الحمدلله الذي أنعم على عباده بوافر النعم وهو أهل الجود والكرم أوجد عباده من العدم وأسبغ عليهم من ستره وعافيته من نشأته في باطن الرحم إلى انتقاله لبيت الدود والرِّمم والصلاة والسلام على المبعوث لسائر الأمم نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله -عباد الله - فالتقوى من حقّقه كان معصوماً من الموبقات يردُ آمناً في يوم العرصات إلى رب الأرض والسماوات ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويُكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) . واعلموا - رحمكم الله - أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : أنعم الله على ابن آدم نعماً كثيرة منذ أن نزل أبونا آدمَ عليه السلام من الجنة إلى هذه الأرض ومن تلك النعم نعمة الملبس والذي أباح الله لابن آدم لبسه واقتناؤه والزينة التي حث الله على التزين بها مما أباحه الله حيث قال سبحانه : ( قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقومٍ يعلمون ) وجعل الله ذلك اللباس من آياته سبحانه الدالة على وحدانيته فقال سبحانه : ( يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) يقيه من الحر ومن البرد ويستر عورته به ويفرق عيشه عن البهائم والحيوان واللباس من الله كرامة لأنه من الطيبات حيث يقول سبحانه : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) واللباس حلّة وزينة وأباح الله للإنسان أن يلبس ماشاء وجعل لهذا اللباس ضوابط أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا مالم يُخالطه إسراف أو مخيلة " أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد رحمهم الله وإيانا جميعاً .
عباد الله : من الضوابط المهمة جداً في اللباس هي أن لايكون الثوب أو القميص مُـسبَلاً فالإسبال في الثياب هو كبيرة من كبائر الذنوب موجب للعذاب والعقوبة من الله لصاحبه إذا لم يتب حيث يُحذر المصطفى عليه الصلاة والسلام من ذلك وتأمل كيف رُتبت هذه العقوبة بأشد أنواع الألفاظ التحذيرية منها لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد حيث قال عليه الصلاة والسلام : " ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم ، المسبل والمنّان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه
وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ماأسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " فانظر كيف توعد الله هذا المسبل بالعذاب الأليم والذي يبدأ من عذاب القبر إلى ويمتدُّ إلى ماشاء الله فهل من معتبر وهل من متعظ معشر المسلمين ، ولو فكرت وتأملت في كيفية التوقي من هذا الأمر لوجدته سهلاً يسيراً فبضعة ريالات تتوقى هذا الأمر والوقوع فيه ولكن ماأضل ابنُ آدم إلا هواه ونفسُه الأمّارة بالسوء وأكثر مايستهين به من الناس من فئة الشباب .
عباد الله : يعتقد بعض الناس أن من مسبلاً ولم يُصاحب إسباله خيلاء ولا كبر أنه يسلم من وعيد الله وعذابه يوم القيامة وهذا معشر الإخوة اعتقادٌ خاطئ جانب الصواب لمن فقِه في دين الله وتتبّع النصوص الشرعية فالإسبال محرّم بذاته وإن صاحبه كبرٌ أو خيلاء تضاعفت على العبد العقوبة والدليل على ذلك أن الله جمع التحذير من الإسبال والخيلاء جميعاً في حديث واحدٍ ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج أو لاجناح فيما بينه وبين الكعبين ، ماكان أسفل من الكعبين فهو في النار ، من جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه " أخرجه الإمام أحمد وأبوداود وابن ماجه وقال النووي في المجموع : " إسناده صحيح " .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند البخاري رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجلٌ يجرّ إزاره إذ خُسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " ولم يُذكر أنه جرّ إزاره خيلاء فدلّ أن الإسبال بذاته محرّم وأما من يستدل بقصة أبي بكر رضي الله عنه حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لست ممن يصنع ذلك خيلاء ) فالجواب عليه أن يُقال : إن أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يُسب إزاره أصلاً ولكن مع الحركة ينزل أحد شقي الإزار مع كثرة الحركة بعكس من لبس الثوب الطويل وهو يرى أنه طويل لأنه تعمد الإسبال فأسبل إزاره من اللبسة الأولى ولا يستطيع أن يتعاهده كل مرة وأجاب ابن حجر صاحب كتاب " فتح الباري شرحُ صحيح البخاري " عن هذه الشبهة وقال : " وهذا إن كان الثوب زائداً على قدر لابسه فهذا قد يتجه المنع فيه على جهة الإسراف فينتهي إلى التحريم ، وقد يتجه من ناحية التشبه بالنساء وهذا أمكن من الأول وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة ، وقد يتجه المنع من جهة أن لابسه لايأمن من جهة تعلق النجاسة به " انتهى كلامه .
وتحريم الإسبال يُعتبر من البيّن الواضح حرمته في المسائل الفقهية ومن كبائر الذنوب ومن يتتبّع المشتبه من النصوص لكي يُحل ماحرّم الله أو يحرم ماأحل الله ففي قلبه مرض ومريدٍ للفتنة سواءاً لنفسه أو لغيره ، والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر من اتباع المشتبه من النصوص في الحرام خاصة وأن من فعل ذلك فقد وقع في الحرام ولذا قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمورٌ مشتبهات لايعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشُبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشُبهات وقع في الحرام ) فالحذر من التهاون في ذلك رزقني الله وإياكم اجتناب المحرمات وعمل الصالحات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلاة على النبي الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واحرصوا كل الحرص على تعويد الأبناء والبنات على اللباس المحتشم والمنضبط بضوابط الشرع ، واحذروا وحذّروا من الألبسة العارية أو التي فيها خدش للحياء والعفة أو فيها نشر للفتنة والرذيلة بين المسلمين ومن يفعل ذلك ويصرّ عليه ويتباهى به في محافل الناس بحضور الجموع من النساء والرجال فإن له نصيبٌ من قول الله تعالى : " إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لاتعلمون " .
وعلى المرء أن يحفظ حياءه وعفته وهذا للرجال والنساء على حد سواء وإن كان في اللباس يُشدد فيه على المرأة أكثر من الرجل والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " .
ومما ينبغي أن يحرص عليه من يقتني الألبسة أن يحذر من الكلمات الشركية أو الكفرية أو التي تعني الفجور والفسق أو الرموز المحرمة شرعاً في تلك الألبسة التي يشتريها أو أحد أفراد أسرته أو أهله ونحن في زمن ووقت هاجمت فيه الثقافة الغربية تلك الألبسة ونشرت وروّجت لها الشركات المتواطئة معها أو التي لاتؤمن إلا بالمادة والربح على سبيل نشر المنكر ونبذ الأعراف والتقاليد التي أقرها المجتمع المسلم وهذبها الشرع الحنيف ، ومن المفترض أن يعتز المرء بلغته ودينه ولا يسمع للغة غربية أوشرقية أن تخترق كيانه أو كيان أسرته ، لأن من أرخص لغته صار عالة على الأمم الأخرى وانسلخ من هويته وصار تبعاً لتلك الأمة التي تأثر بلغتهم حتى يتطور به الأمر مع الوقت بسبب تساهله فيتبعهم في عاداتهم وطبائعهم ومن ثم دينهم فاللهم أصلح شباب وبنات المسلمين واحم حوزة الدين وانصر من نصر دينك وكن عوناً لأوليائك حرباً على أعداءك يارب العالمين