الثلاثاء، 28 نوفمبر 2023

خطبة عن القراءة وأهميتها في مجتمعنا

الحمدلله الذي خلق الإنسام من عدم ، وعلّمه  بالقلم مالم يكن يعلم ، وأسبغ عليه وافر النعم ، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا خير رسل الأمم ، أنار بدعوته الطريق من الدياجي والظُلم ، وبعثه إلى الأميين بجوامع الكلم ، ليكونوا سادة أحباراً ويبلغوا الذرى والقمم ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والكرم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى يزيد في الهدى والبصيرة ويقي من الشرور الكثيرة ( واتقوا الله ويعلّمكم الله والله بما تعملون عليم ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) 

واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : ماتقدمت الأفراد والشعوب وما كان لها وزنٌ معتبر بين الأمم وعند الله عز وجل إلا بعلمٍ وديانة وثقافة تدل على الفضائل وتحجب عن الرذائل ، ولا يتأتّى هذا العلم ولا تزيد الثقافة الدينية والدنيوية إلا بالقراءة والإطلاع وأول كلمة أنزلها الله على نبيه قبل فاتحة الكتاب كلمة " إقرأ " ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علَق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم اِلإنسان مالم يعلم ) والقراءة - ياعباد الله - غذاء الأفكار وخلاصات التجارب ،  ومنارات يستنير بها أهل العقول والبصائر ، وهي سبيلٌ لرفع الجهل وبابٌ للعلم لايتم طلب العلم بدونها ، ولمّا كان أهل الكتاب قبلنا سبقوا بالقراءة وكانوا أهل كتاب بدراستهم وفهمهم ،أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألَ المنصفين منهم وأهل العدل حين الشك ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) وليس بشاكّ عليه الصلاة والسلام ، ولكنّ تلك الآية لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم  ، والقراءة لكتاب الله جل وعلا رفعةٌ ودرجات وتجارة مع الله ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) ، والقراءة والحفظ تسويدٌ في إمامة المصلين وفهمٌ وتأملٌ لكتاب رب العالمين ، ففي الحديث الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمُهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمُهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأقدمهم سنّاً . . " رواه مسلم .

عباد الله :  الله فضل القارئين والدارسين على غيرهم من فئات المجتمع ، وجعلهم - إن حصّلوا علم الكتاب - ربانيين ومشاعل هدى في مجتمعاتهم بسبب تعليمهم وقراءتهم ودراستهم ( ماكان لبشر أن يؤتيَه الله الكتاب والحُكم والنبوة ثم يقولَ للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كُنتم تُعلمون الكتاب وبما كُنتم تدرسون ) . 

وكذلك من تعلم القرآن وعلّمه نال الخيرية والفضل على سائر الناس وذلك لايكون إلا بالقراءة والمطالعة والحفظ ، ففي الحديث الصحيح : " خيرُكم من تعلّم القرآن وعلّمه " بل إن التدبر الذي أُنزل من أجله القرآن لايتأتى ولا يكون إلا بجودة القراءة وتلك منزلة ودرجة أرفع من مجرد القراءة ( كتابٌ أنزلنا إليك مبارك ٌليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) . 

عباد الله : هناك أمور في ديننا لايقوّمُها إلا العلماء الدراسون الذين اتسع علمهم ودراستُهم واطلاعُهم ، وهناك أمور دنيوية لايتمُ تعلمها ولا معرفتُها إلا بالقراءة والإطلاع ، ولا تكفي فيها التجربة والصَنعة ، ولذا لمّا كانت كثيرٌ من هذه الأمور مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقراءة والدراسة والإطلاع كان علينا مسؤوليةً مُناطةً بحث أفراد المجتمع بداية بأفراد الأسرة على القراءة والإطلاع ، وذلك لأنه إذا ساد الجهل بسبب قلّة العلم والقراءة والإطلاع صار المجتمع يدمّر بعضَه بعضاً ، فلا صاحبُ طب يحُسن ولا صاحبُ هندسة يُتقن ، ولا علمٌ يُنشر ولا جهلٌ يُرفع ، ولذا كثُر كلام التربويين حول أهمية الإطلاع والمعرفة  والقراءة ، وكان كثير منهم يقول : " أمة إقرأ لاتقرأ " .

عباد الله : من ثمار القراءة ونتاجها : الإطلاع على أفكار الآخرين النافعة وتجاربهم المفيدة وانتقاء الفكرة الحسنة النافعة لنقلها إلى الآخرين ، فينتفعون بها وتغير مستواهم الثقافي والعلمي للأفضل وهذا أمرٌ ملاحظ ، ومن ثمارها : أن الفرد القارئ يصبحُ أكثرُ نضجاً وعقلانية واتزاناً من غيره ، ومن ثمارها وهو الأهم : وجود الثراء اللغوي لديه وفهمه لمجتمعه ، ولذا تجد الذين يجيدون التعبير والكلام ويتكلمون في المحافل والمنتديات وكذلك أمام الجمهور من الناس هم أكثر الناس قراءة واطلاعاً ويتمتعون بسعة أفق وطلاقة لسان وأفكار إيجابية غالباً ، وذلك لأن العقل البشري يتصاغر عندما يكون متقوقعاً على نفسه لايطلعُ على أفكار الآخرين النافعة ، ولا يثري نفسه ، وكذلك كلامه وتعبيرُه إذا كان لم يثمّرُ لغته وبيانه وينمي مواهبه وقُـدراته ، ومن ثمارها أيضاً : قضاء وقت الفراغ الذي يضيع هدراً بلا فائدة . 

عباد الله : الإنتقاء للكتب المقروءة أمر مهم وحتمُ لازم فليس كل مايباع يُشترى فيُقرأ ، ومن كانت قراءته لكل مايقع في يده فقد فتَن نفسه ، وأوردها موارد الهلاك فهناك كتبٌ لايجوز قراءتها للعامي ولا لغير العامي ككتب السحر والشعوذة ، وكذلك الكتب التي تورد الشبه وتشكك في الدين وكتب المنطق والفلسفة والكلام ، ولا يحل قراءتُها إلا من قِبل عالمٌ يريد الرد على المدّعي لتلك الشُبَه وتفنيدها ،  وقد أورد النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلّم رأى في يد عمر شيئاً من التوراة فقال : "  لو كان موسى حيّاً ثمّ اتبعتموه وتركتموني لضللتُم " وفي رواية : " ماوسعه إلا اتباعي " وفي لفظ : " فتغيّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم لمّا عرض عليه عمر ذلك ، فقال له بعض الأنصار : يابن الخطاب ! ألا ترى إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر رضي الله عنه : رضينا بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا " وفي حديث آخر : " أمتهوكون فيها يابن الخطاب - أي أشاكون فيها - قد جئتُكم بها بيضاء نقيّة " وإن من المحاذير التي يجب أن ينتبه القارئ لها أن هناك أناس ضلوا وزلُّوا بسبب قراءتهم لكتبٍ تهدم أصول الدين وتشكك في العقيدة وربما تدعوا إلى الإلحاد ، فيجب الحذر ، وهناك من الكُتب من لاتعود على قارئها بمنفعة ولا فائدة فينبغي أن يتجنبها القارئ الفطِن ؛ لكي يُشغل وقت فراغه بما ينفعه ويزيدُ علمَه وهو على ذلك مأجور ، إن أراد رفع الجهل عنه ، فاللهم وفقنا للعلم النافع والعمل الصالح ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه من الخطايا والأوزار إنه هو العزيز الغفار . 

============= الخطبة الثانية =============

الحمد لله الذي هدى لسبيله القويم وأزاغ كل من تنكب عن صراطه المستقيم ، والصلاة والسلام على النبي الكريم ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :

عباد الله :  إن من يُمارس التعليم في بلاد العرب والمسلمين يجد عزُوفاً مخيفاً عن القراءة بين طلاب التعليم العام على وجه الخصوص وهو التعليم الذي يبني شخصية الطفل والشاب حتى يُقارب النضج ، وهذه المرحلة هي التعليم الذي يسهُل بعده طرق أبواب التخصصات العلمية الدقيقة التي يحتاجُها المجتمع هذا اليوم ، فإذا كان بناءُ هذا الدارس والناشئُ هشّا في مراحله الأولية تضرّر وعسُر عليه كلُّ باب من هذه التخصصات ، وكذلك التخصص الذي يُحبّه ويسعى جاهداً إليه وهذا يبيّن أثر الإطلاع والقراءة والفهم على مستقبل الأمة وأفرادها بشكلٍ عام ، فكل هذه التخصصات العلمية تكمّل المجتمع المسلم وتسعى لتلبية احتياجاته وتسدُّ العجز إذا تمت تغطيتها بالمَهَرة من الأفراد الذين أتقنوا تخصصاتهم وواصلوا عطائهم باطلاعهم ومعرفتهم . 

عباد الله : بعض المنظمات العالمية ترصد مستويات الإطلاع والثقافة والقراءة في شتى البلدان والمجتمعات البشريّة ومن ضمنها المجتمعات المسلمة والعربية ، ووجدوا أن هناك تدنٍّ ملحوظ وواضح في مجال القراءة والإطلاع في المجتمع العربي مقارنةً بالمجتمعات الشرقية والغربية ، وهذا نذيرٌ ينبئ أن هجر القراءة والإطلاع بدأت تزداد رقعته في مجتمعنا والمجتمع العربي بشكل عام وفي المجتمع المسلم بشكل نسبي ، مما يستدعي اليقظة وأهمية الوعي بين الأسر ومسؤوليتَها في حث أفرادها على العناية بالقراءة والإطلاع ومتابعتهم في تنفيذ ذلك  .

عباد الله : إنه من خلال العمليات التعليمية التي تجري في المدراس تبين أن هناك طلابٌ أخفقوا في دراستهم بسبب عدم اهتمامهم بالقراءة التي هي مفتاح الفهم والحفظ ، بل لم يعتد الطالب من هؤلاء الذين أخفقوا على الكلمة المقروءة ولم ترتسم في ذهنه بعد ، فكيف يتوصل لفهم النص المقروء ، ثمّ كيف يصل إلى فهم الخطاب ومحتواه ومناسبته وتلك درجة أرفع من مجرد الفهم ، وكان من أعظم أسباب المشكلة هو دوام مُطالعة المقاطع المرئية التي لاتحتوي على نص ، فلا يجد الطالب مايقرأ أصلاً ، وهنا يَظهرُ الضعف وتتفاقم المشكلة إذا لم يتولاها رب الأسرة بالحلّ والعلاج ، فاتقوا الله معشر الآباء والمربين في الأبناء والبنات ومن كان تحت ولايتكم ، واتخذوا أسباباً ترفعوا عنهم هذه المشكلة ، فإن أمرها هيّنٌ مع البذل والعطاء ، شاقٌ مع الإهمال والإتكال والتسويف ، فاللهم علّمنا ماينفعُنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً ياجواد ياكريم .  

الخميس، 16 نوفمبر 2023

خطبة عن الوحي وما يتعلق به

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسِانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . 
واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : الوحي من الله لأنبيائه نعمة عظيمة لإخراج الناس من الضلال وهدايتهم لطريق النور والهدى يختص الله بها من يشاء من عباده ، والوحي معناه : الإعلام بخفاء ، وهو نوعان : وحي حق من الله لايأتيه الباطل ، ووحي شياطين يوحون إلى أوليائهم بما يصدهم عن الحق ، فيقول الحق تبارك وتعالى في وحي الحق : ( قل إنما يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحد فهل أنتم مسلمون ) وقال لموسى جل وعلا : ( وأنا اخترتك فاستمع لما يُوحى )  وقال في الوحي الباطل : ( . . وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليُجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) والله جل وعلا أوحى إلى الأنبياء ولنبينا عليهم الصلاة والسلام وأوحى جلّ وعلا لرسل لم يقصصهم ، ولم يذكرهم في القرآن العظيم : ( إنَّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده وأوحينا ابراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * ورسلاً قد قصصناهم عليك ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ) . 
عباد الله : الوحي من الله جل وعلا يوصف بأنه كجرِّ السلسلة على صفوان - أي حجر أملس - فله صوت مُفزع شديد وقد روى أبوخزيمة في كتاب التوحيد والطبري وأبوداود في سننه وابن حِبّان في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله إذا تكلّم بالوحي سمِع أهل السماوات للسماء صلصلة كجرّ السلسلة على الصفا ، فيصعقون فلا يزالون كذلك جتى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم جبريل فزّع عن قلوبهم - أي زال الفزع عنهم - قال : فيقولون : ياجبريل ، ماذا قال ربك ؟ قال : الحق " وفي رواية يقولون : الحق وهو العلي الكبير " وهو مصداق قول الله تعالى : ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن اذن له حتى إذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) . 
 وأما الوحي للنبي فله صور ذكرها حديث عائشة رضي الله عنها حينما سألت النبي َ صلى الله عليه وسلم وقالت : " يارسول الله ، كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشدُّه عليّ ، فيُفصم عني وقد وعيت عنه ماقال ، وأحياناً يتمثَّل لي المَلك رجلاً فيُكلّمني فأعي مايقول " قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيُفصم عنه وإن جبينَه ليتفصّد عرقاً " والحديث متفق عليه . 
  ولهذا كان الأنبياء من أقوى الناس جسماً وأكملهم عقلاً لكي يقوى على تحمّل ماينزل عليه من الوحي ، ففي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عند البُخاري رحمه الله أن رسول الله صلى الله أملى عليه : ( لايستوي القاعدون من المؤمنين . . والمُجاهدون في سبيل الله . . ) قال : فجاءه ابن أم مكتوم وهو يُملُّها عليّ ، فقال : " يارسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان رجلاً أعمى - فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفخِذُه على فخذي ، فتقُلت عليّ حتى خفت أن تُرضَّ فخذي ، ثمّ سُرّي عنه ، فأنزل الله عز وجل : ( غيرُ أولي الضرر ) فكانت الآية : 
 لايستوي القاعدون من المؤمنين غيرُ أولي الضرر والمُجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضَّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة . . . ) الآية 
عباد الله : قد يكون الوحي رؤيا يراها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ولها حكم الوحي وأحكامها وأخبارها حقٌ لكنها تختلف عن الرؤيا التي يراها غير الأنبياء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رؤيا الأنبياء في المنام وحي " رواه ابن عباس رضي الله عنه وأخرجه ابن أبي حاتم والترمذي معلقاً ، وأخرج البخاري رحمه الله عن عُبيد بن عُمير يقول : " إن رؤيا الأنبياء وحيٌ " ثم قرأ قول الله عن ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام لابنه اسماعيل : ( يابني إني أرى في المنام أنّي أذبحُك قال يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) . 
 عباد الله : لمّا يتأمل المسلم قول الله تعالى : ( وماكان لبشر أن يُكلّمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحيَ بإذنه مايشاء إنه عليٌ حكيم ) يجد أن الله جل وعلا لايتجلّى لأحد ولم يتجلّى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فكيف بمن دونه من البشر ، ولّما طلب موسى عليه الصلاة والسلام رؤيته أمره الله أن ينظر إلى الجبل فإن استقر فسوف يراه فدُك الجبل لمّا تجلّى منه ماتجلّى وخرّ موسى مغشياً عليه مصعوقاً بما رأى ، وفي ذلك دليلٌ واضح جلي أن الله مهما كلّم وأوحى للرسل فإنه لايتجلّى لهم في هذه الحياة الدُنيا أبداً لأحد ، وأما ماكان من تجليّه لعبدالله بن حرام الأنصاري الذي استُشهد في أحد ، وهو أبو جابر بن عبدالله الصحابي الجليل فإنه كان في دار البرزخ بعد الموت ولم يكن في هذه الحياة الدنيا ، وهي له كرامة ورفعة . . أكرمنا الله وإياكم بفضله ، ولطف بنا وعامَلنا برحمته ورفعنا منازلاً في دار كرامته . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
============== الخطبة الثانية ============== 

الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن لدينه اقتفى وبهديه اهتدى أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أنه كما أن القرآن وحي من الله جل وعلا فإن السنّة وحي من ربنا جل وعلا مرتبطة بالقرآن ومفسرة له لاتنفك عنه كما قال جل وعلا : ( وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للناس مانزّل إليهم ولعلهم يتفكرون ) وكذا قول الله تبارك وتعالى : ( وما أنزلنا إليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمة لقومٍ يؤمنون ) ، ولا يُعلم البيان ولا مراد الله ولا أحكامه إلا ببيان رسوله ، بل إن في السنة مايقوله الله جل وعلا ولكن ليس مثل القرآن فلا يتعبّد بتلاوته كالقرآن كالأحاديث القدسية التي قالها ربُنا جل وعلا وبلغ بها نبي الأمة عليه الصلاة والسلام ، كقول الله في الحديث القدسي : " يابن آدم إنك مادعوتني غفرت لك على ماكان منك ولا أبالي . . " وقوله تعالىفي حديثٍ آخر  : " العز إزاري والكبرياء ردائي ، فمن نازعني بشيء منهما عذّبتُه " وغيره من الأحاديث  . 
عباد الله : إن كثيراً من أعداء دين الله ومن سلك سبيلهم يلقون بالشُبه لشككوا الناس بعقيدتهم ،  ويحاولوا أن يُقصوا السنة عن القرآن لكي يجعلوا هذا الدين عضينَ ، ومقسّماً فيحزّبوا بذلك المسلمين ، ويجعلونهم فرقاً متناحرين ، قاتلهم الله أجمعين ، هم طائفة حذّر الرسول منهم ومن نهجهم وبيّن أن منهم من ينتسب إلى الإسلام ، فيأتيه الأمر من قول رسول الله فيرُدّه بحجة أنه ليس في القرآن ، وأنّه لايأخذُ إلا بالقرآن ، فذلك الضلال البعيد والرأي المحيد عن الحق والقول السديد فقال صلى الله عليه وسلم : " لا ألفينَّ أحدَكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أُمرت به أو نهيتُ عنه ، فيقول : لاأدري ، ماوجدنا في كتاب الله اتبعناه " أخرجه ابن ماجه ، وفي لفظٍ آخر عند الترمذي : " ألا هل عسى رجلٌ يبلُغه الحديثُ عنّي ، وهو متكئٌ على أريكته ، فيقول : بننا وبينكم كتابُ الله ، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه ، وما وجدنا فيه حراماً حرّمناه ، وإنَّ ماحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرّم الله " . . نعوذ بالله من مضلات الفتن ماظهر منها وما بطن ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 
    

الأربعاء، 8 نوفمبر 2023

خطبة عن غزوة الأحزاب والمتحزبين ضد الإسلام وأهله في واقعنا .

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسِانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . 
واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : ليكن دائماً في يقين المسلم وضميره أنه مهما تكالب أعداء الإسلام على هذه الأمة فالعاقبة لها ، والسوء على أعدائها ، فهذا وعدٌ من الله لايُخلف مهما طال الزمان ، ولكن قبل ذلك تمحيصٌ وبذل وابتلاء ( وعدَ الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليُمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايُشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )  . 
عباد الله : لو رجعنا إلى سيرة المصطفى وأصحابه لوجدنا أن في غزوة الأحزاب وما جرى فيها من أحداث سلوة وعِبرة للمؤمنين ، حيث تكالب الأعداء من كل حدبٍ وصوب ، لاجتثاث أهل الإسلام وقتلهم - وأنّى لهم ذلك - وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة ، وكان سبب ذلك أن عشرين رجلاً من اليهود من بني قُريظة وبني النضير خرجوا يُألبون القبائل على المسلمين لمّا أجلى النبي صلى الله عليه وسلم كثيرٌ منهم إلى خيبر - وهذه عادة اليهود في كل عصر وزمن - فهم حربٌ على الإسلام وأهله ، فبدأوا بقريش وكنانة وما جاورها من أهل تُهامة وكذلك غطفان وبني أشجع وبني مرّة وبني أسد وبني سُليم وبني فزارة فتجمّع لغزو المدينة قُرابَة عشرة آلاف مُقاتل ، فما أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، استشار أصحابَه عليه الصلاة والسلام ، فأشار الصحابي الجليل المسدّد سلمان الفارسي بحفر خندقٍ حول المدينة حماية لأهلها في ظاهرة لم تعرفْها العرب من قبل ، وقال : " يارسول الله إنا إذا كُنّا بأرض فارس وتخوّفنا الخيل ، خندقنا علينا ، فهل لك - يارسول الله - أن تُخندق " فأُعجب النبي صلى الله عليه وسلم برأيه ، وبدؤا بحفر الخندق الذي طوله خمسة آلاف ذراع وعرضُه تسعة أذرع وعُمقه من سبعة أذرُع إلى عشرة وكان من الجهة الشمالية من المدينة فيما بين الحرتين واقم والوبرة ، وكان لكل عشرة من الصحابة أربعين ذراعاً ، فحفروه في ليالي شاتية يبتدرون القوم لئلا يباغتوهم وهم غُفل ، فتمّ حفره وبلغ بهم من الجهد والجوع والنصب مبلغاً عظيماً ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشدّ من أزرهم ويسليهم ويعدهم بالعاقبة الحميدة وكان يقول : 
" اللهم لاعيش إلا عيشُ الآخرة * فاغفر للأنصار والمُهاجرة " . 
 ويجيبون قائلين : " نحنُ الذين بايعوا محمداً * على الجهاد مابقينا أبدا " 
وذات مرّة حينما كانوا يحفُرون اعترضتهم صخرة عظيمة لاتأخذ فيها المعاول فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وقال : " باسم الله " فضربها ضربة حتى كسرَ ثُلُثَها ، وقال : " الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحُمر الساعة " ثم ضربها ثانية فكسرَ ثُلُثَها وقال : " الله أكبر ، أُعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض " ، ثم ضربها ثالثة فكسرَ ثُلُثَها وقال : " الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا " . 
عباد الله : لمّا أقبل المشركون ورأوا الخندق المحفور احتاروا واندهشوا ولم يسنّى لهم اقتحام المدينة ، ومكثوا يحاصرونها شهراً ، وجرى خلال ذلك محاولات من بعضهم لاقتحام الخندق فمنهم من قُتل لمّا نجح في اقتحامه ، ومنهم من فرّ بعد اقتحامه ناكصاً إلى معسكره ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع النساء والصبيان  وصارت بين بعضهم وبين المصطفى عليه الصلاة والسلام مفاوضات على ترك الحرب والرجوع إلى بلادهم ، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم ثلث تمر المدينة على غطفان فقبلوا ، ولكنه لما استشار السعدين ، سعد بن معاذ وسعد بن عُبادة وهما سيدا الأنصار رفضا ، وقالا : يارسول الله ، إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة ، وإن كان شيء تصنعُه لنا فلا حاجة لنا فيه ، لقد كُنّا وهؤلاء القوم على الشرك بالله عبادة الأوثان ، وهم لايطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قِرىً - أي ضيافة - أو بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نُعطيهم أموالنا ؟ والله لانُعطيهم إلا السيف ، فصوّب رأيَهما ، وقال : " إنَّما هو شيء أصنعه لكم ؛ لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة "  . 

عباد الله : كان للمنافقين دورٌ مُحبط ومكرٌ خبيث يمكرون به يريدون أن يهدموا معنويات المؤمنين ، وكان مما قالوا " محمد يعدُنا أن نأكل من كنوز كسرى وقيصر وأحدُنا اليوم لايأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ، وقال بعضٌ منهم لقوله : " لامقام لكم فارجعوا " وقال آخرون لقومهم : " إن بيوتنا عورةٌ وماهي بعورة " أي خالية فلا يوجد من يحمي النساء والأطفال وهم كاذبون يريدون الهرب والفرار وكذلك كيدهم في كل معضلة تكون وحرب على الإسلام ، ولمّا طال الحصار وبلغ الخوف والرعب بالمسلمين مبلغاً عظيماً ، وأراد الله لهذا الأمر فرجاً ، وقيّض الله رجلاً من الصحابة رضوان الله عنه وكان أسلم قبل غزوة الخندق ، اسمه : " نُعيم بن مسعود الأشجعي " جاء للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ماجاء بك يانُعيم " فقال : " إني جئت أصدّقُك وأشهد أن ماجئت به حق ، فمُرني بما شئت يارسول الله ، قال : " ما استطعت أن تُخذّل عنّا فخذّل " وقال له رسول الله : " قل مابدا لك فأنت في حل " فذهب إلى بني قُريظة فقال : اكتموا عني قالوا : نفعل ، فأخبرهم بأن قريش قد بدا لهم أن ينصرفوا بعدما طال الحصار وأقنعهم بعدم التورط في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن لئلا يولّوا الأدبار ويتركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم مع المسلمين ، ثمّ أتى قريش وأخبرهم أن بني قُريظة قد ندموا على مافعلوا وأنّهم قد اتفقوا سرّاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يختطفوا عدداً من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ، دليلاً على ندَمِهم ، وقال لهم : فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رِجالكم فإياكم أن تسلّموهم رجُلاً منكم ، ثمّ أتى غطفان وقال لهم مثلَ الذي قاله لقريش وبذلك نجح فارسنا الملهم نُعيم بن مسعود رضي الله عنه في زرع بذور الفرقة والشك بينهم وأرجف بالأحزاب إرجافاً وتفرقت قلوبهم قبل تفرّق أجسادهم ، وذلك لأن الحرب خَدعة كما أخبر المصطفى عليه الصلاة  والسلام . 
ثم إن الله أرسل ريحاً شديدة فقلعت خيامهم وكفأت قدورهم وفرّقت متاعهم ، حتى كان الرجل منهم لايستطيع أن يهتدي إلى رحله فتفرقوا وشتت الله شملهم فأنزل الله آياتٍ تذكّر بنعمته يقول جلّ وعلا : ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ) . . فكفى الله المؤمنين القتال ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزا ) . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .

=============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله وحده ، نصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده ثم أما بعد : عبادالله : من يتأمل غزوة الأحزاب يجد أنه مامرّ على المسلمين أشد ولا أحلك من ظروفها وأحداثها من رعب أصابهم وخوف شديد حل بهم وفي ذلك يصف الله الموقف في سورة الأحزاب ، فيقول جلّ وعلا : ( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا ) . 
ومع ذلك فرّجها الله وجاء النصر من حيث لم يكن يُتوقع  
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتُها * فُرجت وكدت أظنها لاتُفرج 
ولهذا بشّر النبي صلى الله أصحابه وقال : " الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحنُ نسير إليهم " وهذا علمٌ من أعلام النبوة ، وآية من آيات الله تعالى فكان في غزواته كلِّها بعد غزوة الأحزاب يباغت العدو في بلده ، ولا يجرؤ أحدٌ أن يغزوه في المدينة إلى أن ظهر الإسلام في الجزيرة العربية وأسلم أغلب العرب ولله الحمد ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يأخذوا عمرة بعد غزوة الأحزاب إلا قالوا على الصفا والمروة بعد التهليل : " لاإله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " وصارت سنّة ماضية إلى يوم القيامة . 
وهكذا يأتي الفرج من الله والنصر والتمكين بعد الكرب والشدّة ولن يغلب عسرٌ يسرين ( فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يُسرا ) . . فهذه سنّة الله لاتتغير ولا تتبدل ، فالنصر له وقتٌ مكتوب وفيه يحل وينزل لايتقدم عن وقته ولا يتأخر ولكنّ أكثر الناس يستعجلون ، يبذلون القليل ويطلبون الكثير ولو تأملوا قول الله تعالى : ( .. ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوَ بعضكم ببعض والذين قُتلوا في سبيل الله فلن يُضلّ أعمالهم )  . 
عباد الله : مايجري في غزة والشام وغيرها من البلدان الإسلامية هو تكالبٌ وتحزّبٌ من أعداء الإسلام على حرب عباد الله المؤمنين وتهجير الكثير منهم ، ويظن هؤلاء الأعداء أن الله خاذلٌ لأوليائه ولن يمدَّهم بنصرهم ، وهم لايعلمون أنه مكرٌ بأعداء الله واستدراجٌ لهم وإن طال الزمن وطالت هذه الحروب ، فالله ليس بغافل عن مايعملون ، وسيبدو لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون فاللهم انصر دينك وأعز أولياءك واخذل أعداءك ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .  
 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...