إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بين يدي الساعة فأقام الله به الملة وشفى به العلّة ورفع به عن العبيد المسكنة والذلّة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأبرار المصطفين الأخيار ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المعاد والقرار أما بعد :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - عباد الله - فهي وصية الله للسابقين واللاحقين من الخلق أجمعين " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميدا " .
- عباد الله - أمرٌ افتقدناه في بيوتنا ومسكَنِنَا ومأكَلِنا وأولادنا وأهلينا ، أمرٌ من ظفر به ووهبه الله له وُفّق أيما توفيق ، وكشف الله عنه كل بلاءٍ وضيق ، وحفظ الله له عُمره من التُرّهات وضياع الأوقات ، وقضى الوقت بما ينفع ، وكان تحصيله لكل شيء يطلبه مضموناً - بإذن ربه - وسهّل الله له كل عائق في دربه .
وتكاثر له الخير في كل أطوار حياته كلّها ، وسعد به الناس وأسعد الناس حضوره وكتب الله له القبول بين عباده وجعل له ودّا وزاده رُشداً ومدّ له من الخير مدّا ، وذلك الأمر يطلب منك بذل السبب لتحقيقه ، ولعل التوفيقَ يكون رفيقَك فيما ترغب وتطلب وله تنصب ، ذلك الأمر هو : " البركة " وهو مصطلحٌ شرعي يُطلق على مقصودٍ من مكان أو شخص أو غير ذلك ويكون فيه أو ذاته تزايد وتكاثر للخير اللامحدود فمن الأمكنة على سبيل المثال : " البيت الحرام بمكة " يقول تعالى : " إن أول بيتٍ وُضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين " ومن الأشخاص أبو الأنبياء ابراهيم عليه السلام قال سبحانه : " وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسنٌ وظالم لنفسه مبين " .
وكان نبينا محمدّ صلى الله عليه وسلم مباركاً منذ ولادته إلى فراقه الدنيا وكان بركة على أمته في كل شيء ولو استقصينا ذلك لطال بنا المقام ولكن يكفينا في ذلك قول الشاعر حينا قال :
وأبيضَ يُستسقى الغمام بوجهه * ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل
ومعنى ثِمال اليتامى : أي ملجأهم وملاذهم بعد الله ، وأن الله يعصم ببركته الأرامل من الفقر والضياع بعد موت أزواجهن .
أيها المسلمون : ماالذي أفقدنا البركة في أعمارنا وسعينا وأولادنا في هذه الحياة ؟
ما الذي جعلنا في روتينٍ يومي لسنا نلمس البركة فينا ولا في كل مانتعايش معه حولنا ، إن من أعظم الأسباب التي تمحو البركة من حياتنا وأهلينا هو عدم تحصيل التقوى والإيمان في شؤون حياتنا كلّها وهذا سبب ركيز يستهين به الناس وأوقع أكثرهم في نزع البركة من حياتهم ، وفي ذلك يقول الحق تبارك : ( ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) .
ومن الأسباب : الجهل وقلة العلم فالعلم على العبد في معاشه ومعاده ولذا كان حفظ القرآن والعمل به بركة على العبد عموماًُ في دينه ودنياه :
( كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبرّوا آيته وليتذكر أولوا الألباب ) وقال صلى الله عليه وسلم في سورة البقرة : " إن أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة - وهم السحرة " والقرآن كلّه بركة لمن أخذ به وعلى البيت الذي يُقرأُ فيه بالجملة .
ومن الأسباب - ياعباد الله - أيضاً اقتراف الذنوب وعدم المبالاة بها وهي سبب للحرمان من الرزق والخير قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه ) رواه ابن ماجه .
ومن الأسباب أيضاً : عدم نفع الناس وذلك أن الناس يملكون الدعاء لمن ينفعهم ويُحسن إليهم وهذا أمرٌ وسببٌ من أسباب البركة وذلك أمرٌ يجده من يسلك هذا المسلك من المسلمين فما أعظم اجر نفع الناس عند الله ولكن أكثر الناس لايعلمون يقول صلى الله عليه وسلم : " ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أعتكف في المسجد شهرا " - أي مسجد المدينة - وفي رواية " في مسجدي هذا شهرا "
ومن الأسباب التي تجلب البركة : كثرة الدعاء فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء : " إذا نُكثر " قال : " الله أكثر " أي يُعطي أكثر ويهب الكثير .
ومن الأسباب : ترك مصاحبة الأخيار فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بركة على أصحابة وكذلك الصالحون من أمة محمد الأمثلُ فالأمثل ولذلك ورد في الحديث في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيُقال فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : نعم فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس فيغزو فئامٌ من الناس فيقال : فيكم من صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون نعم فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيُقال فيكم من صاحب من صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم " وكذلك يفعل الرجل الصالح فهو بركة على قومه وضدّ ذلك رجل السوء فهو شؤم على قومه ولذلك ورد في السنة أن موسى عليه السلام استسقى ربه بسبب قحط أصابهم فمنعهم الله الغيث بسبب رجلٍ يبارز الله بالمعاصي أربعين سنة فلما تاب واستغفر قبل الله توبته وكان بركة على قومه ، وليس ضرر القرين على قرينه بنزع البركة فقط ، بل بورود الجحيم وقد ورد في كتاب الله ماصنع القرين بقرينه حتى تمنى أن يكون مابينه وبينه بُعد المشرقين قال جل جلاله : ( حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ) ولكن مانفعه ذلك .
ومن الأسباب - ياعباد الله : الرضا بما قسم الله في شأن الأرزاق والقناعة في ذلك ففي الحديث : " إن الله يبتلي عبده بما أعطاه ، فمن رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسّعه ، ومن لم يرضَ لم يبارك له فيه " .
ومن أعظم الأسباب - معشر الإخوة ترك العدل وغيابه في عالمنا وحياتنا فالعدل بركة على المجتمع كله رئيساً كان أو مرؤوساً راعياً كان أو رعيّة وهو القسط المأمور به في كتاب الله من كل فرد في أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال الحق تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين . . ) ولذا عندما ينزل عيسى عليه السلام ويخرج المهدي يملأون الدنيا قسطاً وعدلاً والنتيجة أن تأكل العِصابة - وهم مجموع الرجال - من الرمانة الواحدة ، واللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، وفي مسند الإمام أحمد أنه وُجد في بعض خزائن بني أُميّة صُرّة فيه حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها " هذا كان ينبت في زمن العدل " .
وهذا كلّه من بركة العدل والقيام بالقسط فهل استشعرنا ذلك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
================ الخطبة الثانية =================
الحمدلله حمد الشاكرين وإله المنيبين وخالق الخلق أجمعين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه البررة الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أسباب حصول البركة أخذ المال بسخاوة نفس ففي حديث حكيم بن حزام المخرّج في الصحيحين أنه قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : " ياحكيم إن هذا المال خضِرَةٌ حُلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس ٍبورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع " وكذلك أخذه من طريق كسب مباح ولذا ورد في الحديث في صحيح مسلم : " فمن يأخذ مالاً بحقّه يُبارك له فيه ، ومن يأخذ مالاً بغير حقه لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع " والصدق في المعاملة أيضاً من أسباب البركة قال صلى الله عليه وسلم :
" البيّعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهم في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما .
ومن أعظم الأسباب لحصول البركة الصدقة ، فالصدقة خيرٌ للعبد من إمساك المال وجمعه " قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين " .
ومن أسبابها أيضاً : البكور في قضاء الحاجات فقد دعا الني صلى الله عليه وسلم لأمته في وقت البكور حيث قال : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " .
قال العجلوني رحمه الله : " العقل بكرة النهار يكون أكمل منه وأحسن تصرفاً منه في آخره ، ومن ثم ينبغي التبكير في طلب العلم وغيره من المَهمّات " .
ومنها في شأن الخُلطة والمعاشرة أيضاً : اجتماع الناس على الطعام ، فقد شكا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه أنهم يأكلون ولا يشبعون ، فقال :
" فلعلكم تفترقون ، قالوا : نعم ، قال : " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يُبارك لكم فيه " رواه أبو داوود وهو حديث صحيح .
ومن أسبابها : ترك لعق الأصابع أيضاً ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لايدري في أيتهن البركة " رواه الترمذي وروى مثله مسلم في صحيحه .
ومنها أيضاً : الإستخارة في الأمور فقد ورد في داء الإستخارة بعد أن يُصلي ركعتين أنه يقول : " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علاّم الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويُسمّي حاجته - خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدُره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه " وهذا الشاهد .
فاللهم بارك لنا في عيشنا وولدنا وأهلينا وذرارينا وأوقاتنا وأعمالنا ياذا الجلال والإكرام . .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - عباد الله - فهي وصية الله للسابقين واللاحقين من الخلق أجمعين " ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميدا " .
- عباد الله - أمرٌ افتقدناه في بيوتنا ومسكَنِنَا ومأكَلِنا وأولادنا وأهلينا ، أمرٌ من ظفر به ووهبه الله له وُفّق أيما توفيق ، وكشف الله عنه كل بلاءٍ وضيق ، وحفظ الله له عُمره من التُرّهات وضياع الأوقات ، وقضى الوقت بما ينفع ، وكان تحصيله لكل شيء يطلبه مضموناً - بإذن ربه - وسهّل الله له كل عائق في دربه .
وتكاثر له الخير في كل أطوار حياته كلّها ، وسعد به الناس وأسعد الناس حضوره وكتب الله له القبول بين عباده وجعل له ودّا وزاده رُشداً ومدّ له من الخير مدّا ، وذلك الأمر يطلب منك بذل السبب لتحقيقه ، ولعل التوفيقَ يكون رفيقَك فيما ترغب وتطلب وله تنصب ، ذلك الأمر هو : " البركة " وهو مصطلحٌ شرعي يُطلق على مقصودٍ من مكان أو شخص أو غير ذلك ويكون فيه أو ذاته تزايد وتكاثر للخير اللامحدود فمن الأمكنة على سبيل المثال : " البيت الحرام بمكة " يقول تعالى : " إن أول بيتٍ وُضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين " ومن الأشخاص أبو الأنبياء ابراهيم عليه السلام قال سبحانه : " وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسنٌ وظالم لنفسه مبين " .
وكان نبينا محمدّ صلى الله عليه وسلم مباركاً منذ ولادته إلى فراقه الدنيا وكان بركة على أمته في كل شيء ولو استقصينا ذلك لطال بنا المقام ولكن يكفينا في ذلك قول الشاعر حينا قال :
وأبيضَ يُستسقى الغمام بوجهه * ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل
ومعنى ثِمال اليتامى : أي ملجأهم وملاذهم بعد الله ، وأن الله يعصم ببركته الأرامل من الفقر والضياع بعد موت أزواجهن .
أيها المسلمون : ماالذي أفقدنا البركة في أعمارنا وسعينا وأولادنا في هذه الحياة ؟
ما الذي جعلنا في روتينٍ يومي لسنا نلمس البركة فينا ولا في كل مانتعايش معه حولنا ، إن من أعظم الأسباب التي تمحو البركة من حياتنا وأهلينا هو عدم تحصيل التقوى والإيمان في شؤون حياتنا كلّها وهذا سبب ركيز يستهين به الناس وأوقع أكثرهم في نزع البركة من حياتهم ، وفي ذلك يقول الحق تبارك : ( ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) .
ومن الأسباب : الجهل وقلة العلم فالعلم على العبد في معاشه ومعاده ولذا كان حفظ القرآن والعمل به بركة على العبد عموماًُ في دينه ودنياه :
( كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبرّوا آيته وليتذكر أولوا الألباب ) وقال صلى الله عليه وسلم في سورة البقرة : " إن أخذها بركة وتركها حسرة ولاتستطيعها البطلة - وهم السحرة " والقرآن كلّه بركة لمن أخذ به وعلى البيت الذي يُقرأُ فيه بالجملة .
ومن الأسباب - ياعباد الله - أيضاً اقتراف الذنوب وعدم المبالاة بها وهي سبب للحرمان من الرزق والخير قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه ) رواه ابن ماجه .
ومن الأسباب أيضاً : عدم نفع الناس وذلك أن الناس يملكون الدعاء لمن ينفعهم ويُحسن إليهم وهذا أمرٌ وسببٌ من أسباب البركة وذلك أمرٌ يجده من يسلك هذا المسلك من المسلمين فما أعظم اجر نفع الناس عند الله ولكن أكثر الناس لايعلمون يقول صلى الله عليه وسلم : " ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أعتكف في المسجد شهرا " - أي مسجد المدينة - وفي رواية " في مسجدي هذا شهرا "
ومن الأسباب التي تجلب البركة : كثرة الدعاء فقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء : " إذا نُكثر " قال : " الله أكثر " أي يُعطي أكثر ويهب الكثير .
ومن الأسباب : ترك مصاحبة الأخيار فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بركة على أصحابة وكذلك الصالحون من أمة محمد الأمثلُ فالأمثل ولذلك ورد في الحديث في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيُقال فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : نعم فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس فيغزو فئامٌ من الناس فيقال : فيكم من صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون نعم فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيُقال فيكم من صاحب من صاحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم " وكذلك يفعل الرجل الصالح فهو بركة على قومه وضدّ ذلك رجل السوء فهو شؤم على قومه ولذلك ورد في السنة أن موسى عليه السلام استسقى ربه بسبب قحط أصابهم فمنعهم الله الغيث بسبب رجلٍ يبارز الله بالمعاصي أربعين سنة فلما تاب واستغفر قبل الله توبته وكان بركة على قومه ، وليس ضرر القرين على قرينه بنزع البركة فقط ، بل بورود الجحيم وقد ورد في كتاب الله ماصنع القرين بقرينه حتى تمنى أن يكون مابينه وبينه بُعد المشرقين قال جل جلاله : ( حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بُعد المشرقين فبئس القرين ) ولكن مانفعه ذلك .
ومن الأسباب - ياعباد الله : الرضا بما قسم الله في شأن الأرزاق والقناعة في ذلك ففي الحديث : " إن الله يبتلي عبده بما أعطاه ، فمن رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسّعه ، ومن لم يرضَ لم يبارك له فيه " .
ومن أعظم الأسباب - معشر الإخوة ترك العدل وغيابه في عالمنا وحياتنا فالعدل بركة على المجتمع كله رئيساً كان أو مرؤوساً راعياً كان أو رعيّة وهو القسط المأمور به في كتاب الله من كل فرد في أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال الحق تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين . . ) ولذا عندما ينزل عيسى عليه السلام ويخرج المهدي يملأون الدنيا قسطاً وعدلاً والنتيجة أن تأكل العِصابة - وهم مجموع الرجال - من الرمانة الواحدة ، واللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، وفي مسند الإمام أحمد أنه وُجد في بعض خزائن بني أُميّة صُرّة فيه حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها " هذا كان ينبت في زمن العدل " .
وهذا كلّه من بركة العدل والقيام بالقسط فهل استشعرنا ذلك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
================ الخطبة الثانية =================
الحمدلله حمد الشاكرين وإله المنيبين وخالق الخلق أجمعين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه البررة الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أسباب حصول البركة أخذ المال بسخاوة نفس ففي حديث حكيم بن حزام المخرّج في الصحيحين أنه قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : " ياحكيم إن هذا المال خضِرَةٌ حُلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس ٍبورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارك له فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع " وكذلك أخذه من طريق كسب مباح ولذا ورد في الحديث في صحيح مسلم : " فمن يأخذ مالاً بحقّه يُبارك له فيه ، ومن يأخذ مالاً بغير حقه لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع " والصدق في المعاملة أيضاً من أسباب البركة قال صلى الله عليه وسلم :
" البيّعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهم في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما .
ومن أعظم الأسباب لحصول البركة الصدقة ، فالصدقة خيرٌ للعبد من إمساك المال وجمعه " قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين " .
ومن أسبابها أيضاً : البكور في قضاء الحاجات فقد دعا الني صلى الله عليه وسلم لأمته في وقت البكور حيث قال : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " .
قال العجلوني رحمه الله : " العقل بكرة النهار يكون أكمل منه وأحسن تصرفاً منه في آخره ، ومن ثم ينبغي التبكير في طلب العلم وغيره من المَهمّات " .
ومنها في شأن الخُلطة والمعاشرة أيضاً : اجتماع الناس على الطعام ، فقد شكا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه أنهم يأكلون ولا يشبعون ، فقال :
" فلعلكم تفترقون ، قالوا : نعم ، قال : " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يُبارك لكم فيه " رواه أبو داوود وهو حديث صحيح .
ومن أسبابها : ترك لعق الأصابع أيضاً ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " إذا أكل أحدكم فليلعق أصابعه فإنه لايدري في أيتهن البركة " رواه الترمذي وروى مثله مسلم في صحيحه .
ومنها أيضاً : الإستخارة في الأمور فقد ورد في داء الإستخارة بعد أن يُصلي ركعتين أنه يقول : " اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علاّم الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويُسمّي حاجته - خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال عاجل أمري وآجله - فاقدُره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه " وهذا الشاهد .
فاللهم بارك لنا في عيشنا وولدنا وأهلينا وذرارينا وأوقاتنا وأعمالنا ياذا الجلال والإكرام . .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .