فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : يعظ الواعظون ويلحون ، وينبه الناصحون ويسعى الغيورون بكل ماأوتوا من قوّة لتنبيه الخلق وتذكيرهم بشأن ركن الدين الأعظم وعموده المتين ، كل ذلك النصح يتم بالقول الواضح المكين والدليل المبين ، وتجد كثيراً من عباد الله من يتغافل عن عظيم شأن الصلاة ومن يهمشها في حياته أو يبيع ويشتري خلال وقت الصلاة ويتشاغل عنها بأتفه الأسباب ، فيامسلم وياعبدالله من ضيع الصلاة أو تشاغل عنها وأهملها فهذا لاوزن له عند الله ولا يبالي الله به في أي وادٍ هلك وهذه حقيقة من عرفها عرف أنه في هذه الحياة مخلوقٌ لعبادة ربه ومولاه ومن لم يكن الله مولاه فالشيطان وأرباب السوء أولياءه .
هذه الصلاة - ياعباد الله - وصية الله لمن قبلنا ووصية الله لهذه الأمة ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة ) ومن لم تقم له صلاته ولم يقيمها كما أمر الله وشرعَ نبيه عليه الصلاة والسلام لم تقم له أموره وتعسّرت عليه أحواله وخسر دينه ودنياه فياصاحب التجارة وياصاحب العمل وياصاحب المؤسسة وياصاحب المحل يعدك الله بالرزق وحسن العاقبة والأفضل من ذلك مغفرة الذنب وتكفير الخطايا والسيئات إن أقمت صلاتك كما يريد ربك ، وأمرت بها من تحت ولايتك ، ومن يعمل لديك ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) .
عباد الله : يهون أداء الصلاة والقيام لها والحرص عليها على من كان يخشى الله ويخافه ويتقيه ويرجو ماعند الله ويعلم أنه راجعٌ إليه ومحاسب على أعماله إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ وذلك أن الله يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) فلابد أولاً من الحرص على كل وسيلة تزيد في خشية العبد وتزيد إيمانه وتقواه ومن لم يكن عنده خشية وخوف من الله فإنه لايبالي بضياع هذا الركن العظيم من الدين فأكمل الناس خشية وخوفاً من ربه هو أعظمهم حرصاً على الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت يحرص على الصلاة مع أنه يوعك كما يُوعك رجلان أشداء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقول عائشة رضي الله عنها كما أورد البخاري رحمه الله : " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه ، استأذن أزواجه أن يمرّض في بيتي فأذنّ له ، فخرج تخط رجلاه في الأرض - أي من المرض بين عباس ورجل آخر - قال عبيد الله وهو من رواة الحديث : فأخبرت عبدالله - أي ابن عباس - بالذي قالت عائشة ، فقال لي عبدالله بن عباس : " هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة ، قال : قلت : لا ، قال : " هو علي بن أبي طالب " ، وكانت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تُحدّث أ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا دخل بيتي واشتدّ به وجعه ، قال : " هريقوا علي من سبع قِـرب لم تُحلّ أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس ، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القِرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتُن ، قالت ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم " فتأملوا كيف يحرص على أن يحضر إلى الصلاة مع أنه لايستطيع القيام إلا بمشقة ومساندة من الغير ومع ذلك أمرهم أن يصبوا عليه سبع قرب لم تُحل أفواههن لبرودتهن لكي يحضر الصلاة لكي وينشط للخروج للناس فأين الأصحاء الذين يضيعون هذه الصلاة من أجل تفاهة من تفاهات الدنيا أو تغافلاً وكسلاً ولا تسل عن حرص السلف الصالح في ذلك فقد سُطّر عنهم أروع الأمثلة في حرصهم العظيم على إدراك أول الوقت فضلاً عن تكبيرة الإحرام مع إتمام وضوئها وخشوعها وركوعها وسجودها وسننها ومن ذلك :
* أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رحمه الله صلى وجرحه يثعب دماً
* ماقاله وكيع بن الجراح عن الأعمش قال رحمه الله : " اختلفت إلى الأعمش قريباً من سنتين مارأيته يقضي ركعة "
* وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيا بقيّة ليلته لاينام حتى يصبح .
* ويقول سعيد بن المسيّب رحمنا الله وإياه : " ماأذن المؤذن ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد "
* وكان ابراهيم بن ميمون المروزي صائغاً فكان إذا سمع المؤذن يؤذن بالصلاة وفي يده مطرقة وضعها وترك عمله مباشرة وذهب للصلاة .
* ومحمد بن سماعة التيمي مكث أربعين سنة لم تفته تكبيرة الإحرام إلا يوم أن ماتت أمه فصلى خمساً وعشرين صلاة يريد التضعيف .
وفي سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله وإيانا أجمعين أن عامر بن عبدالله بن الزبير وهو من كبار التابعين سمع المؤذن لصلاة المغرب وكان في سكرات الموت فقال لمن حوله خذوا بيدي إلى المسجد ، فقالوا له :إنك عليل ، قال : أسمع داعي الله فلا أجيبه ؟ فأخذوا بيده ، فدخل مع الإمام في الصلاة فركع ركعة ثمّ مات رحمه الله .
والأمثلة كثيرة ياعباد الله ولو أردت أن تُحصي بعضاً منها لطال بك المقام ولكن ماالذي قرب أولئك السلف الصالح إلى الله ؟ وصار لهم محاسن تروى في التأريخ ؟ وفي المُقابل ماالذي أبعد الكثير من عباد الله عن الله وعن الحرص على الآخرة التي فيها فصل القضاء والحساب والجزاء والنعيم أو العذاب .
ماقربهم ولا أبعدهم إلا الصلاة والتي هي رأس مال المسلم عند ربه بها الفوز والنجاة أو العذاب والخسران .
ويدلل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول مايحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر " والحديث عند أبي داوود والترمذي والنسائي رحمهم الله وإيانا أجمعين .
فاللهم أيقظنا لتدارك التفريط في الصلوات وأصلح ياكريم قلوبنا وأعمالنا قبل الممات أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل الخطايا والأوزار فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو العزيز الغفار .
=========== الخطبة الثانية ==========
الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم وبارك على الهادي الأمين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله -عباد الله - وخذوا على أنفسكم عهداً بالحرص على هذه الشعيرة العظيمة التي هي الحبل المتين الذي بينك وبين الله فلا تقطعه بالتهاون والكسل أو بترك الصلاة في المسجد ، فالصلاة في المسجد فرضٌ واجب فلا تُقبل صلاة من صلى في بيته إلا من عذر كمرض مقعد وخوف شديد وأما المسافر فهو من أهل الأعذار أيضاً ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما : " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عُذر " أخرجه أبوداوود وابن ماجه ، ولم يُرخّص النبي للأعمى الذي أتاه وشكى له أنه لايجد قائد يقوده إلى المسجد بل أمره أن يأتي مع أنه أعمى فكيف يكون حال المبصرين ؟ ويذكر رجلٌ ثقةٌ من أهل هذه المدينة أنه يعرف اثنين كانا آيتين في المحافظة على الصلاة قد كبُرا فعندما كانا لايستطيعان الذهاب للمسجد مشياً أصبحوا يأتون إليها زحفاً على الركب حتى توفاهما الله عز وجل ، فهل لنا في السلف قدوة وفي الصالحين من الخلف ، ومن لم يكن له واعظٌ من نفسه لن تنفعه المواعظ ولا الدروس ( إنما تُنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشرّه بمغفرةٍ وأجر كريم )
صلاة المرء عنوانُ الفلاح * وأصلٌ للسعادة والنجاحِ
فلا يُرجى لمهمـلِها نجاةٌ * ولا فرحٌ وليس بمستراح ِ
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليما : " إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق