الخميس، 16 يوليو 2020

خطبة مختصرة عن عشر ذي الحجة _ فضلها وما يسن فيها

الحمدلله الذي أجرى الأزمنة والأعوام وداول بين عباده الأيام  وخص بعضها بالفضائل ورفع الآثام وحثّ على العمل فيها وتحرّيها أهل الإسلام ، والصلاة والسلام على المبعوث للأنام نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ أعطر تحيةٍ وأزكى سلام أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وابذلوا كل سبب ووسيلة تقربك من خالقكم الإله ( ومن يتق الله يُكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) واعلموا أن خير الجديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور مُحدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
عباد الله : إن من منّة الله على عباده أن يُجري عليهم الأزمنة الفاضلة والأيام الفضيلة ليزادوا من الله قُرباً وليكفر عنهم إثما ً ويزداوا به خشية وعلماً فيجري عليهم النفحات ليرتقوا بتلك الأوقات في عالِ الدرجات والمنازل ، ومن عرف تلك الأيام وفضلها بادر بالعمل وترك التسويف والإغترار بالأمل ومن تلك الأزمنة مايحلّ علينا - بمشيئة الله - بعد أيام معدودة من عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام السنة على الإطلاق بلا شك ولا ارتياب وقد ورد في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام " أي : العشر قالوا يارسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ، قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " وقد أقسم الله بلياليها - من باب ذكر الشيء ببعضه أو بالإشارة إليه تلميحاً لاتصريحاً - فإذا أقسم الله بالمفضول دون الفاضل وإن كان عظيماً عُرف أن الفاضل شرفه أعلى فقال سبحانه : " والفجر * وليالٍ عشرٍ * والشًّفع والوَتر " 
ولمّا كان مقدمة اليوم ليلته التي تحلّ قبله ، قدّمها في القسم وقد ورد أيضاً في بعض أيام العشر أن الشَّفع هو يوم النحر والوَتر هو يوم عرفة وورد ذلك في أكثر من رواية يرويها أصحاب ابن عبّاس عنهُ رضي الله عنهم وعنّا أجمعين وورد أيضاً في ذلك حديث صحح إسناده بعض أهل العلم وورد أن الشفع والوتر هو الشفع والوتر الذي يكون في الصلاة أيضاً 

عباد الله : إن العبرة على كلّ حال بالثمرة والأثر على العبد في تلك النصوص الواردة ، هل هو ممن ينتفع ويبادر إلى العمل والله يحثّه ويحث كل مؤمن ويقول ( وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشّر المؤمنين ) أو يكون ممن يغفل سائر عمُره وتضيع عليه أوقاته عاماً وشهراً ويوماً بعد يوم وهو لايُقدم لنفسه ولا يحرص على ساعات يومه فيتقلّب بين السهر بالليل والنوم بالنهار حتى إذا داهمه الموت وجد حاله مفلساً من الكثير من الصالحات فلذا قال صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال خمساً - أي تعتريكم وتصرفكم خمساً  - هل تنتظرون إلا فقراً منسيا أوغنىً مطغياً أو مرضاً مُفسدا أو هرماً مفنّدا أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشرّ غائبٍ يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمرّ " رواه الترمذي وحسّنه ، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام : " بادروا بالأعمال خصالاً ستاً - أي صوارف ستة - إمرة السُفهاء وكثرة الشُرط وقطيعة الرحم وبيع الحكم واستخفافاً بالدم ونشواً - أي شباب ناشئ - يتخذون القرآن مزامير يُقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم مايُقدمونه إلا ليغني لهم " أخرجه الإمام أحمد وابن أبي الدنيا وصححه الحافظ ابن حجر والألباني . 
عبادالله : كثرت الملهيات في هذا العصر وصارت العبادة على البعض ثقيلة لأنهم رغبوا في اللهو واللعب والإنشغال بما لاينفع أكثر من الحد الموصى به ، وهذا يزرع الغفلة في القلوب ويُلهي عن المسؤوليات الواجبة فضلاً عن عمل الصالحات المسنونة ، وماأفلح كثيرٌ من الناس بجهاد نفسه فكيف يُفلح وينجح بجهاد ولده وأهله وإصلاح قرابته ومجتمعه فالآن على كل واحدٍ منّا أن يُجاهد نفسه ضد الملهيات التي تسببت في التخلي عن المسؤوليات ومن لم يستثمر الأوقات عموماً والفاضلة منها خصوصاً فمتى يسير بخطاه إلى رضا مولاه ويحقق تقواه  . . فلابد من المحاسبة الجادة قبل ذهاب الأعمار وحلول الآجال فالوقت يمضي والزمن ينفضّ ولا تنظر لكثرة اللاهينِ والغافلين ، ولا أتباع الشهوات والمثبطين  
فبادر أخي للخير قبل فواته * ودع غافلاً مستغرقاً في سُباته 

فاللهم ألهمنا رشدنا لتدارك أعمارنا وبارك لنا في أوقاننا وذرياتنا وأصلح سائر أحوالنا ياذا الجلال والإكرام أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

======== الخطبة الثانية ========

الحمدلله ولي المتقين الذي هدى النجدين وأبان الخير للثقلين والصلاة والسلام على نبي الهدى واليقين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أما بعد : 
عبادالله : إن لنا في سيرة السلف الصالح بعد النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وعبرة فكيف كان حالهم مع هذه العشر الفاضلة وماذا قالوا عنها : 
كان السلف الصالح يُعظمون هذه العشر من ذي الحجة أشد التعظيم وكان بعضهم يعتكف فيها في بيوت الله فلا يخرج إلا لحاجة ملحة ولقد كان ابن عمر وأبوهريرة يخرجان إلى السوق فيكبران فيكبر الناس بتكبيرهما لايخرجان إلا من أجل ذلك وقد كان سعيد بن جبير يجتهد فيها إجتهاداً لايكاد يستطيعه أحد ولا يقوى عليه ، وكان الحافظ ابن عساكر يعتكف فيها في المسجد فلا يخرج أو قلّ أن يخرج وروى البيهقي في شُعب الإيمان وابن عساكر في تاريخه عن أنسٍ رضي الله عنه قال : " كان يُقال في أيام العشر : بكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم - يعني في الفضل . 
وأخرج البيهقي أيضاً عن الأوزاعي قال : بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله يُصام نهارها ويُحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة ، وكانوا يصومونها ويقومون ليلها وكان سعيد بن جبير يقول : " لاتُطفئوا سُرجكم ليالي العشر " فهل بعد ذلك تفرّط أو تقصّر في اغتنامها فياخيبة المفرطين وياخسارة المقصرين فاستعيذوا بالله من الحرمان 
عشر ذي الحجة حانت * بالثواب والأجور 
موسم الخير توالى * للمجدّ والصبور 
فاجهدوا فيها بحزم * واطردوا كل الفتور 
يالغبن من توالى * قصّر كل القصور 
إن تُفوّت ذي المواسم * فمتى ترجو الغفور . 
هذا وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير 

الخميس، 2 يوليو 2020

خطبة عن طلب الرزق والعمل

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة فأنار به من الجهالة وهدى به من الضلالة ، وفتح الله به أعيناً عُمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غلفاً ، فصلوات وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله عبادالله فبالتقوى تَنالوا المكرمات وتبلغوا الحاجات وتُكشف البليات ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) . 
عبادالله : خلق الله الثقلين الجنّ والإنس وأمرهم بعبادته وتكفّل لهم بالرزق هم وسائر الدواب قال جل ذكره وتقدّس أمره : 
( ومامن دابّة إلا على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كلٌ في كتابٍ مبين ) ومن أسمائه الرزّاق والرازق والوهاب والمعطي صاحب العطاء الذي لاينفد ولا ينقطع أبداً سبحانه وتعالى ( وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون * ماأريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يُطعمون * إن الله هو الرزّاق ذو القوة المتين ) وقال في الذريّة ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خِطأً كبيرا ) وقال على سبيل التقرير : 
( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يُخرج الحي من الميّت ويخرج الميّت من الحي ومن يُدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) وقال ( وكأيّن من دابّة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) . 
عبادالله : إن مسألة الرزق هي من توحيد الربوبية التي أقرّ بها المشركون فهي مسألةٌ اتفق على الإقرار بها الكافر والمسلم ولكن مسألة التوكل هي التي يتباين فيها الناس تبايناً ظاهراً ولذا ورد في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم تتوكلون - وفي رواية كنتم توكّلون - على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " رواه الترمذي وقال : حديث حسن . 
عباد الله : الرزق ضرورة لابد منها للكائن الحي وللإنسان والله أمر عباده بطلب الرزق والمشي في أكناف هذه الأرض للبحث عن الرزق قال سبحانه : (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )) وهذا لاينافي كونه سبحانه تكفّل برزق كل عبد ولكن حتى يعلم الإنسان أن بذل السبب أمرٌ مطلوب وواجب على العباد إلا من ألجأته الضرورة فهو معذور وسيأتيه رزقه وهو في بيته فأهل الأعذار لهم شأن آخر ولكن الكثير من الناس لايحب العملَ ولا الأخذَ بالأسباب المشروعة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كمثال أسمى وكلّ الصحابة رضوان الله عليهم من الذين يعملون ويبحثون عن لقمة العيش سواءٌ كان ذلك في المهن أو النخل أو البناء وغير ذلك وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم على قراريط - وهي مالٌ يسير - لأهل مكة وكان أبو بكر رضي الله عنه تاجراً وكذلك عثمان رضي الله عنه وكان عمر بن الخطاب يوماً عند النبي صلى الله عليه وسلم ويوماً يعمل فيه لنفسه وولده وعمل علي رضي الله عنه ذات مرّة عند يهودي يستخرج له الماء من البئر كلُّ دلو بتمرة وكان خباب بن الأرتّ حدّادا وعبدالله بن مسعود راعياً وسعد بن أبي وقاص يصنع النبال والزبير بن العوام خيّاطاً وبلال بن رباح وعمار بن ياسر خادمين وسلمان الفارسي كان حلّاقاً ومؤبراً للنخل - أي ملقحاً لها - والبراء بن عازب وزيد بن أرقم تاجرين ، ولقد تميّز المهاجرون بالتجارة وتميّز الأنصار بالعمل في الضيعات والبساتين فكانوا أهل زرعٍ وحرث ، والعمل الشريف من صفات الرجل النبيل وما أفلحت أمة إلا بالعلم والعمل عموماً فبالعمل والكسب الكل يستفيد من الآخر وتقوم شؤون الحياة وتصلح أحوال العباد ، وتصوّر أخي المبارك حياة الناس بلا عمل ولا طلب للرزق وبلا قيام بشتى الوظائف والأعمال كيف تقوم حياة الناس والله سخر عباده بعضهم لبعض ورفع بعضهم على بعض في شأن الحياة والأعمال ليستفيد بعضهم من بعض ويُصلح القوي منهم أعمال وشؤون الضعيف وكل ذلك امتحان واختبار فلنحسن لمن يخدمنا أياً كانت ديانته وأياً كان جنسه  ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخريّا ورحمت ربك خيرٌ مما يجمعون ) والعمل خيرٌ وأحب إلى الله من السؤال ولذا قال صلى الله عليه وسلم في ذلك : ( لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خيرٌ له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) متفق عليه . . فاللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادةً لنا من كل خير والموت راحةً لنا من كل شرّ ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريبٌ مجيب .

======== الخطبة الثانية ========

الحمدلله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لاإله إلا الله إمام المتقين وقدوة الخلق أجمعين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله والزموا السكينة والطمأنينة في شأن الرزق والمؤونة وثقوا بربكم وتذكروا نعمة الله عليكم حين حين تكفّل سبحانه بشأن الأرزاق للعباد وغيرهم من الخلائق ولذا قال ربُنا تقدس في علاه والأمر كلُّه تولاه ( ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لاإله إلا هو فأنى تؤفكون ) ولو فتشت عن القصص التي تتعجب منها في شأن الرزق وكيف أن الله يسوق رزقَ أي مخلوق ٍأو دابةٍ ولو كانت في أطباق الثرى وغياهب الظلمات لوجدت هذه القصص لاتحصى ولا تعدّ وتخيّل أخي المسلم لو كان رزقك بيد فلانٍ من الناس يتصرف فيه بما شاء كيف سيكون حالك معه ؟ وكيف سيكون حال الناس بعضهم مع بعض ؟ وأنتم تعلمون أن الكثير من الناس يبخل حتى على نفسه ببعض الأشياء التي قد تكون ضرورة لابد منها ، فلم يوكل برزقك أحداً سواه ، فهذه نعمة عظيمة غفل عن شكرها الكثير من الخلق وذُكر أن امرأة أرملة في زمن داوود عليه السلام كانت تغزل بمغزلها لتطعم أولادها وكانت تكتسب من ذلك لتطعم نفسها وأولادها وليس لها بعد الله من المال إلا مايأتي من هذا الغزل ، فجاءت الحدأة ذات يوم فأخذت أداة المغزل ومضت فأصابها همٌّ عظيم وجاءت لنبي الله داوود تشكو إليه فأجلسها ، ثمّ إنه دخل عليه قوم من التجار يحكون قصّة لهم عجيبة وذلك أنهم كانوا في عرض البحر فأصاب السفينة خرقٌ ودخل عليهم الماء فجاءت حدأةٌ فرمت لهم أداة مغزل فأخذوه وسدّوا به مكان الخرق فأقسموا أن يتصدق كلّ واحدٍ منهم بعشر دنانير ( والدينار يكون من الذهب ) فسلموا لنبي الله داوود عليه السلام تلك الدنانير ومضوا فأخذ الدنانير عليه السلام وأعطاه تلك المرأة فانظر كيف اتجر اللهُ لها بما هو خيرٌ من رزقها الأول . . 
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 








خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...