الجمعة، 14 فبراير 2020

خطبة عن الجفاء والغلظة

الحمدلله اللطيف الخبير السميع البصير خلق فسّوى وقدّر فهدى وهو القوي القدير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أولي الفضل والتبجيل والتقدير وعلى من تبعهم بإحسان وعلينا معهم صلاة وسلاماً دائبين من الإله الودود الكبير أما بعد : 
فاتقوا الله - ياعباد الله - فبالتقوى تصلح النفوس وتزين الطباع فمن خشي الله واتقاه أطاع ومن عصاه تنكب عن صراطه وضاع ومن الله الهداية وعلى الرسول البلاغ  . 
عباد الله : الغلظة والجفاء خُلقان ذميمان وطبعان في النفس قبيحان وهما من أقبح الأخلاق وأرذل الصفات وأدناها والله حث نبيه على اللطف والملاطفة واللين مع عباد الله المؤمنين والمسلمين وبين أن الغلظة والجفاء منفران للخلق عن صاحب هذين الخُلُقين  فقال سبحانه : 
( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً عليظ القلب لانفضوا من حولك . . ) الآية والقبول لايوضع في الأرض لجافي الطباع وغليظ القلب وأغلظ الله القول في شأن الوليد بن المغيرة لكونه جافي الطباع غليظ القلب متكبر عن قبول الحق فوصفه بأقبح الأوصاف وأدنى الصفات فقال سبحانه ( ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشّاء بنميم * منّاعٍ للخير معتدٍ أثيم * عُتل بعد ذلك زنيم * أن كان ذا مالٍ وبنين * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) والعُــتلّ هو من جفا طبعه وغلُظ ، والهمّاز : المغتاب ، والزنيم : الدعيّ في قومه ، وبين صلى الله عليه وسلم أن الجفاء في النار وأن بذاءة اللسان طريقٌ إليه ودرب يوصل إلى قسوة القلب والذي يوصل إلى العقوبة والعذاب ، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار " رواه الإمام أحمد وابن حبان والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . 
عباد الله : وإن من أسباب لين القلب وصلاح النفس السكن في المدينة وهُجران السكن في البادية والصحراء ولذا نهى صلى الله عليه وسلم عن السكن في البادية إلا في زمن الفتنة فقال : " من سكن البادية جفا ومن أتى السلطان افتُتن ومن تتبع الصيد غفل " وذلك أن السكن في الصحراء يغلّظ الطباع وينشر الجهل ويبتعد المسلم فيها عن مجالس الذكر وعن المودة والرحمة حين معاشرة الناس وعن الملاطفة في القول كما هو الحال حين السكن في المدينة أو القرية وما استثني من ذلك إلا في زمن الفتنة :" يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع به شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " وسكنه في البادية يكون في آخر الزمان حين تنتشر الفتن . 
عباد الله : وكلماء كثُر العلماء والمتعلمون وانتشرت ثقافة الأخلاق والأدب بين الناس قلّ الجفاء وزاد بين الناس البذاءةُ في القول ولذا قال مالك بن أنس  : " ماقلّت الآثار في قوم إلا كثرت فيهم الأهواء ، وإذا قلت العلماء ظهر في الناس الجفاء " وقال سفيان الثوري " إياك ومجالسة أهل الجفاء ، ولا تُصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ، ولا تصاحب الفاجر ولا تجالسه " وما قال ذلك رحمه الله إلا لأن المخالط المعاشر المجالس لأي صنفٍ من أصناف البشر في الغالب أنه يتأثر بمن يُخالطه ويتسرب لنفسه من أخلاق المُجالسين حتى لو كان حريصاً على عدم التأثر بهم . 
فأهل الجفاء ينفر الناس منهم وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الجفاء يكون في أهل الإبل خاصة وأن أهل الغنم هم أهل سكينة ووقار ولذا أخرج البخاري من حديث عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا إن القسوة في أهل القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومُضر ) والمقصود بقرن الشيطان أي الفتن والبدع مع فتنة الدجال وأتباعه وليس المقصود أن الشيطان يخرج منهم ولكن يخرج في بلادهم من قِبل المشرق كما وردت بذلك الأحاديث . 
كفانا الله وإياكم شر الفتن والبلايا وأجزل لنا المِنح والعطايا إنه ولي ذلك والقادر عليه ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

========== الخطبة الثانية ==========

الحمدلله ذي الجود والإحسان والفضل والإمتنان والصلاة على المبعوث بالفرقان والحجة والبيان صلى الله عليه وعلى آله أهل التقى والإيمان وعلى من تبعهم بإحسان أما بعد : 

عباد الله : إن مما يُبشر به من إطرح الجفاء والشدة والفظاظة والغلظة أن النار تحرم عليه أو أنه يحرم على النار  ففي الحديث الذي رواه الطبراني وابن حبان وأورده المنذري في صحيح الترغيب والترهيب والبغوي في شرح السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعنا أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بمن تُحرّم عليه النار " وفي رواية " أو بمن يُحرّم أو تحرُم عليه النار ، على كل قريبٍ هين سهل لين " وإن مما يُؤسف له أن بعض الناس - هداه الله - إذا رأى رجلاً  ممن يلاطف بالخطاب ويُلين القول ويخاطب الناس بأخلاق وعبارة فيها لطفٌ وملاينة يتهمه بقلة العقل والحمق ، وهذا من قلة الدين والجهل والفظاظة وهؤلاء دعاة جفاء وأبعد الناس مجلساً عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة كما ورد في الحديث ، مع الله أمر بني اسرائيل ممن كان قبلنا حيث قال : 
( وقولوا للناس حسنا ً ) وأورد المنذري في الترغيب والترهيب وروى الترمذي مثله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن في الجنة غُرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ) فقال أبو مالك الأشعري : لمن هي يارسول الله ؟ قال : " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائماً والناس نيام " . 

هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار والعترة الأطهار 


الخميس، 13 فبراير 2020

خطبة عن الإستشارة والتؤدة في الأمور

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لأمة حتى تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غُلفا أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أنكم قادمون عليه ومقبلون إليه فأعدوا لذلك واستعدوا وحاسبوا وتحسبوا وإلى ربكم ارغبوا ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفـّى كل نفس ماكسبت وهم لايُظلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم  بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : الإستشارة والمشاورة من دأب الصالحين وخلقٌ من أخلاق أولي الألباب العاقلين وبه أمر رب العالمين رسوله للناس أجمعين حيث قال سبحانه : ( وشاروهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) وذكر الحكيم العليم سبحانه بأنه من صفات المؤمنين حيث قال عزّ ذكره ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) فانظروا كيف أدرج هذه الصفة العظيمة بعد ركن الدين الأعظم وهي الصلاة ليبيّن أهميتها وأنها من لبّ الصفات المهمة وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالأمة كافة فلابد حينها من الإستشارة لكي لايجرّ كافة أفراد الأمة إلى مستنقع الهلاك وبؤرة الشرور . 
عباد الله : إن الشورى أو الإستشارة له فوائد عدة تكمن أهميتها في عدة أمور منها : 
- فمنها وعلى رأسها تطبيق سنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام فقد كان دأبه الإستشارة وخصوصاً في الأمور العامّة التي تحدد المصير ، يفعل ذلك وهو من أغنى الناس عن البشر كيف لا ؟ ! والله يسدده وهو لايحتاج إلى أحدٍ ولكن لكي يتأسى به الناس وهو الأسوة القدوة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) وقد استشار الناس في غزوة بدر وأشاروا إليه رجل من الصحابة الكرام وهو ( الحُباب بن المنذر ) أن ينزل عند البئر لكي يشرب المسلمون ولا يشربُ المشركون وفي غزوة خيبر أيضاً أشار للنبي صلى الله عليه وسلم بقطع نخل اليهود لأن ذلك يؤثر في نفوسهم وهم قومٌ يحبون النخل والعمل بها فأخذ بمشورته فأمر بقطع النخل نكاية بهم ، ومن ثمّ أشار عليه أبو بكر بالتوقف عن قطع النخل فقال :
" يارسول الله إن الله - عز وجل - قد وعدك خيبر وهو منجزٌ لك ماوعدك فلا تقطع النخل - فأخذ صلى الله عليه وسلم برأيه رضي الله عنه من فوره  - وأمر مناديه فنهى عن قطع النخيل ، وكذلك استشارته لنوفل بن معاوية الديلي في غزوة الطائف حينما تحصّنت فيه ثقيف وهوازن وغيرهما ولمن يتمكن من فتح الحصن فلما استشار معاوية قال له : " يارسول الله ، ثعلبٌ في جُحر ، إن أقمت عليه أخذته وإن تركتَه لم يَضرَّكَ شيئاً " فأخذ باستشارته وأمر عمر أن يُؤذن الناس بالرحيل وغيرُها من المواقف كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر .  
- ومن فوائد الإستشارة : مجاوزة الفكر القاصر الذي يُحيط بالإنسان عندما يعلق ذهنه في مشكلة ما ، فإذا علم ذلك عرف أن العقل البشري يعتريه مايعتريه من السطحية والقصور أو يعتريه الجنوح عن الفكرة الصائبة حين اتخاذ القرار وتحديد الطريق الذي سيسلكه . 
- ومنها أيضاً : أن الإستشارة تفكير بأكثر من عقلٍ وعرض لعقول الناس وبحثٌ عن الحقيقة والصواب الذي لايستطيع أحدٌ النطق به حينما تُحدق المشكلة بطائفة أو جماعة أو فردٍ من الناس إلا من وفقه الله وسدّده وثبته حينما يزلّ الكثير . 
- ومنها : صرف الندم عن النفس الذي يصيب المتسرّع َ في اتخاذ القرار بسبب تركه للإستشارة ولذا في الحكمة السارية " ماخاب من استخار ولا ندم من استشار " وبعضهم ينسبه  حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف ولكن معناه صحيح . 
- ومنها : تحقيق المطلوب والظفر بالمرغوب بأقصر الطرق ورفع المتاعب التي تَحيقُ بالفرد أو الجماعة بسبب ترك الإستشارة . 
ومن خلال هذه الفوائد يعلم المسلم أن سعادته في المشورة والتشاور فربّ استشارة واحدة يأخذ بها العبد في أمره الديني تجلب له السعادة والهناء إلى أن يلقى ربّه وذلك بالإنصات لناصحٍ مشفق يرجو للناس الخير ورُبّ عبدٍ ترك الإستشارة أو خالفها 
- مع أنه يثق بقائلها - عناداً وإصراراً واستهانة بالشورى أو بقول خبير ناصح تورد الرجل المهالك وتُجلب له الشقاء الدائم الذي لاينفك عنه فهل بعد هذا يُستهان بالمشورة والشورى ؟ أو يُردّ صاحب مشورةٍ عالم مُشفق قد تمرّس في كثير من الأمور ؟ 
ولذا كانت جُلّ رجالات الدول والحكومات والوزراء وغيرِهم يطلبون الشورى ويعيّنوا من أجل ذلك المستشارين ليستشيرونهم في كثير من القضايا وتُعقد من أجل ذلك الجلسات والمؤتمرات واللقاءات في القضايا المجتمعية وفي كثير من الشؤون المحلية والدُولية حتى يخرج الجميع بحلول تُؤمّن لهم عيشاً كريماً وحياة هنيّة لهم ولمجتمعاتهم فاللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأقوال وجنبنا الزيغ في الرأي والضلال وسلوك سبيل الجُهّال ياقوي يامُتعال أقول ماتسمعون فإن كان خيراً فمن الله وإن كان سوى ذلك فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل الذنوب فاستغفروه يغفر لكم إن ربي قريبٌ مُجيب . 

=========== الخطبة الثانية ============
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل أحمده وهو الكريم الجليل  والصلاة والسلام على المبعوث بالتنزيل نبينا محمد ٍوعلى آله وصحبه أولي الفضائل والجميل وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الإستشارة في الأمور كما أنها تكون في ما يخص دين المسلم تكون فيما يتعلق بدنياه أيضاً ، وكم من أخطاءٍ ارتكبت ومواقف حصلت لشباب وشبان وكبار وصغار ندموا أشدّ الندم وذكروا لهم قصصاً يندى لها الجبين وقالوا " ياليتنا استشرنا وسألنا وما استعجلنا في أمر كذا وكذا . . " وبعضهم يبكي ويندب حظه وربّما سخط من قدر الله عافانا الله وإياكم فمنهم قائل : " والله ماستشرت أبوي " ومنهم قائل : " مااستشرت أبي أو إخوتي  " ومنهم قائل : " مااستشرت عالماً ناصحاً أو صديقاً وفياً " تعددت الأعذار والنتيجة واحدة  . 
أيها الكرام : " ألم تروا أن الله أمر باستشارته واستخارته وعلّم نبيه الإستخارة في الأمور كلها وعلّم صلى الله عليه وسلم أصحابه ذلك فقد قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه كما عند البخاري رحمه الله  : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الإستخارة في الأمور كلّها كما يُعلّمنا السورة من القرآن ويقول : ( إذا همّ أحدكم بأمر ٍفليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل : " اللهم إني أستخيرك بعلمك - أي أطلب خير الأمرين - وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ثم يذكر حاجته - خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسّره لي ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمّيه -  شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمر فاصرفه عنّي واصرفني عنه واقدُر لي الخير حيث كان ثمّ أرضني به " . 
واستخارة الله مقدّمة على غيرها من الناس وخاصّة في الأمور الهامّة لدى الناس ، 
علماً أن عمل الآخرة لاتؤدة فيه لأنه مما أمر الله بالمبادرة إليه ولا يلزم فيه الإستخارة فاللهم إنا نسألك من كل خيرٍ خزائنه بيدك ونعوذ بك من كلّ شرّ خزائنه بيد ونسألك ياذا الجلال والإكرام من الخير كلّه عاجله وآجله ماعلمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشرّ كله عاجله وآجله ماعلمنا منه ومالم نعلم . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال ذو الجلال والإكرام مصليّا على سيد الأنام : ( إن الله وملائكته يُصلّون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ) 







خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...