الخميس، 15 أكتوبر 2020

خطبة في التحذير من الخلاف بين أفراد الأمة

 الحمدلله الذي أبان سبيله للسالكين وبين سبل مرضاته للمهتدين وحذرهم من الخلاف في ثوابت الدين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله وخذوا  ماآتاكم الله بقوة على نور من الله واثبتوا على جادة الحق والدين وكونوا من حزب الله المفلحين ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله مافي السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً )  ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 

 عباد الله : الخلاف بعد بلوغ الحجة شرّ وبلاء وعلامة هلاك وضعف وذهاب أمر وفتح شرّ وفتنة والخلاف قبل بلوغ الحجة جهل وضيعة  والمحاجة لأهل العلم بلا دليل ولابرهان هو أعظم الجهل وعلامة من علامات النفاق وسوء أدب لمن لايريد اتباع الحق بعد بيانه ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم لايسألون النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء لأن السؤال الكثير يفتح باب الخلاف والنزاع حتى في صغائر الأمور وكانوا يفرحون بمن يأتي من البوادي أو القرى لكي يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم يسمعوا ويحفظوا ويبلغوا امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " بلغوا عني ولو آية " وكان يقول يذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " لأنه يعلم عليه الصلاة والسلام أن الرجل إن كان من المتقين فسيعلمه الله ثم تقواه وإن كان سوى ذلك فسؤاله إقامة للحجة عليه وسبب لهلاكه إن لم يسمع ولم يُطع وهذا من المحاذير الشرعية التي لابد أن تؤخذ بالحسبان لنجاة المسلم من عذاب الله تعالى . 

عباد الله : من أعظم أسباب الخلاف والإختلاف ووقوع العداوة بين الناس الظلم والبغي وذلك أن الله تعالى يقول كما في سورة البقرة : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الله أوتوه من بعد ماجاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)  فانظر كيف كان الناس على دين الإسلام وكانوا كلُهم مسلمون ثم حصل الإختلاف وبدأ الشر وبُدل الدين وتغيّر مع الزمان ولهذا كان ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود وقتادة وغيرهم من الصحابة ومن التابعين يقرأؤن الآية هكذا : ( كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . . ) الآية وقد أورد ذلك الكثير من المفسرين منهم ابن جرير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم . 

عباد الله : الخلاف في الثوابت والأصول كفر بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم والذي ينفي المسلّمات في الشريعة وما اتفق عليه أهل العلم وأجمع عليه العلماء فقد خلع ربقة الإسلام من عُنقه فإذا علمنا ذلك وأيقنا به فما بقي إلا الفروع والفروع اختلف فيها أهل العلم واختلافهم فيه ظاهر يراه ويسمعه الناس من القرون المفضلة إلى يومنا هذا ولكن ولكن كيف نفرق بين الأصول والفروع حتى نعرف ونحذر من الشك والوقوع في المحظور الشرعي وكلام العلماء فيه كثير والصحيح الذي عليه كثير من أهل العلم وهو الحق إن شاء الله الذي لاينبغي أن يُصار إلى غيره أن الأصول هي المسائل الجليلة الواضحة سواءاً كانت من المسائل العلمية أو العملية هي من الأصول ، وأما المسائل الدقيقة التي تخفى على أكثر الناس فهي من الفروع وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام رحمه الله وكثيرٌ من الباحثين نهج نهجه في ترجيح هذا القول واختياره وهو أسلم وأبين وأوضح حين التطبيق والعمل في مسائل العلم كافة . . فاللهم اجعلنا ممن اتقاك فعلمته واستهداك فهديته ومن كل خيرٍ أعطيته أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو العزيز الغفار . 

=========== الخطبة الثانية ===========

الحمدلله يهدي من يشاء برحمته ويُضل من يشاء بحكمته وربّى العالمين بنعمته والصلاة والسلام على من بعثه الله بمنته نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على أثره وسنته أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله -  ثم لنعلم أن الخلاف الذي يجري بين أهل العلم خلافٌ في فروع الشريعة والتي يجتهد فيها أهل العلم لكي يبينوا للناس الحق في تلك الفروع ، فإذا علمنا أن من أهل العلم من لم يبلغه الدليل ومنهم من بلغه الدليل ولكنه في رأيه يُعارض دليلاً آخر أثبت منه ، ومنهم من بلغه الدليل ولا يعلم بضعفه ، ومنهم من يخطئ في فهم الدليل فيوقعه على مسألة مشابهة للمعنى الوارد وهي في الواقع لمسألة أخرى بناءاً على المعنى العام للحديث ، ومنهم من يختلف في استنباطه وفهمه للغة الحديث ومنهم من يرى من القواعد الأصولية ومن طرق الإستدلال مايُقدم على غيره وهكذا . 

عباد الله : إذا علمنا ذلك كلَّه وجب علينا أن نُمسك عن تناول العلماء بالنقد أو التجريح ، وأن نحسن الظن فيهم فهم ماأرادوا إلا الخير والرشد ، وطلب الحق وإن الخوض فيهم يُفرح الأعداء ويجلب الفرقة والشقاق في أفراد الأمة ويجمع الناس على رؤوس الضلال لأن الأعداء نجحوا في إسقاط رموز الأمة والمبرّزين منهم فاتخذ الناس رؤوساً جهّالاً . 

ولنحذر جميعاً من أسباب الخلاف واتباع طرق الشهوات والداعين لها في كل مكان ( والله يُريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) . 

وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم ربكم فقال عز ذكره وتقدس أمره : ( إن الله وملائكته يصلون على ىالنبي ياأيها الذيم آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . . 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...