الحمدلله الذي أجرى الأزمنة والأعوام وداول بين عباده الأيام وخص بعضها بالفضائل ورفع الآثام وحثّ على العمل فيها وتحرّيها أهل الإسلام ، والصلاة والسلام على المبعوث للأنام نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ أعطر تحيةٍ وأزكى سلام أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله وابذلوا كل سبب ووسيلة تقربك من خالقكم الإله ( ومن يتق الله يُكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) واعلموا أن خير الجديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور مُحدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من منّة الله على عباده أن يُجري عليهم الأزمنة الفاضلة والأيام الفضيلة ليزادوا من الله قُرباً وليكفر عنهم إثما ً ويزداوا به خشية وعلماً فيجري عليهم النفحات ليرتقوا بتلك الأوقات في عالِ الدرجات والمنازل ، ومن عرف تلك الأيام وفضلها بادر بالعمل وترك التسويف والإغترار بالأمل ومن تلك الأزمنة مايحلّ علينا - بمشيئة الله - بعد أيام معدودة من عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة على الإطلاق بلا شك ولا ارتياب وقد ورد في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " أي : العشر قالوا يارسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " وقد أقسم الله بلياليها - من باب ذكر الشيء ببعضه أو بالإشارة إليه تلميحاً لاتصريحاً - فإذا أقسم الله بالمفضول دون الفاضل وإن كان عظيماً عُرف أن الفاضل شرفه أعلى فقال سبحانه : " والفجر * وليالٍ عشرٍ * والشًّفع والوَتر "
ولمّا كان مقدمة اليوم ليلته التي تحلّ قبله ، قدّمها في القسم وقد ورد أيضاً في بعض أيام العشر أن الشَّفع هو يوم النحر والوَتر هو يوم عرفة وورد ذلك في أكثر من رواية يرويها أصحاب ابن عبّاس عنهُ رضي الله عنهم وعنّا أجمعين وورد أيضاً في ذلك حديث صحح إسناده بعض أهل العلم وورد أن الشفع والوتر هو الشفع والوتر الذي يكون في الصلاة أيضاً
عباد الله : إن العبرة على كلّ حال بالثمرة والأثر على العبد في تلك النصوص الواردة ، هل هو ممن ينتفع ويبادر إلى العمل والله يحثّه ويحث كل مؤمن ويقول ( وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين ) أو يكون ممن يغفل سائر عمُره وتضيع عليه أوقاته عاماً وشهراً ويوماً بعد يوم وهو لايُقدم لنفسه ولا يحرص على ساعات يومه فيتقلّب بين السهر بالليل والنوم بالنهار حتى إذا داهمه الموت وجد حاله مفلساً من الكثير من الصالحات فلذا قال صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال خمساً - أي تعتريكم وتصرفكم خمساً - هل تنتظرون إلا فقراً منسيا أوغنىً مطغياً أو مرضاً مُفسدا أو هرماً مفنّدا أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشرّ غائبٍ يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمرّ " رواه الترمذي وحسّنه ، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام : " بادروا بالأعمال خصالاً ستاً - أي صوارف ستة - إمرة السُفهاء وكثرة الشُرط وقطيعة الرحم وبيع الحكم واستخفافاً بالدم ونشواً - أي شباب ناشئ - يتخذون القرآن مزامير يُقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم مايُقدمونه إلا ليغني لهم " أخرجه الإمام أحمد وابن أبي الدنيا وصححه الحافظ ابن حجر والألباني .
عبادالله : كثرت الملهيات في هذا العصر وصارت العبادة على البعض ثقيلة لأنهم رغبوا في اللهو واللعب والإنشغال بما لاينفع أكثر من الحد الموصى به ، وهذا يزرع الغفلة في القلوب ويُلهي عن المسؤوليات الواجبة فضلاً عن عمل الصالحات المسنونة ، وماأفلح كثيرٌ من الناس بجهاد نفسه فكيف يُفلح وينجح بجهاد ولده وأهله وإصلاح قرابته ومجتمعه فالآن على كل واحدٍ منّا أن يُجاهد نفسه ضد الملهيات التي تسببت في التخلي عن المسؤوليات ومن لم يستثمر الأوقات عموماً والفاضلة منها خصوصاً فمتى يسير بخطاه إلى رضا مولاه ويحقق تقواه . . فلابد من المحاسبة الجادة قبل ذهاب الأعمار وحلول الآجال فالوقت يمضي والزمن ينفضّ ولا تنظر لكثرة اللاهينِ والغافلين ، ولا أتباع الشهوات والمثبطين
فبادر أخي للخير قبل فواته * ودع غافلاً مستغرقاً في سُباته
فاللهم ألهمنا رشدنا لتدارك أعمارنا وبارك لنا في أوقاننا وذرياتنا وأصلح سائر أحوالنا ياذا الجلال والإكرام أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
======== الخطبة الثانية ========
الحمدلله ولي المتقين الذي هدى النجدين وأبان الخير للثقلين والصلاة والسلام على نبي الهدى واليقين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أما بعد :
عبادالله : إن لنا في سيرة السلف الصالح بعد النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وعبرة فكيف كان حالهم مع هذه العشر الفاضلة وماذا قالوا عنها :
كان السلف الصالح يُعظمون هذه العشر من ذي الحجة أشد التعظيم وكان بعضهم يعتكف فيها في بيوت الله فلا يخرج إلا لحاجة ملحة ولقد كان ابن عمر وأبوهريرة يخرجان إلى السوق فيكبران فيكبر الناس بتكبيرهما لايخرجان إلا من أجل ذلك وقد كان سعيد بن جبير يجتهد فيها إجتهاداً لايكاد يستطيعه أحد ولا يقوى عليه ، وكان الحافظ ابن عساكر يعتكف فيها في المسجد فلا يخرج أو قلّ أن يخرج وروى البيهقي في شُعب الإيمان وابن عساكر في تاريخه عن أنسٍ رضي الله عنه قال : " كان يُقال في أيام العشر : بكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم - يعني في الفضل .
وأخرج البيهقي أيضاً عن الأوزاعي قال : بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله يُصام نهارها ويُحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة ، وكانوا يصومونها ويقومون ليلها وكان سعيد بن جبير يقول : " لاتُطفئوا سُرجكم ليالي العشر " فهل بعد ذلك تفرّط أو تقصّر في اغتنامها فياخيبة المفرطين وياخسارة المقصرين فاستعيذوا بالله من الحرمان
عشر ذي الحجة حانت * بالثواب والأجور
موسم الخير توالى * للمجدّ والصبور
فاجهدوا فيها بحزم * واطردوا كل الفتور
يالغبن من توالى * قصّر كل القصور
إن تُفوّت ذي المواسم * فمتى ترجو الغفور .
هذا وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير
فاتقوا الله عباد الله وابذلوا كل سبب ووسيلة تقربك من خالقكم الإله ( ومن يتق الله يُكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) واعلموا أن خير الجديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور مُحدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من منّة الله على عباده أن يُجري عليهم الأزمنة الفاضلة والأيام الفضيلة ليزادوا من الله قُرباً وليكفر عنهم إثما ً ويزداوا به خشية وعلماً فيجري عليهم النفحات ليرتقوا بتلك الأوقات في عالِ الدرجات والمنازل ، ومن عرف تلك الأيام وفضلها بادر بالعمل وترك التسويف والإغترار بالأمل ومن تلك الأزمنة مايحلّ علينا - بمشيئة الله - بعد أيام معدودة من عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة على الإطلاق بلا شك ولا ارتياب وقد ورد في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " أي : العشر قالوا يارسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " وقد أقسم الله بلياليها - من باب ذكر الشيء ببعضه أو بالإشارة إليه تلميحاً لاتصريحاً - فإذا أقسم الله بالمفضول دون الفاضل وإن كان عظيماً عُرف أن الفاضل شرفه أعلى فقال سبحانه : " والفجر * وليالٍ عشرٍ * والشًّفع والوَتر "
ولمّا كان مقدمة اليوم ليلته التي تحلّ قبله ، قدّمها في القسم وقد ورد أيضاً في بعض أيام العشر أن الشَّفع هو يوم النحر والوَتر هو يوم عرفة وورد ذلك في أكثر من رواية يرويها أصحاب ابن عبّاس عنهُ رضي الله عنهم وعنّا أجمعين وورد أيضاً في ذلك حديث صحح إسناده بعض أهل العلم وورد أن الشفع والوتر هو الشفع والوتر الذي يكون في الصلاة أيضاً
عباد الله : إن العبرة على كلّ حال بالثمرة والأثر على العبد في تلك النصوص الواردة ، هل هو ممن ينتفع ويبادر إلى العمل والله يحثّه ويحث كل مؤمن ويقول ( وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين ) أو يكون ممن يغفل سائر عمُره وتضيع عليه أوقاته عاماً وشهراً ويوماً بعد يوم وهو لايُقدم لنفسه ولا يحرص على ساعات يومه فيتقلّب بين السهر بالليل والنوم بالنهار حتى إذا داهمه الموت وجد حاله مفلساً من الكثير من الصالحات فلذا قال صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال خمساً - أي تعتريكم وتصرفكم خمساً - هل تنتظرون إلا فقراً منسيا أوغنىً مطغياً أو مرضاً مُفسدا أو هرماً مفنّدا أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشرّ غائبٍ يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمرّ " رواه الترمذي وحسّنه ، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام : " بادروا بالأعمال خصالاً ستاً - أي صوارف ستة - إمرة السُفهاء وكثرة الشُرط وقطيعة الرحم وبيع الحكم واستخفافاً بالدم ونشواً - أي شباب ناشئ - يتخذون القرآن مزامير يُقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم مايُقدمونه إلا ليغني لهم " أخرجه الإمام أحمد وابن أبي الدنيا وصححه الحافظ ابن حجر والألباني .
عبادالله : كثرت الملهيات في هذا العصر وصارت العبادة على البعض ثقيلة لأنهم رغبوا في اللهو واللعب والإنشغال بما لاينفع أكثر من الحد الموصى به ، وهذا يزرع الغفلة في القلوب ويُلهي عن المسؤوليات الواجبة فضلاً عن عمل الصالحات المسنونة ، وماأفلح كثيرٌ من الناس بجهاد نفسه فكيف يُفلح وينجح بجهاد ولده وأهله وإصلاح قرابته ومجتمعه فالآن على كل واحدٍ منّا أن يُجاهد نفسه ضد الملهيات التي تسببت في التخلي عن المسؤوليات ومن لم يستثمر الأوقات عموماً والفاضلة منها خصوصاً فمتى يسير بخطاه إلى رضا مولاه ويحقق تقواه . . فلابد من المحاسبة الجادة قبل ذهاب الأعمار وحلول الآجال فالوقت يمضي والزمن ينفضّ ولا تنظر لكثرة اللاهينِ والغافلين ، ولا أتباع الشهوات والمثبطين
فبادر أخي للخير قبل فواته * ودع غافلاً مستغرقاً في سُباته
فاللهم ألهمنا رشدنا لتدارك أعمارنا وبارك لنا في أوقاننا وذرياتنا وأصلح سائر أحوالنا ياذا الجلال والإكرام أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
======== الخطبة الثانية ========
الحمدلله ولي المتقين الذي هدى النجدين وأبان الخير للثقلين والصلاة والسلام على نبي الهدى واليقين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أما بعد :
عبادالله : إن لنا في سيرة السلف الصالح بعد النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وعبرة فكيف كان حالهم مع هذه العشر الفاضلة وماذا قالوا عنها :
كان السلف الصالح يُعظمون هذه العشر من ذي الحجة أشد التعظيم وكان بعضهم يعتكف فيها في بيوت الله فلا يخرج إلا لحاجة ملحة ولقد كان ابن عمر وأبوهريرة يخرجان إلى السوق فيكبران فيكبر الناس بتكبيرهما لايخرجان إلا من أجل ذلك وقد كان سعيد بن جبير يجتهد فيها إجتهاداً لايكاد يستطيعه أحد ولا يقوى عليه ، وكان الحافظ ابن عساكر يعتكف فيها في المسجد فلا يخرج أو قلّ أن يخرج وروى البيهقي في شُعب الإيمان وابن عساكر في تاريخه عن أنسٍ رضي الله عنه قال : " كان يُقال في أيام العشر : بكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم - يعني في الفضل .
وأخرج البيهقي أيضاً عن الأوزاعي قال : بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله يُصام نهارها ويُحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة ، وكانوا يصومونها ويقومون ليلها وكان سعيد بن جبير يقول : " لاتُطفئوا سُرجكم ليالي العشر " فهل بعد ذلك تفرّط أو تقصّر في اغتنامها فياخيبة المفرطين وياخسارة المقصرين فاستعيذوا بالله من الحرمان
عشر ذي الحجة حانت * بالثواب والأجور
موسم الخير توالى * للمجدّ والصبور
فاجهدوا فيها بحزم * واطردوا كل الفتور
يالغبن من توالى * قصّر كل القصور
إن تُفوّت ذي المواسم * فمتى ترجو الغفور .
هذا وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير