الأربعاء، 23 مارس 2022

خطبة عن تسوية الصفوف في الصلاة وتعظيم شعائر الله



إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن تعظيم شعائر الله جل وعلا من أعظم القربات وأجل الطاعات وهي تزيد العبد تقىً ورفعة عند الله سبحانه وتعالى ، وتزيد العبد قوة وقربة لربه وهي من أعمال القلوب ، يقول الله جل ذكره : ( ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ومن شعائر الله الصلاة والأذان والمساجد والزكاة والصيام والحج وغيرها من الأعمال الصالحة وعُرّفت الشعيرة بأنها : معلم من المعالم الظاهرة من دين الله وأوامره وفرائضه ، ومن أعظم شعائر الله الصلاة وما يتعلق بها فإقامتها بالإتيان بها وتأديتها مع جماعة المسلمين في المسجد هي أولى الأولويات وأعظم المسؤوليات وهي عهد بين العبد وربه ومن فرّط فيها وضيعها وصلاها فهو لما سواها أضيع وهي أول عمل يُسأل عنه العبد يوم القيامة ومن صلى الصلاة في البيت من غير عذر فلا صلاة له كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على العبد أن يشبت بها حتى تخرج روحه من هذه الدنيا وهي وهي مع تقوى الله وصية الأولين والآخرين ووصية السلف للخلف والأنبياء لأقوامهم ، فلا تضيعها فيضيعك الله .
عباد الله : وإن مما يتعلق بالصلاة إقامة الصف وتسويته فالذي لايقيم صفه في الصلاة لم يُقم الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة " والحديث أخرجه البخاري من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وفي رواية " فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة " وهي رواية متفق عليها بين الإمامين البخاري ومسلم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من حرصه على إقامة الصف يمسح مناكب الصحابة رضوان الله عليهم ، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : " استتوا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " أخرجه مسلم في صحيحه ، وقد وضّح هذا الحديث النووي رحمه الله تعالى فقال : " معناه يُوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب ، كما يُقال تغيّر وجه فلان عليّ ، أي : ظهر لي من وجهه كراهةٌ لي ، وتغيّر قلبُه عليّ ، لأن مخالفتهم في الصفوف مُخالفة في ظواهرهم ، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن .
وفي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوّي صفوفنا حتى كأنما يسوّي بها القِدَاح ، حتى رأى أنّا عقلنا عنه ، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يُكبّر فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف ، فقال : " عباد الله ، لتسوون صفوفكم أو ليُخالفن الله بين وجوهكم " رواه الشيخان البخاري ومسلم ، والقِداح هي الخشب السهام وخشب السهام تكون معتدلة ليس بها نتوء ولا اعوجاج وهذا يدل على المبالغة في تسوية الصفوف حتى تكون كالسهم المستقيم ، وأما مخالفة الوجه الوارد في الحديث فقد ذكر ابن رجب عن ذلك ، فقال : " وقد توعد الله على ترك تسوية الصفوف بالمخالفة بين الوجوه ، وظاهره يقتضي مسخ الوجوه وتحويلها إلى صور الحيوانات - أجلكم الله - أو غيرها ، كما قال - أي النبي صلى الله عليه وسلم - " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار ، وظاهر هذا الوعيد : يدل على تحريم ماتوعّد عليه . انتهى كلامه ، وقال بعض أهل العلم أن مخالفة الوجه يكون باضطراب وجهات النظر بين المصلين الذي لايسوون الصف ، وقد اختار ذلك جمعٌ من أهل العلم .

ولكي تعلمون أن بعض العلماء عدّ عدم تسوية الصفوف كبيرة من كبائر الذنوب وقد ورد عن ابن حزم عند الحديث السابق : " لتسوون صفوفكم أو ليُخالفن الله بين قلوبكم " قال رحمنا الله وإياه : " هذا وعيدٌ شديد ، والوعيد لايكون إلا في كبيرة من كبائر الذنوب " ، ومثله الفقيه ابن حجر الهيثمي فقد عدّ اختلاف الصفوف وقطعها من كبائر الذنوب .

ومن تسوية الصفوف ياعباد الله إتمامها وقد بوّب البخاري في صحيحه فقال : ( باب إثمِ من لايًتم الصفوف ) وأورد فيه بسنده عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قدِم المدينة فقيل له : " ماأنكرت منّا منذُ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ " قال : " ماأنكرتُ شيئاً إلا أنكم لاتُقيمون الصفوف " والمعتبر ياعباد الله المناكب في أعلى البدن والأكعُب في أسفل البدن ، ومن تسوية الصفوف التراص في الصف والتراص في الصف يفرّط فيه جمعٌ من الناس اليوم تفريطاً ظاهراً ، ولا يحلّ لأحدٍ أن يترك التراص في الصف ، ولا عذر له ولو احتج بأعذارٍ واهية ، مالم يكن ظرفاً صحياً معتبراً ، وقد مرّت على هذه الأمة عدة قرون وطواعين مُهلكة هي أشدّ مما مر علينا في وقتنا الحاضر ، ومع ذلك كانوا يُصلون متراصين متوكلين على الله ، وماعرفوا التباعد في الصلاة كما مرّ علينا ذلك سابقاً . . فاللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لايصرف عنا سيئها إلا أنت أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
 . 

=========== الخطبة الثانية =========== 

الحمدلله حمداً كما يحب ربنا ويرضى ، له مقاليد السماوات العلى ، والصلاة والسلام على المبعوث بالنور والهدى وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتُقى ، وعلى من سار على نهجهم وبهداهم اهتدى أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى هو السبيل للزوم السنة وهجر الشر والبدعة ، والتمييز بين الحق والباطل
عباد الله : هناك مسائل متفرقة في الصلاة جديرة بالذكر ومنها :
- إذا فاتته صلاة العصر مثلاً فجاء إلى المسجد فوجد صلاة المغرب قد أقيمت فماذا يفعل؟
الصحيح أن يدخل معهم ويجعلها نافلة ومن ثم يُصلي العصر ومن ثم المغرب لأن الله جل وعلا قال : " واركعوا مع الراكعين " وإن صلى معهم المغرب بنية العصر فجائزة كما أفتى بذلك الشيخ ابن باز - رحمه الله -
- ومن المسائل أيضاً : إذا كان يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر فهل يكمل وتره؟
نعم إذا أذن وهو أثناء الوتر فإنه يتم الصلاة ولا حرج عليه.
والمسالة داخلة في قضية وقت الوتر هل هو إلى طلوع الفجر أم إلى انتهاء صلاة الصبح وقول الجمهور إلى طلوع الفجر
ومنها أيضاً : الصلاة قاعداً على الكرسي .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
" وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا - أي الصلاة - كَالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ " انتهى من مجموع الفتاوى (8/437) 
وبناءً على ذلك : فإن من صلى الفريضة جالساً وهو قادر على القيام فصلاته باطلة .
ومما ينبغي التنبه له : أنه إذا كان معذوراً في ترك القيام فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده .
وإذا كان معذوراً في ترك الركوع والسجود على هيئتهما فلا يبيح له عذره هذا عدم القيام أثناء التكبير ، فيقوم ويكبر ثم يعود للجلوس على الكرسي ، فالقاعدة في واجبات الصلاة : أن ما استطاع المصلي فعله ، وجب عليه فعله ، وما عجز عن فعله سقط عنه .
فمن كان عاجزاً عن القيام جاز له الجلوس على الكرسي أثناء القيام ، ويأتي بالركوع والسجود على هيئتهما ، فإن استطاع القيام وشقَّ عليه الركوع والسجود : فيصلي قائماً ثم يجلس على الكرسي عند الركوع والسجود ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ولا يساوي بين الركوع والسجود .

الجمعة، 4 مارس 2022

خطبة عن دعوة النصارى والكنيسة الشرقية والغربية

الحمدلله الذي هدانا وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، أحمده وهو الهادي إليه سبيلا ، ونصلي ونسلم على من بعثه للخلق كافة بشيراً ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيراً أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . . ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
عباد الله : النصارى أمة من أمم البشر لها عدد وعدّة تختلط كثيراً بالشعوب ولها هيمنة واستعمار لكثير من دول العالم ودين النصارى دينٌ محرّف إلا من كان منهم على دين حواريي عيسى عليه السلام وأخذوا بتعاليم المسيح ولم يبلُغهم الإسلام ، والنصارى عامّة اليوم على ضلال في العقيدة وتخبّطٍ في شأن المسيح عليه السلام ، ولمّا نسي أوائلهم ماذكروا به وتعاليم الإنجيل قبل التحريف أغرى الله بعضهم ببعض فهم في خلاف وقتال وحروب إلى يوم القيامة وفي ذلك يقول الله جلّ وعلا : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظّاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) فقامت بسببهم حروبٌ عالمية حصدت معها الملايين من البشر وأهلكوا الحرث والنسل وانتشرت أمراض بسبب تلك الحروب وسلّط الله على بعضهم أمراضاً أفنت كثير منهم كما حصل بسبب الإنفلونزا الأسبانية التي أفنت أكثر من خمسين مليون إنسان وكان بدايتها في ربيع الثاني من العام 1336 هجري وقد يرسل الله مثل هذه الأمراض الفتّاكة لتفض عزيمة المتحاربين وتوقف الشرور في هذا العالم  . 
عباد الله : الخلاف بين النصارى في الديانة أمرٌ ينبغي أن يهتم به المسلمون وذلك من أجل دعوتهم إلى دين الله الحق ومعرفة الواقع ، والمسلم بطبعه اجتماعي ودين الإسلام ليس ديناً منغلقاً يحرّم الحوار والمناظرة في الدين ، لأن الحوار والمناظرة سبيل من سُبل الدعوة وجانب من دعوة الجمهور لمعرفة الدين الحق الذي يرتضيه الله لعباده ، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحاور خصومه ويُناظرهم تفنيداً لحججهم وقد ناظر نصارى نجران ، فقال الواحدي : " قال المفسرون : قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة رجلاً من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم ، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لايصدرون إلا عن رأيه واسمه عبدالمسيح والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبوحارثة بن علقمة أسقفهم وحِبرهم وإمامهم وصاحبُ مدارسهم ، وكان شرُف فيهم ودرس كُتبهم حتى حسُن علمه في دينهم ، وكانت ملوك الروم قد شرّفوه وموّلوه ، وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده ، فقدموا على رسول الله ودخلوا مسجده حين صلّى العصر عليهم ثياب الحَبِرات  
( ثياب يمانية ) ، جِبابٌ وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب ، يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " مارأينا وفداً مثلهم "  وقد حانت صلاتُهم ، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوهم " ، فصلّوا إلى المشرق ، فكلّم السيدُ والعاقب رسولَ الله صلى الله ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلما " ، فقالا : " قد أسلمنا قبلك " قال : " كذبتُما ، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً ، وعبادتُكما الصليب ، وأكلُكما الخنزير " ، قالا : إن لم يكن عيسى لله ولداً فمن أبوه ؟ وخاصموه في عيسى ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " ألستم تعلمون أنه لايكون ولدٌ إلا ويشبه اباه ؟ قالوا : بلى ، قال : " ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمُّه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثمّ غُذّي كما يُغذّى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويُحدث ؟ قالوا : بلى ! قال : " فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ " فسكتوا ، ثم أنزل الله فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها  ، وهذه القصة نقلها كثير من العلماء في كتبهم بلا نكير كابن تيمية في " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " وابن حجر في كتابه " العُجاب في بيان الأسباب " . 
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لن يؤمنوا وأيس من إسلامهم دعاهم إلى المباهلة وهي أن يجتمع القوم من أهل الحق والباطل فيُقروا بإحلال لعنة الله على الظالم من أحد الفريقين ولا تكون إلا بعد إقامة الحجة ، والذي ينبغي ذكره أنه بعد المباهلة لايمضي العام إلا وقد ذهب الكاذب الأفاك من أهل الباطل هو ومن كان من نسله في المباهلة ، ولذا يحذر أهل الباطل من المباهلة ويرعبون منها وأصلها هي قول الله تعالى : ( فمن حاجّك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وأـنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) . 
ولذا لمّا احتار نصارى نجران في الإيمان أو ملاعنة النبي صلى الله عليه وسلم وحكّموا شُرحبيل بن وادعة الهمداني فذكر أنهم من أدنى العرب أرضاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أهل واديهم يصدرون عن رأيه ثم قال لهم : " وإن كان هذا الرجل نبيّاً مُرسلاً فلاعنّاه فلايبقى على وجه الأرض منّا شعرة ولا ظفر إلا هلك " وهي آخر مرحلة في الدعوة لمن اختار دينه ورضي بالجزية ، وكان ذلك من نصارى نجران فرَضَوا بالجزية وجنحوا إلى ترك المباهلة ، فكتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً يبيّن فيه مايجب عليهم من الجزية ذكرته كتب التاريخ والسنة . 
اللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لايصرف عنّا سيئها إلا أنت ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

=============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله يهدي من يشاء ويختار الواحد القهار العزيز الغفار والصلاة والسلام على صفوة الأخيار نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ أزكى الصلواتِ ماتعاقب الليل والنهار أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الخلاف بين النصارى أنفسهم قائمٌ وقديم ، ولذا ورد في القرآن أن النصارى أنفسهم انشقوا فيما بينهم وفي ذلك يقول الله تعالى : " وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعض . . " وكان أول ماانشقوا في القرن الخامس الهجري والذي يوافق القرن الحادي عشر الميلادي فانشقوا إلى كنيستين شرقية وغربية كبداية واتضح الإنشقاق في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي ، فالشرقيون أرثوذوكس ومركزها قديما ً كان في القسطنطينية وهي اسطنبول الآن في تركيا وكذلك كانت في مصر في الإسكندرية وتمثلها روسيا كقوة ، وكنيسة غربية كاثوليكيّة وتمثلها روما قديماً ويتبعها غالب أوروبا وفي القرن السادس عشر الميلادي ظهر راهبٌ ألماني يُطالب اسمه مارتن لوثر ودعا لمذهب ثالث يريد إصلاح خطأ الكنيسة ، وقد أغاظه صكوك الغفران التي توزعها الكنيسة فكان لايرى الذهاب إلى الكنيسة لتغفر له ذنوبه ويكره أن تكون الكنيسةُ وسيطاً بين العبد والإله وكان يدعو لطلب المغفرة من الإله مباشرة وهذا المذهب هو أخفها بين النصارى وهم البرتاستيون اليوم ( ومعناها : المحتجون ) وكثُر أتباعه وذلك بسبب سيطرة الكنيسة وهيمنتها وظلمها وصاروا ينافسون الفرقتين الأوليين . 
والفرق بينهم باختصار أن الأرثوذكس يعتقدون أن المسيح والله جل وعلا كالشيء الواحد وأما الكاثوليك فعندهم أن الله والمسيح بينهما فرق إلى حدٍ ما ، وهما أي الأرثوذكس والكاثوليك مجمعان على أن من يفسر الإنجيل هم القساوسة والأساقفة منهم دون بقيّة الناس وأما البروتستانت فهم لايرون هذا وينكرونه ويقولون بأن كل شخص بإمكانه أن يفسّر الإنجيل إذا درسه وعرفه وليس تفسير الإنجيل حصرٌ على القساوسة والزواج عندهم يحرّمه الكاثوليك والأرثوذكس بعكس البروتستانت . 
عباد الله : وبالنسبة للناحية الشرعية فالأرثوذكس أكثر كفراً وشركاً ثم يأتي بعدهم الكاثوليك وأقلّهم البروتستانت والكفر ملّة واحدة ولا نجاة لنصراني ولا يهودي إلا باتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مادام أنه سمع به وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( والذي نفسي بيده لايسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولو يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ) أخرجه مسلم في صحيحه . 
عباد الله : هذا السرد الذي ذكرتُ لكم لكي نفهم الخلاف العقائدي والأحداث الراهنة التي تجري اليوم بين النصارى أنفسهم ، فالناس غالباً في الحروب يُقاتلون عن عقيدة وتعصب حتى لو كانوا كفّاراً وهذا يدفع الله به عن الأمة الإسلامية شرّاً عظيماً ، فسُنّة دفع الله عن العباد جارية ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ عن العالمين )  فاللهم اضرب الظالمين بالظالمين وسلّم أهل الإسلام في كل مكان من شرّ الكفرة والملحدين وأهل الزيغ والضلال ياقوي ياعزيز . . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...