الجمعة، 14 أغسطس 2020

خطبة عن العام الهجري الجديد

الحمدلله مصرف الدهور ومداولِ الأعوام والشهور أحمده وهو العزيز الغفور وأثني عليه وهو القدير الشكور وإليه تصير الأمور وأصلي وأسلم ُ على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المصير أما بعد : 
فاتقوا الله تعالى فالتقوى دأب المفلحين وبه النجاة يوم الدين     ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ً ) . 
عباد الله : محاسبة النفس وتدراك الأخطاء هو طريقٌ يحتاجه كل مؤمن ومؤمنة وذلك أن الإنسان كتب الله عليه الخطأ منذ ولادته إلى يوم مماته وكتب الله الخطأ بالجملة على ابن آدم حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم قال : " كل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهم . 
وقال سبحانه في وصف عباده المتقين في سورة آل عمران  :  ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يُصروا على مافعلوا وهم يعلمون ) والإصرار أن يستمر على المعصية ولا يتوب إذا أذنب ولذا قال ابن كثير رحمه الله : " قوله : ( ولم يُصروا على مافعلوا وهم يعلمون ) أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب ولم يستمروا على المعصية ويُصروا عليها غير مُقلعين عنها ولو تكررّ منهم الذنب تابوا عنه . 
وفي قبول التوبة قال النووي في شرحه لصحيح مسلم : " لو تكررّ الذنب مائة مرّة أو ألف مرّة أو أكثر وتاب في كل مرة قُبلت توبته وسقطت ذنوبه ، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته " 
عباد الله : إننا نستقبل عاماً هجريا ًجديداً وقد ودعنا عاماً مضى طويت صفحاتُه ورفعت أعماله ودونت بخيرها وشرّها والمؤمن ينبغي أن يكون في كل عامٍ يحلّ عليه أقرب إلى ربه من عامه المنصرم ، وإن لم يكن كذلك فحياته وسنوات عمره وبالٌ عليه وحسرة والزمن والوقت ماضٍ شاء المرء أم أبى ، وهذه سُنة الله في سائر خلقة فيومٌ لك وهذه منّة ونعمة من الله عليك لتتذكر وتشكر ويومٌ عليك لتعود لربك وتستغفر 
( وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شُهداء والله لايُحب الظالمين * وليُمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) وورد في صحيح البخاري أن عليَ بن أبي طالب رضي الله عنه قال : 
" ارتحلت الدنيا مقبلة وارتحلت الآخرة مُقبلة ولكل واحدة منها بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل " 
ويقول قس بن ساعدة الإيادي : 
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر 
لمّا رأيت موارداً للموت ليس لها مصادر 
ورأيت قومي نحوها يمضي الأصاغر والأكابر 
لايرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر 
أيقنت أني لامحالة حيث صار القومُ صائر 
وانظروا كيف خلّد الله شعره لكونه على الحنيفية ِ ملة ابراهيم عليه السلام  وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : 
" والذي بعثني بالحق لقد آمن قسٌ بالبعث " وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع خطبَه عليه الصلاة والسلام وكان يخطب في قومه في الجاهلية ويقول : " يامعشر إياد أين ثمود وعاد وأين الآباء والأجداد ، أين المعروف الذي لم يُشكر ، والظلم الذي لم يُنكر ، أقسم قسّ بالله إن لله ديناً هو أرضى من دينكم هذا " ويقصد به دين محمد عليه الصلاة والسلام فقد كان قسٌ قارئاً لكتب أهل الكتاب وقيل أنه أدرك سمعان تلميذ المسيح عليه السلام وأنه عمّر طويلاً بحدود الستمائة سنة . 
عباد الله : الدهر والزمن هما صندوق العمل فلابد من إستغلال العمر بما يعود على العبد في دينه أولاً وبما يعود عليه في مصالح عيشه والوقت الذي تقضيه في أمور دنياك إن احتسب ذلك من أجل صلاح دينك وعفة نفسك وإطعام ولدك وسدّ حاجتك لكي لاتفتقر للناس كان ذلك لك لاعليك ، وكل وقتٍ تقضيه فيه فإنك مأجورٌ عليه ولكن لابد من استحضار النية ومراجعة القصد لكي لايكون هم ابن آدم الإستكثار من الدنيا وعدم تسخيرها لأمور الآخرة ولصلاح الدين وحفظ النفس من الآثام فاللهم اجعلنا ممن يستعملُ دنياه لدينه ولا تجعلنا ممن يستعمل دينه لدنياه فيبوء بالخسران يالطيف يامنان ياجواد ياديّان أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

======= الخطبة الثانية =======
الحمدلله المبدئ المعيد ذي العرش المجيد الفعّالِ لما يرُيد والصلاة والسلام على من أرسله الله للخلق والعبيد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتأييد وعلينا معهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم المزيد أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وتأملوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال : " ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها " رواه الطبراني والبيهقي بأسانيد أحدها جيد ، وقد يستشكل هذا الحديث بعض الناس فيقول : 
كيف يتحسر أهل الجنة على ساعة لم يذكروا الله تعالى فيها والندامة لاتُصيب أهل الجنة أصلاً فليس في الجنة إلا النعيمُ المقيم والسرور الدائم فيقال : إن تحسرهم على تلك الساعة ليس داخل الجنة وإنما يكون في موقف العرض والحساب ولكن في الجملة استثمار الوقت والعمر في طاعة البارئ سبحانه هو مشروعك في نهجك وسيرك لله تعالى ( ياأيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه ) فالإنسان ماأتى إلى هذه الدنيا إلا ليعمل وكل الناس يغدو فبائع ٌ نفسه فمعتقها أو موبقها فصفقة البيع مع الله لابد فأنت رابحٌ حينها أو خاسر فاعمل بأسباب الربح تغنم ومن عذاب الله تسلم ، واحذر من أسباب الخسارة وأولها الولع بالدنيا ونسيان الآخرة فأسلم وجهك لربك واقنع بما آتاك الله وتذكر حديث نبينا عليه الصلاة والسلام حيث قال : " قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه " . 
فاللهم ارزقنا القناعة وأعذنا من شر الساعة وأدخلنا في الشفاعة وقنا شر طول الأمل ووفقنا لحسن العمل .
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . .   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...