السبت، 21 أكتوبر 2023

خطبة عن العفة والعفاف والطهر

 الحمدلله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملا ، أحمده وهو أهل الحمد في الأرض والسماوات العلى ، وأثني عليه الخير كلَّه وهو القاهر على عرشه أعتلى ، وأصلي وأسلّم على خير الملا نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه والكرام الأُلَى ، وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم المعاد أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى وقاية من المعاصي والمنكرات جلّابٌ للعطايا والخيرات ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا )  

عباد الله : معنى من معاني الفضيلة والرفعة والنزاهة هو عنوان لمن اصطفاهم الله تعالى وشرفٌ للمؤمن وقدسية لنفوس المؤمنين أمر الله به وحذر من الطرق الموصلة لهدمه أو خدش جنابه أو تجفيف منابعه على نطاق الأسرة والمجتمع ألا وهو العفاف وأصل العفاف هو الكف عن مالايحل ويجمُل والعفاف بمعناه الواسع يُطلق على العفاف عن الحرام وأموال الناس وأعراضهم حتى العفاف عن الشبهات التي هي درجةٌ رفيعة أسعد الناس بها المتقون ، وإن أهم العفاف الذي ينبغي أن يعضّ عليه ابن آدم أن يحفظ نفسه من أن يقرب مواقع الخنا ويجتنب كل طريق يُوصل إلى الفاحشة والزنا وهو في شبابه حتى لايتدنس عِرْضُه بالرذيلة والحرام قبل الزواج وأن يُعجّل بالنكاح إن استطاع إلى ذلك سبيلاً ( وليستعفف الذين لايجدون نكاحاً حتى يُغنيَهم الله من فضله . . ) وقال جل وعلا في صفات المؤمنين ( والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانُهم فإنهم غير ملُومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) وقال جل وعلا : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) وتأمل قولَه  جل وعلا : " ولا تقربوا " ولم يقلْ ولا تفعلوا الزنا أو لاتزنوا ؛ لأن قربان الزنا وكل طريق يوصل إليه وإن لم يكن بشكلٍ مباشر هو من خطوات الشيطان فهو يتناول كلُ طريق من إطالة الحديث مع النساء والإختلاط والرسائل التي بها رموز غرامية ونحوِ ذلك ، ولذا قال جلا وعلا في سورة النور : ( يا أيها الذين آمنوا لاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتّبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمُنكر . . ) . وكان من جُملة دعاءه عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني أسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغِنى " ولعل أشهر قصة في العفاف ، قصة نبي الله يوسُفَ عليه السلام حينما همت به امرأة العزيز فعفّ وزكّاه الله ، كيف لا ؟ ! وهو نبي كريم له عند الله مقامٌ سامٍ ومنزلةٌ رفيعة ، فقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام  أنه الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، ومع كل ماأوتي يوسفَ عليه السلام من كرم نسب وعفّة نفس لم يركُن إلى عفته ونصيبه من الفضيلة ، بل كان يدعو عليه الصلاة والسلام ويقول : ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهُن أصب إليهم وأكن من الجاهلين ) .  

عباد الله : عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى  سنن الدارمي بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحياء والعفاف والعي عي اللسان لاعي القلب والفقه من الإيمان ، وهن مما يزدن في الآخرة وينقصن في الدنيا "

عباد الله : إن من حفظ نفسه من الفواحش لحريّ أن يسود ويسوّد في الدنيا والآخرة وأما كرامة الله فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لاظل إلا ظلُّه جل وعلا : " رجلٌ دعته امرأة ذاتُ منصب وجمال فقال إني أخاف الله " وورد في العِقد الفريد لابن عبدربه أن عمر بن الخطاب الخليفة الراشد رضي الله عنه يقول : " المروءة مروءتان : مروءةٌ ظاهرة ومروءة باطنة ، فالمروءة الظاهرة الرِّياش - أي اللباس - والمروءة الباطنة العفاف " وفي الآداب الشرعية لابن مُفلِح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : " نحنُ معشر قُريش نعُدُّ الحِلم والجود السؤدد ، ونعدُّ العفاف وإصلاح المال المروءة " ويقول الشافعي رضي الله عنه : " الفضائل أربع : إحداها :  الحكمة وقِوامُها الفكرة ، والثانية : العفّة وقِوامُها الشهوة ، والثالثة : القوّة وقِوامُها الغضب ، والرابعة : العدل وقِوامُهُ في اعتدال قوى النفس " 

عباد الله : كان الكثير من العرب وهم في جاهليتهم من أعفّ الناس عن الأعراض والرذيلة لأن كثيرٌ منهم يعدون الزنا دناءة وسَفالَة ونقص مروءة ومما ورد في ذلك مارواه ابن عدالبر عن أبي حازم بن دينار قال : " كان أهل الجاهليّة أبرّ منكم ، هذا قائلهم قال - وهو مسكين الدارمي : 

ناري ونارُ الجار واحدةٌ * وإليه قبليْ يُنزلُ القدرُ

ماضرّ جاري إذ أُجاورُه * أن لايكون لُبابُه سترُ

أعمى إذا ماجارتي برزَت * حتى يُواري جارتي الخدرُ

ويقول عنترة بن شداد : وأغضُ طَرفي إن بدت لي جارتي * حتى يُواري جارتي مأواها 
ويقول بشار بن بُرد وهو بعدهم : 
وإنّي لعِفٌّ عن زيارة جارتي * وإنّي لمشنوءٌ إليّ اغتيابُها 
إذا غاب عنها بعلُها لم أكن لها * زؤوراً ولم تأنس إليّ كِلابُها 
ولم أك طلّاباً أحاديث سرِّها * ولا عالماً من أيّ حوكِ ثيابِها 
عباد الله : إن ثمار العفاف والعفة المخرج من الشدائد والمِحن وفي السنّة شاهد وهو حديث ابن عمر رضي الله عنه المتفق عليه في الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة حينما آووا إلى الغار للمبيت فدعَوا الله بصالح أعمالهم وكان فيهم رجلٌ يحب ابنة عمّ ٍ له كأشدّ مايُحب الرجالُ النساء ، فأرادها عن نفسِها فامتنعت فألمت بها سنة من السنين فجاءته فأعطاها عشرين ومائة دينار على أن تُخلّي بينها وبين نفسها ففعلت ، حتى إذا قدرتُ عليها قالت : اتق الله ولاتفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرف عنها وهي أحبُ الناس إليّه وترك الذهب الذي أعطاها لها  وقال : " اللهم إن كنت عملت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنّا مانحنُ فيه " فانفرجت الصخرة لما دعوُا الله جميعاً وخرجوا يمشون .
ومن ثمار العفة : سلامة العبد في دينه وأخلاقه وعرضه ، وهذا رأس مال العبد لأنه إذا فسد هؤلاء الثلاث فسد العبد وأفسد المجتمع . . فاللهم سلّم لنا ديننا وأعراضنا وأخلاقنا من المفسدات والدنايا يارب البرايا ياكريم العطايا ، أقول ماسمعتُم وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

================ الخطبة الثانية ================

الحمدلله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى الآل والصحب أجمعين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد : 
عباد الله : إن العفّة والفضيلة تُحارب في بلادنا وفي بلاد المسلمين عامّة ، والغرب يتربص بالأسرة المسلمة الدوائر ، فيُسلّط عليهم كل مجون وانحراف من خلال القنوات أو اللاهثين ورائها من خلال الجوالات ، وهذا ينبغي الحذر منه وتوجيه رب الأسرة لمن تحت يده من النساء والبنات خاصّة لأن المرأة مستهدفة من قِبل أعداء الأسلام من كل حدب وصوب ، لأنهم يعلمون أن الأسرة المسلمة لايُمكن أن تكونَ متماسكة صلبة  تُغيظ الأعداء إلا إذا كان المرأة - والتي هي قاعدة البيت - صالحة في نفسها مُصلحة لشؤون أولادها قائمة على تربيتهم بقيَم الفضيلة والنزاهة والصلاح والإستقامة ، وإذا تحقق ذلك استقامت الأسرة وأثمرت ثماراً يجنيه الوالدين فيما بعد . 
عباد الله : إن أكثر من يقف على قنوات الإفساد في العالم هم اليهود وكذلك أجهزة الإعلام فهم يسيطرون على الكثير منها حول العالم أجمع ولذلك ينظرون أنه لايمكن أن يسيطروا على الشعوب إلا بعد إفسادهم وجعلهم عبيداً للشهوات بداية من الفرد وكذلك الأسرة ونهاية بالمجتمع بأسره ، سعوا لضرب الدول بعضها ببعض ( كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لايُحب المفسدين ) فهم الذين أفسدوا المرأة الأوروبية االمسيحية لتي كان لباسها محتشماً قبل الثورة الفرنسية عن طريق عملاء لهم قبل حوالي قرنين من الزمان فخلعت الحجاب ولبست لباساً يكشف الشعر والوجه وبعض أجزاء الجسم ، مع أن الإنجيل أمرها بعدم كشف شعرها وحذرها من فتنة الرجال ، ولكنّه العمى والضلال ، ومن ثمّ انتقل اللبس الفاضح المهين للمرأة إلى الدول الأخرى وبهذا يشهد كُتّاب وساسة لديهم أن اليهود وعملائهم سببٌ لشيوع الرذيلة في المجتمعات الأوروبية ومن يُقارن بحجاب المرأة قبل مائة وخمسين سنة وبين حجابها اليوم في العالم أجمع يجد فرقاً شاسعاً وبوناً عظيماً ، ومن ثمّ بعد ذلك تأثر بعض العلمانيين الذي يعيشون في البلدان الإسلامية بهذا التحوّل الذي يعدونه نورانياً ، وأخذوا يبثونه في مجتمعاتٍ مسلمة ؛ فظهرت ثورات على الحجاب في بعض البلدان الإسلامية وأوقعت معها ضحايا يردن الحريّة - بزعمهن - فصار اللباس العاري منتشراً في كثيرٍ من البلدان العربية والإسلامية ، واليوم يُحظَـر الحجاب في كثير من الدول الأوروبية والمرأة لديهم رخيصة يجرّونها إلى مواقع الرذيلة والخنا ، ولا تسل عن آثار فقد العفة في تلك المجتمعات وغيرها في الشرق والغرب من كثرة أبناء الزنا والرذيلة والشذوذ الجنسي ، وقتل النساء وانتشار الجريمة بسبب تلك الشهوات ، وكذلك الإنسان يكون ، إذا لم يكن له رادعٌ من دينٍ وخُلقٍ وعفة يكون كالبهيمة أجلّكم الله ( ولقد ذرأنا لجنهم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لايفقهون بها ولها أعينٌ لايبصون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) .
ثم صلوا وسلموا على هادي البشرية وصاحب النفس الزكيّة فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين .

الأربعاء، 18 أكتوبر 2023

خطبة عن بني اسرائيل واليهود ومكرهم عبر التاريخ

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسِانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . 
واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : عندما نقرأ كتاب الله جل وعلا نجد أنه تناول بني اسرائيل تناولاً طويلاً فذكر كثيراً من أخبارهم لأنهم أهل الكتاب قبلنا وبتفضيل الله لهم على أهل زمانهم وبنو اسرائيل هم ذرية يعقوب ويتناول اليهود والنصارى ، وكثيراً يُطلق على اليهود ممن كانوا قبل عيسى عليه السلام واختيار الله لهم على علمٍ وخِبرة وهو العليم الخبير وفيهم يقول جل وعلا ( ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين ) على عالَمي زمانهم ، وآتاهم من الآيات مالم يعطِ غيرَهم من الناس والأمم مافيه اختبار لهم وامتحان ومن أعظم ماأعطاهم ووهبهم أن أنزل عليهم مائدة من السماء فيها من أصناف الطعام  مافيها وفلق لهم البحر وظلل عليهم الغمام وهو السحاب وأنزل عليهم المنّ والسلوى فقال جل وعلا : ( وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات مارزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) وقال :( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) واشترطوا بعدما بعث الله إليهم موسى أنهم لن يؤمنوا بما جاء به موسى حتى يَروا الله جهرة - أي عياناً بأعينهم - فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ثم أحياهم الله بعد موتهم ، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى : ( وإذ قُلتُم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعهد موتكم لعلكم تشكرون ) وهذا أمر يندر حدوثه أن يحيي الله عبداً بعد موته وكم هي من نعمة أن يمهل الله العبد ولا يُعاجله بالعقوبة ليستعتب ويتوب وإلى ربه جل وعلا يؤوب . 
عباد الله : مع كل الآيات التي مرت على بني اسرائيل وعِظَم تلك الآيات إلا أنه كَفَرَ وفَسَقَ كثيرٌ منهم  كما قال جل وعلا : ( لو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم امة مقتصدة وكثيرٌ منهم ساء مايعملون ) وقال جل جلاله : ( ألم يأن للذي آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبلُ فطال عليهم الأمد فقست قلوبُهم وكثيرٌ منهم فاسقون )  ومن أشنع جرمهم وأخبثه أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق ، فمن كان من الأنبياء لاتهواه أنفسهم إما أن يكفروا به وإما أن يقتلوه ، وقد قرّعهم الله بذلك حيث قال عز وجل : ( أفكلما جاءكم رسولٌ بما لاتهوى استكبرتم أنفُسُكم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتُلون ) . 
عباد الله : ولمّا كان من بني اسرائيل الصدود والإعراض عن الإيمان وخاصّة من اليهود عاقبهم الله بعقوبات منها : ضرْبُ الذلّة والمسكنة عليهم وهذا أمرٌ ظاهر جلي ، فتجدُ اليهود أجبنَ الناس وأقلَّهم شجاعة وعزة في الحروب والقتال ، ولذا قال الله عنهم : ( لايُقانلوكم جميعاً إلا في قرى محصّنةٍ أو من وراء جُدُر بأسهم بينهم شديد تحسبُهم جميعاً وقلوبهم شتّى ذلك بأنهم قومٌ لايعقلون )  ومن يتأمل حال اليهود بشكل عام لايجد أنهم خاضوا حرباً في القديم مع العرب ولا غيرهم من الأمم أبداً ، بل كانوا يعتمدون على غيرهم من الروم النصارى والفرس المجوس أو غيرهم من الأمم ، ولذلك يعيشون منعزلين منطوين يستنجدون النصرة من غيرهم على مدى التاريخ ، وهذا مُلاحظٌ  ظاهر حتى في وقتنا هذا . 
عباد الله : من أخبار بني اسرائيل التي قصها الله في كتابه على هذه الأمة ماورد في سورة الإسراء حيث قال الحق تبارك وتعالى : ( وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلُن علوّاً كبيرا * فإذا جاء وعدُ أولاهما بعثنا عليكم عباداً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا * ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً ) وقوله : " وقضينا إلى بني اسرائيل في الكتاب " أي قدّم لهم في التوراة ذلك الخبر ، وهو الإفساد مرتين فالإفساد الأول أن بني اسرائيل لما وَلَوا بيت المقدس أفسدوا فيه فسلّط الله عليهم بختنصّر - الملك البابلي - فقتلهم شرّ قِتلة ، وقد أورد ابن جرير الطبري في تفسيره سنداً صحيحاً إلى سعيد بن المسيّب رحمه الله قال : " ظهر بختنصّر على الشام فخرّب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كِباً ، فسألهم ماهذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ، وكلما ظهر عليه الكِبا ظهر - أي كلما وُضع عليه من الكُناسة فلا يزول الدم بل يظهر عليه ، قال : فقتَل على ذلك الدم سبعين ألفاً من المسلمين وغيرهم فسكن . 
وأما الإفساد الثاني : فاختُلف فيه فقيل العبادُ الذين سُلطوا على بني اسرائيل هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه وقيل : غيرهم فالله أعلم ، والذي يهم أن بني اسرائيل سيحصل منهم الإفساد في الأرض وسيُسلط عليهم بسبب ذلك عدوّاً لهم لإعراضهم وعصيانهم ، وإن كان التسليط على اليهود خاصة وعدٌ من الله على مر السنين وفي ذلك يقول الله جل في عُلاه : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومُهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفورٌ رحيم ) . . أعاذ الله المسلمين من شرورهم وبغيهم ورد كيد الخائنين في نحورهم إنه هو المسؤول جل جلاله وإليه كل الأمور تؤول ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
============= الخطبة الثانية =============
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 
عباد الله : كان اليهود وما يزالون أهلُ غدرٍ وخيانة وهذه صفة سائدة وسمة معروفة فيهم ، فمن يقرأ في السيرة يجد أنهم مايبرمون عهداً مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا وينقضونه ، ولذا قال الله عنهم : ( أوكلما عاهدوا عهدا ً نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لايؤمنون ) ولذا كان إجلاؤهم من أرض الجزيرة العربية حلاً وأمراً إلهياً مقضيَّاً وكان ذلك الإجلاء من المدينة على مرحلتين في غزوة بني قينقاع في السنة الثانية من الهجرة حيث ارتكبوا جُرماً مع امرأة من المسلمين يريدون منها كشف وجهها فأبت فدبروا لها مكيدة بأن عقد رجلٌ منهم طرف ثوبها إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتُها فقام رجل من المسلمين فقتل الفاعل فقام اليهود فقتلوا المسلم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً أجلاهم وطردهم بعد ذلك إلى أذرعات في الشام . 
وأما الجلاء الثاني ففي غزوة بني النضير في السنة الرابعة من الهجرة حيث دبّروا خطة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بإلقاء صخرة عليه وهومستندٌ إلى جدار أحد بيوتهم فجاء جبريل بالوحي فقام النبي عليه الصلاة والسلام من مكانه ، ومن ثمّ أرسل محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من المدينة ، ويُمهلهم عشرة أيام ليخرجوا ، فما كان منهم إلا أن رفضوا الخروج فقاد النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فحاصرهم في حصونهم ومن ثمَّ أخرجهم إلى خيبر وبعضهم ذهب للشام وبعضهم أسلم . 
وأما ماكان منهم في غزوة الأحزاب : فعندما خانوا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة وكان حينها مابقي منهم إلا بنو قريظة ، حيث عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحموا ظهره فغدروا به وأدخلوا المشركين إلى المدينة وبعدما انتهت الغزوة ، حَكَّم فيهم النبي صلى الله عليه وسلم سعدَ بن معاذ فحكم فيهم أن تُقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وأطفالهم وتُغنم أموالهم ، وكانوا يتوقعون من سعد رضي الله عنه خلاف ذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات " فقُتل في يوم واحد ستمائة من رجال اليهود ، وما بقي من اليهود في أرض الحجاز إلا ماكان في خيبر فأجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من خيبر إنفاذاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام  : " لايجتمع بجزيرة العرب دينان " . 
واليوم هؤلاء اليهود قد عاثوا في أرض بيت المقدس يقتلون ويشردون أهلها ظلماً وعدواناً وبغياً فتجب مناصرتهم والدعاء لهم ومواساتهم في غزة وغيرها من مدن فلسطين ، ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر . . ) كما أخبر الله وإن أقلّ ماتصنع - أخي المسلم - أن تجعل لهم من دعائك نصيباً على الدوام حتى يجلوا الله الغمة عن هذه الأمة بنصر الإسلام وأهله وتمكينهم في فلسطين والشام واليمن وفي كل مكان إنه ولي ذلك والقادر عليه . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . 
  

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...