عباد الله اتقوا الله تعالى فالتقوى أكرم نسب وأفضل حسب وأسمى طلب " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير " .
عباد الله : إن أفضل من سبق الناس بالتقوى والديانة والعقل والأمانة والرزانة وحسن البطانة هم الرسل وأفضل الرسل وخمسة وهم أولوا العزم من الرسل : نوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمدٌ صلى الله عليهم أجمعين وخير البرية ابراهيم عليه السلام وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم الذي كرمه ربه وأعلى مقامه وهو القائل عن نفسه عليه الصلاة والسلام : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " .
فهذه وقفة وتأمل مع مولده وحياته ومعجزاته والكلام في سيرته وحياته ودعوته يطول ولكن حسبنا أن نستطلع بعض الجوانب التي تفيدنا أكثر في ديننا وسلوكنا ، فقد ولد عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع الأول عام الفيل وقد أختلف في يوم مولده فقيل في اليوم التاسع وقيل الثامن وقيل الثاني عشر وفي ذلك حكمة لعل من يحتفل بمولده الآن يرتدع عن غيه في إقامة الموالد النبوية وإن كان الأكثر يذكر أن مولده في اليوم الثاني عشر وفي مولده معجزة فقد رأت أمه نورا ً أضاء لها قصور الشام ففي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا عبدالله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك إني دعوة أبي ابراهيم وبشارة عيسى بي ورؤيا رأت أمي ، وكذلك أمهات الأنبياء يرين ، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نوراً أضاء لها قصور الشام " أخرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان .
وقد ُذكر أنه وُلد مختوناً ولم يثبت في ذلك حديث يستند إليه في ذلك وقد لاقى في صغره مالاقى وإنه عاش طفولته يتيماً فقد مات والده قبل ولادته بأشهر وماتت أمه وله من العمر ست سنين ومات جده وله من العمر ثمان سنوات وكان يرعى الغنم لأهل مكة وقبل بعثته عليه الصلاة والسلام حبب إليه التعبد والخلوة في غار حراء وكان على طريق الغار حجر يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث وقد ذكر ذلك عليه الصلاة والسلام وقد لاقى في دعوته بعد البعثة من أذى قريش وثقيف ومن ثم الأحزاب أذىً كثيراً وعمه أبا طالب كان يدافع عنه ويقول :
وعرضت دينا قد علمتُ بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذارِيَ سُبّة ٍ* لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
ويقول في الدفاع عنه :
والله لن يصلو إليك بجمعهم * حتى أوسّد في التراب دفينا
ثم توفي بعد ذلك كله عمه أبو طالب قبل هجرته بثلاث سنوات وقد فقد رسول الله عليه الصلاة والسلام تلك اليد التي تمده بالعزيمة فحزن على عمه حزناً عظيماً ومن ثم عوضه الله بإسلام عدد من كفار قريش بعد ذلك وبالهجرة فجاء الفرج له من الله بعد أن طورد وحوصر عليه الصلاة والسلام حصاراً ظالماً غاشماً من بطون قريش بشعب أبي طالب ثلاث سنين وقطعت عنهم الميرة أي الطعام فبلغ بهم الجهد مبلغاً عظيماً حتى أرسل الله الأرضة فأكلت تلك المعاهدة الجائرة وكل ذلك ليجري البلاء على نبيه ويستحق تلك الدرجة الرفيعة بين الأنبياء ويُعلّم أمته على الصبر وتحمل المشاقّ في سبيل الدعوة إلى الله والله قادر أن ينصره بلمح البصر ويعّزه بسويعات معدودة فكم تعب عليه الصلاة والسلام من أجل أمته وفي الأخير يأتي أناس يتجرؤون على جنابه من أراذل الناس وليتهم من الأمم الأخرى بل ممن ينتسبون لأمته فويل ٌلهم من عذاب يوم شديد ومن عقوبة الله والوعيد .
ولنقف وإياكم مع بعض ٍمن معجزاته التي تظهر مقامه وعلو قدره عند ربه والتي وردت في كتب السنة والتاريخ لتروا مدى نصرة الله له ومدّه بالمعجزات والكرامات التي لم تكن لغيره عليه الصلاة والسلام وأعظمها انشقاق القمر فرقتين يراهما القريب والبعيد على حدٍ سواء يقول الحق في ذلك : " اقتربت الساعة وانشق القمر " وتلك أكبر معجزة ظهرت في عصره وفي العصور المتأخرة إلى قيام الساعه وإن الإنشقاق ليتبين للباحثين وللناظرين الفلكيين بالمناظير الفلكية الحديثه .
- ومنها : حادثة الإسراء والمعراج التي وقعت في شهر رجب على الصحيح وفيها من عجائب قدرة الله بقطع المسافات بجسد من طين بلمح البصر يقطع فيها النبي عليه الصلاة والسلام أطباق السماوات ومفاوز الأرض بوقت يسير في ليلة واحدة ، يذهب إلى موقع يُسمع فيه صريف الأقلام على الصحف وذلك تحت العرش ثم يرجع من ليلته وينام على فراشه ولم يختل عقله ولم يعتلّ جسده إن في ذلك لآيه وأحدنا لو صعد إلى الفضاء قليلاً لأحس باختناق شديد بسبب نقص الهواء والأكسجين في ذلك المكان .
- ومنها : إخباره بانتصار الروم على الفرس بعد انتصار الفرس على الروم ووقع ذلك بعد حوالي سبع سنوات .
- ومنها : نُطق الذئب بنبوته عليه الصلاة والسلام : فعن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " عدا الذئب على شاةٍ فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه قال : ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي فقال : " ياعجبي ذئبٌ مقعٍ على ذنبه يكلمني كلام الإنس " فقال الذئب : " ألا أخبرك بأعجب من ذلك ، محمدٌ صلى الله عليه وسلم بيثرث يخبر الناس بأنباء ماقد سبق " قال : فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة " فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام وأسلم . رواه الترمذي والحاكم والبيهقي في دلائل النبوة ، وقال : " اسنادٌ صحيح " ورواه أحمد والبزار بنحوه مختصرا ً وذ ُكر عن ابن اسحاق أن الذي كلم الذئب سلمة بن الأكوع الصحابي الجليل رضي الله عنه .
- ومنها شهادة شجرة السلم وعذق النخلة برسالته عليه الصلاة والسلام فقد أخرج المحدث الدارمي رحمه الله في سننه عن أبن عمر رضي الله عنهما قال : " كنا في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين تريد ؟ " قال : إلى أهلي ، قال : " هل لك من خير ؟ " قال : وما هو ؟ قال : " تشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله " قال : ومن يشهد على ماتقول ، قال : " هذه السلمه " فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهدها ثلاثاً فشهدت ثلاثاً أنه كما قال ، ثم رجعت إلى منبتها . والحديث أخرجه ابن حبّان في صحيحه وصححه الألباني .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بمَ أعرف أنك نبي ؟ فقال : " إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله " فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : " ارجع " فعاد " فأسلم الأعرابي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبّان في صحيحه وصححه والحاكم كذلك وقال بعض المحدثين : اسناده صحيح على شرط الشيخين .
- ومنها : تكثير الطعام بين يديه ليكفي الجيش والفئام من الناس ونبع الماء بين يديه وتسبيح الحصى وحنين الجذع وسجود البهائم وشكواهم له وكذلك الطير والمعجزات كثيره وحسبنا من ذلك بعضها وذلك غيض من فيض ونهر من بحر وقلة من كثرة ونقطة من جرّه ، فاللهم بصرنا بالسنة والكتاب وبسيرة النبي الأعظم والآل ذوي الألباب ياكريم ياوهاب أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============= الخطبة الثانية ===============
الحمدلله خلق خلقه من عدم وهدى بالكتاب والقلم وفضل هذه الأمة على سائر الأمم والصلاة والسلام على النبي ذي الفضائل والكرم الذي أنار ربنا به الظُلـَم وعلى آله وصحبه ذوي البصائر والقيم ومن تبعهم بإحسان صلاة ًوسلاماً بعدد اللفظ والكلِم أما بعد :
عباد الله : اتقوا الله تعالى واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
واعلموا أن لنبينا حقوقاً كثيرة أوجبها الله علينا وعلى رأسها الإيمان به واتباع سنته ونهجه في الحياة والممات والدفاع عنه عند من يشوه جنابه وينال من عرضه ويشتمه رفع الله قدر نبينا وأعلى مقامه ولايجوز السكوت أبداً بمجلس يُنال فيه من عرضه عليه الصلاة والسلام والله قد كفى نبينَا من يفعل ذلك على وجه الإطلاق " إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون ". فلاتحزنوا ولاتهنوا ولا تضعفوا وجاهدوا في الله حق جهاده واحذروا من الإبتداع في دين الله الذي أكمله نبينا نبي الرحمة ولا شك أن ذلك يُغضبه ولا يرتضيه ومما خالف فيه كثير من هذه الأمة ماكان عليه نبينا عليه الصلاة والسلام وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين بدعة " الإحتفال بالمولد النبوي " التي ماأنزل الله بها من سلطان ، وماأمر بذلك أحدٌ من علماء هذه الأمة المعتبرين ولكن هي بدعة محدثة أحدثها الفاطميون الباطنيون في مصر في المائة الرابعة من الهجرة ودعوا الناس لذلك على يد الشقي المدعو ( المعز الفاطمي ) ومن ثم انتقلت هذه البدعة عبر العصور ومثلها التشيع والزندقة إلى أن وصلنا هذا الداء ، ومن المؤسف أن بعض الدول تولي هذه البدعة عناية منقطعة النظير وتمنح إجازة رسمية لأجهزتها الحكِِومية والتعليمية ، ليتفرغوا - بحسب زعمهم - لأداء الطقوس البدعية ، وبعض علِمائهم ذكر أن صيام هذا اليوم سنة وهو الثاني عشر من ربيع الأول فحسبنا الله ونعم الوكيل . . فياللعجب من حال هؤلاء المتعالمين وأهل الجهل الذين ماأُتي هذا الدين ولا انخرم إلا من قِبـَلهم فذلّوا ولُعنوا وضلوا وأضلوا وتسلط عليهم وعلى غيرهم أعداء الإسلام فصاروا بذلك كما قال الشاعر :
تجهموا أدنى المنازل بعد أن كانوا قمم * صاروا بذا أضحوكة بين الخلائق والأمم
ومما يندى له الجبين والقلب لحال أولئك لايستكين أنهم يجتمعون على المعازف والطبول والتوسل بجاه الرسول وطلب المدد منه والعون وحالهم هناك هو حالهم لو ظفروا بالوصول لقبره والتمسح به وهو القائل عليه الصلاة والسلام :" اللهم لاتجعل قبري وثناً يُعبد " فجمع أولئك بين الكبائر والشرك والبدعة فهل ترجو هذه الأمة نصراً وعزاً وكرامة .
فاللهم تول أمر هذه الأمه واهد ضالهم وبصر تائهم وأرشد حائرهم للعض على الكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعه في القول والعمل وجنبنا ربنا الزلل والضلال والعلل وتأويل المبطلين وتحريف الجاهلين .
هذا وصلو وسلموا على نبي الرحمة والهدى والحكمة محمد خاتم النبيين ورسول رب العالمين .