فاتقوا الله عباد الله فالتقوى من الله كرامة وللدين علامة وقد فاز من عباد الله من رُزق الإستقامة ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءاً بما كانوا يعملون ) .
عباد الله : درجات التقوى بين العباد متفاوتة والناس متفاوتون في الديانة واتباع الهدى وأعظم قدراً عند الله في الدنيا والآخرة هو المتقي وله العاقبة في الآخرة والله نصيره على من عاداه مهما طال الزمان وأولياء الله هم المتقون وهم أبعد مايكون عن الخوف والحُزن في الآخرة وإن أصابهم ماأصابهم في الدنيا ( ألا إن أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقوى
والله أعطى من اتبع هداه واتقاه من الفضل والكرامة مالايُعطيه لغيره من الخلق وأعظمهم كرامة وأرعلاهم عطيةً وهبة من كانت درجته في التقوى أعلى ، وبقدر العلو في التقى تكون العطايا والمرتقى ، وكثيراً مانسمع من خوارق العادات للأولياء مانستعظم ذلك وهم مع ذلك يُبتلون ويمتحن الله قلوبهم ، فإن أصابهم من الإعجاب والغرور حرمهم الله تلك الكرامة وإن كان الثناء منهم لله والحمد وزاد افتقارهم بين ربهم وانكسارهم زادت عطاياهم ورفع الله شأنهم ولعلنا أن نورد بعضُ القصص التي وردت منذ الرعيل الأول إلى قريبٍ من عصرنا هذا .
فمن تلك القصص - ياعباد الله - قصة صدّيق هذه الأمة حيث قل عنده الطعام لأضيافه فجعل الطعام يربو من أسفله في القدر وهذه كرامة لأبي بكر رضي الله عنه ، ومنها قصة عمر بن الخطاب حينما جلى الله له جيشاً غازياً في بلاد فارس وقد داهمهم العدو فقال وهو على منبر المصطفى عليه الصلاة والسلام " ياساريةُ الجبل ، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم " وسارية هذا هو سارية بن زنيم الكناني قائد الجيش ، فأمره عمر أن يصعد بالجيش للجبل لئلا يهلك ، ثم مالبثوا حتى انتصروا بعد ذلك ، ومنها قصة عبّاد بن بشر وأُسيد بن حضير حيث خرجا في ليلة ظلماء من عند النبي صلى الله عليه وسلم فأضاء الله لهما طرفا سوطهما حتى وصلَا إلى منزلهما ، وقد تكون الكرامة رفعة لمحتقر وذكراً بين الناس لايأبه الناس به حينها فيرفع الله ذكره ويُعلي مقامه في الدنيا غير مايدخره الله له في الآخرة كما هو الكثير من كرامات السلف الصالح فمنها :
قصة أبو الحسن الزاهد المسمى ( بالحمال ) فقد كان عاصر ابن طولون ملك مصر في وقت قوة الدولة العباسية وكان ذات يوم قد أنكر منكراً عليه وكان أبو الحسن عابداً زاهداً لايأخذ من الولاة ولا من الحكام درهماً ولا ديناراًُ ، فلما اشتد إنكاره على ابن طولوت ألقاه في سجنٍ به أسد ليفتك به ، فانطلق ذلك الأسد نحوه ثمّ أحجم عنه ولحسه ثم رجع ، فلما قيل له في ذلك ، بماذا كنت تفكر ؟
فقال كنت أفكر هل سؤر السباع طاهر أم نجس ؟ وكان من أرباب التصوف السني الذي لاينحرف معه العبد لبدعة ولا لخرافة ، لاالتصوف البدعي الشركي الذي ينحرف معه العبد ويرسخ للبدعة والخرافة ويُعظم الأولياء ويغلو فيهم ويدعو الناس للإستغاثة بهم ودعائهم من دون الله . . ثمّ إن الحمّال بعد ذلك ارتفع شأنه وانتشر خبره وعلا مقامه بين الناس بعد تلك القصة وكان يقول : " الحر عبدٌ ماطمع ، والعبد حرّ ماقنع "
ومن تلك الكرامات : مايكون دفع بلاء وشر باستجابة دعوه فقد دعا الحسن البصري على رجلٍ كان يؤذيه في مجلسه فوافته المنية حين تلك الحال وكذلك عُتبة بن غزوان القائد المظفّر الفذّ حينما كان في شمال أفريقيا وتحديداً في تونُس وأراد أن يتخذ أرض القيروان عاصمة له وكانت وادياً كثير الهوام والوحوش فنادى بأعلى صوته : " ياأهل الوادي اظعنوا عنّا فإنا نازلوه " فرأى من معه الحيات تخرج من تحت الصخور والحجارة وهي تحمل أولادها معها وكذلك السباع والكرامات كثيرة ومستمرّة إلى يوم القيامة والإيمان بها من أصول مذهب أهل السنة والجماعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمنا الله جميعاً وإياه : ( من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يحيي الله على أيديهم من خوارق العادات ، في أنواع العلوم والماكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات ، والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها ، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة ، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ) أكرمنا الله وإياكم بطاعته وصرف عنا حب معصيته أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود .
========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله الجواد الحميد والصلاة والسلام على المبعوث للخلق والعبيد نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام المديد أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الكثير من الناس يخلط بين المعجزة والكرامة ، وبعض الفرق المنتسبة للإسلام تكذب كذباً لايصدقه عاقل ولا مجنون ويدعي بعض الصوفية المبتدعة أن من الكرامة إلهامٌ لدني يُلهمه الشخص من دون علمٍ يقيني وهذا باطل ومن عمل بإلهامه في أمور الدين فقد عمل بأوهامه وضلّ ، وإن كاداعياً لذلك فقد زلّ وأضلّ ، وللتفريق بين المعجزة والكرامة :
- أن نعلم أن المعجزةَ دائماً تكون برهاناً في الواقع على صدق النبوة وأما الكرامة فتكون برهاناً على الصلاح والإتباع ، والمعجزة تكون بدون طلب في الغالب من الأنبياء وأما الكرامات فتكون بطلب وحاجة من الأولياء ، والمعجزة يكون مبناها على التحدي وأما الكرامة فغير مقرونة بالتحدي ، والمعجزة مبنية على الإظهار والإشتهار وأما الكرامة فمبنية على الكتم والستر ، والكرامة تعود بالنفع والفائدة على الغير وأما الكرامة فهي في الغالب تعود بالنفع على صاحبها والمعجزة لايقع مثلها مرة أخرى ولا تتكرر والمعجزة تكرر لعدة رجال صالحين وأولياء متقين فاللهم أكرمنا ولا تُهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولاتؤثر علينا
وصلوا وسلموا - ياعباد الله - على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق