الحمدلله الذي أعز من أطاعه وهداه ، وأذل من عصاه وأغواه ، أحمده وهو المقدس في علاه ، وأشكره شكر من يرجو منه المزيد من عطاياه ، وأصلي وأسلم على من دعا لسبيل ربه ومولاه ، وبين سبل مرضاته وتقواه ودرب نصره وعظيم أمره وأدناه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم نلقاه أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله
تُنال العقبى الحميدة وتسعد النفوس المجدّة المجيدة ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا
الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
عباد الله : لو تأملنا في شأن كل
أمة من الأمم وكلِّ جيل من البشر أيا كانوا في من حكموا هذه الأرض أو بعضها من
أصحاب الحضارات وغيرهم مسلمين كانوا وغير مسلمين لوجدنا أنهم يسعون إلى تحقيق
عوامل النصر والتمكين صغيرها وكبيرها ويبحثون ويستشيرون ويخططون ويدربون ويسعون
لذلك مااستطاعوا لذلك سبيلاً ، يستثمرون الطاقات البشرية في عز أمتهم وتحقيق مجدهم
وعلو رايتهم بين أمم الأرض ، فيتبعهم بذلك غيرهم وتدين لهم الأمم المجاورة وغير
المجاورة ، فالإنسان بطبيعته يميل لحب الرئاسة والزعامة ، بل ربما قتل من اجل ذلك
أقرب المقربين إليه وسطا على ذوي الأرحام من أجل ذلك ولهذا شواهد كثيرة من التأريخ
المعاصر وغيره ولكن الذي يهمنا أن ندرك أننا لايُمكن أن يُكتب لهذه الأمم النصر
والتمكين والظفر في الأرض وبسط النفوذ على الأعداء فيدينون لأمة الإسلام عامة إلا
بعد تحقيق عوامل النصر التي بينها الله وأرشد إليها في كتابه وعلى لسان رسوله
ولعلنا أن نوجز شيئاً منها على عجل فمنها :
- تحقيق تقوى الله من قِِبل كل فرد
من هذه الأمة فهذا من أعظم أسباب الفلاح لأن سبل النصر بعد توفيق الله تعالى هي
جهود فردية تحت مظلة جماعية فإذا كان كل فرد من المسلمين قام بكل مايجب عليه
وابتعد عن كل ماحُرم عليه ونهى الله عنه كان قد تكفل بنفسه فلا مدخل للشيطان ولا
للأعداء من قِبله وقد أدى ماعليه
- ومنها نصر دين الله تعالى ألم تر
أن الله يقول : ( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ونصر
دينه يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للولاة والتحذير من التعرض
لعقوبات الله العاجلة أو الآجلة ، ويدخل في ذلك محبة أهل العلم ومناصرتهم وتأييد
قضايا المسليمن في أقطار الأرض وبذل النفس والمال من أجل ذلك إعلاء لكلمة الله في
كل بلد يقطنه المسلمون بقدر الإستطاعة والطاقة
- ومنها : الثبات حتى الممات في
مواقف الفتن والبلايا سواء كان ذلك في السلم أو في الحرب يقول الحق تبارك وتعالى :
( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله نصركم ويثبت أقدامكم ) .
- ومنها : ترك التنازع والخلاف
الذي لايأتي إلا بشرّ وهكذا كان صحابة المصطفى عليه السلام فقد كانوا يكرهون
الخلاف ، بل كان بعضهم يترك الجدال مع أنه محق خشية الضغائن وإثارة العداوة ولكي
يسلم له قلبه ولسانه من الزلل
كل ذلك طاعة لله ورسوله فهم
يمتثلون قول الله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
واصبروا إن الله مع الصابرين ) .
- ومنها : العدل الذي هو أساس
الملك والذي لاقرار للدول كافة إلا به ومتى زاد الظلم أذن الله بتبديل وتغيير من
عنده وهي سنة الله في عباده التي لاتتبدل ولا تتغير .
- ومنها : عدم انتهاك محارم الله
بالجملة فلا حرام يُحل ولا حلالٌ يُحرّم ولا مترف يفسق ولا فقيرٌ يتكبر قال الله
تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول
فدمرناها تدميرا ) .
ولذا جاء في رسالة كسرى إلى ملك الصين يطلب من النصر والنجدة بعد هزيمته المخزية في معركة نهاوند – كما ورد ذلك في تاريخ الطبري - حيث سأل ملك الصين رسول كسرى عن المسلمين فقال ملك الصين :
أيوفون بالعهد؟ قال : نعم ،
فقال : وما يقولون
لكم قبل أن يقاتلوكم؟ فقال رسول كسرى : يدعوننا إلى
واحدة من ثلاث: إمّا دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمَنَعة، أو
المنابذة .
فقال : فكيف
طاعتهم أمراءهم؟ فرد
عليه قائلاً : أطوع قوم لمرشدهم ، فقال : فما
يُحلُّون وما يُحرِّمون؟ فأخبره ، ثم قال له ملك الصين : أيحرِّمون
ما حلَّل لهم، أو يحلون ما حرَّم عليهم؟ فقال : لا ، فقال ملك الصين: فإن
هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يُحلُّوا حرامهم، ويحرّموا حلالهم.
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله القوي النصير العلي الكبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه الكرام المغاوير ومن تبعهم بإحسان ٍوعليهم معهم إلى يوم المصير أما بعد :
ومن عوامل النصر - معشر المؤمنين – ترك الإنشغال بالدنيا وإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله وعدم الركون لمتاع الدنيا الزائل ولذا جاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلا ً لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه الإمام أحمد وأبوداوود وسنده صحيح .
ومن عوامل النصر : لزوم الكتاب والسنة بالجملة والإختصام لهما عند التنازع والخلاف ومن شذّ عن ذلك فهو متبعٌ لسبيل لغير سبيل المؤمنين وذلك أن الله تعالى يقول في شأن نبيه وفي شأن مخالفيه : ( فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ٌ أو يُصيبهم عذابٌ أليم ) وما فرّق الأمة ياعباد الله التحزب والفرق المناوئة للإسلام الصحيح وخصوصاً الطرق الصوفية التي هي أول من يضع أيديهم في أيدي النصارى واليهود والرافضة ولا يُبالون بعقيدة الولاء والبراء وينتقون من الدين مايوافق هواهم وكثير منهم واقعٌ بالشرك من رأسه إلى أخمص قدميه فهل ترجوا نصراً من قومٍ يفضلون الأولياء على الأنبياء ويصرفون للأولياء من أصناف العبادة مايخرج من الملة وأعداء الدين يفرحون بذلك ويمدونهم ويُصدرونهم للأمة على أن دينهم هو الدين الصحيح مع مايتبعهم من عوام الناس والجهلة المضللين والداعين للباطل ، ولذا لايخاف أعداء الإسلام منهم وما ذلك إلا لأن هؤلاء لقمة سائغة يبتلعها العدو ويسخرها في أهدافه بعكس السلفية والمهتدين المتمسكين بالمنهج الرباني .
مع أن النبيَ صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإستمساك بما جاء عنه وعن خلفائه الراشدين فقال : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضوا عليها بالنواجد ، وإياكم ومحدثات الأمور فغن كل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة " والنواجذ هي الأضراس وكل ذلك كناية عن شدة التمسك وعدم المخالفة لنهج النبي صلى الله عليه وأصحابه مهما كانت الأسباب .