الخميس، 13 فبراير 2020

خطبة عن الإستشارة والتؤدة في الأمور

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لأمة حتى تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غُلفا أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أنكم قادمون عليه ومقبلون إليه فأعدوا لذلك واستعدوا وحاسبوا وتحسبوا وإلى ربكم ارغبوا ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفـّى كل نفس ماكسبت وهم لايُظلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم  بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

عباد الله : الإستشارة والمشاورة من دأب الصالحين وخلقٌ من أخلاق أولي الألباب العاقلين وبه أمر رب العالمين رسوله للناس أجمعين حيث قال سبحانه : ( وشاروهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) وذكر الحكيم العليم سبحانه بأنه من صفات المؤمنين حيث قال عزّ ذكره ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) فانظروا كيف أدرج هذه الصفة العظيمة بعد ركن الدين الأعظم وهي الصلاة ليبيّن أهميتها وأنها من لبّ الصفات المهمة وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالأمة كافة فلابد حينها من الإستشارة لكي لايجرّ كافة أفراد الأمة إلى مستنقع الهلاك وبؤرة الشرور . 
عباد الله : إن الشورى أو الإستشارة له فوائد عدة تكمن أهميتها في عدة أمور منها : 
- فمنها وعلى رأسها تطبيق سنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام فقد كان دأبه الإستشارة وخصوصاً في الأمور العامّة التي تحدد المصير ، يفعل ذلك وهو من أغنى الناس عن البشر كيف لا ؟ ! والله يسدده وهو لايحتاج إلى أحدٍ ولكن لكي يتأسى به الناس وهو الأسوة القدوة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) وقد استشار الناس في غزوة بدر وأشاروا إليه رجل من الصحابة الكرام وهو ( الحُباب بن المنذر ) أن ينزل عند البئر لكي يشرب المسلمون ولا يشربُ المشركون وفي غزوة خيبر أيضاً أشار للنبي صلى الله عليه وسلم بقطع نخل اليهود لأن ذلك يؤثر في نفوسهم وهم قومٌ يحبون النخل والعمل بها فأخذ بمشورته فأمر بقطع النخل نكاية بهم ، ومن ثمّ أشار عليه أبو بكر بالتوقف عن قطع النخل فقال :
" يارسول الله إن الله - عز وجل - قد وعدك خيبر وهو منجزٌ لك ماوعدك فلا تقطع النخل - فأخذ صلى الله عليه وسلم برأيه رضي الله عنه من فوره  - وأمر مناديه فنهى عن قطع النخيل ، وكذلك استشارته لنوفل بن معاوية الديلي في غزوة الطائف حينما تحصّنت فيه ثقيف وهوازن وغيرهما ولمن يتمكن من فتح الحصن فلما استشار معاوية قال له : " يارسول الله ، ثعلبٌ في جُحر ، إن أقمت عليه أخذته وإن تركتَه لم يَضرَّكَ شيئاً " فأخذ باستشارته وأمر عمر أن يُؤذن الناس بالرحيل وغيرُها من المواقف كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر .  
- ومن فوائد الإستشارة : مجاوزة الفكر القاصر الذي يُحيط بالإنسان عندما يعلق ذهنه في مشكلة ما ، فإذا علم ذلك عرف أن العقل البشري يعتريه مايعتريه من السطحية والقصور أو يعتريه الجنوح عن الفكرة الصائبة حين اتخاذ القرار وتحديد الطريق الذي سيسلكه . 
- ومنها أيضاً : أن الإستشارة تفكير بأكثر من عقلٍ وعرض لعقول الناس وبحثٌ عن الحقيقة والصواب الذي لايستطيع أحدٌ النطق به حينما تُحدق المشكلة بطائفة أو جماعة أو فردٍ من الناس إلا من وفقه الله وسدّده وثبته حينما يزلّ الكثير . 
- ومنها : صرف الندم عن النفس الذي يصيب المتسرّع َ في اتخاذ القرار بسبب تركه للإستشارة ولذا في الحكمة السارية " ماخاب من استخار ولا ندم من استشار " وبعضهم ينسبه  حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف ولكن معناه صحيح . 
- ومنها : تحقيق المطلوب والظفر بالمرغوب بأقصر الطرق ورفع المتاعب التي تَحيقُ بالفرد أو الجماعة بسبب ترك الإستشارة . 
ومن خلال هذه الفوائد يعلم المسلم أن سعادته في المشورة والتشاور فربّ استشارة واحدة يأخذ بها العبد في أمره الديني تجلب له السعادة والهناء إلى أن يلقى ربّه وذلك بالإنصات لناصحٍ مشفق يرجو للناس الخير ورُبّ عبدٍ ترك الإستشارة أو خالفها 
- مع أنه يثق بقائلها - عناداً وإصراراً واستهانة بالشورى أو بقول خبير ناصح تورد الرجل المهالك وتُجلب له الشقاء الدائم الذي لاينفك عنه فهل بعد هذا يُستهان بالمشورة والشورى ؟ أو يُردّ صاحب مشورةٍ عالم مُشفق قد تمرّس في كثير من الأمور ؟ 
ولذا كانت جُلّ رجالات الدول والحكومات والوزراء وغيرِهم يطلبون الشورى ويعيّنوا من أجل ذلك المستشارين ليستشيرونهم في كثير من القضايا وتُعقد من أجل ذلك الجلسات والمؤتمرات واللقاءات في القضايا المجتمعية وفي كثير من الشؤون المحلية والدُولية حتى يخرج الجميع بحلول تُؤمّن لهم عيشاً كريماً وحياة هنيّة لهم ولمجتمعاتهم فاللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأقوال وجنبنا الزيغ في الرأي والضلال وسلوك سبيل الجُهّال ياقوي يامُتعال أقول ماتسمعون فإن كان خيراً فمن الله وإن كان سوى ذلك فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل الذنوب فاستغفروه يغفر لكم إن ربي قريبٌ مُجيب . 

=========== الخطبة الثانية ============
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل أحمده وهو الكريم الجليل  والصلاة والسلام على المبعوث بالتنزيل نبينا محمد ٍوعلى آله وصحبه أولي الفضائل والجميل وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الإستشارة في الأمور كما أنها تكون في ما يخص دين المسلم تكون فيما يتعلق بدنياه أيضاً ، وكم من أخطاءٍ ارتكبت ومواقف حصلت لشباب وشبان وكبار وصغار ندموا أشدّ الندم وذكروا لهم قصصاً يندى لها الجبين وقالوا " ياليتنا استشرنا وسألنا وما استعجلنا في أمر كذا وكذا . . " وبعضهم يبكي ويندب حظه وربّما سخط من قدر الله عافانا الله وإياكم فمنهم قائل : " والله ماستشرت أبوي " ومنهم قائل : " مااستشرت أبي أو إخوتي  " ومنهم قائل : " مااستشرت عالماً ناصحاً أو صديقاً وفياً " تعددت الأعذار والنتيجة واحدة  . 
أيها الكرام : " ألم تروا أن الله أمر باستشارته واستخارته وعلّم نبيه الإستخارة في الأمور كلها وعلّم صلى الله عليه وسلم أصحابه ذلك فقد قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه كما عند البخاري رحمه الله  : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّمنا الإستخارة في الأمور كلّها كما يُعلّمنا السورة من القرآن ويقول : ( إذا همّ أحدكم بأمر ٍفليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل : " اللهم إني أستخيرك بعلمك - أي أطلب خير الأمرين - وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علّام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ثم يذكر حاجته - خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسّره لي ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمّيه -  شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمر فاصرفه عنّي واصرفني عنه واقدُر لي الخير حيث كان ثمّ أرضني به " . 
واستخارة الله مقدّمة على غيرها من الناس وخاصّة في الأمور الهامّة لدى الناس ، 
علماً أن عمل الآخرة لاتؤدة فيه لأنه مما أمر الله بالمبادرة إليه ولا يلزم فيه الإستخارة فاللهم إنا نسألك من كل خيرٍ خزائنه بيدك ونعوذ بك من كلّ شرّ خزائنه بيد ونسألك ياذا الجلال والإكرام من الخير كلّه عاجله وآجله ماعلمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشرّ كله عاجله وآجله ماعلمنا منه ومالم نعلم . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال ذو الجلال والإكرام مصليّا على سيد الأنام : ( إن الله وملائكته يُصلّون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ) 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...