فاتقوا الله عباد الله فمن اتقى الله نفعه عقله وعلمه وتقواه ومن أعرض عن تقوى الله أضله علمه وعقله وأغواه . .
( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويُكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكلُ محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : ضرب الأمثال في القرآن من أساليب البلاغة والبيان ومن أسس الفصاحة والتبيان وهو من ما يقرب المعاني إلى الأذهان ويزيدُ اليقينَ والإيمان ويفضح أساليبَ الجهال وأهلَ الضلال ويقرر سبحانه بها ضرورة العقل في أغلب الأحوال مالم يتعارض مع شرع الله المطهر ويضرب الله المثل لمن يعتبر ويتذكر ويعقل ويتفكر ولا يعقل هذه الأمثال إلا العلماء وأهل الأحلام وذوو الألباب ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) وقال سبحانه : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) وقال جل ذكره : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ) وهكذا ينوع الله تعالى حينما يضرب الأمثال كل ذلك من أجل التفكر والتذكر والإعتبار وهو يوافق الغرض الذي أنزل من أجله القرآن وهو التدبر والعظة ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها) ( كتاب أنزلنا إليك مباركٌ ليدبّروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) .
عباد الله : الأمثال في كتاب الله كثيرة تتناول قضايا متعددة وجوانب متنوعة من المعاني والمثل ولعلنا أن نأتي على بعضها فمن الأمثلة التي ضربها في كتابه سبحانه قول الحق في شأن الشرك وهو أعظم مايُضرب به المثل لكونه أعظم ذنب عُصي به الله فقال في شأنه تبارك وتعالى : ( ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقومٍ يعقلون ) وهذا يدل على معنى عظيم مفاده تصور حالك أن لك شريكٌ بالقوة في غلام لك أو في أمة وجارية تملكها هل تهدأ نفسك وترضى بهذا الأمر أم أنك ستحارب وتقضي على خصمك فكيف بمن يجعل لله معه في ملكه وعبودية الخلق الله شريكاً فماذا يظن أن الله سيعاملُه ويجازيه وكذلك الشركاء قد يحصل بينهم الخصومة في الملك الواحد والله جل وعلا منزه عن ذلك وليس له كفواً أحد في قوته وقهره ، وبين الله اختصامَ الشركاء في مثل آخر فقال تبارك وتعالى : ( ضرب الله مثلا رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمدلله بل أكثرهم لايعلمون ) .
- وضرب الله مثلاً في شأن المنافقين فقال : ( مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ماحوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لايُبصرون ) فشبه الله هذا نور هذا الدين بالنار بجامع الإضاءة والتنوير وشبه النفاق والضلال بالظلمات فصار المنافقون يترددون في الحيرة والضلال بعد انطفاء هذا النور
- ومنها في شأن الكفار قوله تعالى : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لايسمع إلا دعاءاً ونداءاً صمٌ بكم عمي فهم لايعقلون ) ومعنى ذلك أن سماع الكفار لآيات الذكر والكتاب كمن يسمع صوتاً أو يسمع منادياً يهتف ، ولكن لايفهم مايقول ولا يعقله لالأنه لايسمع ولكن بسبب طبعِ الله على قلبه وختمه عليه ، فلو أتيه بكل آية فلن يتبع ماجاء به القرآن ولن يعتبر ، وشبه أعمالهم سبحانه بقوله : ( مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف لايقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ) فهم ينفقون وأجرهم كمثل ذرة الرماد التي طارت بها الريح نسأل الله العافية وهذا يشبه قول الله تعالى ( وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً ) .
- ومنها : مثلُ الذي انسلخ من آيات الله بعد أن آتاه الله شيئاً منها فقال سبحانه :
( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولوشئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أن تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) فكما أن الكلب عندما تلاحقه يخرج لسانه ويخرجه حين لاتلاحقه فيثبت على تلك الحال في هذه الصورة فكذلك هذا الرجل من بني اسرائيل لم يتغير حالُه من الضلال إلى الهداية حتى مع وهبِ الله له آياتٍ معجزة ودلائل ظاهرة .
عباد الله : من الأمثال التي ضربها الله في كتابه قوله تعالى : ( ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لايقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمدلله بل أكثرهم لايعلمون ) وهذا المثل يبين فضل الإنفاق وعظيم نفعه للناس وللمنفق وفي المثل الثاني في الآية التي بعدها يبين الله فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال جل وعلا : ( وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لايقدر على شيءٍ وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهْه لايأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيم ) وهذا يدلل على البون الشاسع بين من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبين من لايستطيع ذلك ولا ينويه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .