فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .
عباد الله : الجدال في كتاب الله بلا علم يستهين به كثيرٌ من الخلق والله ورسوله حذر من الجدال في القرآن بلا علم وجعل المجادلة في القرآن من طبع الكفار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض فقال سبحانه : ( مايجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) فالجدال ذمّه الله تعالى ووبخ من يجادل في الله أو في كتابه بغيرعلم فقال سبحانه : ( هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لاتعلمون ) وقال في سورة آل عمران : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخرُ متشابهات فأما الذين في قلوبهم مرض فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا وما يذكّر إلا أولوا الألباب ) .
وعدّ النبي صلى الله عليه وسلم الجدال والمراء في القرآن ، ففي الحديث الذي أخرجه أبوداوود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مراءٌ في القرآن كفر " وفي لفظٍ آخر أيضاً : " المراء في القرآن كفر " وبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك سبب لهلاك الأمة إذا اتفقوا عليه فذات مرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون في القرآن - أي يُغالب بعضهم بعضاً بالحجة - فقال موبخاً لهم : " إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض وإنما كتاب الله يُصدّق بعضه بعضاً ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا به وما جهلتم فكلوه إلى عالمه " ومن يقول بالقرآن برأيه فهو على خطرٍ حتى لو كان أصاب فيما يقول وفي الحديث : " من قال بالقرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " وفي حديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن عباس وهو حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الحديث عني فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ومن قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " ومن القرآن من يعلمه عامة الناس وهذا الواضح من القرآن الذي يعلمه حتى الصغير وهذا لابأس أن يستشهد به الناس ويذكرونه بمعناه حتى العوام ومنه مايعلمه أهل اللغة أو تعرفه العرب من كلامها وهذا يردّ لأهل المعرفة باللغة العربية فلا ينبغي أن يُفسره عوام الناس ومنه مالايعلمه إلا العلماء وهذا كالمتشابه من القرآن وأحكام النزول وسببه والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد وبعض معاني الألفاظ ومدلولاتها فهذا يجهله الكثير من الناس حتى أهل اللغة وهذا الذي خصّه النص فلا بدّ أن يوكل تأويله إلى العلماء وأهل الفقه والتفسير .
عباد الله : يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " يهدم الإسلام ثلاثة : زلّة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين " وقد أورده الدارمي في سننه بسند صحيح وأورده ابنُ عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله وقال : " شبه العلماء زلّة العالم بانكسار السفينة لأنها إذا غرقت غرق معها خلقٌ كثير وإذا ثبت أن العالِم يُخطئ ويزلّ لم يجُز لأحد أن يُفتي ويدين بقولٍ لايعرف وجهه " انتهى ويقول ابن عباس رضي الله عنهما يقول : " ويلٌ للأتباع من عثرات العالم ، قيل كيف ذلك ، قال : يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله فيترك قوله ذلك ، ثم يمضي الأتباع - أي على قوله الأول " انتهى
إخوة الإيمان : من العلماء من يُقدّر الله له الزلة بأسباب عدة ويرجع عن قوله - إن أراد الله به خيراً - ولكن من يتبعه في قوله الأول الذي عَدَل عنه لايعلم فتجد أنه يعمل بقوله سنين عدة إلى الممات وهذا من تواكل العوام وقلة الحرص على السؤال وتفقّد التوجه الذي يصير إليه طول الحياة ، فالعلماء بشرٌ يُخطئون ويصيبون وهم ولله الحمد لايصدرون عن رأيهم بل نهجهم الكتاب والسنة في ذلك واللوم عنهم مرفوع والوزر عنهم موضوع مادام أنهم استفرغوا وسعهم في البحث عن الحق وأفتوا به ، ولكن بعض الناس يُصرّ على التمسك بقول الشيخ الفلاني وهو يعلم أن الحق خلافُه فهذا هو الملوم في فعله وإصراره ولا مانع أن يسأل مرة أخرى إذا وجد عالماً هو أعلم من شيخه الأول الذي أفتاه ، والعلماء ليسوا على درجة واحدة فهم متفاوتون كما أن الصحابة رضوان الله عليهم ليسوا على درجة واحدة في الفقه والعلم ولكنهم كلهم عدول .
ولابد أن نلتمس العذر للعالم فيما لو كان هناك مجانبة للصواب في فتواه والخطأ في الغالب نادرٌ وقليل ولكن لابد أن نحذر من فئة تستغل مثل هذه الأخطاء لتمرر شبهاتهم وحقدهم فهناك فئة من مجتمعنا من ينطوي قلبه على خبث نيّة ويصطاد في الماء العكر ، فكشف الله أمرهم وردهم على أعقائبهم خائبين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من سائر الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار .
============== الخطبة الثانية ==============
الحمدلله ذو الحمد والعطاء المحمود والصلاة والسلام على صاحب اللواء المعقود والحوض المورود نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والجود ومن تبعهم بإحسان أفضل الصلاة والتسليم إلى اليوم الموعود أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن مما يُضل الخلق ويهدم الدين والملة الأئمةُ المضلين والذين خافهم النبي صلى الله عليه وسلم على أمته فقال : " وإنما أخاف على أمتي الأئمةَ المضلين " أخرجه الترمذي وأبوداوود وغيرُهم . . وإضلال أئمة الضلال ليس بجديد الحدوث ولا وليد العصر فإنه ماأضل اليهود ولا النصارى إلا أئمة الضلال منهم من الأحبار والرهبان بسبب أكلهم لأموال الناس بالباطل وكتمهم مافي الكتاب واتباعهم للأهواء وصدهم عن سبيل الله وكفرهم ببعض الكتاب وإيمانهم ببعض ولا تسأل عن أقوام تسيّرهم أهوائهم وشهواتهم وإذا كان ذلك وقع في سالف العصر فهذه الأمة ستتبع من قبلها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سَنَن َ من كان قبلكم حذو القُذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه " والمراد بالقذة ريش السهم والمقصود من ذلك المبالغة في فعل كل مافعلوه ونهجوه من السبل كما يتساوى السهمان بجانب بعضهما البعض .
ولذا من أمثلة ذلك ماقاله النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى : " حتى إن كان منهم من أتى أمّه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك " والرواية هذه حسّنها بعض أهل العلم .