الحمدلله ولي المؤمنين وقاهر العباد أجمعين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أنار درب السالكين وأبان سبل الغواية للحائرين ودل أمته على خير مايعلمه لهم وحذرهم من شر مايعلمه بالحجة واليقين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
عباد الله : الأمم لاتكمن قوتها ولا عزتها إلا باجتماع لاافتراق وبلمٍّ لاشتات وبتآلف لا تنافر وبتوافق لااختلاف ونعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف من أعظم النعم التي تحفظ الأمن في الأوطان والسبل وتقي مصارع السوء والزلل وتحفظ الحقوق لعباد الله من الإنتهاك العام وتسلط القوي على الضعيف ولذا ذكر الله سبحانه وتعالى النبيَّ وأصحابه بذلك بعد أن كانوا قلة خائفين من تربص الأعداء فقال في سورة الأنفال : ( واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) فعدّ ذلك نعمة تستوجب الشكر والثناء على الله والإكثار من الحمد له دائماً وأبداً
معشر المؤمنين : لنتذكر دائماً إخواناً لنا تعجّلوا بما فيه أناة لهم فقاموا على ولي لهم لايخاف لومة لائم في سبيل الشيطان والهوى وليس في سبيل الله ولا يخاف في مؤمن إلا ولا ذمة فما كان منهم إلا أن نازعوه فلما أحس بطول القضية استعان بفجرة هم مثله أو أشد كفراً منه فقاموا كلهم على ذلك الشعب بالتنكيل والتشريد وساموهم العذاب الشديد ، فحرموا نعمة الأمن سنين طويلة وكل ذلك وقع بقدر الله العزيز المتعال فهل نتذكر دائماً تلك النعمة ونتحدث بها في مجالسنا وإن كرهنا ، ولكن لعل ماتكره يكون خيراً لك مما تُحب .
عباد الله : مع اضطراب الأمن يفقد المرء كثيراً من مقومات الحياة ويحصل العناء وغلاء الأسعار ويتقاتل الناس على موارد المياه ومصادر المواد الغذائية ونحوها وكثيراً ماترتبط الحروب بالمجاعات التي تفتك بالبشر حتى مايجدُ المرءُ قطرةَ الماء ولا كسرةَ الخبز فاللهم سلمنا من الآفات المهلكة والشرور الحالكة يارب العالمين .
عباد الله : الإعتصام بالكتاب والسنة خطابٌ جماعي للأمة وحبل الله هما ، وطوبى لمن تمسك بهما ولا سلامة ولا عافية إلا باتباعهما ، والتحام المسلمين بعضهم ببعض ومد يد العون للمحتاج منهم هي من أواصر المحبة ومن أعظم السبل لتقوية الأخوة الإيمانية التي هي الأخوة الحقيقية لاأخوة النسب ، والتآلف بين القلوب من علام الغيوب ولا يقوى عليه إلا الله جل جلاله ولذا قال الله لنبيه : ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ماألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيزٌ حكيم ) فاعتصموا بالله وتذكروا قول الله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يُبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولعامّة المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه ثم توبوا إليه إنه هو العزيزالغفار .
========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله : إن مما يجلب الشتات ويفرق صف المسلمين ويجلب الخيبة والتباغض والتناحر وتسلط الأعداء هو التنازع وشق عصا الطاعة على ولي الأمر سواءاً كان صغيراً أم كبيراً والنتيجة هي الفشل وارتفاع الأمن في الأوطان ووقوع الضرر في الأبدان والممتلكات وقد أمر الله بلزوم الجماعة وعدم مفارقة صف الأمة فقال في الطاعة ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا ) .
عباد الله : قد يرى المسلم من ولي أمره مايكره فعليه أن يصبر ويسعى لنيل حقه بلسانه ولا يحلّ له أن يحملَ السلاح أو يعتدي أو ينتهك ويسفك دماءاً أمرها ولي الأمر بتفيذ أمرٍ يكرهه ، ولذا ورد في الحديث في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإن من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية "
وأجمع العلماء المعتبرون المحققون أن لزوم الجماعة وإمام المسلمين واجب حتى لو كان ظالماً ، وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد عاصروا فتنة الحجاج بن يوسف طاغية العراق ومع ذلك ماأمر واحدٌ منهم بالخروج عليه وحمل السلاح ضده أو ضد جنده فاللهم ولّ علينا الخيار الأكفاء ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء ولا تسلط علينا بذنوبنا من لايخافك فينا ولا يرحمُنا واكتب لنا العافية في الدنيا والآخرة وأعذنا من شر النفوس الجائرة والأعداء الجبابرة ياذا الجلال والإكرام . . . ثم صلوا وسلموا على النبي المختار سيدُ المتقين الأبرار . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق