السبت، 19 سبتمبر 2020

خطبة عن عوامل النصر والتمكين للأمة

الحمدلله الذي أعز من أطاعه وهداه ، وأذل من عصاه وأغواه ، أحمده وهو المقدس في علاه ، وأشكره شكر من يرجو منه المزيد من عطاياه ، وأصلي وأسلم على من دعا لسبيل ربه ومولاه ، وبين سبل مرضاته وتقواه ودرب نصره وعظيم أمره وأدناه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم نلقاه أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله تُنال العقبى الحميدة وتسعد النفوس المجدّة المجيدة ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .

عباد الله : لو تأملنا في شأن كل أمة من الأمم وكلِّ جيل من البشر أيا كانوا في من حكموا هذه الأرض أو بعضها من أصحاب الحضارات وغيرهم مسلمين كانوا وغير مسلمين لوجدنا أنهم يسعون إلى تحقيق عوامل النصر والتمكين صغيرها وكبيرها ويبحثون ويستشيرون ويخططون ويدربون ويسعون لذلك مااستطاعوا لذلك سبيلاً ، يستثمرون الطاقات البشرية في عز أمتهم وتحقيق مجدهم وعلو رايتهم بين أمم الأرض ، فيتبعهم بذلك غيرهم وتدين لهم الأمم المجاورة وغير المجاورة ، فالإنسان بطبيعته يميل لحب الرئاسة والزعامة ، بل ربما قتل من اجل ذلك أقرب المقربين إليه وسطا على ذوي الأرحام من أجل ذلك ولهذا شواهد كثيرة من التأريخ المعاصر وغيره ولكن الذي يهمنا أن ندرك أننا لايُمكن أن يُكتب لهذه الأمم النصر والتمكين والظفر في الأرض وبسط النفوذ على الأعداء فيدينون لأمة الإسلام عامة إلا بعد تحقيق عوامل النصر التي بينها الله وأرشد إليها في كتابه وعلى لسان رسوله ولعلنا أن نوجز شيئاً منها على عجل فمنها :

- تحقيق تقوى الله من قِِبل كل فرد من هذه الأمة فهذا من أعظم أسباب الفلاح لأن سبل النصر بعد توفيق الله تعالى هي جهود فردية تحت مظلة جماعية فإذا كان كل فرد من المسلمين قام بكل مايجب عليه وابتعد عن كل ماحُرم عليه ونهى الله عنه كان قد تكفل بنفسه فلا مدخل للشيطان ولا للأعداء من قِبله وقد أدى ماعليه

- ومنها نصر دين الله تعالى ألم تر أن الله يقول : ( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ونصر دينه يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للولاة والتحذير من التعرض لعقوبات الله العاجلة أو الآجلة ، ويدخل في ذلك محبة أهل العلم ومناصرتهم وتأييد قضايا المسليمن في أقطار الأرض وبذل النفس والمال من أجل ذلك إعلاء لكلمة الله في كل بلد يقطنه المسلمون بقدر الإستطاعة والطاقة

- ومنها : الثبات حتى الممات في مواقف الفتن والبلايا سواء كان ذلك في السلم أو في الحرب يقول الحق تبارك وتعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله نصركم ويثبت أقدامكم ) .

- ومنها : ترك التنازع والخلاف الذي لايأتي إلا بشرّ وهكذا كان صحابة المصطفى عليه السلام فقد كانوا يكرهون الخلاف ، بل كان بعضهم يترك الجدال مع أنه محق خشية الضغائن وإثارة العداوة ولكي يسلم له قلبه ولسانه من الزلل

كل ذلك طاعة لله ورسوله فهم يمتثلون قول الله تعالى : ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع  الصابرين ) .

- ومنها : العدل الذي هو أساس الملك والذي لاقرار للدول كافة إلا به ومتى زاد الظلم أذن الله بتبديل وتغيير من عنده وهي سنة الله في عباده التي لاتتبدل ولا تتغير .

- ومنها : عدم انتهاك محارم الله بالجملة فلا حرام يُحل ولا حلالٌ يُحرّم ولا مترف يفسق ولا فقيرٌ يتكبر قال الله تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ) .

ولذا جاء في رسالة كسرى إلى ملك الصين يطلب من النصر والنجدة بعد هزيمته المخزية في معركة نهاوند – كما ورد ذلك في تاريخ الطبري - حيث سأل ملك الصين رسول كسرى عن المسلمين فقال ملك الصين :

أيوفون بالعهد؟ قال :  نعم   ، فقال :  وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم؟ فقال رسول كسرى : يدعوننا إلى واحدة من ثلاث: إمّا دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمَنَعة، أو المنابذة .

فقال :  فكيف طاعتهم أمراءهم؟    فرد عليه قائلاً : أطوع قوم لمرشدهم ، فقال فما يُحلُّون وما يُحرِّمون؟ فأخبره ، ثم قال له ملك الصين أيحرِّمون ما حلَّل لهم، أو يحلون ما حرَّم عليهم؟ فقال : لا ، فقال ملك الصينفإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يُحلُّوا حرامهم، ويحرّموا حلالهم.

ثم كتب ملك الصين كتاباً إلى كسرى الفرس جاء فيه : "إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوَّله بمَرْو وآخره بالصين الجهالة بما يحقُّ عليَّ، ولكنَّ هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يطاولون الجبال لهدُّوها، ولو خُليَّ سربهم أزالوني، ماداموا على ما وصف، فسالِمْهم، وارضَ منهم بالمساكنة، ولا تهيِّجهم ما لم يهيِّجوك " . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار .

=========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله القوي النصير العلي الكبير والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير وعلى آله وصحبه الكرام المغاوير ومن تبعهم بإحسان ٍوعليهم معهم إلى يوم المصير أما بعد :

ومن عوامل النصر - معشر المؤمنين – ترك الإنشغال بالدنيا وإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله وعدم الركون لمتاع الدنيا الزائل ولذا جاء في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذلا ً لاينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه الإمام أحمد وأبوداوود وسنده صحيح .

ومن عوامل النصر : لزوم الكتاب والسنة بالجملة والإختصام لهما عند التنازع والخلاف ومن شذّ عن ذلك فهو متبعٌ لسبيل لغير سبيل المؤمنين وذلك أن الله تعالى يقول في شأن نبيه وفي شأن مخالفيه : ( فليحذر الذين يُخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة ٌ أو يُصيبهم عذابٌ أليم ) وما فرّق الأمة ياعباد الله التحزب والفرق المناوئة للإسلام الصحيح وخصوصاً الطرق الصوفية التي هي أول من يضع أيديهم في أيدي النصارى واليهود والرافضة ولا يُبالون بعقيدة الولاء والبراء وينتقون من الدين مايوافق هواهم وكثير منهم واقعٌ بالشرك من رأسه إلى أخمص قدميه فهل ترجوا نصراً من قومٍ يفضلون الأولياء على الأنبياء ويصرفون للأولياء من أصناف العبادة مايخرج من الملة وأعداء الدين يفرحون بذلك ويمدونهم ويُصدرونهم للأمة على أن دينهم هو الدين الصحيح مع مايتبعهم من عوام الناس والجهلة المضللين والداعين للباطل ، ولذا لايخاف أعداء الإسلام منهم وما ذلك إلا لأن هؤلاء لقمة سائغة يبتلعها العدو ويسخرها في أهدافه بعكس السلفية والمهتدين المتمسكين بالمنهج الرباني .

مع أن النبيَ صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإستمساك بما جاء عنه وعن خلفائه الراشدين فقال : " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عَضوا عليها بالنواجد ، وإياكم ومحدثات الأمور فغن كل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة " والنواجذ هي الأضراس وكل ذلك كناية عن شدة التمسك وعدم المخالفة لنهج النبي صلى الله عليه وأصحابه مهما كانت الأسباب .

خطبة عن كرامات الأولياء

الحمدلله الذي الذي خلق الخلائق من عدم وأكرم عباده بالنعم وأسبغ عليهم من وافر الكرم وأبان لهم طريق الثبات والقيم والصلاة والسلام على النبي الذي بدد بهديه الظُلم وقاد بنور من الله الأمم وعلى آله وصحبه أولي الفضل والشيم عليهم وعلى من تبعهم بإحسانٍ أزكى الصلوات والسلام الأتم ، ثم أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله فالتقوى من الله كرامة وللدين علامة وقد فاز من عباد الله من رُزق الإستقامة ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءاً بما كانوا يعملون ) . 
عباد الله : درجات التقوى بين العباد متفاوتة والناس متفاوتون في الديانة واتباع الهدى وأعظم قدراً عند الله في الدنيا والآخرة هو المتقي وله العاقبة في الآخرة والله نصيره على من عاداه مهما طال الزمان وأولياء الله هم المتقون وهم أبعد مايكون عن الخوف والحُزن في الآخرة وإن أصابهم ماأصابهم في الدنيا ( ألا إن أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقوى 
والله أعطى من اتبع هداه واتقاه من الفضل والكرامة مالايُعطيه لغيره من الخلق وأعظمهم كرامة وأرعلاهم عطيةً وهبة من كانت درجته في التقوى أعلى ، وبقدر العلو في التقى تكون العطايا والمرتقى ، وكثيراً مانسمع من خوارق العادات للأولياء مانستعظم ذلك وهم مع ذلك يُبتلون ويمتحن الله قلوبهم ، فإن أصابهم من الإعجاب والغرور حرمهم الله تلك الكرامة وإن كان الثناء منهم لله والحمد وزاد افتقارهم بين ربهم وانكسارهم زادت عطاياهم ورفع الله شأنهم ولعلنا أن نورد بعضُ القصص التي وردت منذ الرعيل الأول إلى قريبٍ من عصرنا هذا . 
فمن تلك القصص - ياعباد الله - قصة صدّيق هذه الأمة حيث قل عنده الطعام لأضيافه فجعل الطعام يربو من أسفله في القدر وهذه كرامة لأبي بكر رضي الله عنه ، ومنها قصة عمر بن الخطاب حينما جلى الله له جيشاً غازياً في بلاد فارس وقد داهمهم العدو فقال وهو على منبر المصطفى عليه الصلاة والسلام " ياساريةُ الجبل ، من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم " وسارية هذا هو سارية بن زنيم الكناني قائد الجيش ، فأمره عمر أن يصعد بالجيش للجبل لئلا يهلك ، ثم مالبثوا حتى انتصروا بعد ذلك  ، ومنها قصة عبّاد بن بشر وأُسيد بن حضير حيث خرجا في ليلة ظلماء من عند النبي صلى الله عليه وسلم فأضاء الله لهما طرفا سوطهما حتى وصلَا إلى منزلهما ، وقد تكون الكرامة رفعة لمحتقر وذكراً بين الناس لايأبه الناس به حينها فيرفع الله ذكره ويُعلي مقامه في الدنيا غير مايدخره الله له في الآخرة كما هو الكثير من كرامات السلف الصالح فمنها : 

قصة أبو الحسن الزاهد المسمى ( بالحمال ) فقد كان عاصر ابن طولون ملك مصر في وقت قوة الدولة العباسية وكان ذات يوم قد أنكر منكراً عليه وكان أبو الحسن عابداً زاهداً لايأخذ من الولاة ولا من الحكام درهماً ولا ديناراًُ ، فلما اشتد إنكاره على ابن طولوت ألقاه في سجنٍ به أسد ليفتك به ، فانطلق ذلك الأسد نحوه ثمّ أحجم عنه ولحسه ثم رجع ، فلما قيل له في ذلك ، بماذا كنت تفكر ؟ 
فقال كنت أفكر هل سؤر السباع طاهر أم نجس ؟ وكان من أرباب التصوف السني الذي لاينحرف معه العبد لبدعة ولا لخرافة ، لاالتصوف البدعي الشركي الذي ينحرف معه العبد ويرسخ للبدعة والخرافة ويُعظم الأولياء ويغلو فيهم ويدعو الناس للإستغاثة بهم ودعائهم من دون الله . . ثمّ إن الحمّال بعد ذلك ارتفع شأنه وانتشر خبره وعلا مقامه بين الناس بعد تلك القصة وكان يقول : " الحر عبدٌ ماطمع ، والعبد حرّ ماقنع " 
ومن تلك الكرامات : مايكون دفع بلاء وشر باستجابة دعوه فقد دعا الحسن البصري على رجلٍ كان يؤذيه في مجلسه فوافته المنية حين تلك الحال وكذلك عُتبة بن غزوان القائد المظفّر الفذّ حينما كان في شمال أفريقيا وتحديداً في تونُس وأراد أن يتخذ أرض القيروان عاصمة له وكانت وادياً كثير الهوام والوحوش فنادى بأعلى صوته : " ياأهل الوادي اظعنوا عنّا فإنا نازلوه " فرأى من معه الحيات تخرج من تحت الصخور والحجارة وهي تحمل أولادها معها وكذلك السباع والكرامات كثيرة ومستمرّة إلى يوم القيامة والإيمان بها من أصول مذهب أهل السنة والجماعة . 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمنا الله جميعاً وإياه : ( من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يحيي الله على أيديهم من خوارق العادات ، في أنواع العلوم والماكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات ، والمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها ، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة ، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة ) أكرمنا الله وإياكم بطاعته وصرف عنا حب معصيته أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي رحيمٌ ودود  .

 ========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله الجواد الحميد والصلاة والسلام على المبعوث للخلق والعبيد نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام المديد أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الكثير من الناس يخلط بين المعجزة والكرامة ، وبعض الفرق المنتسبة للإسلام تكذب كذباً لايصدقه عاقل ولا مجنون ويدعي بعض الصوفية المبتدعة أن من الكرامة إلهامٌ لدني يُلهمه الشخص من دون علمٍ يقيني وهذا باطل ومن عمل بإلهامه في أمور الدين فقد عمل بأوهامه وضلّ ، وإن كاداعياً لذلك فقد زلّ وأضلّ ، وللتفريق بين المعجزة والكرامة : 
- أن نعلم أن المعجزةَ دائماً تكون برهاناً في الواقع على صدق النبوة وأما الكرامة فتكون برهاناً على الصلاح والإتباع ، والمعجزة تكون بدون طلب في الغالب من الأنبياء وأما الكرامات فتكون بطلب وحاجة من الأولياء ،  والمعجزة يكون مبناها على التحدي وأما الكرامة فغير مقرونة بالتحدي ، والمعجزة مبنية على الإظهار والإشتهار وأما الكرامة فمبنية على الكتم والستر ، والكرامة تعود بالنفع والفائدة على الغير وأما الكرامة فهي في الغالب تعود بالنفع على صاحبها والمعجزة لايقع مثلها مرة أخرى ولا تتكرر والمعجزة تكرر لعدة رجال صالحين وأولياء متقين فاللهم أكرمنا ولا تُهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولاتؤثر علينا 
وصلوا وسلموا - ياعباد الله - على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 



الخميس، 17 سبتمبر 2020

خطبة عن وحدة الصف واجتماع الكلمة

 الحمدلله ولي المؤمنين وقاهر العباد أجمعين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أنار درب السالكين وأبان سبل الغواية للحائرين ودل أمته على خير مايعلمه لهم وحذرهم من شر مايعلمه بالحجة واليقين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . 

عباد الله : الأمم لاتكمن قوتها ولا عزتها إلا باجتماع لاافتراق وبلمٍّ لاشتات وبتآلف لا تنافر وبتوافق لااختلاف ونعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف من أعظم النعم التي تحفظ الأمن في الأوطان والسبل وتقي مصارع السوء والزلل وتحفظ الحقوق لعباد الله من الإنتهاك العام وتسلط القوي على الضعيف ولذا ذكر الله سبحانه وتعالى النبيَّ وأصحابه بذلك بعد أن كانوا قلة خائفين من تربص الأعداء فقال في سورة الأنفال : ( واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون )   فعدّ ذلك نعمة تستوجب الشكر والثناء على الله والإكثار من الحمد له دائماً وأبداً  

معشر المؤمنين : لنتذكر دائماً إخواناً لنا تعجّلوا بما فيه أناة لهم فقاموا على ولي لهم لايخاف  لومة لائم في سبيل الشيطان والهوى وليس في سبيل الله ولا يخاف في مؤمن إلا ولا ذمة فما كان منهم إلا أن نازعوه  فلما أحس بطول القضية استعان بفجرة هم مثله أو أشد كفراً منه فقاموا كلهم على ذلك الشعب بالتنكيل والتشريد وساموهم العذاب الشديد  ، فحرموا نعمة الأمن سنين طويلة وكل ذلك وقع بقدر الله العزيز المتعال فهل نتذكر دائماً تلك النعمة ونتحدث بها في مجالسنا وإن كرهنا ، ولكن لعل ماتكره يكون خيراً لك مما تُحب  . 

عباد الله : مع اضطراب الأمن يفقد المرء كثيراً من مقومات الحياة ويحصل العناء وغلاء الأسعار ويتقاتل الناس على موارد المياه ومصادر المواد الغذائية ونحوها وكثيراً ماترتبط الحروب بالمجاعات التي تفتك بالبشر حتى مايجدُ المرءُ قطرةَ الماء ولا كسرةَ الخبز فاللهم سلمنا من الآفات المهلكة والشرور الحالكة يارب العالمين . 

عباد الله :  الإعتصام بالكتاب والسنة خطابٌ جماعي للأمة وحبل الله هما ، وطوبى لمن تمسك بهما ولا سلامة ولا عافية إلا باتباعهما ، والتحام المسلمين بعضهم ببعض ومد يد العون للمحتاج منهم هي من أواصر المحبة ومن أعظم السبل لتقوية الأخوة الإيمانية التي هي الأخوة الحقيقية لاأخوة النسب ، والتآلف بين القلوب من علام الغيوب ولا يقوى عليه إلا الله جل جلاله ولذا قال الله لنبيه :     ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت مافي الأرض جميعاً ماألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيزٌ حكيم ) فاعتصموا بالله وتذكروا قول الله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يُبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولعامّة المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه ثم توبوا إليه إنه هو العزيزالغفار .

========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

عباد الله : إن مما يجلب الشتات ويفرق صف المسلمين ويجلب الخيبة والتباغض والتناحر وتسلط الأعداء هو التنازع  وشق عصا الطاعة على ولي الأمر سواءاً كان صغيراً أم كبيراً والنتيجة هي الفشل وارتفاع الأمن في الأوطان ووقوع الضرر في الأبدان والممتلكات وقد أمر الله بلزوم الجماعة وعدم مفارقة صف الأمة فقال في الطاعة ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلا ) . 

عباد الله : قد يرى المسلم من ولي أمره مايكره فعليه أن يصبر ويسعى لنيل حقه بلسانه ولا يحلّ له أن يحملَ السلاح أو يعتدي أو ينتهك ويسفك دماءاً أمرها ولي الأمر بتفيذ أمرٍ يكرهه ، ولذا ورد في الحديث في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإن من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية " 

وأجمع العلماء المعتبرون المحققون أن لزوم الجماعة وإمام المسلمين واجب حتى لو كان ظالماً ، وكذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد عاصروا فتنة الحجاج بن يوسف طاغية العراق ومع ذلك ماأمر واحدٌ منهم بالخروج عليه وحمل السلاح ضده أو ضد جنده فاللهم ولّ علينا الخيار الأكفاء ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء ولا تسلط علينا بذنوبنا من لايخافك فينا ولا يرحمُنا واكتب لنا العافية في الدنيا والآخرة وأعذنا من شر النفوس الجائرة والأعداء الجبابرة ياذا الجلال والإكرام  . . .  ثم صلوا وسلموا على النبي المختار سيدُ المتقين الأبرار . . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...