الحمدلله المبدئ المعيد الفعّال لما يريد ذو الركن الشديد والحكم الرشيد والصلاة والسلام على من أرسله الله للعبيد فأبان لهم سُبل النجاة بالقول السديد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وعلينا معهم إلى يوم المزيد أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى خير زادٍ ليوم المعاد ولقاء رب العباد ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولا تموتًنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ مُحدثةٍ في دين الله بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : لقد أمرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بالإستعاذة في آخر الصلاة من أربع من عذاب جهنّم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجّال أو من شرّ فتنة المسيح الدجّال ، والقبر هو أول منازل الآخرة فإن سعد فيه الميّت فما بعده فنعيم وحبور وأما إن شقي فيه الميّت فما بعده أشقّ وأعسر وأنكى وأشدّ وقد ورد ذلك في قول الحبيب المصطفى عليه السلام : " إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منهُ فما بعد أيسر منه ، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدّ منه " رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وحسّنه بعض أهل العلم ، حتى لو كان عذاب القبريكفّر بعض الذنوب ولكن لايكفّر الذنوب كلّها وقد ورد تكفير الذنوب بعذاب القبر عن شيخ الإسلام رحمه الله فقد قال في الفتاوى عند ذكر الأسباب التي تزول بها الذنوب عن العبيد قال : " مايحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يُكفّرُ به الخطايا " وهذا لايُنافي كون مابعد عذاب القبر عسير شديد لمن شقي في قبره نسأل الله السلامة والعافية .
عباد الله : الإيمان بعذاب القبر من عقيدة الفرقة الناجية التي لانجاة لها إلا بالإيمان به ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة وعذاب القبر مقرّر في كتاب الله تعالى حيث يقول سبحانه في عذاب قوم نوح : ( مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراًُ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) والفاء للتعقيب الفوري وذلك أنهم عندما أغرقوا فأدخلوا مباشرة للجحيم وهم في قاع تلك المياه وذلك حين ضرب الطوفان الأرض في عهد نوحٍ عليه السلام ، وقال أيضا ًفي قوم فرعون : ( النار يُعرضون عليها غدوّا ًوعشيّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب ) فلمّا أُغرقوا دخلوا الجحيم وذلك كان حين غرقهم فقامت عليهم قيامتهم وبدؤا يُعذبون في النار من ساعة الغرق وأجسادهم في جوف البحر حينها ، وبعض العلماء من المفسرين يفسّر " سجّـين" الوارد في سورة المطففين في قوله تعالى : ( كلّا إن كتاب الفجار لفي سجين ) بأن سجين الأرض السابعة السُفلى فيها أرواح الكفار تُعذّب وأعمالهم فيها يُعذّبون بسببها وأورد ذلك الطبري في تفسيره " جامع البيان في تأويل آي القرآن " واختار هذا القول وروى ذلك بسنده عن قتاده وابن عباس والضّحاك وابن زيد وكعب القُرظي وغيرهم وروى بسنده حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال في نفس الفاجر - أجارنا الله وإياكم قال : " فيصعدون بها فلا يمرّون ببها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ماهذا الروح الخبيث - أو الروح الخيثه - ؟ قال : فيقولون فلان بأقبح اسمائه التي يُسمّى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فلا يُفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتُفتّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجمل في سمّ الخياط . . ) الآيه فيقول الله : " اكتبوا كتابه في أسفل الأرض في سجّين في الأرض السُفلى " وفي رواية مفادها أن روحه تُطرح طرحاً وقد ذُكر مثل ذلك عند قول الله تعالى : ( ومن يُشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق ) .
عباد الله : ومن أشهر الأحاديث في وقوع عذاب القبر حديثٌ رواه ابن عبّاس رضي الله عنه وعن أبيه الذي رواه البُخاري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حائط من حيطان المدينة فسمع إنسانين يُعذّبان في قبرهما فقال : " إنهما ليُعذّبان وما يُعذّبان في كبير ، بلى ، أما أحدهما فكان لايستتر من بوله - وفي رواية لايستنزه من بوله - وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين ثمّ وضع على كلّ قبرٍ كسرة ، فقيل : يارسول الله لم فعلت ذلك ؟ قال : " لعلّه يُخفف عنهما مالم تيبسا "
عباد الله : إن من يرجع إلى كتب المحققين من العلماء والذين ينقلون بعض القصص عن أحوال بعض المعذبين في قبورهم بطرق موثوقة في الأغلب مثل ابن القيّم وابن رجب والسّفّاريني وأكثرها في العُصاة من المسلمين يجد عجبا ًوالله وقصص يجرح الفؤاد وتبيض منه العين ويزيد من الإعتبار وتقشعر منه فراء الرؤوس والجلود فاللهم أجرنا من عذاب القبور ياعزيز ياغفور .
ومن هذه القصص قصة أوردها الحافظ ابن رجب وغيره أن جماعة من التابعين خرجوا لزيارة أبي سنان فلمّا دخلوا عليه وجلسوا عنده قال : قوموا بنا نزور جاراً لنا مات أخوه ونُعزيه فيه قال محمد بن يوسف الفريابي : فقمنا معه ودخلنا ذلك الرجل فوجدناه كثير البُكاء والجزع على أخيه ، فجعلنا نُعزيه ونُسليه وهو لايقبل تعزية ولا تسلية ، فقلنا له : أما تعلم أن الموت سبيل لابُدّ منه ؟ قال : بلى ولكن أبكي على ماأصبح وأمسى فيه أخي من العذاب ، فقلنا له قد أطلعك الله على الغيب ؟ قال : لا ولكن لمّا دفنته وسوّيت عليه التُراب وانصرف الناس ، جلست عند قبره وإذا صوتٌ من قبره يقول : أوّاه أفردوني وحيداً أقاسي العذاب ، قد كُنت أصلّي قد كنت أصوم فأبكاني كلامُه وقلت : صوتُ أخي والله أعرفه ، فقلت لعلّه خُيّل إليك قال : ثمّ سكت ، فإذا أنا بصوته يقول : أوّاه لاأدري - في الثانية أو الثالثة - فنبشته حتى بلغت قريباً من اللِّبن فإذا أنا بطوق من نار في عُنقه فأدخلت يدي رجاء أن أقطع ذلك الطوق فاحترقت أصابعي فبادرتُ بإحراجها ، فإذا يده قد احترقت أصابعها ، قال فرددت عليه التراب وانصرفت فكيف لاأبكي على حاله وأحزن عليه ؟ فقلنا : فما كان أخوك يعمل في الدُنيا ؟ قال : كان لايؤدي الزكاة من ماله ، فقلنا هذا تصديق قوله تعالى : ( ولا تحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة ) وأخوك عُجّل له العذاب في قبره ثم خرجنا من عنده .
وذكر الحافظ ابن رجب أيضاً في كتابه ( أهوال القبور ) : أن ابن أبي الدُنيا أخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان جالساً فأتاه قوم فقالوا : إنّا خرجنا حُجّاجاَ ومعنا صاحب لنا حتى أتينا ذات الصّفاح فمات فيها فهيأناه ثم انطلقنا فحفرنا له قبرا ولحدنا اللحد فلما فرغنا من لحده إذا نحن بأسود - أي ثُعبان - قد ملأ اللحد ، فتركناه وحفرنا غيره فلمّا فرغنا من لحده إذا نحن ُبالأسود قد ملأ اللحد فتركناه وحفرنا مكاناً آخر فلمّا فرغنا من لحده إذا نحنُ بالأسود قد ملأ اللحد ، فتركناه وأتيناك ، قال ابن عباس : " ذلك عمله الذي يعمل به ، انطلقوا فادفنوه في بعضها ، فوالذي نفسي بيده لو حفرتم الأرض كلّها لوجدتموه فيه ، فانطلقنا فدفناه في بعضها ، فلمّا رجعنا قلنا لإمرأته : ماعملُه ويحك ؟ قالت : كان يبيع الطعام فيأخذ ُكل يومٍ منه قوت أهله ثمّ يقرض القصب مثله - أي يطحنه مثل ذلك الطعام - فيلقيه فيه - أي في ذلك الطعام الذي سيبيعه للناس ، أي كان باختصار : يغش بالطعام وهو حبّ البر ، فيقْرضُ ذلك القصب ويُلقيه في البُرّ لكي يُعوّض ماأخذ منه نعوذ بالله من الحيلة المحرمة والكسب الخبيث فذلك نمط من العذاب الذي ينال من يغشّ الناس في البيوع وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين قال : " من غشّنا فليس منّا " وفي رواية : " من غشّ فليس منّى " أي ليس من أصحاب النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة وبئس مالٌ أتى من كسب حرام .
عباد الله : إن البهائم والدّواب وغيرها إلا الثقلين كل أولئك من غير الثقلين يسمع عذاب القبر ويُشهد لذلك حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من بني النجار على بغلة له ونحنُ معه إذ حادت به - أي البغلة - وكادت تُلقيَه وإذا أقبرٌ ستّة أو خمسة أو أربعة ، فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبُر ؟ فقال رجل ٌ أنا ، قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك ، فقال : " إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها ، فلولا إن لاتدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : " تعوذوا بالله من النار " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، قال : " تعوذوا بالله من عذاب القبر " قالوا : " نعوذ بالله من عذاب القبر " قال : " تعوذوا بالله من الفتن ماظهر منها وما بطن " قالوا : " نعوذ بالله من الفتن ماظهر منها وما بطن " قال : " تعوذوا بالله من المسيح الدجّال " قالوا : " نعوذ بالله من المسيح الدجال " فاللهم اجعلنا ممن خاف فسلم من عذاب الله وغنم وممن علِم فعمل وعلّم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى خير زادٍ ليوم المعاد ولقاء رب العباد ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولا تموتًنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ مُحدثةٍ في دين الله بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : لقد أمرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام بالإستعاذة في آخر الصلاة من أربع من عذاب جهنّم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجّال أو من شرّ فتنة المسيح الدجّال ، والقبر هو أول منازل الآخرة فإن سعد فيه الميّت فما بعده فنعيم وحبور وأما إن شقي فيه الميّت فما بعده أشقّ وأعسر وأنكى وأشدّ وقد ورد ذلك في قول الحبيب المصطفى عليه السلام : " إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منهُ فما بعد أيسر منه ، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدّ منه " رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وحسّنه بعض أهل العلم ، حتى لو كان عذاب القبريكفّر بعض الذنوب ولكن لايكفّر الذنوب كلّها وقد ورد تكفير الذنوب بعذاب القبر عن شيخ الإسلام رحمه الله فقد قال في الفتاوى عند ذكر الأسباب التي تزول بها الذنوب عن العبيد قال : " مايحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يُكفّرُ به الخطايا " وهذا لايُنافي كون مابعد عذاب القبر عسير شديد لمن شقي في قبره نسأل الله السلامة والعافية .
عباد الله : الإيمان بعذاب القبر من عقيدة الفرقة الناجية التي لانجاة لها إلا بالإيمان به ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة وعذاب القبر مقرّر في كتاب الله تعالى حيث يقول سبحانه في عذاب قوم نوح : ( مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراًُ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) والفاء للتعقيب الفوري وذلك أنهم عندما أغرقوا فأدخلوا مباشرة للجحيم وهم في قاع تلك المياه وذلك حين ضرب الطوفان الأرض في عهد نوحٍ عليه السلام ، وقال أيضا ًفي قوم فرعون : ( النار يُعرضون عليها غدوّا ًوعشيّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب ) فلمّا أُغرقوا دخلوا الجحيم وذلك كان حين غرقهم فقامت عليهم قيامتهم وبدؤا يُعذبون في النار من ساعة الغرق وأجسادهم في جوف البحر حينها ، وبعض العلماء من المفسرين يفسّر " سجّـين" الوارد في سورة المطففين في قوله تعالى : ( كلّا إن كتاب الفجار لفي سجين ) بأن سجين الأرض السابعة السُفلى فيها أرواح الكفار تُعذّب وأعمالهم فيها يُعذّبون بسببها وأورد ذلك الطبري في تفسيره " جامع البيان في تأويل آي القرآن " واختار هذا القول وروى ذلك بسنده عن قتاده وابن عباس والضّحاك وابن زيد وكعب القُرظي وغيرهم وروى بسنده حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال في نفس الفاجر - أجارنا الله وإياكم قال : " فيصعدون بها فلا يمرّون ببها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ماهذا الروح الخبيث - أو الروح الخيثه - ؟ قال : فيقولون فلان بأقبح اسمائه التي يُسمّى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فلا يُفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتُفتّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجمل في سمّ الخياط . . ) الآيه فيقول الله : " اكتبوا كتابه في أسفل الأرض في سجّين في الأرض السُفلى " وفي رواية مفادها أن روحه تُطرح طرحاً وقد ذُكر مثل ذلك عند قول الله تعالى : ( ومن يُشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق ) .
عباد الله : ومن أشهر الأحاديث في وقوع عذاب القبر حديثٌ رواه ابن عبّاس رضي الله عنه وعن أبيه الذي رواه البُخاري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على حائط من حيطان المدينة فسمع إنسانين يُعذّبان في قبرهما فقال : " إنهما ليُعذّبان وما يُعذّبان في كبير ، بلى ، أما أحدهما فكان لايستتر من بوله - وفي رواية لايستنزه من بوله - وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين ثمّ وضع على كلّ قبرٍ كسرة ، فقيل : يارسول الله لم فعلت ذلك ؟ قال : " لعلّه يُخفف عنهما مالم تيبسا "
عباد الله : إن من يرجع إلى كتب المحققين من العلماء والذين ينقلون بعض القصص عن أحوال بعض المعذبين في قبورهم بطرق موثوقة في الأغلب مثل ابن القيّم وابن رجب والسّفّاريني وأكثرها في العُصاة من المسلمين يجد عجبا ًوالله وقصص يجرح الفؤاد وتبيض منه العين ويزيد من الإعتبار وتقشعر منه فراء الرؤوس والجلود فاللهم أجرنا من عذاب القبور ياعزيز ياغفور .
ومن هذه القصص قصة أوردها الحافظ ابن رجب وغيره أن جماعة من التابعين خرجوا لزيارة أبي سنان فلمّا دخلوا عليه وجلسوا عنده قال : قوموا بنا نزور جاراً لنا مات أخوه ونُعزيه فيه قال محمد بن يوسف الفريابي : فقمنا معه ودخلنا ذلك الرجل فوجدناه كثير البُكاء والجزع على أخيه ، فجعلنا نُعزيه ونُسليه وهو لايقبل تعزية ولا تسلية ، فقلنا له : أما تعلم أن الموت سبيل لابُدّ منه ؟ قال : بلى ولكن أبكي على ماأصبح وأمسى فيه أخي من العذاب ، فقلنا له قد أطلعك الله على الغيب ؟ قال : لا ولكن لمّا دفنته وسوّيت عليه التُراب وانصرف الناس ، جلست عند قبره وإذا صوتٌ من قبره يقول : أوّاه أفردوني وحيداً أقاسي العذاب ، قد كُنت أصلّي قد كنت أصوم فأبكاني كلامُه وقلت : صوتُ أخي والله أعرفه ، فقلت لعلّه خُيّل إليك قال : ثمّ سكت ، فإذا أنا بصوته يقول : أوّاه لاأدري - في الثانية أو الثالثة - فنبشته حتى بلغت قريباً من اللِّبن فإذا أنا بطوق من نار في عُنقه فأدخلت يدي رجاء أن أقطع ذلك الطوق فاحترقت أصابعي فبادرتُ بإحراجها ، فإذا يده قد احترقت أصابعها ، قال فرددت عليه التراب وانصرفت فكيف لاأبكي على حاله وأحزن عليه ؟ فقلنا : فما كان أخوك يعمل في الدُنيا ؟ قال : كان لايؤدي الزكاة من ماله ، فقلنا هذا تصديق قوله تعالى : ( ولا تحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة ) وأخوك عُجّل له العذاب في قبره ثم خرجنا من عنده .
وذكر الحافظ ابن رجب أيضاً في كتابه ( أهوال القبور ) : أن ابن أبي الدُنيا أخرج عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان جالساً فأتاه قوم فقالوا : إنّا خرجنا حُجّاجاَ ومعنا صاحب لنا حتى أتينا ذات الصّفاح فمات فيها فهيأناه ثم انطلقنا فحفرنا له قبرا ولحدنا اللحد فلما فرغنا من لحده إذا نحن بأسود - أي ثُعبان - قد ملأ اللحد ، فتركناه وحفرنا غيره فلمّا فرغنا من لحده إذا نحن ُبالأسود قد ملأ اللحد فتركناه وحفرنا مكاناً آخر فلمّا فرغنا من لحده إذا نحنُ بالأسود قد ملأ اللحد ، فتركناه وأتيناك ، قال ابن عباس : " ذلك عمله الذي يعمل به ، انطلقوا فادفنوه في بعضها ، فوالذي نفسي بيده لو حفرتم الأرض كلّها لوجدتموه فيه ، فانطلقنا فدفناه في بعضها ، فلمّا رجعنا قلنا لإمرأته : ماعملُه ويحك ؟ قالت : كان يبيع الطعام فيأخذ ُكل يومٍ منه قوت أهله ثمّ يقرض القصب مثله - أي يطحنه مثل ذلك الطعام - فيلقيه فيه - أي في ذلك الطعام الذي سيبيعه للناس ، أي كان باختصار : يغش بالطعام وهو حبّ البر ، فيقْرضُ ذلك القصب ويُلقيه في البُرّ لكي يُعوّض ماأخذ منه نعوذ بالله من الحيلة المحرمة والكسب الخبيث فذلك نمط من العذاب الذي ينال من يغشّ الناس في البيوع وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين قال : " من غشّنا فليس منّا " وفي رواية : " من غشّ فليس منّى " أي ليس من أصحاب النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة وبئس مالٌ أتى من كسب حرام .
عباد الله : إن البهائم والدّواب وغيرها إلا الثقلين كل أولئك من غير الثقلين يسمع عذاب القبر ويُشهد لذلك حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من بني النجار على بغلة له ونحنُ معه إذ حادت به - أي البغلة - وكادت تُلقيَه وإذا أقبرٌ ستّة أو خمسة أو أربعة ، فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبُر ؟ فقال رجل ٌ أنا ، قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك ، فقال : " إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها ، فلولا إن لاتدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : " تعوذوا بالله من النار " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، قال : " تعوذوا بالله من عذاب القبر " قالوا : " نعوذ بالله من عذاب القبر " قال : " تعوذوا بالله من الفتن ماظهر منها وما بطن " قالوا : " نعوذ بالله من الفتن ماظهر منها وما بطن " قال : " تعوذوا بالله من المسيح الدجّال " قالوا : " نعوذ بالله من المسيح الدجال " فاللهم اجعلنا ممن خاف فسلم من عذاب الله وغنم وممن علِم فعمل وعلّم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله القوي المتين الذي أنجى برحمته وعذّب بحكمته أحمده الذي أسبغ علينا نعمته وأبان للخلائق فضله وعدله وصلى الله وسلم على النبي الذي بلّغ عن الله رسالته ونصح لله في بريتّه وعلى آله وصحبه مابقيت على ظهر الأرض ملّته وسلكت الخلائق طريقته وسلم تسليما ً كثيراً أما بعد :
معشر المسلمين : اعلموا أن عذاب القبر يجري على الجسد والروح جميعاً وليس هو خاص بالروح فقط بل هو عامٌ في الجسد والروح وما ذكرنا من أحاديث وقصص تُبين هذا وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فأجاب بقوله :
" بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السُنّة والجماعة ، تُنعّم النفس وتُعذّب منفردة عن البدن وتُعذب متصلة بالبدن والبدن متصلٌ بها فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمِعتين كما يكون للروح منفردة عن البدن "
" بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السُنّة والجماعة ، تُنعّم النفس وتُعذّب منفردة عن البدن وتُعذب متصلة بالبدن والبدن متصلٌ بها فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمِعتين كما يكون للروح منفردة عن البدن "
ثمّ قال : وهل يكون النعيم والعذاب للبدن بدون الروح ؟
هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنّة والكلام ، وفي المسألة أقوال شاذّة ليست من أقوال أهل السنة والحديث .
قول من يقول : إن النعيم والعذاب لايكون إلا على الروح وأن البدن لايُنعم ولا يُعذّب وهذا تقوله الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان وهؤلاء كفّار بإجماع المسلمين ، ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون : لايكون ذلك في البرزخ وإنما يكون عند القيام من القبور " انتهى كلامه
ولمّا ذكر سماع البهائم لعذاب القبر قال :
" قال بعضهم : ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت - أي أصابها وجعٌ في بطنها بسبب أكل التراب مع البقل - إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالإسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بني عُبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما ، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى والجهال تظنّ أنهم من ذرية فاطمة - أي بني عُبيد وغيرهم - وأنّهم من أولياء الله وإنما هو من هذا القبيل " ثم قال : " فقد قيل : إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة مايذهبُ بالمغل " انتهى أي كلامه .
" قال بعضهم : ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت - أي أصابها وجعٌ في بطنها بسبب أكل التراب مع البقل - إلى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالإسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بني عُبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما ، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى والجهال تظنّ أنهم من ذرية فاطمة - أي بني عُبيد وغيرهم - وأنّهم من أولياء الله وإنما هو من هذا القبيل " ثم قال : " فقد قيل : إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة مايذهبُ بالمغل " انتهى أي كلامه .
عباد الله : إن العمل الصالح والدعاء إذا اجتنب العبد المحرمات يُقرّب من الله تعالى ويحمي العبد من عذاب مابعد الموت عامّة من عذاب قبرٍ وغيره فلا يدع العبد الدُعاء في كل أحيانه في صلاته وفي غيرها حتى عند نومه فمما ورد في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا وضع يده اليمنى على خدّه عند النوم " اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك " ومما يدلّل على نفع الأعمال الصالحة وأنها تحمي البعد بإذن الله تعالى من أي عذاب في آخته يعتريه مارواه ابن حبان التميمي رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميّت إذا وُضع في قبره يسمعُ خفق نعالهم إذا ولّوا عنه مُدبرين فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام يمينه وكانت الصدقة عن شماله وكان فعل الخير من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان عند رجليه فيأتيه الملكان من قِبلِ رأسه ، فتقول الصلاة : ماقِبلي مدخل ، ثمّ يُؤتى عن يمينه ويقول الصيام : ماقِبلي مدخل ، ثمّ يُؤتى عن يساره فتقول الزكاة ماقِبلي مدخل ، ثمّ يؤتى من قِبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الدقة والصلة والمعروف والإحسان : ماقِبلي مدخل ، فيقول له اجلس فيجلس قد مثُلت له الشمس وقد أصغت للغروب ، فيقول دعوني حتى أصلي ، فيقولون : إنك ستصلي ، أخبرنا عمّا نسألك عنه ، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماتقولون فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول : محمد ، نشهدُ أنه رسول الله ، جاء بالحق من عند الله ، فيقال له : على ذلك حييت وعلى ذلك تُبعث إن شاء الله ، ثمّ يُفتح بابٌ إلى الجنّة فيُقال : هذا مقعدك وما أعدّ الله لك فيها ، فيزداد غيطة وسوروا ، ثمّ يُفسح له في قبره سبعون ذراعاً ويُنوّر له فيه ، ويُعاد الجسد لما بُدئ منه ، وتُجعل روحه نَسمَ طيرٍ يعلق في شجر الجنّة " قال : فذلك قوله تعالى : ( يُثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدُنيا وفي الآخرة ويُضل الله الظالمين ويفعل الله مايشاء ) فاللهم لطفك وعونك لنا في سائر الأمور والثبات في الحياة وبعد الممات . . هذا وصلوا وسلموا . .