الثلاثاء، 21 فبراير 2023

خطبة عن الغش التجاري والإحتكار

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : شرع الله المطهّر أتى بكل خيرٍ للبشر ونهى عن كل شر وكل مافيه ضرر وغالباً مايكون الخير والشر في تعاملات الناس مع بعضهم البعض والإنسان كما أخبر عنه الخلّاق العليم جُبِل على حبّ المال واقتنائه والسعي في سبيل كسبه ( وإنه لحب الخير لشديد ) والخير هو المال كما ذكر المفسرون ولايُنكر أحدٌ أنّه عصب الحياة وبه قَوام عيش الإنسان ، ولكنّ الكثير جعل اقتناء المال هو الغاية والثراء هو الهدف من هذه الحياة ، فسلك سبُلاً ملتوية وطُرقاً محرّمة في اقتناء المال وجمعه ، فمن ذلك الغش في البيع والشراء وهو سبيلٌ مقيتٌ مذموم ينافي الإيمان الكامل ، ومن كان ذلك سبيله فهو على غير طريقة النبي صلى الله عليه وأصحابه ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حمل علينا السلاح فليس منّا ، ومن غشّنا فليس منّا " وفي رواية أخرى عند مسلمٍ أيضاً : " من غشّ فليس منّي " وفي حديثٍ آخر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على صُبرة طعام ، فأدخل يده فيها فأصابت أصبابعه بللاً ، فقال : " ماهذا ياصاحب الطعام ؟ " قال : أصبته السماء يارسول الله ، قال : " أفلا جعلتَه فوق الطعام كي يراه الناس ، من غشّ فليس مني " .والغش ينافي الأمانة وهو نوع خيانة ، وذلك أن المشتري يأمن البائع فيعطيه مالَه مُقابلَ سلعةٍ يصفها له سالمة من العيوب ومن ثمَّ يتبيّن عدمُ سلامتها ، فإن ذلك قلة أمانة وكذبٌ والمؤمن لايكذب وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال : " لا إيمان لمن لاأمانه له ، ولا دين لمن لاعهد له " أخرجه أحمد في مُسنده أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرُهم . 

عباد الله : والغش بأنواعه مُحرّمٌ سواءاً كان تجارياً في السلع أو طعاماً أو بضائع معينّة وكذلك الغش في التعليم والإمتحانات والكثير من العلماء عدُّوا الغش كبيرة من كبائر الذنوب لأنه من الكذب ، ولا بركة في المال مع الغش بل إن المال الذي يجنيه العبد من وراء الغش ممحوق البركة لاينتفع البائع به وذلك مصداق ماأخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال : " البيّعان بالخيار مالم يتفرّقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما " وإن من الغش كتمُ العيب او إخفائه عن المُشتري ففي حديث عُقبة بن عامر رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المسلم أخو المسلم ، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بيّنَه له " أخرجه الطبراني والبيهقي . 

  عباد الله : ولما كان المجتمع المسلم يعيش كالمجتمع الواحد بلا أنانية ولا استئثار عن الغير كما قال صلى الله عليه وسلم : " لايؤمن أحدُكم حتى يُحب لأخيه مايُحب لنفسه " من أجل ذلك حرّم السلوكيّات التي تدعو للشح والأنانية ومن ذلك الإحتكار في البيع والشراء ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن معمر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من احتكر فهو خاطئ " وفي رواية أخرى : " لايحتكر إلا خاطئ " أي آثمٌ ظالم لنفسه . 

والإحتكار ليس هو مايظنه بعض الناس من احتكار التجار لمنتجات جلبوها من الخارج أو صنّعوها بالداخل أو كانوا وُكلاء لمنتجات وبضائع أجنبية في وقت الرخاء ، وإنما المراد بذلك مايكون في استيلاء واحتكار للسلعة وقت ضيق الناس وشدّتهم وخصوصاً في المواد الأساسية كالطعام وقت المجاعة والماء وقت الشدّة والظمأ والمواد التي يحتاجها الناس في وقت الكوارث ونحوِ ذلك وهذا هو المقصود في الحديث ، يقول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وإيانا أجمعين : ( أمّا الذي يشتري الطعام أو غير الطعام مما يحتاجُه الناس في وقت الرخاء وكثرته في الأسواق وعدم الضرر على أحد ، ثمّ إذا تحرّكت السلع باعه مع الناس من دون أن يُؤخرّه إلى شدة الضرورة ، بل متى تحرّكت وجاءت الفائدة باعه فلا حرج عليه ، وهذا عمل التجار في قديم الزمان وحديثه ) انتهى كلامه . . فنسأل الله أن يدفع عن المسلمين كافّة الشدّة والبلاء والكوارث واللأواء إنه سميع الدعاء واسع العطاء ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 

================= الخطبة الثانية ================

الحمد لله رزق من فضله وهدى ، وأولى وأعطى وأخرج المرعى فجعله غُثاءاً أحوى والصلاة والسلام على المبعوث بالنور والهدى نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ وبشرعه اهتدى أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الشرع الحنيف حذّر من الحلف في البيع عامّة ومن الحلِف الكاذب خاصّة ففي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إياكم وكثرة الحلِف في البيع فإنه يُنفّق ثمّ يمحق " وأخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثةٌ لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظرُ إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم " قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مِرارٍ ، قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه : خابوا وخسروا ، من هم يارسول الله ؟ قال : " المُسبل والمنّان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " .

واعلموا - ياعباد الله - أن البيع والشراء بشكل عام يشوبه مايشوبه من اللغو والحلف على السلع ، فالإكثار من الصدقة يحمي العبد بإذن الله من الكسب المحرّم ويُصفي ماله من الشُبَه التي ترد عليه ، يقول قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه - وكان من التجار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " كنّا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نُسمّى السماسرة فمرّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمّانا باسمٍ هو أحسن منه فقال : ( يامعشر التُجار ، إن البيع يحضُره اللغو والحلِف ، فشوبوه بالصدقة ) وفي رواية : " يحضُره الكذب والحلِف " .

عباد الله : إن التستر التجاري خطأ وإثمٌ ومُخالفة للأنظمة التي سنّتها الدولة - وفقها الله وهداها لكل خير - وفيه إضرار كبير بالمستهلك وذلك لما يجنيه التستر التجاري من عواقب وأضرار يجهلها الكثير من الناس ، وربّما كان بسبب التستر أضراراً حتى على قيَم المجتمع ودينه وإن قلّة المراقبة لمن لديه عمالة لكفيلٌ بأن تكون هناك تبعات يُحاسب عليها في الآخرة إن سلم من العقوبة الدنيوية والتي هو في غنىً عنها لو إلتزم بالأنظمة والتي فيها مصلحة للمواطن والعامل ، ووفق الله الجميع لمرضاته ونيل فضله وكرامته إنه سميعٌ مجيب . 

الأحد، 12 فبراير 2023

خطبة عن الشك والوسواس وأثرُهما على المسلم

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : الشك والريبة أمرٌ يمر على ابن آدم منذ خلقه الله بطبيعته البشرية وذلك أن القلب متقلّبٌ بخلقته التي فطرها الله تعالى ولكنّ أشد الشك خطراً وأعظمه أثراً هو الشك في الدين ، سواءٌ كان ذلك في قدرة الله أو وجوده أو البعث والنشور أو الجزاء والحساب أو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الأحداث والوقائع والفتن ، والشاكون يُعدّون من مرضى القلوب وهو مرض معنوي لاحسي والمعنوي أعظم شرّاً من الحسي وذلك أن المرض المعنوي به هلاك الإنسان وعذابه وجحيمه وحسرته وفي كتاب الله عندما تكون المحاورة بين المؤمنين والمنافقين : ( يوم يقول المنافقون والمنافقون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضُرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهرُه من قِبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفُسكم وتربصتُم وارتبتم وغرّتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغرّكم بالله الغرور * فاليوم لايؤخذُ منكم فديةٌ ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) ومن أقبح الشك ، الشك في الخالق فمن يشك في وجود الله أو يشك في قدرته فهو أشد كفراً من المشركين وذلك أن الله يقول : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يُجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنّى تسحرون ) 

عباد الله : الشك والظن والوهْم بينهما تشابه ، فمن ناحية لغوية ، يُعرّف الشك : خلاف اليقين وبتعريف أدق هو ترددٌ في الذهن بين أمرين لايتميز أحدهما على الآخر ، فإن تميّز ورجح أحدُهما على الآخر صار الأمر الراجح ظنّ ، وإن ترجّح الأمر المرجوح فهو وهم ، والشك كلّه مذموم إلا ماكان خارجاً عن إرادة الإنسان بخلاف الظن فبعضه مذموم وبعضه ممدوح ، ففي الظن الممدوح يقول الله تعالى في شأن الخاشعين ( الذين يظنون أنهم ملاقوا ربِّهم وأنهم إليه راجعون ) وقال في المذموم في شأن المشركين ( وقالوا ماهي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يُهلكنا إلا الدهر ومالهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ) . 

عباد الله :  الشك عذابٌ وفتنة لمن ابتُلي به ، و نَشْرُه ووضع منهجيَّةٍ تدعوا إليه مذهبٌ فكري غربي ، دعا له ونافح عن فكرته فلاسفة حمقى من الغرب الكافر حتى وصل بهم الحال إلى الشك في وجودهم هم بأنفسهم ، وتأثر أناسٌ من بني جلدتنا بنهجهم وضلالاتهم ، بل إنه في الماضي خاض ودعا للشك أناسٌ يُعدَّون من علماء المسلمين مع الأسف بسبب تعريب كتب اليونان والإعتقادات الفكرية المقتبسة من غير الشرع كالعقل والمنطق كالغزالي مثلاً والجاحظ وغيرهم ،وتاب منهم من تاب وكان الغزالي صاحب كتاب - إحياء علوم الدين - كان يقول عن الشك : " من لم يشك لم ينظر ، ومن لم ينظر لم يُبصر ، ومن لم يُبصر بقي في العمى والضلالة "  ثم تحدّث عن توبته فقال : " وعادت النفس إلى الصحة والإعتدال ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقاً بها على أمن ويقين ، ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام ، بل بنورٍ قذفه الله تعالى في الصدر " .

وأثّرت موجة الشك على بعض المتكلمين ، مما جعلهم يقولون : " إن أول واجب على المكلف المعرفة أو النظر أو القصد إلى النظر " وليس التوحيد كما يدّعون ، ولا شك أن هذا كفرٌ وانحراف وزيغ ، والشك في الواقع لايُفيد العلم ولايُثْبِت الحقائق ولا يمكن أن تقوم حال الإنسان إلا باليقين والعلم ، وما قامت السماوات والأرض ولا فطرة الله التي فطر الناس عليها في الأصل على شك وظنون ، بل على علمٍ  بالرب وعلى حقيقة المعرفة بآياته ومخلوقاته الدالّة عليه والعقل الموصل إليه والله هو الحق المبين ويدعوا إلى الحق ويحرّم لبس الحق بالباطل ( ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وانه على كل شيء قدير ) ( بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ) ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) والشك حيرة ووهم وتخبط وضلال وظلمات وضياع عمر واستهواء من الشيطان للعبد ( قل أندعوا من دون الله ما لاينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه غلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنُسلم لرب العالمين ) ( أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثلُه في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُين للكافرين ماكانوا يعملون ) . 

عباد الله :  ينبغي للمسلم أن يُعرض عن من ينشر الشك ويثير الشُبه ولو كان مقرّباً منه لأن أكثر من يثير مثل هذه الشكوك هو في الواقع مُغرضٌ وليس متبعٌ للحق ، وناشرٌ للجدال بلا ثمرة ولا نتيجة ، وكثيرٌ من أعداء الدين ينشرون ويثيرون مثل هذه الشكوك قصداً منهم لزعزعة عقيدة المسلم ، وكسر قوة إيمانه بربه ونبيّه ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقول كما ورد في صحيح مسلم : " أشهد ان لاإله إلا الله وأني رسول لايلقى بهما عبدٌ غيرَ شاكٍّ فيهما إلا دخل الجنة "  وأشد مايورد أعداء الدين على عامّة هو قذف الشُبَه لجلب الشكوك فيما لاعلم لهم به ولا تُدركه عقولهم ، وقذف الشُبه على عوام الناس داءٌ خطير لكون البعض من الناس هشَّ الإيمان رقيقَ الديانة فتؤثر في من أراد الله أن تؤثر فيه هذه الشبهة ، وتضرّه لقلة علمه وسطحية عقله ، وغلبة جهله والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى التعوذ بالله من هذه الشُبه والشكوك فقال صلى الله عليه وسلم : " يأتي الشيطان أحدَكُم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربّك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتَه " وهذا الطريقة من أسلم الطُرق وأفضلِها للتعامل مع كيد الشيطان وأذنابه من شياطين الإنس والجن ، فاللهم احفظ علينا ديننا وإيماننا وزدنا توفيقاً ويقينا وجنبنا كيد الشيطان ياذا الفضل والإحسان أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفرلكم إنه هو الغفور الرحيم . 

=============== الخطبة الثانية ================

الحمد لله رب الأرض والسماء يهدي من يشاء ويضل من يشاء وبيده الفصل والقضاء والصلاة والسلام على المبعوث بالبينات والهدى نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضلُ الصلوات وأزكى التسليم من الله والتحيّات أما بعد : 

عباد الله : أخرج النسائي وأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول  : " اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشِقاق وسوء الأخلاق " وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله عند الركن العراقي من الكعبة وهو الركن الذي فيه الحجر الأسود ، وذلك من أدعيته عليه الصلاة والسلام  . 

عباد الله : يطرأ الشك على المسلم في وضوءه وصلاته ويجب أن يتعامل معه المسلم بمنهج شرعي حتى لايتمادى مع هذه الشكوك التي تطرأ عليه ، ففي الوضوء ينبغي أن يحذر المسلم أن يزيد على الثلاث بأي حال من الأحوال فإن من استيقن أنَّه غسلَ العضوَ من أعضاء الوضوء ثلاثاً ، فلا ينبغي أن يلتفت لإملاءات الشيطان والنفس وإلا دخل في حالة مرضيّة تسمى الوسواس القهري - أجارنا الله وإياكم - فيجب على المسلم أن يكون صارماً مع نفسه ،  فإن أناساً من هذه الأمة سيعتدون في الوضوء  حيث روى مُغفّل المُزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون في هذه الأمة قومٌ يعتدون في الطَهور والدعاء " وفي الحديث أن أعرابياً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء ؟ فأراه ثلاثاً ، ثلاثاً ، قال : " هذا الوضوءُ فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم " وفي الصلاة - ياعباد الله - يحصل الشك من الكثير وأكثر مايجلبُه عدم الخشوع وحضور القلب ، وفي حديث عثمان بن أبي العاص في صحيح مسلم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسُها عليّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك شيطانٌ يُقال له خِنْزَب : فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفُل عن يسارك ثلاثاً " قال ، ففعلتُ ذلك فاذهبه الله عنّي ، وقد يأتي الشك بعد الصلاة وهذا لايؤثر فيها ولا يلتفتُ إليه وهو إجماع من أهل العلم وفي ذلك يقول الناظم : 

والشك بعد الفعل لايؤثرُ * وهكذا إذا الشكوك تكثُر 

وكل ذلك قطعاً لتسرّب الشك إلى النفس وحزماً في دفعه ورداً لكيد الشيطان ووسوسته وأبعد الناس منه هم المستعيذون بربهم والذاكرون المستغفرون . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلِام عليه فقال عز من قائل سبحانه : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما ) .  .

الاثنين، 6 فبراير 2023

خطبة عن كثرة الزلازل والفتن في آخر الزمان

الحمدلله الذي له مافي السماوات ومافي الأرض وهو الحكيم الخبير ، يقدّر مايشاء ويختار وهو الحليم القدير ، وعنده مفاتح الغيب وبيده الأمر كله وإليه المصير ، والصلاة والسلام على النبي الكريم والسراج المنير نبينا محمد الذي أرسله ربه بالفرقان والبينات عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات من رب الأرض والسماوات أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى سبيل النجاة في الحياة وبعد الممات ( ألا إن أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )   واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : روى البخاري بسنده عن أبي اليمان قال : أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبوالزناد عن عبدالرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتقوم الساعة حتى يُقبض العلم وتكثُر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض " . 
فهذه خمس علامات من علامات الساعة وهي علاماتٌ صغرى وليست كُبرى وكثرة الزلازل في هذا الوقت خاصة أمرٌ مُلفت في النظر فلقد سمعتم بعدة زلازل وقعت في بلاد الشام وتركيا تضرر منها خلق كثير وتضررت مبان ومدن بهزات تعد بالثواني ، وفي بلد واحد في أمريكا الجنوبية حدثت تسعة عشر ومائتين هزة أدى ذلك لإثارة الرعب والقلق لسكان تلك المناطق وتضرر الكثير من الناس وتشرّد خلقٌ لايحصيهم إلا الله وهذه الزلازل والهزات الأرضية لاشك أنها ابتلاء للمؤمن وعذاب ونكال للكافر وذلك يُذكّر بقول الله : ( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لايشعرون * ثم يوم القيامة يُخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) . 
عباد الله : كثرة الزلازل أمرٌ من ثوابت علامات الساعة وغالباً أنها يُقصد بها الزلازل المحسوسة وهو الأظهر من النصوص الشرعية لاتزلزل الأفكار والعقائد كما يعتقد البعض فإن شكوك واهتزاز العقائد والأفكار نوعٌ من الإنحراف والإرجاف والزيغ والمعنى الحسي أقوى احتمالاً من المعنوي ، وفي حديث سلمة بن نُفيل السَّكوني رضي الله عنه - وله صُحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بين يدي الساعة مُوْتان شديد ، وبعده سنوات الزلازل " أخرجه أحمد والدارمي وفي رواية أخرى لأحمد رحمه الله : " وبين يدي الساعة سنوات الزلازل "  . 
عباد الله : لاشك أن هذه الزلازل سبب نقمة من الله جل جلاله ، فعلى العباد أن يحذروا من أسباب سخط الله جل وعلا ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) وفي حديث مرسل عن شهربن حوشب رحمه الله قال : " زُلزلت المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربكم يستعتِبُكم فأعتبوه " وهو حديث فيه ضعف أورده ابن أبي شيبة في مصنفه لكنه ثبت هذا القول عن ابن مسعود رضي الله عنه عندما وقعت زلزلة بالكوفة فقال رضي الله عنه : " إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه " ومعنى استعتاب الرب سبحانه وتعالى لعباده : أي يطلب منهم أن يزيلوا ماعتب عليهم فيه من ذنوب موبقة ومعاصٍ قائمة ، وأما عتبى العبيد لربهم : فهو طلبهم منه جل وعلا أن يمهلهم ليتوبوا لكي يزيلوا أسباب السخط ولا يُعاجلهم بالعقوبة  وعن عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بن أبي عبيد قالت : " زلزلت المدينة على عهد عمر رضي الله عنه فقال : أيها الناس ، ماهذا ؟ ما أسرع ما أحدثتم ، لئن عادت لا أساكنُكم فيها " وكتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى الأمصار : " أما بعد : فإن هذا الرجف شيٌ يعاتب الله عز وجل به العباد ، وقد كتبت إلى سائر الأمصار يُخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيءٌ فليتصدق به ، فإن الله عز وجل قال : " قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربه فصلى " . 
عباد الله : إن الزلازل والأراجيف والهزات الأرضية يذكر بشيء قليل من أهوال يوم القيامة ، فيوم القيامة فيه أهوال وشدائد لايُطيقها ولا يحتملُها ابن آدم إلا من ثبته الله ويصبحُ فيها أكثر الناس أشبه بالمجانين من شدة الخوف وهول المطلع ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم * يوم ترونها تذهلُ كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سُكارى وماهم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد ) وفي ذلك اليوم يرى يصدُرُ الناس كلهم ليَروا أعمالهم بعدما وردوا لهذه الدُنيا وهي دار الإمتحان والإبتلاء لادار الجزاء وفي ذلك اليوم تحدّث الأرض بما وقع فيها من خيرٍ أو شرّ ، ومن أراد أن يتصوّر ويرى يوم القيامة كرأي العين فليقرأ سورة التكوير وسورة الإنفطار وسورة الإنشقاق كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام . 
عباد الله : الناس عند وقوع المصائب يختلف حالُهم وتتباين أفكارهم وتفسيرُهم لهذه الظواهر فمن الناس من يعدّ هذه ظواهر طبيعيّة وحوادث سببها فقط انزلاق بطبقات الأرض أو بسبب أنشطة بركانية أو بسبب تحرّك صفيحة صخرية أو اصدام صفيحة بأخرى ويقفون عند هذه الأسباب المادية ويغفلون عن الأسباب المعنوية والتي منها ذنوب العباد وبغيهم وانتشار الفواحش والرضا بالمنكر والترويج له مع الله تعالى عمّم حصول المصائب بسبب الذنوب فلم يستثن من ذلك شيء وعفوه كثير فقال جلّ وعلا : ( وما أصابكم من مُصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفوا عن كثير ) وفي المُقابل أيضاً من تجري عليه هذه المصائب فيسترجعُ ويحمدُ الله على ذلك في السراء أو الضرّاء فهو مع الله في كل أحيانه يرضى بقدره ويقنع بعطائه ولا يسخط من قدره حين وقوع المصيبة ، فيقوم بعد حدوث كارثة أو مصيبة قد نال أجرين أجرٌ على المصيبة في نفسه وأجرٌ على مافقد من ماله أو عياله ، ويقضي بقيّة حياته يمشي على الأرض ماعليه خطيئة مع درجة عالية ومنزلة رفيعة حازها عند الله وفي الحديث : " إن الرجل لتكون له المنزلة عند الله فما يبلُغها بعمله ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يُبلّغه إياها " وفي الحديث الآخر أيضاً من حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرِّضت في الدنيا بالمقاريض " رواه الترمذي وحسّنه جمعٌ من أهل العلم ولا يُبتلى العبد إلا على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان غير ذلك خُفف عنه ، والصابرون يُعطون أجرهم كاملاً بلا حساب ( إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ) فاللهم وفقنا للصبر حين البلاء وأعظم لنا الأجر والعطاء ياسميع الدعاء أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التوّاب الرحيم . 
============= الخطبة الثانية =============
الحمدلله له المحامد كلُّها كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على المبعوث بالبر والتقوى ، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم من الكريم المولى أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله -  فبالتقوى تُستدفعُ البلايا وتُستمنح العطايا ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا ) . 
عباد الله : كلٌ منا يرغب ويرجو معيّة الله له في كل أمره وأن يكون الله له معيناً ونصيرا في شأنه كل وهذه تتحقق بأن تكون مع أخيك حين يمسّه الضر والحوادث والنكبات وفي الحديث : " والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه " والإنفاق في السرا والضراء من صفات المتّقين ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنّة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين * الذين ينفقون في السرّاء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يُحب المحسنين )  وفي الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " . 
عباد الله : وأشدّ مايكون المسلم في حاجة أخيه عندما تحصل له نكبة فيُهدم بيته ويذهب ماله وتشّرد أسرته فيكون بلامأوى ولا طعام  معرّضاً للموت ، قد اجتمع عليه التشرّد والخوف والهم والبرد وجهالة المصير قد أتته اقدار الله جل وعلا ونفسه كانت مطمئنة مع أسرته فتحول حاله بلحظات إلى أفقر حالات العبد وأذلّها ، فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوّل عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك 
فمثل من ابتُلي بذلك كان لزاماً على المسلم أن يواسيه بماله ويقف معه بمدّ يد العون له وفي الحديث : " يابن آدم إنك إن تبذل الفضل -خيرٌ لك وأن تمسكَه  شرٌّ لك ، ولا تُلام على كفاف . . " الحديث والفضل من المال هو الزائد عن حاجات الإنسان الأساسية والكثير منا ولله الحمد عنده فضلٌ من ماله فلا يبخلنّ به حينما يُفتح له باب الخير والإنفاق ليكون هذا المال شاهداً له وأجراً ويُرفع به عند الله منزلة وقدرا . .  ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائلٍ عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...