الجمعة، 16 أكتوبر 2020

خطبة عن اللغة العربية وأهميتها

الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وأنزل الكتاب بالحق والميزان والصلاة والسلام على المبعوث بالفرقان نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والعرفان أزكى الصلوات من الله الكريم المنان وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الرحمن وسيروا لربكم بيقين وإيمان واحذروا سبل الشيطان تبلغوا الجنة دار الأمان وتنجوا من الوعيد والخسران ، عباد الله : 

فضل الله عز وجل آدم وبنيه وكرمهم باللسان والبيان وبالخلق الحسن الذي لاعلة فيه ولا نقصان  وعلّم الله آدم الأسماء كلها ، فعلمه كل شيء من المسميات وفتق اللغة على لسانه وخلقه ناطقاً مبينا ، يبين مافي نفسه ومشاعره وفاضل سبحانه بين اللغات على مر العصور وحفظ بعضها وذهب كثير منها أدراج الرياح ، وذلك حيث أن كثيراً منها لاوحي يحفظها ولا أمةً  تكتبها وتبلغها ولا علماء ألفوا فيها فذهبت كسائر اللغات التي اندثرت وتلاشت مع تطور اللسان الإنساني عبر العصور  .

عباد الله إن عنوان وبريد كل أمة من الأمم لغتها التي تتحدث بها وهي همزة وصل والرابطة بينها  وبين الشعوب الأخرى  ، وعز كل أمة وفلاحها بنجاح لغتها ومسايرتها لكل شؤون الحياة لاجمودُها وانتكاستُها ، وذلك كله بانتكاس أهلها وتضيعهم للغتهم ، والله جعل اللغة العربية لغة الكتاب والوحي المنّزل فقال سبحانه : ( إنا أنزلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون ) وجعل هذه اللغة حاكمة للناس بالشرع المحكم إلى أن تقوم الساعة وذلك كله برفع القرآن لها ونزوله بها (وكذلك أنزلناه حُكماً عربياً ولئن اتبعت أهوائهم بعد ماجاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق ) وهذا برهان رفعة وسبيل عزة لهذه الأمة التي أعرضت عن لغتها أو استهانت بها وبما تحويه فيها من مكنونات وذخائر لاتنقضي ولا تخْلِق على مرّ السنين  والأعوام . 

عباد الله : إن كثيراً من أبناء جلدتنا قد غُيّبوا عن الإعتزاز بلغتهم وتمّ إشغالهم بلغات أخرى فلاهم أتقنوا لغتهم ولا لغة عدوهم فصاروا مثل سقط المتاع بين الأمم لايُباع ولا يبتاع  أو مثل الأرض المهجورة لاهي بكرٌ ولا معمورة ، إن هجر الكثير منّا في التعرف على اللغة العربية وعلى الإعتزاز بها وافتخارهم في المقابل بلغة غيرهم وتمجيدهم لثقافة الأعداء هو من أعظم الذل والمهانة التي ابتليت به أمتنا ، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يتحدث بالفارسية وهو ممن آمن فقال : " أرضيتم بالمجوسية بعد الإسلام " أو كما قال ، وكان يقول : " تعلموا العربية فإنها تُنبت العقل وتزيد المروءة  " وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على حفظ أبناءهم من اللحن والمقصود به : " الخطأ في الحديث بتغيير قواعد اللغة " كأن ينصب المضموم أو يضم المفتوح أو نحوَ ذلك ، وكتب كاتبٌ لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه خطاباً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فبدأه بقوله : " من أبو موسى الأشعري . . . " فغضب عمر رضي الله عنه وكتب إلى أبي موسى : " أن اضربه سوطاً واستبدله بغيره " وذلك لأنه رفع المجرور ، وكان من المفترض أن يقول : " من أبي موسى الأشعري " وكان بعضهم ربما يخاف اللحن في الدعاء ويخشى أن لايُستجاب له ، وكان الحسن البصري يقول : " ربما دعوت فلحنت فأخاف أن لايُستجاب لي " . 

عباد الله : كان الرعيل الأول يعدون اللحن مذمة وكان بعضهم يراه إثماً وذنبا وكان أيوب السختياني إذا لحن استغفر ، فكانوا للغة القرآن الجيل الأبرّ ، وكان لهم في تعليمها وتنشئة أبنائهم عليها والتأليف بقواعدها وأدبها وبلاغتها وأسسها وأساليبها عظيم الأثر . 

