الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنتهدي لولا أن هدانا الله ،وسبحان الذي خلق كل شيء وقدره وأولاه ومن كل خيرٍ أعطاه وسخر كل مخلوق وهداه والحمدلله على كل شيء أسداه ، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة وعلى من تبعه بإحسانٍ وعلينا معهم كثير الصلوات وأزكى التحيات مادامت الأرض والسماوات أما بعد :
فاتقوا الله تعالى ياعباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل مُحدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار - عباد الله :
إن في دين الله ثوابتٌ اتفقت عليها الشرائع وقامت عليها كل الأديان السماوية وما كان من ذلك يجب العناية به أكثر من غيره من الأوامر والزواجر لأن هذه الثوابت والأصول التي أتت بها الشرائع أسسٌ لايُتنازل عنها بأي حالٍ وتكرراها وفرضيتها من الله على أنبياءه المرسلين دليلٌ على أن العقوبة عليه ليست كالعقوبة على غيره مما شرعه الله واختص به أمة دون أمة ونبياً دون نبي ولعلنا في هذه الخطبة نبين شيئاً منها لعل البصائر بها تُعنى والقلوبَ بها تهتمّ .
عباد الله : إن أول ماأمر به الرسل جميعاً عبادة الله تعالى واجتباب سائر المعبودات الأخر والطواغيت والأصنان فالمعبود واحد لايتعدد لافي ألوهيته ولا في ربوبيته يقول سبحانه : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )
وحذر سائر الأمم من الشرك وأعلم العالم أن ذلك محبطٌ للعمل كله فيقول الحق تبارك وتعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) فهذه عقيدةٌ لنا وللأمم قبلنا إلى أن تقوم الساعة ولا مُشاحة في ذلك ومن الأصول التي اتفقت عليها الشرائع : بر الوالدين وتحريم العقوق لهما وقد ورد الأمر بذلك في كل الشرائع والفطرة تقتضي ذلك وتأمر به فالإنسان عموماً مدينٌ لوالديه بالكثير ومايُضله عن القيام بحقهما إلا الهوى والشهوة ولهذا تجد من بعض الكفار من يبرّ والديه براً تعجب منه فهل لنا في ذلك عبرة - معشر المسلمين - علماً أن هذا ينفعه في الدنيا ولا ينفعه في الآخرة فتُعجل له طيباته ويُدفع عنه شرور كثيرة في الدنيا بسبب ذلك البرّ إحساناً له على صنيعه وعنايته بوالديه .
ومن الأصول التي اتفقت عليها الشرائع ياعباد الله بقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج يقول الله جلا وعلا في الصلاة والزكاة عن بني إسرائيل :
(( ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم - أي نصرتموهم - وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) : ولهذا يقول الله تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فشريعة الصيام قديمة جداً وليست فريضة مُحدثة وكذلك فريضة الحج لبيت الله الحرام فهي شريعة قديمة من شرائع الله المحكمة فقد أورد مسلم بن الحجاج في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بوادي الأزرق ، فقال :أي واد ٍهذا ؟ فقالوا : هذا وادي الأزرق قال : كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية - أي صوتُ مرتقع - ثم أتى - أي النبي صلى الله عليه وسلم - على ثنية هرشى ، قال : كأني أنظر إلى يونس بن متّى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة ، عليه جُبّة من صوف ، خِطام ناقته خُلبة وهو يلبي " والخُلبة هي الليف ، بل قال من أهل العلم أن البيت حُجه الأنبياء قبل إبراهيم ولذا ورد عن ابن باز في بعض فتاويه في الحج قال : " أما الحج فقد جاءت أحاديث تدل على أنه حُجّ - أي البيت - قبل إبراهيم ، أنه حجه هود وحجّه صالح " عليهما السلام .
وذ ُكر عن بيت الله الحرام أنه في حقبة زمنية تلاشى بنيانه واندثر ثم أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيه من جديد ويرفع قواعده بعد اندثار كثير منه وفي هذا يقول الحق سبحانه : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منّا إنك أنت السميع العليم ) وكل ماسبق من أركان الإسلام ورد ذكره في التوراة والإنجيل والقرآن
عباد الله : إن من الثوابت التي ذكرت أيضاً الوصايا العشر التي ذكرت في القرآن وبعضها ورد بصيغة أخرى في التوراة والإنجيل فذلك عهدٌ قديم على الأمم من بني اسرائيل والروم الذين هم من ذرية العيص بن اسحاق بن ابراهيم عليه السلام وأتباعهم من الأمم وهي أي هذه الوصايا منارات لسبيل الله تنير درب السالكين وقد ذكرت كاملة متتابعة في سورة الأنعام قال جل جلاله : ( قل تعالوا أتلُ ماحرم ربكم عليكم أن لاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحنُ نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ذلكم وصّاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلُغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانُكلف نفساً إلا وسعها وإذا قُلتم فاعدلوا ولوا كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون ) .
هذه الوصايا وردت في مايُسمى بسفر الخروج وسفر التثنية من كتاب الله التوراة اللذي يسمونه ( العهد القديم ) التي طالته أيدي التحريف ممن اشترى بآيات اللهه ثمناً قليلاً كما هي عادة بعض اليهود وكذلك ورد فيما يسمونه بالعهد الجديد الذي هو الإنجيل وردت متفرقة بين أناجيلهم الأربعة : متّى ومرقس ولوقا ويوحناّ .
عباد الله : إن من اتفقت الشرائع على تحريمه شرب الخمر الذي يؤدي لارتكاب الفواحش واقتراف الجرائم فقد ورد تحريم في شرعنا بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تُفلحون ) وكفى بالقرآن دليلا وورد ذلك - للعلم - في التوراة والإنجيل ففي التوارة في سفر الأمثال : " لمن الويل ؟ لمن الشقاوة ؟ لمن المخاصمات ؟ لمن الكرب ؟ لمن الجروح بلا سبب ؟ لمن ازمهرار العينين للذين يدمنون الخمر " وفي دين النصارى انشقت بعض الكنائس فبعضها يُجيز شربها - نعوذ بالله - وبعضها يُحرمه وهذا من الأدلة التي تُشير أن الأنجيل طاله التحريف أكثر من التوراة بمراحل وأنها مضطربة فيما بينها فإذا حُرمت في التوراة وهو قبل الإنجيل بحوالي ألفي سنة فكيف لايرد تحريمه في الإنجيل خصوصا ًأن الخمر أعظم محرمٍ مشروب في جميع العصور والأزمنة ومثله أيضاً المخدرات فقد ورد في شأنها مثل الخمر لأنها تُذهب العقل .
عباد الله : ومما أمر به أيضاً غض البصر في كل شريعة لأن البصر بابٌ للقلب الذي يقود للزنا الحقيقي ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لامحالة ، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنّى وتشتهي والفرج يُصدق ذلك كله أو يُكذبه " رواه الشيخان .
وقد ورد في إنجيل متىّ : " إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيَها فقد زنى بها في قلبه " .
وهذا كلّه يدلل على أن الأديان السماوية أتت بما يوافق العقل والفطرة والدين السوي والحنيفية السالمة من عبادة الأوثان كافة وإذا خالفهما فاعلموا أنه بسبب : إما أن يكون النص قد طالته يد التحريف أو أنه حُذف من الكتب السماوية من بعض الخونة في الماضي ممن اشترى بعهد الله حظاً من الدُنيا أو أنه نُسخ في حينه لمصلحة يعلمها الله ، فاللهم ارزقنا فهم كتابك واتباع سنةِ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا فإن كان صواباً فمن الله وإن كان سوى ذلك غمن نفسي والشيطان وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه كان غفارا .
================ الخطبة الثانية ================
الحمدلله أحكم الحاكمين ورب الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين بالحق المبين فأنار الدرب للسالكين وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيداً أما بعـــــــــــد :
أيها المسلمون : إن مما ورد في الشرائع الماضية تطبيق الحدود من قِبل الوالي حين انتفاء الشبهة وحصول البينة وهذا يدل على أن قضية تطبيق الحدود كافة أمان للمجتمع المسلم في الماضي والعصر الحديث من انتشار الشرّ والجريمة في المجتمع وكما قال صلى الله عليه وسلم : " إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة " رواه النسائي في السنن الصغرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ولنا في ذلك قصة حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في موطأ الإمام مالك من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : " جاءت اليهود إلى رسول صلى الله عليه وسلم فذكروا أن منهم رجلاً وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسام : " ماتجدون في التوراة في شأن الرجم " فقالوا : نفضحهم ويُجلدون - وهم أهل كذب وافتراء - فقال عبدالله بن سلام : " كذبتم ، إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة " فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، قم قرأ ماقبلها وما بعدها ، فقال له عبدالله بن سلام : " ارفع يدك ، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يامحمد فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجما " فلا حاجة بعد ذلك لإيراد أي نص من كُتبهم للدلالة على ذلك .
وفي شأن النساء فإن من الثوابت التي أمرت بها المرأة في الإسلام أولاً وفي بقية الأديان السماوية الأخرى مما يدل على تجذّر تلك الشعيرة العظيمة التي نجد لها معارضين حتى من بني جلدتنا هي شعيرة ( الحجاب الشرعي ) والذي يجد حرباً من أعداء الإسلام بل ومن أعداء الديانات السماوية كافة ، فلا اليهود يطبقون مافي التوراة مما ورد موفقته في ديننا ولا النصارى أناجيلهم ولا بعض المسلمين من مرضى القلوب الذين يدعون لتحرير المرأة ويُنفذون مخططاً غربياً ليبرالياً مهينا ولا يخفاكم ماورد في كتاب الله في شأن الحجاب وأمر الله به ومما ورد في رسالة بولس المقدسة عند النصارى يقول فيها عن النساء : " وأما كل امرأة تُصلي أو تتنأ ورأسها غير مُغطّى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه ، إذ المرأة إن كانت لاتتغطّى فليُقص شعرها " وفي رسالة تيموثاوس أيضاً عندهم قال فيها :
" النساء يزيّن لباسهن بلباس الحشمة لابضفائر من ذهب أو لآلئ أو ثياب كثيرة الثمن " وانظروا إلى ماقال بعض حاخامات اليهود عن الحجاب فيقول (مناحم براير) في كتاب أسماه( المرأة اليهودية في الأدب الحاخامي ) : " إن القانون الحاخامي اليهودي يمنع إلقاء الأدعية أو الصلوات في وجود امرأة متزوجة حاسرة الرأس وملعونٌ الرجل الذي يترك شعر زوجته مكشوفا ً" . وكل ذلك يُتخذ حجة ضد كل شخص ممن ينتسب للأديان السماوية من اليهود والنصارى الذي ضلّوا ضلالاً بعيدا وكفروا وأصروا واستكبروا استكبارا ، فاللهم ارزقنا لزومَ صراطك المستقيم وثبتنا عليه واجعلنا من الدعاة إليه إلى يوم المعاد ياكريم ياجواد . . هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والملحمة والكرامة القائمة محمد بن عبدالله . . .
عباد الله : إن أول ماأمر به الرسل جميعاً عبادة الله تعالى واجتباب سائر المعبودات الأخر والطواغيت والأصنان فالمعبود واحد لايتعدد لافي ألوهيته ولا في ربوبيته يقول سبحانه : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )
وحذر سائر الأمم من الشرك وأعلم العالم أن ذلك محبطٌ للعمل كله فيقول الحق تبارك وتعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) فهذه عقيدةٌ لنا وللأمم قبلنا إلى أن تقوم الساعة ولا مُشاحة في ذلك ومن الأصول التي اتفقت عليها الشرائع : بر الوالدين وتحريم العقوق لهما وقد ورد الأمر بذلك في كل الشرائع والفطرة تقتضي ذلك وتأمر به فالإنسان عموماً مدينٌ لوالديه بالكثير ومايُضله عن القيام بحقهما إلا الهوى والشهوة ولهذا تجد من بعض الكفار من يبرّ والديه براً تعجب منه فهل لنا في ذلك عبرة - معشر المسلمين - علماً أن هذا ينفعه في الدنيا ولا ينفعه في الآخرة فتُعجل له طيباته ويُدفع عنه شرور كثيرة في الدنيا بسبب ذلك البرّ إحساناً له على صنيعه وعنايته بوالديه .
ومن الأصول التي اتفقت عليها الشرائع ياعباد الله بقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج يقول الله جلا وعلا في الصلاة والزكاة عن بني إسرائيل :
(( ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم - أي نصرتموهم - وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ) : ولهذا يقول الله تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) فشريعة الصيام قديمة جداً وليست فريضة مُحدثة وكذلك فريضة الحج لبيت الله الحرام فهي شريعة قديمة من شرائع الله المحكمة فقد أورد مسلم بن الحجاج في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بوادي الأزرق ، فقال :أي واد ٍهذا ؟ فقالوا : هذا وادي الأزرق قال : كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية - أي صوتُ مرتقع - ثم أتى - أي النبي صلى الله عليه وسلم - على ثنية هرشى ، قال : كأني أنظر إلى يونس بن متّى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة ، عليه جُبّة من صوف ، خِطام ناقته خُلبة وهو يلبي " والخُلبة هي الليف ، بل قال من أهل العلم أن البيت حُجه الأنبياء قبل إبراهيم ولذا ورد عن ابن باز في بعض فتاويه في الحج قال : " أما الحج فقد جاءت أحاديث تدل على أنه حُجّ - أي البيت - قبل إبراهيم ، أنه حجه هود وحجّه صالح " عليهما السلام .
وذ ُكر عن بيت الله الحرام أنه في حقبة زمنية تلاشى بنيانه واندثر ثم أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيه من جديد ويرفع قواعده بعد اندثار كثير منه وفي هذا يقول الحق سبحانه : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منّا إنك أنت السميع العليم ) وكل ماسبق من أركان الإسلام ورد ذكره في التوراة والإنجيل والقرآن
عباد الله : إن من الثوابت التي ذكرت أيضاً الوصايا العشر التي ذكرت في القرآن وبعضها ورد بصيغة أخرى في التوراة والإنجيل فذلك عهدٌ قديم على الأمم من بني اسرائيل والروم الذين هم من ذرية العيص بن اسحاق بن ابراهيم عليه السلام وأتباعهم من الأمم وهي أي هذه الوصايا منارات لسبيل الله تنير درب السالكين وقد ذكرت كاملة متتابعة في سورة الأنعام قال جل جلاله : ( قل تعالوا أتلُ ماحرم ربكم عليكم أن لاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحنُ نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ماظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ذلكم وصّاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلُغ أشدّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانُكلف نفساً إلا وسعها وإذا قُلتم فاعدلوا ولوا كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون * وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون ) .
هذه الوصايا وردت في مايُسمى بسفر الخروج وسفر التثنية من كتاب الله التوراة اللذي يسمونه ( العهد القديم ) التي طالته أيدي التحريف ممن اشترى بآيات اللهه ثمناً قليلاً كما هي عادة بعض اليهود وكذلك ورد فيما يسمونه بالعهد الجديد الذي هو الإنجيل وردت متفرقة بين أناجيلهم الأربعة : متّى ومرقس ولوقا ويوحناّ .
عباد الله : إن من اتفقت الشرائع على تحريمه شرب الخمر الذي يؤدي لارتكاب الفواحش واقتراف الجرائم فقد ورد تحريم في شرعنا بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تُفلحون ) وكفى بالقرآن دليلا وورد ذلك - للعلم - في التوراة والإنجيل ففي التوارة في سفر الأمثال : " لمن الويل ؟ لمن الشقاوة ؟ لمن المخاصمات ؟ لمن الكرب ؟ لمن الجروح بلا سبب ؟ لمن ازمهرار العينين للذين يدمنون الخمر " وفي دين النصارى انشقت بعض الكنائس فبعضها يُجيز شربها - نعوذ بالله - وبعضها يُحرمه وهذا من الأدلة التي تُشير أن الأنجيل طاله التحريف أكثر من التوراة بمراحل وأنها مضطربة فيما بينها فإذا حُرمت في التوراة وهو قبل الإنجيل بحوالي ألفي سنة فكيف لايرد تحريمه في الإنجيل خصوصا ًأن الخمر أعظم محرمٍ مشروب في جميع العصور والأزمنة ومثله أيضاً المخدرات فقد ورد في شأنها مثل الخمر لأنها تُذهب العقل .
عباد الله : ومما أمر به أيضاً غض البصر في كل شريعة لأن البصر بابٌ للقلب الذي يقود للزنا الحقيقي ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لامحالة ، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنّى وتشتهي والفرج يُصدق ذلك كله أو يُكذبه " رواه الشيخان .
وقد ورد في إنجيل متىّ : " إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيَها فقد زنى بها في قلبه " .
وهذا كلّه يدلل على أن الأديان السماوية أتت بما يوافق العقل والفطرة والدين السوي والحنيفية السالمة من عبادة الأوثان كافة وإذا خالفهما فاعلموا أنه بسبب : إما أن يكون النص قد طالته يد التحريف أو أنه حُذف من الكتب السماوية من بعض الخونة في الماضي ممن اشترى بعهد الله حظاً من الدُنيا أو أنه نُسخ في حينه لمصلحة يعلمها الله ، فاللهم ارزقنا فهم كتابك واتباع سنةِ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم أقول قولي هذا فإن كان صواباً فمن الله وإن كان سوى ذلك غمن نفسي والشيطان وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه كان غفارا .
================ الخطبة الثانية ================
الحمدلله أحكم الحاكمين ورب الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين بالحق المبين فأنار الدرب للسالكين وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليما مزيداً أما بعـــــــــــد :
أيها المسلمون : إن مما ورد في الشرائع الماضية تطبيق الحدود من قِبل الوالي حين انتفاء الشبهة وحصول البينة وهذا يدل على أن قضية تطبيق الحدود كافة أمان للمجتمع المسلم في الماضي والعصر الحديث من انتشار الشرّ والجريمة في المجتمع وكما قال صلى الله عليه وسلم : " إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة " رواه النسائي في السنن الصغرى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ولنا في ذلك قصة حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في موطأ الإمام مالك من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : " جاءت اليهود إلى رسول صلى الله عليه وسلم فذكروا أن منهم رجلاً وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسام : " ماتجدون في التوراة في شأن الرجم " فقالوا : نفضحهم ويُجلدون - وهم أهل كذب وافتراء - فقال عبدالله بن سلام : " كذبتم ، إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة " فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، قم قرأ ماقبلها وما بعدها ، فقال له عبدالله بن سلام : " ارفع يدك ، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يامحمد فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجما " فلا حاجة بعد ذلك لإيراد أي نص من كُتبهم للدلالة على ذلك .
وفي شأن النساء فإن من الثوابت التي أمرت بها المرأة في الإسلام أولاً وفي بقية الأديان السماوية الأخرى مما يدل على تجذّر تلك الشعيرة العظيمة التي نجد لها معارضين حتى من بني جلدتنا هي شعيرة ( الحجاب الشرعي ) والذي يجد حرباً من أعداء الإسلام بل ومن أعداء الديانات السماوية كافة ، فلا اليهود يطبقون مافي التوراة مما ورد موفقته في ديننا ولا النصارى أناجيلهم ولا بعض المسلمين من مرضى القلوب الذين يدعون لتحرير المرأة ويُنفذون مخططاً غربياً ليبرالياً مهينا ولا يخفاكم ماورد في كتاب الله في شأن الحجاب وأمر الله به ومما ورد في رسالة بولس المقدسة عند النصارى يقول فيها عن النساء : " وأما كل امرأة تُصلي أو تتنأ ورأسها غير مُغطّى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه ، إذ المرأة إن كانت لاتتغطّى فليُقص شعرها " وفي رسالة تيموثاوس أيضاً عندهم قال فيها :
" النساء يزيّن لباسهن بلباس الحشمة لابضفائر من ذهب أو لآلئ أو ثياب كثيرة الثمن " وانظروا إلى ماقال بعض حاخامات اليهود عن الحجاب فيقول (مناحم براير) في كتاب أسماه( المرأة اليهودية في الأدب الحاخامي ) : " إن القانون الحاخامي اليهودي يمنع إلقاء الأدعية أو الصلوات في وجود امرأة متزوجة حاسرة الرأس وملعونٌ الرجل الذي يترك شعر زوجته مكشوفا ً" . وكل ذلك يُتخذ حجة ضد كل شخص ممن ينتسب للأديان السماوية من اليهود والنصارى الذي ضلّوا ضلالاً بعيدا وكفروا وأصروا واستكبروا استكبارا ، فاللهم ارزقنا لزومَ صراطك المستقيم وثبتنا عليه واجعلنا من الدعاة إليه إلى يوم المعاد ياكريم ياجواد . . هذا وصلوا وسلموا على نبي الرحمة والملحمة والكرامة القائمة محمد بن عبدالله . . .