمل على الإبل ويُكثر من المتاع فيظهر صوت بسبب كثرة المتاع عليه فكذلك السماء من كثرة ساكنيها ، قال : " أطّت السماء وحُق لها أن تئط مافيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضعٌ جبهته ساجداً لله تعالى ، والله لو تعلمون ماأعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتُم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفُرش ولخرجتم إلا الصُعدات تجأرون إلى الله تعالى " .
وذلك يدلل على أن الملائكة خلقٌ عظيم أمرهم الله بعمارة السماوات بعبادة الله كما أُمر البشر بعمارة الأرض ، وقد بين الله بالوحي لنبيه صورة من حجم هذه السماوات الطباق ففي حديث مجاهد الذي رُوي موقوفاً عنه رضي الله عنه : " ماالسماوات السبع في الكرسي إلا كحلْـقَة مُلقاة في أرض ٍفلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلْــقَة " وصحح الحديث جمع من أهل العلم كابن القيم وابن حجر والألباني وغيرهم وعند ابن جرير في تفسيره حديث : " ماالسماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة أُلقيت في تُرس ، قال وقال أبوذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ماالكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض " وهذا الحديث حسنٌ لغيره لما له من الشواهد .
عباد الله : فسّر العلماء الكرسي بأنه موضع قدم الرب سبحانه وتعالى وقد روى سعيد البن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه في الكرسي قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل ( وسع كرسيه السماوات والأرض . . ) قال : " كرسّه موضع قدميه والعرش لايقدر قدره إلا الله " ورواه ابن أبي شيبة موقوفاً بسنده عن ابن عباس به ، فعن كيع عن سفيان الثوري عن عمار الدُّهْني عن مسلم البَطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : " الكرسي موضع القدمين والعرش لايقدر قدره إلا الله " وقد فُسّر أي الكرسي بالعلم ومنهم من فسّره بالعرش وهي أقوال ضعيفة وروي عن أبي موسى الأشعري مثل ذلك الحديث إلا أنه قال : " وله أطيط كأطيط الرحل " ولكن تفسير الكيفية لوضع القدمين الله ذاته أعلم بها وهو أعلم بنفسه ولم يُطلع أحداً على ذاته العليّه ولا ينبغي لأحد أن يُفسر ذلك إلا ببرهان واضح بيّن جلي وإلا فقوله ردٌّ عليه ، ولقد تتابع السلف على الإمساك عن الخوض في ذات الله وصفاته عموماً ولهذا يقول الإمام أبي عُبيد القاسم بن سلاّم رحمنا الله وإياه : " هذه الأحاديث التي يقول فيها : ضحك ربنا من قنوط عباده وقُرْب غِيِرِه ، وأن جهنّم لاتمتلئ حتى يضع ربُّك قدمه فيها ، والكرسي موضع القدمين ، وهذه الأحاديث في الرواية هي عندنا حقّ ، حملها الثقات بعضهم عن بعض ، غير أنّا إذا سُئلنا عن تفسيرها لانفسرها ، وما أدركنا أحداً يُفسّرها " وهذا القول عنه رواه البيهقي في كتابه " الأسماء والصفات " والإمام ابن عبدالبرّ في كتابه " التمهيد " .
فاللهم اجعلنا ممن يقدُرك حق القدر ، ويديم لرضاك الحمد والشكر ، ويثني عليك الخير كلّه فأنت أهل الفضل والقدر والعظمة والفخر بيدك كل أمر فضع عنّا كل وزر ووفقنا لكل برّ وخير ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فالله أحق أن يُتقى ويُخشى والتقوى سبيل للتمسك بالعروة الوثقى
( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة ٍوخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا ًكثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
واعلموا أن خير الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : يقول الحق تبارك وتقدس : ( ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للنظرين * وحفظناها من كل شيطانٍ رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهابٌ مبين ) وفي ضوء هذه الآية سيكون الكلام حول علم الفلك وما أودع الله فيه من أسرارٍ وعجائبَ لعلنا أن نأخذ من ذلك ولو كمن يأخذ من البحر وشلاً ومن النهر غرفة وعسى أن يكون ذلك طريقاً لخشية الله تعالى وهيبته ومراقبته وتعظيمه وقد صدق من قال : " لاتنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت " .
في هذه السماء العظيمة التي هي كالمحيط والبحر العظيم الذي لايُدرى ماالذي في أعماقه ومن يجري في آفاقه ، سجل مفتوح لايحيط به إلا الفتّاح العليم ، وفي سعتها وضخامة خلق السماء عجباً فالله أخبر أنه وسع السماء سعة عظيمة فقال:(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) وفيها من النجوم والأفلاك والمجرات الشيء العظيم والكثير الذي لايتصوّره بشر ولا يُحيط به مخلوق ، والله أقسم بما نبصر ومالانبصر فقال : ( فلا أقسم بما تبصرون * ومالا تُبصرون ) وذلك يندرج في كبير الخلق وصغيره ولو استطلعنا بعض مافي السماء لطال بنا المقام ولكن لعلنا أن نورد ماذكره الله في القرآن والحديث في علم الفلك خاصة يقوّي الإيمان ويزيد من الخشية لله تعالى ويُعين على التدبر في الآيات ويُبصّر المخلوق بخالقه وربه الذي خلقه وصوّره وشق سمعه وبصره ويعلّم بعد النظر والتأمل الإنسان التواضع وترك الكبر والتعالي على الناس ويعلم علم اليقين أن العزة لله جميعاً وأن القوّة لله والملك له والتدبير وأنه أعلى وأعظم وأكبر وأمتن وأجل من كل شيء وهو القوي المتين العلي الكبير ، ولو رجعنا لكتاب الله لوجدنا أن الله ذكر الخنّس من الكواكب وهي الكواكب التي تغيب بالنهار وسمّاها الجوار الكُنّس ومعنى الكُنّس مأخوذ من الكُناس والمَكْنِس وهو الموضع التي تأوي إليه بقر الوحش والظباء وقد ذكر ابن جرير في تفسيره أن من الكواكب ماتغيب أحياناً ومنها ماتخنس أحياناً - أي تستتر - ومنها ماتدخل مكْنِسَها أو كُناسها في النهار وتظهر في الليل وهذه الجوار الكنّس هي الكواكب السبعة وهي الشمس والقمر والمريخ والمشتري وزحل وعطارد والزهرة فبعضها يغيب ويُرى ويستتر ولو تأملت أيضاً في ماذكره الله في الشعرى حيث قال : " وأنه هو رب الشعرى " وتسمّى الشعرى اليمانية وسبب ذكره في القرآن أن أناساً من العرب كانوا يعبدونه ويعظّمونه وهو ألمع نجم في الليل وحجمه أكبر من الشمس بثلاث مرات على بعده الشاسع فهو يبعد عنّا حوالي تسع سنوات ضوئية والسنة الضوئية طويلة المسافة فهي لو حُسبت بالكيلو متر الطولي لكانت أكثر من تسعة آلاف ومائتي مليار كيلو متر هذه هي السنة الضوئية الواحدة فكيف بمسافة تسع سنوات ومسافة ألف سنة ضوئية ومسافة مليون سنة ضوئية ومسافة مليار سنة ضوئية كما ثبت ذلك علمياً فأبعد ماعلمه البشر وجود مجرة بعيدة كأشد بعدٍ في ذهنك وتصورك تبعد عنا مايُقدرّ بمسافة تبلغ بأكثر من ثلاثة عشر مليار سنة ضوئية .
عباد الله : هل علمنا هذا حقّ العلم وعرفناه حق المعرفة وتصورنا قول الله جلّ جلاله حين قال : ( والسماء بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون ) أتُرى الله الذي أحاط علماً بكل شيء وعلم الظاهر والمكنون لايقدر ولا يعلم بأهل الأرض ؟ ولا يعرف عملهم وأحوالهم سبحانه وتعالى ؟ فلقد كفر كفراً بالغاً من أنكر وجود الذات الإلهية أو وصفها بالجهل والنسيان ( وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البرّ والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولاحبّة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ٍإلا في كتاب مبين ) بل رد ّ الله جل جلاله على من يفكر أو يحاول أن يخرج عن قبضته سبحانه مبيناً جهل المخذولين من أصحاب النوايا المشينة والمقاصد الممقوته في الفرار من الله أو الهرب من قبضته ووعيده فقال : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم مايُسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ) ، وقالت الجنّ كما ورد في سورة الجن : ( وأنّا ظننا أن لن نُعجز الله في الأرض ولن نُعجزه هربا )
عباد الله : يجب علينا أن نتأمل في خلق السماء والأرض الذي هو أكبر من خلق الناس حيث يقول الحق تبارك وتعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكنّ أكثر الناس لايعلمون ) ويتبين خلقها وعظمتها في طولها وعرضها وسمكها وكثرة ساكنيها ففي حديث أبي ذرّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني مالا ترون أطّت السماء وحُقّ لها أن تئط - أي سُمع لها صوت أطيط كأطيط الرحل حينما يُكثر العبد في الحمل على الإبل ويُكثر من المتاع فيظهر صوت بسبب كثرة المتاع عليه فكذلك السماء من كثرة ساكنيها ، قال : " أطّت السماء وحُق لها أن تئط مافيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضعٌ جبهته ساجداً لله تعالى ، والله لو تعلمون ماأعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتُم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفُرش ولخرجتم إلا الصُعدات تجأرون إلى الله تعالى " .
وذلك يدلل على أن الملائكة خلقٌ عظيم أمرهم الله بعمارة السماوات بعبادة الله كما أُمر البشر بعمارة الأرض ، وقد بين الله بالوحي لنبيه صورة من حجم هذه السماوات الطباق ففي حديث مجاهد الذي رُوي موقوفاً عنه رضي الله عنه : " ماالسماوات السبع في الكرسي إلا كحلْـقَة مُلقاة في أرض ٍفلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلْــقَة " وصحح الحديث جمع من أهل العلم كابن القيم وابن حجر والألباني وغيرهم وعند ابن جرير في تفسيره حديث : " ماالسماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة أُلقيت في تُرس ، قال وقال أبوذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ماالكرسي في العرش إلا كحلْقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض " وهذا الحديث حسنٌ لغيره لما له من الشواهد .
عباد الله : فسّر العلماء الكرسي بأنه موضع قدم الرب سبحانه وتعالى وقد روى سعيد البن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه في الكرسي قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل ( وسع كرسيه السماوات والأرض . . ) قال : " كرسّه موضع قدميه والعرش لايقدر قدره إلا الله " ورواه ابن أبي شيبة موقوفاً بسنده عن ابن عباس به ، فعن كيع عن سفيان الثوري عن عمار الدُّهْني عن مسلم البَطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : " الكرسي موضع القدمين والعرش لايقدر قدره إلا الله " وقد فُسّر أي الكرسي بالعلم ومنهم من فسّره بالعرش وهي أقوال ضعيفة وروي عن أبي موسى الأشعري مثل ذلك الحديث إلا أنه قال : " وله أطيط كأطيط الرحل " ولكن تفسير الكيفية لوضع القدمين الله ذاته أعلم بها وهو أعلم بنفسه ولم يُطلع أحداً على ذاته العليّه ولا ينبغي لأحد أن يُفسر ذلك إلا ببرهان واضح بيّن جلي وإلا فقوله ردٌّ عليه ، ولقد تتابع السلف على الإمساك عن الخوض في ذات الله وصفاته عموماً ولهذا يقول الإمام أبي عُبيد القاسم بن سلاّم رحمنا الله وإياه : " هذه الأحاديث التي يقول فيها : ضحك ربنا من قنوط عباده وقُرْب غِيِرِه ، وأن جهنّم لاتمتلئ حتى يضع ربُّك قدمه فيها ، والكرسي موضع القدمين ، وهذه الأحاديث في الرواية هي عندنا حقّ ، حملها الثقات بعضهم عن بعض ، غير أنّا إذا سُئلنا عن تفسيرها لانفسرها ، وما أدركنا أحداً يُفسّرها " وهذا القول عنه رواه البيهقي في كتابه " الأسماء والصفات " والإمام ابن عبدالبرّ في كتابه " التمهيد " .
فاللهم اجعلنا ممن يقدُرك حق القدر ، ويديم لرضاك الحمد والشكر ، ويثني عليك الخير كلّه فأنت أهل الفضل والقدر والعظمة والفخر بيدك كل أمر فضع عنّا كل وزر ووفقنا لكل برّ وخير ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============ الخطبة الثانية =============
الحمدلله العلي العظيم رب العرش الكريم والصلاة والسلام على المبعوث بالقول الحكيم والصراط المتسقيم وعلى آله وصحبه أولي الفضل العميم وعلينا معهم ماأقبل الليل والنهار ياجواد يارحيم أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ثم اعلموا أن الله الذي استوى على العرش خلق هذا العرشُ ووصفه بالعظمة التي في عدة مواضع من القرآن ومنها قوله سبحانه في سورة التوبة :
( فإن تولّوا فقل حسبي الله لاإله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) وقوله في سورة المؤمنون على سبيل الإستفهام : ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ) وقوله في سورة النمل : ( الله لاإله إلا هو رب العرش العظيم ) ووصفه بالمجد فقال : ( وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد ) ووصفه بالكرم فقال : ( فتعالى الله الملك الحق لاإله إلا هو رب العرش الكريم ) وفي الحديث الذي ترويه جويرية زوجة المصطفى عليه السلام أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج منها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : " مازلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ !! " قالت : نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " رواه الإمام مسلم ، والشاهد في ذلك التذي يحتاج إلى تأمل هو قوله : " وزنة عرشه " والزِنة " مأخوذة من الوزن وليس من الزينة كما يفهم البعض ، فالمقصود أني أسبح الله وأنزهه بعدد مايوزن به العرش الذي لايستطيع أحدٌ - كما ورد في السنة - أن يقدر قدره وحجمه وعظمته ، وهو كالقبة على العالم العلوي والسفلي وأصل العرش في اللغة العربية معناه سرير الملك وله ثمانية من الملائكة يوم القيامة وذُكر رواية عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أن عرشَ الرحمن يحمله في الدنيا أربعة ويوم الدين ثمانية كما قال الله تعالى : " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ٍثمانية * يومئذٍ تُعرضون لاتخفى منكم خافية " بسبب غضب الرحمن وهول الخلائق واشفاقهم من حوادث وبلايا يوم الدين ، ومن صفة هؤلاء الملائكة الذين يحملون هذا العرشَ العظيم ماورد في حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة حملة العرش أن مابين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرةُ سبعمائة عام " والحديث صحيحٌ رواه أبوداوود في سننه ، وهو أول المخلوقات خلقاً قبل القلم على الصحيح المُحقق بين أهل العلم لقوله عليه الصلاة والسلام : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال : وعرشه على الماء " ، ومن صفاته أنه لايتغير حين أحداث يوم القيامة فلا يُطوى أو يُزال بل هو باق ٍعلى حاله ، فلا يدخل في قول الله تعالى : ( وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يُشركون ) والله جل جلاله فوق العرش وهو أعظم وأجل منه وأكبر فهل تأملتم بقول المؤذن حين يقول : ( الله أكبر ) فهو حقٌ وحقيقة وأكبر من كل شيء حجماً وقدراً وعلّـواً وذكراً ورضاه هو المنى وغاية السرور والهناء أوما قرع أسماعكم قول الله حين في شأن المؤمنين وما أعدّ لهم ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبةً في جنّات عدن ٍورضوان من الله أكبر ذلك هوالفوز العظيم )
هذا وصلوا وسلموا على صاحب الحوض والشفاعة وشفيعنا يوم تقوم الساعة
نبينا محمدٍ سيد ولد آدم ولا فخر وأصحابه خير صحبٍ ومعشر ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي الأمي
هذا وصلوا وسلموا على صاحب الحوض والشفاعة وشفيعنا يوم تقوم الساعة
نبينا محمدٍ سيد ولد آدم ولا فخر وأصحابه خير صحبٍ ومعشر ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي الأمي