الجمعة، 27 يناير 2023

خطبة عن الثبات على الدين حتى الممات

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الثبات على الحق حتى الممات مطلبٌ عظيم ومبدأ عزيزٌ كريم لايوفق له إلا النخبة من الأخيار وعلى رأسهم الأنبياء ثم من دونهم من الصالحين من دونهم ، وهو أمانٌ من الله من الوعيد والعقوبة التي تنال كل من نكص وتخاذل عن التمسك بالحق وأساس الثبات الصدق مع الله وسؤال الله الثبات على دينه حتى خروج الروح من الجسد وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الثبات دائماً وأبداً ففي حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا أنتم هؤلاء الكلمات : " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شُكر نعمتِك وحسن عبادتك ، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً وأسألك من خير ماتعلم وأعوذ بك من شرّ ماتعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علاّم الغيوب " وهذا الحديث له طرق متعددة وأخرجه الإمام أحمد وابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني في المعجم الكبير .

عباد الله : الثبات على الحق مع وجود البلاء والفتن والصدود من الناس وإعراض الكثير عن سلوك الصراط القويم وسخريتهم واستهزائهم حدث مع نوحٍٍ عليه السلام حينما صد عن الإيمان به قومُه فلم يؤمن به إلا القليل مع كثرة الناس في ذلك الوقت فكانوا حينها قد ملؤا السهول والجبال من كثرتهم ومع ذلك صبر نوح على أذيتهم وثبت ولم ينجرف أو يتنازل عن دينه قدر أنملة مع أنهم يمرون به ويسخرون منه وهو يصنع السفينة ، وثبت ابراهيم حينما ألقي في النار حتى نصره الله وجعلها برداً عليه وسلاماً ، وثبت اسماعيل على بلوى الذبح والإفتداء بنفسه امتثالاً لأمر الله جل وعلا وثبت يعقوب عليه السلام عندما ابتلي بفقد ابنه يوسف سنين عديدة ، وثبت شعيب عليه السلام على دعوة قومه وكذلك لوط على دعوة قومه على خبثهم وفجورهم حتى نجاه الله وثبت موسى في وجه فرعون وعلى أذية بني اسرائيل وثبت عيسى عليه السلام على مكر بني اسرائيل حتى رفعه الله وثبت نبينا محمدٌ وهو خير الصابرين وقدوة الخلق أجمعين على ماناله من الأذى من كفار قريش وثقيف وغيرهم حتى انتصر على من عاداه وكان أشدها في يوم العقبة حيث عرض نفسه على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبه إلى ماأراد عليه الصلاة والسلام وسخر منه وأغرى بالنبي الكريم السفهاءُ والجهلاء فرموه بالحجارة حتى أدموه فانطلق وهو مهموم على وجهه عليه الصلاة والسلام فلم يستفق إلا وهو بقرن الثعالب - وهي قرن المنازل وميقات السيل اليوم - فانظر لموقف النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون ؟ وكيف يرجع إلى مكة ومن كان فيها من كفار قريش يتربصون به الدوائر ، وأهل الطائف آذوه وعادَوه ، وانظر في المقابل كيف تجلّت رأفته ورحمته بمن عاداه وماذلك إلا أخلاق الأنبياء والصالحين ، فلمّا كان في ذلك الموقف أظلته سحابة فإذا فيها جبريل عليه السلام فقال : " يامحمد ، إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم " فناداني ملك الجبال ، فسلّم عليّ ، ثم قال : " يامجمد ، إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك ، فما شئت ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لايُشرك به شيئاً " أخرجه البخاري

عباد الله : الثبات في الأمر أشدّه وقت الفتنة في الدين وأهل الشهوات يغرون بشهواتهم ويزينون ولولا تثبيت الله ورحمته للأخيار من خلقه لانحرف وزاغ من زاغ حتى ولو كان نبياً ، ألم تروا إلى قول الله لنبيه وهو خير البشر حيث قال جل وعلا : (( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً )) ومواقف الثابتين كثيرة ، ولن نذكر موقفاً من مواقف الأنبياء ولا من الصحابة رضوان الله عليهم فأولئك قد رضي الله عنهم ولكن سنذكر قصة لرجل من الصالحين أتى بعد القرون المفضّلة وهو أبو بكر محمد بن احمد الرملي المشهور بابن النابلسي وقد كان رحمه الله ثبت في وجه طاغية مصر العبيدي فأمر بإحضاره لما بلغه قولاً عنه فلمّا أُحضر بين يديه قال له العبيدي الزنديق : " بلغنا أنك قلت إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة " فقال : " ماقلتُ هذا ، بل قلتُ : إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرمميكم بتسعة وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً ، فإنكم غيّرتم الملّة وقتلتُم الصالحين ، وادعيتم نور الإلهية " فسجنه ثم ضربه ثم جاء بيهودي لعين فأمره بسلخه وهو ثابت لايتزعزع ولا يرجع عن مقالته حتى تُوفي رحمه الله ، ونحن اليوم لايكاد الرجل منّا يصبر على ترك شهوة ، أو هجر معصية من أجل دينه وصلاح آخرته ، فكيف يصبر عند اشتداد البلاء وتغيّر الأحوال لينال أعظم الأجر وحسن المآل . . فاللهم اجعلنا من الصابرين الصادقين وجنبنا الفتنة في الدين فإن العافية أوسع لنا ورحمتَك وسعت كل شيء . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ==============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات والتسليم أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من أسباب النجاة التمسك بوسائل الثبات والعمل بها ومن هذه الوسائل التي تُعين :

- ذكر الله تعالى وذلك أن الإنحراف والزيغ عن الطريق المستقيم سببه تسويل الشيطان وتزيينه طريق السوء في قلب ابن آدم ولا حياة للشيطان في قلبٍ يذكر الله في كل أحيانه وفي الحديث : عن ابن عباس مرفوعاً : " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله تعالى خنس ، وإذا غفل وسوس " ورواه البخاري مُعلّقاً

- ومن ذلك الدعاء بما ذكر سابقاً : " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد . . " الحديث

فالدعاء يعصم من شرور كثيرة وهو ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فينبغي للعبد المسلم أن يلزمه إلى أن يخرج من هذه الدنيا وأن يسأل العبدُ ربَّه الهداية بصدق وحق ليكون في صفوف المهتدين ويشكُرُ اللهَ على نعمة الهداية فإن كثيراً ممن انتكسوا أو سقطوا في وحل المعصية والفتنة إما أنهم لم يسألوا ربهم الثبات على هذا الدين وإما أنهم لم يشكروا الله على نعمة الهداية لهذا الدين فسُلبت منهم بعدما آتاهم الله إياها ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من قوله : " اللهم يامُقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك "

- ومن ذلك : الإقبال على كتاب الله تعالى وتدبّره فهو يهدي لأقوم سبيل ويداوي العليل ( وقال الذين كفروا لولا نُزّل عليه القرآن جُملة واحدة كذلك لنُثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ) ( إن هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقوم ويبشرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً ) وهو يحوي قصص من كانوا قدوةً في الثبات في الخطوب والمدلهمات صغرت أو كبُرت ( كذلك نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك . . ) الآية

- ومن ذلك أيضاً مصاحبة الأخيار ومجالستهم والسماع للموعظة بقلبٍ خالٍ من الشواغل والمُلهيات ليتمكن ابنُ آدم من معرفة الحق وإصلاح نفسه وترويضها والأخذ بخطامها لطريق النور والخلاص : ( ولو أنهم فعلوا مايُوعظون به لكان خيراً لهم وأشدَّ تثبيتاً * وإذاً لآتيناهم من لدنّا أجراً عظيما * ولهديناهم صراطاً مستقيما )

- ومما يجدر الإشارة إليه أن التوسع الشديد في المباحات إذا صحِبَهُ رقةٌ في الديانة جرّ إلى المحرم والإثم وإلى الإنتكاسة أيضاً وهذا ملاحظ ونبّه إليه أهل العلم ولهذا تجد أن من الشباب مثلاً بدأ أول حياته بسماع الأناشيد وإنشادها وأدمن ذلك حتى قصّر في بعض السنن ثم قصّر في الواجبات ثم دخل في المحرم من أوسع أبوابه فسقط في فتنة الغناء إما مستمعاً أو مُغنياً والواقع يشهد بذلك فينبغي للعبد أن يحذر من خُطوات الشيطان وحيلته ومكره ويحذر من تساهل النفس بتلك الحِيل وتسويف النفس بالتخلص منها ، وإن النفس لأمّارة بالسوء إلا مارحم ربي إن ربي غفورٌ رحيم . . ثم صلوا على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمد أتقى البريّة وأزكى البشرية .

الخميس، 5 يناير 2023

خطبة عن استهداف الشباب بالمخدرات

الحمدلله الذي أرسل رسوله بالنور والبينات وأحل لعباده الطيبات وحرّم عليهم الخبائث والمحرّمات ، يعصم من يشاء برحمته من الشرور والآفات ، ويبتلي من يشاء بحكمته وعدله أهل الجهالة والخطيئات ، نحمده في سائر الأوقات ونصلي ونسلم على رسوله الذي اصطفاه على سائر البريّات وكمّله بالفضائل والطاعات صلاة وسلاماً موصولاً لآله وصحبه أولي المعالي والكرامات ومن تبعهم بإحسان مادامت الأرض والسماوات أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى رأس بضاعة العبد عند الله ، وقد عُصم من الفتن من لربه اتقى ولنفسه من الموبقات وقى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون ) .
عباد الله : أنعم الله على المسلم بالعقل والتمييز بين مايضر وينفع وبين الحق والباطل وبالعقل هو مناط التكليف وبأثر العقل على الجوارح يؤجر أو يؤزر العبد فمن لايدلّه عقله على طريق الخير فيتبعه أو على طريق الشر فيجتنه ويدع هواه فإنه مصيره دارَ الشقاء والله أشقى كثيرا من الجن والإنس بسبب أن لهم قلوبٌ لايعقلون بها ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لايعقلون بها ولهم أعينٌ لايبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) ولا يحل لمسلم أن يتناول أو يتعاطى مايُذهب عقله وفكره ولذا حرّم الله الخمر ، وهم اسمٌ لكل مايُذهب العقل كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام حيث قال : " والخمر ماخامر العقل " كما هو عند البخاري ومسلم ، وكتاب الله صريحٌ بالأمر بالإجتناب لكل خمر أياً كان جنسه ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنوه لعلكم تُفلحون ) .
ومن يتعمّد إذهاب عقله فقد ارتكب جُرماً عظيماً وذنباً من كبائر الذنوب وجزاؤه إذا لم يتب أن الله يسقيه من ردغة الخبال وهو قيح وصديد أهل النار ، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب الخمر لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً ، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً ، فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاة من نهر الخبال " أخرجه الترمذي وأحمد وعبدالرزاق والطبراني وغيرهم وهذا يدلل على أن العبد يرتخي عزمه وتفسد إرادته غالباً ويستولي عليه الشيطان إلا من رحم الله ، فينبغي لمن ابتُلي بهذا الداء أن يحذر من عاقبة فعله ومصيره ويحذر من حرمان دخول الجنة بسبب إدمانه على هذا الفعل الشنيع وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لايدخلون الجنة : مدمن الخمر ، وقاطع الرحم ، ومُصدّقٌ بالسحر " رواه الإمام أحمد وابن حبّان وهو حديث صحيح لغيره ، علماً أنه من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة كما ورد بذلك الدليل ، ومن أشد ماقيل في الخمر ماودر عن ابن عمر رضي الله عنه قال : " من شرب الخمر فلم ينتشِ - أي لم يسكُر - لم تُقبل له صلاة ، مادام في جوفه أو عروقه منها شيء ، وإن مات مات كافراً ، وإن انتشى لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة ، وإن مات فيها مات كافراً " وهذا القول يرويه عنه مجاهد التابعي رحمه الله وهو في صحيح النسائي والكفر المذكور كفرٌ دون كفر فهو كفر غير مخرج من الملة . 
عباد الله : المخدرات هي أشدّ من الخمر على العقل وأشد ضرراً على النفس والأسرة والمجتمع فشرها خطير وضررها كبير وهي داءٌ مستطير دمّرت - بسبب قلة الوعي والديانة - عقول الكثير من الشباب ، وما وُجد منها في هذه الأيام لم يوجد من قبل ، فليت الأمر اقتصر على المواد المخدرة من النبات ، بل طالت أيدي العابثين المفسدين هذه المواد بتصنيع مركّز انبثق عن مواد مخدرة أشدّ فتكاً بالعقل البشري والجهاز العصبي المركزي للإنسان ، استعمل فيها المفسدون خبرتهم لتدمير الشعوب والمجتمعات الإنسانية ، ليُخرجوا مادة خطيرة تُسمّى ( الشبو ) ولها تسميات عدّة وتكمن خطورة هذه المادة في كونها تدمر الخلايا العصبية للإنسان وتأتي بالهلوسة السمعية والبصرية وشحوب الوجه الشديد فيتحول شاب في العشرين بسبب الإدمان إلى منظر عجوز كأنه في الثمانين من عمُره والجرعة الزائدة منه قاتلة على الفور مع تسببه بالجلطات الدماغية وتلف خلايا المخ ونقص الوزن وتقرّح الأسنان والتهاب الكبد والرئة وتلفهما مع الوقت والإدمان الطويل والإكتئاب والمزاج الحاد والأمراض النفسية وغيرها عافانا الله وإياكم 
فاللهم احفظ شباب وفتيات المسلمين من شر المخدرات ومن كل سوء وفتنة وبلاء يارب العالمين أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إِنه هو الغفور الرحيم

============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله الذي أنعم على كثيرٍ من عباده بنعمة العافية وهو أهل النعم الظاهرة والخافية والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي بعثه ربه بالشريعة الغراء الوافية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل النفوس السامية وعلى من تبعهم بإحسان من النفوس الموالية أما بعد :
فاتقوا الله - ياعباد الله - ( واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثمّ توفّى كل نفسٍ ماكسبت وهم لايُظلمون )
عباد الله : إن شرّ المخدرات - أجارنا الله وإياكم والمسلمين - دائماً مرتبطٌ بالجريمة وقد أثبتت الدراسات ذلك بما لايدع مجالاً للشك ، ولكن كيف نحمي أنفسنا ومن نعول من شرّ المخدرات وويلاتها ؟ ويتم ذلك بعدة أمور منها :
- أولها مخافة الله تعالى وتقواه فالمتقي لله يحذر من أن يُدخل في بطنه وجوفه شيءٌ حرّم الله تناوله .
- وكذلك قيام ولي الأمر بما أمر الله به من الرقابة على من يعول واكتناف أهله وذريته بالنصح والتوجيه والإعتبار بأحوال من سقطوا في هذا الوكر الخبيث
- والحرص على الصحبة الصالحة وإن كانت من أبعد الناس عنك نسباً ، والحذر من الصحبة السيئة وإن كان من أقرب الناس إليك .
- وملء وقت الفراغ بما ينفع فإن الفراغ مفسدة للمرء وهو مشغلٌ نفسه لامحالة إما بخير أو شر 
- والحذر من السقوط في فخ التجربة والإستطلاع فهذا فخ وكماشة أوقعت الكثير من الشباب فإياك أخي الشاب أن تقع في الأمر وكُن على وعي من أن من امتدت يده للخبائث الصغار فسوف تمتد يده للخبائث الكبار غالباً ، فمن امتدت يده لتجريب السيجارة فسوف تمتد يده لتناول المخدرات إلا من رحم الله ، لأن الحصانة الذاتية في الأصل مفقودة فاعرف محل الخلل وإياك والزلل
عباد الله : يجب علينا - معشرالأخوة - التعاون مع الجهات الأمنية لصدّ كيد الأعداء في الداخل والخارج ممن يريد الفتك بشبابنا واجترارهم لأوكار المخدرات فإن هذا واجب ديني تجاه هذه الفئة الباغيه من المهربين والمروّجين - قطع الله شرّهم عن العباد - امتثالاً لقول الله جلا وعلا : ( وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) ومن كان يعرف مبتلى بذلك لامروجاً ولا مهرّباً فليبلغ عنه بسرّية تامة وبخطوات تُرشد لها الجهات المختصة لعلاجه من حالة الإدمان التي يعيشها فإن في ذلك إنقاذاً لنفس من جحيم الشرور . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 

الثلاثاء، 3 يناير 2023

خطبة عن الأرض المقدسة ( أرض فلسطين )

 الحمدلله الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وخلق كل شيء وأحصى ورغّب ورهب من لله عصى والصلاة والسلام على المصطفى المبعوث بالنور والهدى وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتقى ومن لسبيله اقتفى أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . . عباد الله : 

الأرض المقدسة ( أرض القدس والمسجد الأقصى ) أرض الأنبياء ومسرى رسولنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأرضه أرضٌ مباركة وفيها المسجد الأقصى ثالث المساجد الثلاثة التي تُضاعف فيهن الصلاة حيث تضاعف فيه إلى خمسمائة صلاة على الصحيح من أقوال العلم وما ورد أنه يُضاعف فيه لألف صلاة فحديثٌ ضعيف والمسجد الأقصى تُشدّ له الرحال كما تُشد للحرمين الشريفين ولكن أرضه ليس بحرم ويُخطئ من يقول : " ثالثُ الحرمين الشريفين " فيجوز قطع الشجر حوله وأن يصاد فيه وأن يُختلى خلاه - أي يُقطع حشيشه وعُشبُه -  وتكمن أهمية بيت المقدس في أنها من أرض الشام المباركة فهي مما حول بيت المقدس فالكثير من العلماء يجعلون يجعلون بيت المقدس من الشام ، وفي قول الله تعالى عن إبراهيم ولوط ٍعليهما السلام  : ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) أن الأرض هي الشام ، وقد روي ذلك عن الحسن وومجاهد وابن زيد وابن جريج ، وهي تمثل اليوم سوريا وفلسطين والأردن ولبنان وكذلك سَيناء من أرض مصر لأن الكثير من المفسرين ذكروا عن الأرض المقدسة التي أمر الله موسى عليه السلام قومَه أن يدخُلوها هي أرض الطور - طور سيناء -  ولكن الصحيح هو أن سَيناء ليست هي الأرض المقدسة وهي من الأرض التي بُورك فيها والأرض المقدسة هي بيت المقدس على الصحيح ، وتكمن أهمية الشام أيضاً بأنها أرض المحشر والمنشر ففي الحديث عن أبي ذرّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشام أرض المحشر والمنشر " رواه أحمد ، فيُحشر الناس لها آخر الزمان تحشرهم نارٌ تخرج من قعر عدن في اليمن وتسوقهم لأرض الشام ومنها يحشر العباد لربهم يوم البعث والنشور وقد حُشر لها اليهود من بني النضير لما خانوا النبيَ صلى الله عليه وسلم فأخرجهم عليه الصلاة والسلام لمنطقة أذرعات من أرض الشام ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر . . ) 

عباد الله : بُعث من أرض الشام أنبياء كُثر بعضهم ذكر في القرآن وبعضهم لم يُذكر ، يقول الشيخ السعدي رحمنا الله وإياه : " ومن بركة الشام أن كثيراً من الأنبياء كانوا فيها ، وأن الله اختارها مهاجراً لخليله " وقال ابن تيمية رحمه الله : " والبركة تتناول البركة في الدين والبركة في الدنيا ، وكلاهما معلوم لاريب فيه " . 

وهي أصل ومنبت شجر الزيتون المبارك كما ذكر الله عنها في كتابه : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دُري يُوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربيه . . ) 

عباد الله : لمّا أراد الله أن يُسكن بني اسرائيل الأرض المقدسة ( القدس وماحولها )  والتي طردوا منها وقد استولى عليها العماليق وهم قومٌ وثنيون من الكنعانيين طلب موسى من بني إسرائيل دخولَها فأبوا وفي ذلك يقول الله تعالى : 

( وإذا قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤت أحداً من العالمين * ياقومِ ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين * قالوا ياموسى إن فيها قوماً جبّارين وإنا لن ندخُلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون * ) فوعظهم اثنان ممن يخاف الله منهم ( قال رجلان من الذين أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ) وهذان الرجلان من النقباء وهما يوشع بن نون وكلاب بن يافنا كما ورد ، فأبوا دخولها وقالوا : ( قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبداً ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) فلما كان منهم ذلك ، طلب موسى من ربه أن يفصل بينه وبين بني اسرائيل بحكم واضح بيّن فقال : 

( فإنا محرّمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين ) وتوفي موسى عليه السلام في أرض التيه وقبله هارون عليه السلام وتاه بنوا اسرائيل في أرض التيه أربعين سنة وهي سيناء لايهتدون فيها إلى مخرج ، وكانت لهم فيها أحداث وهلك كثير ممن عصى موسى عليه السلام وأنشأ الله أقواماً من ذرياتهم من بعدهم وسار بهم يوشع بن نون - كما ذكر المفسرون - مخرجاً إياهم من أرض التيه الذين كان بها أسلافهم لكي يفتتح بيت المقدس ويحرّرها من العمالقة الجبارين ، فلما سار بهم وأدركوا بيت المقدس عصر الجمعة خشي يوشع بن نون عليه السلام وهو نبي لم يذكر اسمه في القرآن ، خشي أن تغربَ الشمس ودخولِ ليلة السبت عليهم فدعا ربه وقال : " اللهم إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها عليّ " فحبسها الله له ولم تُحبس لنبي قبله - كما ورد في السنة -  حتى فتح بيت المقدس منّة من الله وفضلاً ، وأمر الله بني اسرائيل عندما يدخلوها أن يدخلوها سُجّداً - قيل معناه رُكّعاً - وقد ورد بذلك أسانيد عن ابن عباس رضي الله عنهما وأن يقولوا حطّة - أي مغفرة وحطٌّ للخطايا - فبدّلوا ماقيل لهم ونكصوا وعصوا فدخلوا على أستاهم يزحفون ويقولون حنطة أو حبّة ، فكانت النتيجة ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كنوا يفسُقون ) فكان الرجز : هو الطاعون أُرسل عليهم وفي الحديث : " الطاعون رجزُ عذابٍ عُذّب به من كان قبلكم " أخرجه النسائي وغيرُه وكل رجزٍ في القرآن غالباً يُطلق على العذاب والعقوبة أجارنا الله وإياكم من عذابه وعقوبته وسخطه إنه هو الرحيم الغفور ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه غفور شكور . 

============= الخطبة الثانية ================ 

الحمدلله الذي يصطفي مايشاء ويختار ، وأرسل رسوله بالهدى فأحيا به ما اندرس من الدين والآثار ، فله الحمد على نشر دينه في القرى والأقطار وأصلي وأسلم على رسوله المصطفى المختار وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ماأظلم ليلٌ وأشرق نهار أما بعد : 

تميّز المسجد الأقصى بأنه قبلة المسلمين الأولى فكان النبي يصلي إلى جهته جاعلاً الكعبة بين وبين بيت المقدس وكذلك المسلمون ولمّا هاجر صلى إليه مباشرة كما ورد في السنة عند الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال : " كان رسول الله يُصلي بمكة نحو بيت المقدس ، والكعبة بين يديه ، وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً ثمّ صُرف إلى الكعبة " وكان صرفه من التوجه إلى بيت المقدس إلى الكعبة في السنة الثانية من الهجرة وذلك بعد نزول قول الله تعالى : ( قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كُنتم فولوا وجوهكم شطره . . ) مع أن المسجد الحرام موضوعٌ في الأرض قبل المسجد الأقصى بأربعين سنة ، ولكن كانت صلاة النبي وأصحابه لبيت المقدس لحكمة ،  ومن فضل بيت المقدس ماورد في التملك حوله في حديث أبي ذر رضي الله عنه كما في مستدرك الحاكم حيث قال صلى الله عليه وسلم : " وليوشكن أن يكون للرجل مثلُ شَطَنِ فرسِه - أي حبل فرسه - من الأرض ، حيثُ يرى منه بيت المقدس خيرٌ له من الدنيا جميعاً " أو قال : " خيرٌ من الدنيا وما فيها " وهذا الحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني وغيره . 

عباد الله :  أرض القدس وماحولها في آخر الزمان هي معقل الإيمان فقد ورد في السنة عند ذكر الدجال أن أم شَرِيك بنت أبي العَكَر أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " يارسول الله فأين العرب يومئذٍ ؟ قال : " هم يومئذٍ قليل ، وجلُّهم ببيت المقدس ، وإمامهم رجلٌ صالح " .

وروى الإمام أحمد بسنده إلى أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتزال طائفةٌ من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين ، لايضرّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء ، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك "  قالوا : يارسول الله وأين هم ؟ قال : " ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس " وأخرجه الطبراني وقال الهيثمي : " رجاله ثقات  "  . . 

وللأهمية يجب التفريق بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة الذي هو تابع للمسجد الأقصى فهناك تعتيم إعلامي خارجي مقصود أو غير مقصود فالغالب في الصور التي تظهر هو مسجد قبة الصخرة ومسجد قبة الصخرة نسبة لصخرة فيه كان اليهود يستقبلونها عند صلاتهم وعمر رضي الله عنه بنى مصلى للمسلمين أمام الصخرة وليس خلفها يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر ، وأما الصخرة فلم يُصل عندها عمر ولا الصحابة ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة ، بل كانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ومعاوية ويزيد ومروان " انتهى كلامه فلما جاء ابن مروان بن الحكم عبدالملك بن مروان بنى القبة على الصخرة 

أيها الإخوة يجب مناصرة القضية الفلسطينية والدعاء لأهلها بالنصر والتمكين على اليهود الغاصبين ومناصرة قضايا المسلمين فإن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى . . ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 


خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...