الحمدلله رب العالمين القوي المتين والموفق المعين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى أفضل نجاح وأعظم فلاح وصى به الله ورسوله في الكتاب والصحاح من الأحاديث الفِصاح ( ولله ملك السماوات والأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا ًحميدا ) .
عباد الله : إن مما يَهـُم فئة الشباب في شؤونهم التعليمية والتحصيلية حضور موسم الإختبارات سواءً كانت في مدارس عامة أو جامعات أو مؤسسات تعليمية في جهات أخرى ومما ينبغي للجميع علمه ومعرفته تذكّر الحساب في هذا الشأن حين تـُنصب الموازين لدى رب العالمين يتبين خلالها الإمتحان الحقيقي الذي به سعادة الإنسان وشقاءه وعذابه ونعيمه قال ربنا في محكم الآيات : " والوزن يومئذٍ الحق فمن ثقـُلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون " وإن تذكّر مثل ذلك اليوم المهول والمصير المجهول يُهوّن الكثير من الأمور عامة وشأن همّ الإمتحانات خاصة ويُعد العدة ويحسب الحساب لذلك اليوم الآتي والوعد المرتقب الذي تسقط فيه كل العلائق والشفاعات حتى يأذن بها الله جل جلاله وعظـُم سلطانه في يوم لايتكلم به الملائكة فضلاً عن البشر : " يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لايتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا * ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا " .
إذا تذكر الإنسان ماهو مُقدم عليه وذاهب إليه أعدّ العدة ولزم الدعاء في الرخاء والشدة ، لايغفل عن هم الآخرة الذي هو الهم الحقيقي يقول سبحانه لهول الساعة : " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لايجلّيها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لاتأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله وما يُدريك لعل الساعة تكون قريباً "
ومن ثم لايعني أن يفرّط صاحب الشأن من طالب أو باحث في أداء مالزمه من تعليم وامتحان في حياته الدنيا ولا أن يترك الإبداع والتميز في ذلك بحجة العمل للآخرة ، فإن ذلك إذا طلب به وجه الله ونفع المسلمين بما قدم أو سيقدم فإنه يؤجر ويثاب عليه في الآخرة ، ولا شك أن سبيل وطريق لرضا الوالدين وإدخال للسرور عليهم ، ولو قُـدر له أن ضعُف أو أخفق بعد أن بذل السبب واجتهد وصابر وقدم ، فلا يتسخط ولا يتذمّر ولا يسب ولايفري في عرض فلا وفلان بحجة واهية ، بل إن ذلك يحرم عليه بلابينة ولا دليل وليعلم أن ذلك كله بقدر الله ، قال نبينا عليه الصلاة والسلام : " واعلم أن ماأصابك لم يكن ليخطئك وأن ماأخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يُسرا " .
وليطلب من الله العوض والخير والتوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة وليعتمد على الله في كل أموره ، ومن أسمائه " الوكيل " الذي تُوكل إليه الأمور ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء ٍ وكيل * له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ) وهو الحكيم في قضائه والمسدد والمعطي للطالبين والمجيب للسائلين .
ومن ثم اعلم أن التوفيق له أسباب شرعية وأسباب مادية فمن الأسباب الشرعية :
* المحافظة على الفرائض وخصوصاً صلاة الفجر مع جماعة المسلمين قال سبحانه : " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى "
* ومنها السعي في رضا الوالدين بكل وسيلة فهما باب من أبواب التوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة ، قال عليه الصلاة والسلام : " رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما " رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم .
* التوكل على الله حق توكلّه والناس في هذا متفاوتون تفاوتاً كبيرا .
* اجتناب الظلم ودعوات الناس التي تصدر عن مظلوم ظلمه فلان من الناس فأصبحت هذه الدعوة وهو لايدري تهدم دينه ودنياه ولايعلم سبب ذلك ولا يذكره وهنا تكون الحيرة والإضطراب ويتوب الله على من تاب ورد الحقوق لأصحابها .
* ومن الأسباب الشرعية كثرة الدعاء وتلمس الأوقات التي يُجاب فيها الدعوة وهو سبحانه يُدعى في أمر الدنيا ويُدعى في أمر الآخرة لأن مما من شيء إلا عنده خزائنه ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ) وتطييب المأكل والمشرب سبب من أعظم الأسباب في إجابة الدعوه .
ومن الأسباب المادية التي تعين على التوفيق في شؤون الإمتحانات والأعمال عامة :
* بذل الجهد المطلوب كما هو مقرر على الدارس أو الطالب أو صاحب العمل الذي يسعى من أجله .
* ومنها : التخطيط المُسبق قبل الدخول في أي أمر كان فإنه ذلك يُعين على قطع المشوار بغير كلفة أو تبعات .
* ومنها : الإهتمام والحرص على المنافسة في التحصيل والعلم فروح المنافسة وقود لاينطفئ لوجود التنافس في طلب المعالي في كل الأمور ومجاراة الأقران
وفي الحديث : " إن الله يُحب معالي الأمور ويكره سفساطها " .
* ومنها : الطموح الذي يبعث على البذل والعطاء لتحقيق الهدف المرجو ونيل المرام * ومنها : التفاؤل ونبذ التشاؤم في كل أحوال ابن آدم وماقام لمسلم حق أو ماتحقق أمل إلا بالتفاؤل الذي ينبعث في النفس المطمئنة ويبعث على الفرح والسرور لنيل المطلوب وتفريج الضيق والكروب .
* ومنها : تذكر القدوات فتذكر القدوة يحث النفس ويشجعها على التشبه بفعلها ويهون على النفس مايتعرض له من متاعب في التحصيل والبذل والسعي في ذلك .
إذا لم يكن توفيق ربي مساندا * فلن ينتفع مرءٌ بسعي جاهدا
تالله لو هتك السماء بحرصه * وأتى بكل العـالمين مُجــالدا
فاللهم أصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير والموت راحة لنا من كل شر . . واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي غفور رحيم .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله رب العالمين وإله المتوكلين وخالق الخلق أجمعين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
عباد الله : إن مما ينبغي تربية النفس عليه وتأنيبها في التقصير فيه ومحاسبة النفس في ذلك والسعي وراء ترسيخه في القلوب وجبر الخلل الواقع فيه وهو من أعظم مايُتعبد الله به هو : " عبادة التوكل " التي اهتزت في قلوب خلق وأقوامٍ من المسلمين ، لركضهم وراء الماديات والإعتناء بالأسباب وتهميش المسبب سبحانه وتعالى الذي عم بالخلق النوال وحقق بالدعاء الآمال فكيف يُغفل عن الإعتماد عليه وتفويض الأمور إليه ، وقد يصل حال الإنسان إلى الشرك بالله تعالى من حيث لايشعر وذلك أمرٌ يتسلل إلى القلوب بسبب الغوص والركض في جلب المصالح الدنيوية والإبتعاد عن حياض الدين ، ومما قال النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل ، ألا أخبرك بأمر يُذهب صغاره وكباره " قال : بلى يارسول الله ، قال تقول كل يوم ثلاث مرات : (( اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لاأعلم )) رواه ابن حبان وصححه وابن أبي حاتم .
قال الشيخ عبدالرحمن البراك غفر الله له : " إن الإعتماد بالقلب على الأسباب شركٌ في التوحيد ، وإن كانت صحيحة وثابتاً تأثيرها لأن ذلك نوع توكلٍ عليها ، ويتضمن الغفلة عن الله الذي خلقها وجعل فيها ماشاء من التأثير في مسببًّاتها ، فإنه تعالى خلق الأسباب والمسبًّبات ، وهو الذي جعل التأثير في الأسباب والقابلية في المسبًّبات " ا.هـ كلامه وخلاصة القول أن الإعتماد على السبب بالكلية بحيث أنه هو المسبّب للحدث شرك أكبر وأما الإعتماد عليه كسبب مع التعلق به فهو شرك أصغر ، وصاحب النهج القويم من يعتمد على الله ويتعلق به ويبذل السبب ولا يعتمد على السبب في تحصيل المطلوب بل على ربه جل جلاله وهذا هو التوكل المأمور به في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم " وعلى الله فليتوكل المتوكلون " وقال : " وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " فجعل التوكل شرط للإيمان ودلالة عليه .
اللهم عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، وبيدك الخير والتدبير والفرج لكل أمر عسير ياعزيز ياقدير .
اللهم وفق شبابنا بتوفيقك في دينهم وتعليمهم ودنياهم ويسر أمورهم يامولانا ومولاهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق