فاتقوا الله ياعباد الله ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
عباد الله : مابعث نبي من الأنبياء في كل جيل وفي كل قرن وحقبة من الزمن إلا كان له أصحاب وخلفاء وحواريون يسيرون على نهجه ويقتفون أثره في جميع نسكهم ويأخذون من ذلك الدروس والعبر ويلتمسون الفوائد وسبل العلم والمعرفة من ذلك منهجاً ومعرفة وسلوكاً وحجة النبي صلى الله عليه وسلم - ياعباد الله - فيها من الدروس والعبر الشيء الكثير والجمَّ الغفير من الفرائد والفوائد وإصلاح النفس والسلوك وتهذيب النفوس وجهادها في ذات الله تعالى ولعلنا أن نلتمس منها ماتيسّر في هذه الخطبة نلتمس تلك الفوائد من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه الطويل الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه والذي هو أطول أحاديث السنة فمنها :
* كان تأخير حجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة بوحي من الله ولحكمة عظيمة وقد كان بعث النبي صلى الله عليه لأبي بكر في السنة التاسعة مع علي بن أبي طالب رضي الله حتى لايطوف بالبيت عريانٌ ولا مشرك بعد هذا العام وأن من كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته ولكي يخلو العام العاشر من الهجرة من أي معاهد ويدخل بقية العرب في دين الله كلهم وينقلوا مناسك الحج والعمرة غضة طرية إلى الأجيال القادمة .
* حرص الصحابة رضي الله عنهم على الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وشدّة اقتداءهم به وهم قدوة في حرصهم رضي الله عنهم ولذا قال جابر : " ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به " وهو القائل " خذوا عني مناسككم " فدلّ على أن شأن العبادات لابدّ للإنسان فيه من اتباع السنّة وترك الإبتداع لافي نقص ولا زيادة ، ومن زاد أو نقص فعمله عليه مردود وهو عن الحقّ مصدود حتى يدع بدعته .
* ومن ذلك تيسير العبادات على الحائض والنفساء فالمرأة النفساء تستطيع أن تحج وكذلك الحائض غير أن لاتطوف النفساء والحائض بالبيت وتدع الصلاة مدة حيضها ونفاسها وعندما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجت معه أسماء بنت عميس رضي الله عنها فولدت ابنها محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ فقال : " اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي " .
* ومنها : أن يدعو الحاج أو المعتمر وهو متوجه للكعبة على الصفا والمروة مع الذكر الوارد وليس يقتصر على الذكر الوارد فقط كما يعتقد البعض من الناس .
* ومنها : أن أفضل الأنساك التمتع وهو خيرها وأيسرها حين وجود مدة طويلة بين العمرة والحج ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلّ الناس وأخبرهم أن مامنعه من الحلّ إلا أنه ساق الهدي فكانت سنّة يُهتدى بها والتمتع خير الأنساك لمن لم يسق الهدي .
* ومن تلك الفوائد النفيسة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالعمرة والحج معاً وقال : " دخلت العمرة في الحج " قال ذلك مرتين أو ثلاثاً وفي رواية " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لأن أهل الجاهلية لايرون جواز أن تدخل العمرة في الحج أبداً ، فإذا دخل شوّال فعلى الرجل إن أراد البيت أن يحج فقط ولا تجوز العمرة عندهم ولذا قال ابن عبّاس رضي الله عنه : " كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور " ولذا قال جابر رضي الله عنه يصف لحظة خروج الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم : " لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة " فصحح رسول الله ذلك النهج الخاطئ وأرشدهم إلى الصواب " .
* ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم أصحابه وجوب السعي على الحاج بين الصفا والمروة وكان بعض العرب يكره السعي بينهما ويرون انهما من شعائر أهل الجاهلية لوجود صنم على الصفا يقال له " إساف " وعلى المروة آخر يُقال له : " نائلة " كما أخبر بذلك الشعبي وهو من المحدثين والمفسرين رحمه الله وكما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه الذي قال : " كنا نرى ذلك - أي السعي بين الصفا والمروة من أمر الجاهلية فلما جاء الإسلام أمسكنا " فأتى الإسلام وأنزل الله في كتابه السعي بينهما حيث قال جل وعلا : " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوف بهما ومن تطوّع خيراً فإن الله شاكرٌ عليم " وإنما قال " فلا جناح عليه أن يطوّف بهما " على سبيل رفع الحرج كما يظنه السامع لأنهم يعتقدون الحرج والإثم بالسعي بينهما فصحح الإسلام هذا ولذا لمّا قال عروة بن الزبير لعائشة رضي الله عنها : " فوالله ماعلى أحد أن يطوف بهما " ظنّاً منه عدم وجوب ذلك قالت له عائشة رضي الله عنها : " بئسما قلت يابن أختي ، إنها لوكانت على ماأولتها عليه كانت : " فلا جناح عليه ألاّ يطوف بهما ، ولكنها إنما نزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يُهلّون لمناة الطاغية ( الصنم المعروف ) التي كانوا يعبدونها بالمشلل - وهي الآن عند وادي قُديد -وكان من أهلّ لها يتحرّج أن يطوف بالصفا والمروة فأنزل الله الآية الآنفة الذكر
فاللهم سلّمنا والمسلمين من الشرك صغيره وكبيره والإثم باطنه وظاهره أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============= الخطبة الثانية ==============
الحمدلله هو أهل الثناء والحمد والصلاة والسلام على خير البشر من حرّ وعبد وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والسعد ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فإن أخشى الناس لله هو أعلمهم وأحفظهم هو أفقههم إلا من جمع بين العلم والفقه والفهم فقد نال قصب السبق والنصوص النبوية فيها من الإستنباطات والفوائد التي لاتُحصر لمن حرص عليها وفهمها فأين من يجني الفائدة ويبحث عنها فبعض الفوائد تغيّر حال ابن آدم وتُعليه في عالِ المنازل لأنها أورثته خشية وعلماً واستكمالاً لما في حديث جابر رضي الله عنه من الفوائد والعِبر فقول النبي صلى الله عليه وسلم حينما خطب في يوم عرفة : " إن دماءكم وأموالكم - وفي رواية وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " يدلل على أن الإنسان إن سُلّم من الجناية في الدم والمال والعرض فقد سلم من موبقات عظيمة وطريق الجنة سهل عليه وميسّر بعكس من لم يسلم فقد أوشك ان يدركه الهلاك ولذا ابتدأ بها النبي صلى الله عليه وسلم .
* ومنها أيضاً : كيف وضع النبي صلى الله عليه وسلم دماء الجاهلية كلّها وأمور الجاهلية برمتها وقال : " ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة ابن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هُذيل . . " فانظروا كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام وضع الشرّ كله تحته قدمه إهانة للشر والكفر الذي كانت عليه أهل الجاهلية وإيقافاً لاستمرار الشر والقتل والفجور في الأرض لكي لايُطالب أحدٌ بالثأر أبداً ويؤجل تلك المظالم ليوم الدين ليقضي الله فيها بين العباد وبدأ بدم أقرب الناس إليه وكان بإمكانه أن يُطالب به ويأمر الناس بقتال هُذيل أو غيرها من القبائل ولا أحدٌ يُخالفه في ذلك ولكنه رسول الله ولا يُخالف أمر ربه سبحانه وتعالى فكان إماماً للمرسلين وقدوة للخلق أجمعين .
* ومن ذلك أيضاً : أنه لما أتى الموقف جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه وهذا ليعلم أمته التنظيم وإفساح الطريق للمارّة وهو مبدأ سامٍ مهم ماأحوجنا إليه وإلى تطبيقه عملياً في عصرنا هذا الذي كثُر فيه المخالفون والسلبيون وأصحاب الهوى ممن لايُبالي بآداب ولا يعتريه حياء لافي مايختص بنفسه ولا مركبته فتجد أنه إما أن يغلق الطريق أو يؤذي المارّة بمركبة أو وقوف خاطئ أو نحو ذلك فهل نتأدّب بآداب الشرع في هذا الأمر ونعيريه اهتمامنا ، هذا بعضٌ من فوائد وفرائد ذلك الحديث الذي نحن بحاجة لسبر غوره واستخراج فوائده
فتلك فوائدٌ فيها ضياءُ * وفيها نهج رشدٍ يُستقاءُ
ومن لايستضيء بنور خير * فمسلكه وذو الجهل سواءُ
نفعنا الله وإياكم بما في الكتاب والسنة من نور وحكمة وهدىً ورحمة ثم صلوا وسلموا على المصطفى الأمين والنور المبين فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق