فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . . ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلّم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : النصارى أمة من أمم البشر لها عدد وعدّة تختلط كثيراً بالشعوب ولها هيمنة واستعمار لكثير من دول العالم ودين النصارى دينٌ محرّف إلا من كان منهم على دين حواريي عيسى عليه السلام وأخذوا بتعاليم المسيح ولم يبلُغهم الإسلام ، والنصارى عامّة اليوم على ضلال في العقيدة وتخبّطٍ في شأن المسيح عليه السلام ، ولمّا نسي أوائلهم ماذكروا به وتعاليم الإنجيل قبل التحريف أغرى الله بعضهم ببعض فهم في خلاف وقتال وحروب إلى يوم القيامة وفي ذلك يقول الله جلّ وعلا : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظّاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) فقامت بسببهم حروبٌ عالمية حصدت معها الملايين من البشر وأهلكوا الحرث والنسل وانتشرت أمراض بسبب تلك الحروب وسلّط الله على بعضهم أمراضاً أفنت كثير منهم كما حصل بسبب الإنفلونزا الأسبانية التي أفنت أكثر من خمسين مليون إنسان وكان بدايتها في ربيع الثاني من العام 1336 هجري وقد يرسل الله مثل هذه الأمراض الفتّاكة لتفض عزيمة المتحاربين وتوقف الشرور في هذا العالم .
عباد الله : الخلاف بين النصارى في الديانة أمرٌ ينبغي أن يهتم به المسلمون وذلك من أجل دعوتهم إلى دين الله الحق ومعرفة الواقع ، والمسلم بطبعه اجتماعي ودين الإسلام ليس ديناً منغلقاً يحرّم الحوار والمناظرة في الدين ، لأن الحوار والمناظرة سبيل من سُبل الدعوة وجانب من دعوة الجمهور لمعرفة الدين الحق الذي يرتضيه الله لعباده ، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحاور خصومه ويُناظرهم تفنيداً لحججهم وقد ناظر نصارى نجران ، فقال الواحدي : " قال المفسرون : قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة رجلاً من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم ، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لايصدرون إلا عن رأيه واسمه عبدالمسيح والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبوحارثة بن علقمة أسقفهم وحِبرهم وإمامهم وصاحبُ مدارسهم ، وكان شرُف فيهم ودرس كُتبهم حتى حسُن علمه في دينهم ، وكانت ملوك الروم قد شرّفوه وموّلوه ، وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده ، فقدموا على رسول الله ودخلوا مسجده حين صلّى العصر عليهم ثياب الحَبِرات
( ثياب يمانية ) ، جِبابٌ وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب ، يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " مارأينا وفداً مثلهم " وقد حانت صلاتُهم ، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوهم " ، فصلّوا إلى المشرق ، فكلّم السيدُ والعاقب رسولَ الله صلى الله ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلما " ، فقالا : " قد أسلمنا قبلك " قال : " كذبتُما ، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً ، وعبادتُكما الصليب ، وأكلُكما الخنزير " ، قالا : إن لم يكن عيسى لله ولداً فمن أبوه ؟ وخاصموه في عيسى ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " ألستم تعلمون أنه لايكون ولدٌ إلا ويشبه اباه ؟ قالوا : بلى ، قال : " ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمُّه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثمّ غُذّي كما يُغذّى الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويُحدث ؟ قالوا : بلى ! قال : " فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ " فسكتوا ، ثم أنزل الله فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ، وهذه القصة نقلها كثير من العلماء في كتبهم بلا نكير كابن تيمية في " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " وابن حجر في كتابه " العُجاب في بيان الأسباب " .
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لن يؤمنوا وأيس من إسلامهم دعاهم إلى المباهلة وهي أن يجتمع القوم من أهل الحق والباطل فيُقروا بإحلال لعنة الله على الظالم من أحد الفريقين ولا تكون إلا بعد إقامة الحجة ، والذي ينبغي ذكره أنه بعد المباهلة لايمضي العام إلا وقد ذهب الكاذب الأفاك من أهل الباطل هو ومن كان من نسله في المباهلة ، ولذا يحذر أهل الباطل من المباهلة ويرعبون منها وأصلها هي قول الله تعالى : ( فمن حاجّك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم وأـنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) .
ولذا لمّا احتار نصارى نجران في الإيمان أو ملاعنة النبي صلى الله عليه وسلم وحكّموا شُرحبيل بن وادعة الهمداني فذكر أنهم من أدنى العرب أرضاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أهل واديهم يصدرون عن رأيه ثم قال لهم : " وإن كان هذا الرجل نبيّاً مُرسلاً فلاعنّاه فلايبقى على وجه الأرض منّا شعرة ولا ظفر إلا هلك " وهي آخر مرحلة في الدعوة لمن اختار دينه ورضي بالجزية ، وكان ذلك من نصارى نجران فرَضَوا بالجزية وجنحوا إلى ترك المباهلة ، فكتب لهم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً يبيّن فيه مايجب عليهم من الجزية ذكرته كتب التاريخ والسنة .
اللهم اهدنا لأحسن الأقوال والأعمال لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لايصرف عنّا سيئها إلا أنت ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
=============== الخطبة الثانية ===============
الحمدلله يهدي من يشاء ويختار الواحد القهار العزيز الغفار والصلاة والسلام على صفوة الأخيار نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ أزكى الصلواتِ ماتعاقب الليل والنهار أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن الخلاف بين النصارى أنفسهم قائمٌ وقديم ، ولذا ورد في القرآن أن النصارى أنفسهم انشقوا فيما بينهم وفي ذلك يقول الله تعالى : " وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعض . . " وكان أول ماانشقوا في القرن الخامس الهجري والذي يوافق القرن الحادي عشر الميلادي فانشقوا إلى كنيستين شرقية وغربية كبداية واتضح الإنشقاق في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي ، فالشرقيون أرثوذوكس ومركزها قديما ً كان في القسطنطينية وهي اسطنبول الآن في تركيا وكذلك كانت في مصر في الإسكندرية وتمثلها روسيا كقوة ، وكنيسة غربية كاثوليكيّة وتمثلها روما قديماً ويتبعها غالب أوروبا وفي القرن السادس عشر الميلادي ظهر راهبٌ ألماني يُطالب اسمه مارتن لوثر ودعا لمذهب ثالث يريد إصلاح خطأ الكنيسة ، وقد أغاظه صكوك الغفران التي توزعها الكنيسة فكان لايرى الذهاب إلى الكنيسة لتغفر له ذنوبه ويكره أن تكون الكنيسةُ وسيطاً بين العبد والإله وكان يدعو لطلب المغفرة من الإله مباشرة وهذا المذهب هو أخفها بين النصارى وهم البرتاستيون اليوم ( ومعناها : المحتجون ) وكثُر أتباعه وذلك بسبب سيطرة الكنيسة وهيمنتها وظلمها وصاروا ينافسون الفرقتين الأوليين .
والفرق بينهم باختصار أن الأرثوذكس يعتقدون أن المسيح والله جل وعلا كالشيء الواحد وأما الكاثوليك فعندهم أن الله والمسيح بينهما فرق إلى حدٍ ما ، وهما أي الأرثوذكس والكاثوليك مجمعان على أن من يفسر الإنجيل هم القساوسة والأساقفة منهم دون بقيّة الناس وأما البروتستانت فهم لايرون هذا وينكرونه ويقولون بأن كل شخص بإمكانه أن يفسّر الإنجيل إذا درسه وعرفه وليس تفسير الإنجيل حصرٌ على القساوسة والزواج عندهم يحرّمه الكاثوليك والأرثوذكس بعكس البروتستانت .
عباد الله : وبالنسبة للناحية الشرعية فالأرثوذكس أكثر كفراً وشركاً ثم يأتي بعدهم الكاثوليك وأقلّهم البروتستانت والكفر ملّة واحدة ولا نجاة لنصراني ولا يهودي إلا باتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مادام أنه سمع به وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( والذي نفسي بيده لايسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولو يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ) أخرجه مسلم في صحيحه .
عباد الله : هذا السرد الذي ذكرتُ لكم لكي نفهم الخلاف العقائدي والأحداث الراهنة التي تجري اليوم بين النصارى أنفسهم ، فالناس غالباً في الحروب يُقاتلون عن عقيدة وتعصب حتى لو كانوا كفّاراً وهذا يدفع الله به عن الأمة الإسلامية شرّاً عظيماً ، فسُنّة دفع الله عن العباد جارية ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ عن العالمين ) فاللهم اضرب الظالمين بالظالمين وسلّم أهل الإسلام في كل مكان من شرّ الكفرة والملحدين وأهل الزيغ والضلال ياقوي ياعزيز . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق