الثلاثاء، 26 يناير 2021

خطبة عن الشعوذة والسحر والروحانيين والنظر في البروج

 الحمد لله الذي له الدين الخالص والملةُ الحنيفية رب الأرباب وخالق البرية ، له الصفات العليّة والأسماء الحسنى الزكية والصلاة والسلام على المبعوث بالنور والشمائل والمثل النقية ، الذي حقق العبودية ، وقد جاءنا بها بيضاء صافية نقية  لايزيغ عنها إلا هالك ٌ وساقط في الأوحال الدنيوية وغافٌل معرض عن الأمور الأخروية عليه وعلى آله وصحبه أزكى التحايا والصلوات المرضية وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى هو سبيل الموحدين وذخر أولياء الله الصالحين وسبيل النجاة يوم الدين ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ) 

- عباد الله : أهم مطلوبٍ وأعظم هدف خُـلق العبد من أجله هو توحيد الله وعبادته والبراءة من كل مايناقض هذا الهدف العظيم ، وكان كل توجيهات ربنا سبحانه وأمره ونهيه تدور حول هذا الهدف من تأصيل التوحيد في النفوس وتحقيق العبودية في الناس لربهم وخالقهم وتُحذر من سوى ذلك وتدعو لحفظ جناب التوحيد والإتيان بالوسائل المعينة عليه والدالة إليه وتنذر بأشد النذُر من خالف هذا الهدف الأسمى الذي خُلق الناس من أجله منذ أن نزل على هذه الأرض أول بشر وهو أبونا آدم حتى يرث الله الأرض ومن عليها ( ولقد بعثنا في كل أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ومن ثمَّ يجب علينا جميعاً أن نحذر أشدّ الحذر من كل أمرٍ يخدش عقيدة العبد وتوحيده لله ومن كل ضلالة أو شركيات تهشم أو تجتث توحيد الله وإفراده من القلوب ، فوالله لو ضاع هذا التوحيد وأصبح العبد من عداد المشركين لكان ممن خسر الدنيا والآخرة فياطول ندامته وماأشد عذابه ونكاله في الآخرة وليس له أي شأن ولا قدرٌ عند الله ولا عند ملائكته ولا بقية الخلق ( ومن يُشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهــوي به الريح في مكانٍ سحيق ) . 

عباد الله : السحر والشعوذه هو من أعظم الشرك وأكثره إفساداً في العباد والبلاد وذلك أن السحر والشعوذه أذية لعباد الله بالضرر الحاصل للمسحور المظلوم من جراء السحر والشعوذة مع جمع الطالب للسحر والساحر الشركَ بالله وذلك بالتقرب للشياطين بالذبح لهم مع الإستعانة بهم وطلب الغوث والنجدة منهم ، بينما المشرك الذي لايتعامل بالسحر ضرره على نفسه وهذا يُبين خطورة السحر وضرره على المجتمعات وأن ضرره متعدٍّ ولذا كان حد السحر في شرع الله ضربة بالسيف كما ورد ذلك في السُنّة ولا يُمهل مثل المشرك العادي صاحب الذمة أو المعاهد أو المستأمِن - بكسر الميم - . 

عباد الله : السحرة والمشعوذون عموماً يتسمى بعضهم الآن بأسماء يوهمونها على العامة فيسمون أنفسهم بالشيوخ الروحانيين أو الشيخة فلانة للأنثى أو الشيخ الرحماني كل ذلك من باب التمويه على الناس وهم في الواقع يتعاملون بالسحر الصريح المحرم ، وبعضهم يُصرّح بذلك فيقول ( لجلب الحبيب ) أو ( للتوفيق في الزواج ) أو ( لرد المطلّقة ) أو ( لعلاج العقم وللإنجاب ) اتصل على كذا ، وغير ذلك كل ذلك قد انتشر معشر الموحدين في زماننا هذا - ولهم إعلانات يتباهون بها ينشرونها في كل مكان في مواقع البحث وبرامج التواصل الإجتماعي يستنزفون أموال الناس ويخسر فيها المرء دينه ودنياه ، فياحرّاس العقيدة وحماة التوحيد لابد من الحذر والتحذير منهم ولا يستدرج البعض منّا الشيطان فيأتيه من باب التجربة والإطلاع والفضول ، فالتوحيد أمره عظيم وشأنه كبيرٌ فلا تجعله عُرضة للتجربة ولا لاستمالة الشيطان وكيده فالأمر خطيرٌ ولا يستهان به وقد قال ربنا في شأن السحر ( ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ماشروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) فالذي يتعامل به ويشتريه في دنياه ماله نصيب ولا حظ في أخراه ، وقد بيّن أهل العلم أنه يحرم حلّ السحر بسحرٍ مثله  - مع أنه في نظر البعض ضرورة وذلك في اعتقاد البعض أنه دفعٌ للضرر - ولكن في الواقع ماحرّم الله ذلك إلا لأنه يعلم سُبحانه طبيعة الجنّ وهو خالقهم وبصنعه أعلم وهو أحكم الحاكمين جل وعلا ومن الحكم الإستناطية في ذلك أن عالم الجن عالم كيدي عنيد مارد متسلط في الغالب ولا يخدم إلا بمقابل وهو أن يُشرك بالله أو يذبح له أو لسيدهم أو لغير الله وفي فك السحر بالسحر ركون لقدرة الجن مع ترك دعاء الله والتوسل بأسمائه كالشافي . 

وفي فك السحر بالسحر أيضاً فتح باب المخادعة من الجن للإنسي بالجملة ومن المشعوذ والساحر لعامة الناس وذلك أن من طلب فك السحر بسحرٍ مثله بمقابل مادي ، ففي كثير من الأحيان يعود السحر مرة أخرى ثمّ يُصبح المصاب والمريض عُرضة للإستنزاف المادي وبذل الأموال ، وفي الأخير لاهو ظفر بصحة دائمة ولا هو حفظ ماله من هؤلاء المستغلين من السحرة والمشعوذين ، فمن أجل هذه الأسباب وغيرها حرّم الله فك السحر بسحرٍ مثله ومابقي إلا الإستشفاء بالرقية الشرعية التي تحوي بين جنباتها عدداً من الآيات والأدعية النبوية المأثورة والتي هي كالحمم على الشياطين والسحرة والمشعوذين  .

عباد الله : ومن صفات السحرة أن يسأل المريض عن اسمه أو اسم أمه أو يطلب أثراً منه كثوب أو طاقية أو ملابس داخلية أو شعراً أونحوَ ذلك والهدف لكي يتعرّف الجني على الإنسي من خلال ذلك أو يتمتم حين العلاج بكلام غير معروف أو يوهم المريض بقراءة آية ومن ثم يفصل قراءته  بكلام خافت غير معروف من باب التمويه على المريض أو يمسك براحة الكف لكي يقرأ مافيها أو يطلب من المريض أن يضع هذه الورقة تحت وسادته وتجد فيها آيات مع رموز أو يجعلها في جيبه باستمرار أو يأمر المريض أن يجتنب استعمال الماء مدة طويلة من الزمن أو يأمره بأمرٍ صريح كإلقاء المصحف في المرحاض وهذا من أصرح أعمالهم الفاجرة ، فلا بد من التنبه بمثل هذه العلامات والحذر من إتيان هؤلاء مع الإبلاغ عنهم في حال التعرف عليهم لينالوا عاقبة ووبال فعلهم ، اللهم احفظ بلاد المسلمين من أعمال وشر السحرة والمشعوذين ومن شر المردة والشياطين يارب العالمين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من الخطايا والأوزار إنه هو العزيز الغفار . 

============== الخطبة الثانية =============

الحمدلله معز من أطاعه واتقاه ، ومذل من خالف أمره ،  وعصاه والصلاة والسلام على عبده ومولاه ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - ثم اعلموا أن من الأمور التي يستهين بها البعض وما كان الناس يعرفونها وهي دخيلة على البلاد وهي مما يهدم أصل التوحيد ويوقع في السحر ألا وهو النظر في دائرة البروج أو التعامل مع كاهن أو عراف ينظر في ذلك ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنه : ( من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر ، زاد مازاد ) رواه الإمام أحمد وأبوداوود وفي رواية : " علماً من النجوم "  . . والمقصود بذلك أن من ينظر في دائرة البروج ويربطه بالحظ أو ينظر فيها بحجة استطلاع المستقبل كما يفعل بعض الحمقى من المتنبئين أو ينظر فيها ليخبر عن غيبٍ قد وقع أو سيقع وكل ذلك جعله الله مثل السحر والشرك وبينهما ارتباط من ناحية استخدام الشياطين وتسخيرهما والركون إلى قدرتهم ، وقد عوّض الله المؤمنين بالرؤيا الصالحة التي يطلعهم الله فيها على علم المستقبل عند الحاجة ، وعلماء العقيدة يقسّمون النظر في النجوم إلى علمين : 

الأول : علم التسيير وهو النظر إلى النجوم ومساراتها من أجل معرفة الفصول والتعرف على القبلة ومن أجل الإستدلال على الطريق والإستناد عليها في أنظمة الملاحة البرية والبحرية والجوية وهذا كلّه جائز ، وقد ذكر الله مصداق ذلك في كتابه على سبيل الإقرار فقال : ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) أي أنه جعل في الأرض علاماتٌ من جبال وطرق يستدل بها الناس وهداهم إلى معرفة الجهات عن طريق التعرف على النجوم والإهتداء بها في ظلام الليل .

- العلم الثاني : علم التأثير : وهو العلم المحظور المحرّم شرعاً والذي يحوي ربط الأبراج والنجوم بالحوادث الأرضية فيعتقدون أنه من وُلد في البرج الفلاني فهو من أهل السعادة ومن وُلد أو مات في البرج الفلاني فهو من أهل الشقاء والعذاب وهذا باطلٌ أشد البطلان وكذبٌ وافتراء وكثيرا ً مايحدث خلاف مااعتقدوا وتوقعوا فهذا الأمر لابد أن يُنبذ ولا يُلتفت إليه ويحذر من التعامل به ، والأمر كلّه بيد الله وعلى العبد أن يُخلص توحيده وعقيدته من شوائب الشرك ومن أكاذيب وخزعبلات الكهنة والعرافين وليتذكر حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام : " من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " . . . اللهم احفظ علينا عقيدتنا وديننا وأمننا وأهلينا وأصلح ولاة أمورنا ووفقنا لخير الدنيا والآخرة وجنبنا المنكرات والآثام ياذا الجلال والإكرام . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقد قال عز من قائل عليما : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...