عباد الله : إن أعداء الإسلام يشنون على لغتنا ولغة الوحي العزيز حروباً في الخفاء وظاهرة للمتتبعين ويكيدون لها وللأمة كيد قبيحاً دانياً ومكراً سافلاً جانياً يريدون صرف أفراد الأمة عن فهم لغتهم وسبر أغوارها لكي يعزلوهم عن فهم الوحيين القرآنِ والسنة فهم يحيون اللهجات العامية أو يعملون على نشر اللغات الغربية أو غيرها فمنتهى الإرادة عندهم هدم الدين لاهدم اللغة ولكن يعلمون أنه بهدم اللغة لن يفهم قول الله تعالى ولا قول نبيه عليه الصلاة والسلام ، فهل نصحو من غفلتنا ونحث أنفسنا وأبنائنا على تحسين مستواهُم في لغة القرآن وتطوير قدراتهم للأفضل بها فيه مسؤولية على عاتق الجميع . . فاللهم أعنّا على فعل الخيرات وبارك في جهودنا جميعاً يارب الأرض والسماوات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

========= الخطبة الثانية =========

الحمدلله الذي يهدي من يشاء ويختار ، أحمده وهو الواحد القهار ، وأصلي على النبي  المختار وعلى آله وصحبه البررة الأخيار وعلى من تبعهم بإحسان ٍ ماتعاقب الليل والنهار أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله : وكونوا من أنصار دينه ولغة كتابه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولو شاهدتم كيف تنتصر الأمم الأخرى للغتهم وحماسِهم لها ، وفخرهم  واعتزازهم بها مع أنها متهالكة ، وبعضها لايُميز فيها الذكر من الأنثى ولا الجمع من المفرد ولا المثنى ، ولا المخاطب من الغائب على قلة في المفردات وشح في المترادفات حتى مايكادُ أن يجدَ المتحدث بتلك اللغة  بعض الألفاظ التي تعبر في نفسه لقلة كلماتها وفقر هيكلتها ومضمونها وضيق نطاقها . . كل ذلك موجودٌ في تلك اللغة وأهلها يذودون عنها أعظم الذود وأشرس المدافعة ويستميتون في نشرها والفخر بها ، ونحن بين ايدينا لغة هي أعظم اللغات وأوسعها شمولية ونطاقاً ومرادفات واشتقاقات تتولد بين الحين والآخر إلى يومنا هذا لاتكاد ، لغة موسوعية متجددة على مرّ العصور والأعوام مترابط عتيقها وجديدها وكل ذلك بشهادة الأعداء قبل أهلها ، وتجد مع ذلك التقصير والزهد في تعلم الجديد منها واستدراك القديم فما أتانا هذا الخور والضعف ولا الإستكانة وطغيان الأعداء وغلبتهم على أمرنا إلا بسبب قلة الدين ونقص الحمية والغيرة الدينية على تراثنا . . 

فمتى يُفيق الشبل في الإسلام  *  ومتى يعي الكُهال ذو الأحلام 

كاد العدو يحلُ في أبيــــاتنا  *  والنــاس في خورٍ على الآثام

بالله ربي قدعقدت رجائيا  * ثم الشباب على خطى الإقدام 

لغتي وديني عزتي وكرامتي  * بهمــا أقرّع فاجراً متعامي 


الخميس، 15 أكتوبر 2020

خطبة في التحذير من الخلاف بين أفراد الأمة

 الحمدلله الذي أبان سبيله للسالكين وبين سبل مرضاته للمهتدين وحذرهم من الخلاف في ثوابت الدين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله وخذوا  ماآتاكم الله بقوة على نور من الله واثبتوا على جادة الحق والدين وكونوا من حزب الله المفلحين ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً )  ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

 عباد الله : الخلاف بعد بلوغ الحجة شرّ وبلاء وعلامة هلاك وضعف وذهاب أمر وفتح شرّ وفتنة والخلاف قبل بلوغ الحجة جهل وضيعة  والمحاجة لأهل العلم بلا دليل ولابرهان هو أعظم الجهل وعلامة من علامات النفاق وسوء أدب لمن لايريد اتباع الحق بعد بيانه ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لايسألون النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء لأن السؤال الكثير يفتح باب الخلاف والنزاع حتى في صغائر الأمور وكانوا يفرحون بمن يأتي من البوادي أو القرى لكي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم يسمعوا ويحفظوا ويبلغوا امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية " وكان يقول يذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " لأنه يعلم عليه الصلاة والسلام أن الرجل إن كان من المتقين فسيعلمه الله ثم تقواه وإن كان سوى ذلك فسؤاله إقامة للحجة عليه وسبب لهلاكه إن لم يسمع ولم يُطع وهذا من المحاذير الشرعية التي لابد أن تؤخذ بالحسبان لنجاة المسلم من عذاب الله تعالى . 

عباد الله : من أعظم أسباب الخلاف والإختلاف ووقوع العداوة بين الناس الظلم والبغي وذلك أن الله تعالى يقول كما في سورة البقرة : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الله أوتوه من بعد ماجاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)  فانظر كيف كان الناس على دين الإسلام وكانوا كلُهم مسلمون ثم حصل الإختلاف وبدأ الشر وبُدل الدين وتغيّر مع الزمان ولهذا كان ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود وقتادة وغيرهم من الصحابة ومن التابعين يقرأؤن الآية هكذا : ( كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . . ) الآية وقد أورد ذلك الكثير من المفسرين منهم ابن جرير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم . 

عباد الله : الخلاف في الثوابت والأصول كفر بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم والذي ينفي المسلّمات في الشريعة وما اتفق عليه أهل العلم وأجمع عليه العلماء فقد خلع ربقة الإسلام من عُنقه فإذا علمنا ذلك وأيقنا به فما بقي إلا الفروع والفروع اختلف فيها أهل العلم واختلافهم فيه ظاهر يراه ويسمعه الناس من القرون المفضلة إلى يومنا هذا ولكن ولكن كيف نفرق بين الأصول والفروع حتى نعرف ونحذر من الشك والوقوع في المحظور الشرعي وكلام العلماء فيه كثير والصحيح الذي عليه كثير من أهل العلم وهو الحق إن شاء الله الذي لاينبغي أن يُصار إلى غيره أن الأصول هي المسائل الجليلة الواضحة سواءاً كانت من المسائل العلمية أو العملية هي من الأصول ، وأما المسائل الدقيقة التي تخفى على أكثر الناس فهي من الفروع وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام رحمه الله وكثيرٌ من الباحثين نهج نهجه في ترجيح هذا القول واختياره وهو أسلم وأبين وأوضح حين التطبيق والعمل في مسائل العلم كافة . . فاللهم اجعلنا ممن اتقاك فعلمته واستهداك فهديته ومن كل خيرٍ أعطيته أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار . 

=========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله يهدي من يشاء برحمته ويُضل من يشاء بحكمته وربّى العالمين بنعمته والصلاة والسلام على من بعثه الله بمنته نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على أثره وسنته أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله -  ثم لنعلم أن الخلاف الذي يجري بين أهل العلم خلافٌ في فروع الشريعة والتي يجتهد فيها أهل العلم لكي يبينوا للناس الحق في تلك الفروع ، فإذا علمنا أن من أهل العلم من لم يبلغه الدليل ومنهم من بلغه الدليل ولكنه في رأيه يُعارض دليلاً آخر أثبت منه ، ومنهم من بلغه الدليل ولا يعلم بضعفه ، ومنهم من يخطئ في فهم الدليل فيوقعه على مسألة مشابهة للمعنى الوارد وهي في الواقع لمسألة أخرى بناءاً على المعنى العام للحديث ، ومنهم من يختلف في استنباطه وفهمه للغة الحديث ومنهم من يرى من القواعد الأصولية ومن طرق الإستدلال مايُقدم على غيره وهكذا . 

عباد الله : إذا علمنا ذلك كلَّه وجب علينا أن نُمسك عن تناول العلماء بالنقد أو التجريح ، وأن نحسن الظن فيهم فهم ماأرادوا إلا الخير والرشد ، وطلب الحق وإن الخوض فيهم يُفرح الأعداء ويجلب الفرقة والشقاق في أفراد الأمة ويجمع الناس على رؤوس الضلال لأن الأعداء نجحوا في إسقاط رموز الأمة والمبرّزين منهم فاتخذ الناس رؤوساً جهّالاً . 

ولنحذر جميعاً من أسباب الخلاف واتباع طرق الشهوات والداعين لها في كل مكان ( والله يُريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) . 

وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم ربكم فقال عز ذكره وتقدس أمره : ( إن الله وملائكته يصلون على ىالنبي ياأيها الذيم آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . . 





خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...