إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : تبتلى الساحة الإسلامية والعربية بين الفينة والأخرى على فترات متقطعة بانفلات من بعض من ينتسب إلى العلم والأدب والفكر الإسلامي فيقول مقولة عمياء بكماء صمّاء لايحسب لها حساباً تُنقص من مكانته وقدره بين طبقة أهل العلم والفضل وبين طبقات المثقفين بالجملة وبين كافة الناس ، وسبب ذلك الإنفلات الكلامي عدة أمور منها :
* عدم الإتزان الإنفعالي أثناء الكلام فتجد أنه يتفوّه بكلام يؤخذ به ويدان به ويكون ذلك الكلام الشاطح ضدُّه وشاهدٌ عليه
* ومنها : التعميم في الألفاظ أو الأشخاص أو البلدان ، فلا يستثن أحداً حينما يصف مجموعة أشخاص أو شعب بأكمله أو بلداً بأهله فيضل ويزلّ وهذا الأسلوب شنّع به الشرع ووصف صاحبه بأنه من أعظم الناس إثماً وأعظمهم فرية وكذباً وبُهتاناً ففي سنن ابن ماجه وصحيح ابن حبّان أن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعظم الناس فرية اثنان : شاعرٌ يهجو القبيلة بأسرها ، ورجل انتفى من أبيه " وقد تكرر هذا الأسلوب كثيراً مؤخراً وكثُر أصحابه والمطبلون له ، وإذا وصل بأحدهم حدّ الفخر فقد وصل لمرحلة خطيرة ، وتجد مثل هذا الأسلوب في مناورات شعرية لاجدوى من ورائها وليس فيها إلا الكلام الذي لاقيمة له ولا وزن ولا يؤجر عليه الشاعر وهو إلى الإثم أقرب فينبغي لمن كان مسؤولاً عن هذه المساجلات أو الإجتماعات أن يضع حداً لهذه التجاوزات التي تزرع الفرقة في المجتمع وتشتّتُه وتزرع العنصرية ضد شعب أو قبيلة أو فئة من مجتمع بعينه .
* ومن تلك الأمور التي تتسبب في بعض التجاوزات والإنفلات في الأقوال ، النقمة والكره لبعض الأفعال والسلبيات التي تصدر من بعض الأفراد في مجتمعنا فيجرّئُ ذلك المفكر أو المثقف أو الكاتب أن يتجاوز فيقع في فكرة التعميم المحظورة التي ذكرناها آنفاً ، ومن ثم يتصادم مع المجتمع صغيره وكبيره ، وربما يجرّ من كان من بني جنسه وفي تخصصه لإحراج ومجادلات هو في غنى عنها ، والسلبيات في الحقيقة موجودة في كل مجتمع ، ولكن أين المجتمع الذي تقلّ سلبياته وتزيد إيجابياته عن غيره ، ولا أفضل من المجتمعات المسلمة في هذا الشأن وإن كان يعتريهم بعض النقص ، ولكن هم أصحاب التربية الحقة والنهج السليم الذي يضفي للإنسان سعادة الدنيا والآخرة .
عباد الله : صدق الشاعر حين قال :
أصون عرضي بمالي لاأدنسه * لابارك الله بعد العرض بالمال
إن صون العرض بكلمة أو بدفاع عن حق أو بترك كلمة تريد أن تقولها في مجلس أو في ملتقى أو قناة معينة أو نحو ذلك لم تحسب لها حساباً هو أمرٌ ينبغي العناية به وأن يحسب المرء لقوله الذي قال حساباً ينجو به من تبعات الدنيا وعذاب الآخرة وقد كان السلف الصالح يحسبون للكلام الذي يقولونه ، بل كان بعضهم يعدّ الكلام عداً ، فأين أولئك المتفوهون السفهاء الذين يتفوهون بكل مايخطر على بالهم من صحيح الكلام وسقيمه وحلوه ومرّه وخاصّه وعامّه ، فهل يُرجى لهؤلاء نجاةٌ يوم الدين وهم يهرفون بما لايعرفون ويتكلمون بكل مايشاؤون بحسن الكلام وقبيحه ، وفي ذلك يقول ابراهيم النخعي : " إنما أهلك الناس فضول الكلام والمال " .
بل بعضهم لايبالي أن يتكلم من أجل أن يأخذَ على كلامه أجراً رخيصاً من متاع الدنيا فخاب وخسر وفي ذلك يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " ليأتيّن على الناس زمانٌ يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بالسنتها "
عباد الله : الصمت علاج لكثير من النفوس التي لاتصبر إلا أن تأتي بالكلمة العوراء ، وإن كان الكثير من الكلام داء فالصمت هو الدواء ، ويقول عبدالله بن المبارك : " لوكان الكلام بطاعة الله من فضة ، فإن الصمت عن معصية الله من ذهب " ، وكم من نادم على الكلام مراراً وعلى الصمت يقل الندم أو يكاد ينعدم ، وأكثر الناس هيبة الصامتون ، وهم أجل في قلوب الناس من غيرهم ، ولكن ليس الصمت في كل الأحوال هو الخير والذاكرون الله والداعون للخير خيرٌ من الصامتين ومع الصمت يقل الزلل ومن كثُر كلامه كثر زللــه ، وإن زلّة القدم تبرأ وتُنسى وزلّة اللسان تُذكر ولا تنسى ولاتبرأ مواجعها إذا وقعت في القلوب ولاتسدّ العيوب ، واللسان مزّلة ومستودع الذنوب فالحذر ممن تكفره الأعضاء كلها وتقول : " اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " .
اللهم شرّ ألسنتنا ونفوسنا ، واجعل قول الحق والدعوة إليه من سجيتنا واهدنا لأحسن الأقوال والأعمال لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لايصرف عنّا سيئها إلا أنت ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان والصلاة والسلام على المبعوث بالأخلاق والفرقان نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن خير الناس المتقون الذين يستمعون للقول فيتبعون أحسنه ويحرصون في أقوالهم على القول السديد وفي طرح آرائهم على الرأي الرشيد ويمسكون عن ماسوى ذلك مما لاينفع عند الله ولا يُرتضى عند الناس ، وفي الآية ذات الأمر والبشارة يقول ربنا جلّت ذاته وتسامت آياته وصفاته : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) فانظر كيف ربط التقوى والقولَ السديد بصلاح وإصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب وتكفير الخطايا والسيئات ، وكل ذلك يدلل على أن القول حينما يُطلقه صاحبه ولم يكن سديداً فإنه يضرّ صاحبه ويجلب له الفتنة والخسارة وضياع العمل ، وفي الحديث الذي في مسند الإمام أحمد رحمه الله عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيم لسانه " .
وفي هذا الحديث تتبين عدة أمور منها أن اللسان بابٌ للقلب وموصلٌ إليه وأن طهارة القلب وصلاحه مرتبطة باللسان فإن صلُح ونطق بالخير والبر كان لذلك أثرٌ على القلب فيستقيم ويطهر من الأمراض المعنوية كالبغض والتشاحن والحقد والغل ، فمن صلُح لسانه أعانه الله على طهارة القلب وصلاحه ، وأصلح سره وسريرته ومن صلُحت سريرته صلُحت علانيته ، والله يستخرج مافي القلوب بالألسن ، واقرؤوا إن شئتم : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يُخرج الله أضغانهم ) وفي أثرٍ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : " ماأسرّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه " .
وهذه الأمور الخفية لاتبين إلا للمؤمنين الصادقين دون غيرهم ووأرد القرطبي في تفسيره أن أنس بن مالك رضي الله عنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان قد مرّ بالسوق فنظر إلى امرأة ، فلمّا نظر إليه عثمان قال له : " يدخل أحدكم عليّ وفي عينيه أثر الزنا ، فقال له أنس رضي الله عنه : أوحياً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا . . ولكن برهان وفراسة وصدق " .
ثم صلّوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
مدونة تدون فيها خطب عصرية عامة تفيد الخطباء وتنشر محتوى في الشبكة يستفيد منه الجميع ، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة وبكل فخر . أعدها للخطباء : فاعل خير عفا الله عنه ، ويطلب من المتصفحين والقراء الدعاء له ولوالديه وذريته
الأربعاء، 25 مايو 2022
الخميس، 5 مايو 2022
خطبة عن دوام العمل بعد رمضان وصيام الست من شوال
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن مما ينبغي للمسلم بعد أداءه لفريضة الصيام أن يلزم الإستقامة على طريق الهداية ولا يحيد عن درب النجاة ويتعاهد إيمانه وتقواه على الدوام فهذا هو الذي يفوز ويعلو ويبشّر وينجو ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم تُوعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفُسكم ولكم فيها ماتدّعون * نُزلاً من غفور رحيم ) .
والإستقامة : ليس أن تجتهد في الطاعات بقدر ماهو ترك للمنهيات فكثير من الناس يسهُل عليه فعل الطاعة ولكن يصعُب عليه ترك المعصية ، وترك المعصية أوجب وأولى لأن ترك المعصية عام في الشرع لكل معصية وإثم وأما الطاعات فيأتيها العبد المسلم على قدر طاقته ونشاطه فيكون أخص من هذا الباب وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه مااستطعتم " رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
عباد الله : هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام يعمل بها المسلم في شؤون حياته كلّها وما زلّت قدم عبد في الآخرة وما عُذّب في قبره ولا ناله العذاب والعقوبة إلا بسبب ذلك فتجد أنه ممن وفقه الله للصدقة فتجده باذلاً للمال في وجوه الخير ولكن عنده كبيرة خفيّة يفعلُها توبق نفسه وتورده الجحيم ، فياليته لم يتصدّق واجتنبها لكان أسلم له ، وتجد آخر يصوم الأيام من أيام النفل كصيام ست من شوّال والإثنين والخميس والأيام البيض ولكن ممن دخل في المعاملات الربوية ولا يبالي لهثاً وراء المال فهذا يجب عليه أن يتركَ أكل الربا وحينها ينتفع بصيامه وإلا لم يستفد من صيامه ، وهكذا على هذا النحوك من الأمثلة والخلاصة من ذلك : أن تفتّش - أخي المبارك - عن المعصية والكبيرة في حياتك إن كنت ممن ابتُلي بذلك ومن ثمّ تتجتنبُها وتُلزمُ نفسك وتتعاهَدُها لتنال الكرامة وتكفير السيئات
( إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عننكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مُدخلاً كريما ) .
عباد الله : وإن من تمام الطاعة ولزوم النهج القويم في التعامل مع النفس أن تداوم على الطاعة ولا تنقطع ، فعملٌ قليل دائم خيرٌ من كثير منقطع وحريّ بالذي يداوم على الطاعة أن يصلَ المنزل ويحوزَ الدرجة الرفيعة ، وذلك أن النفس ليست على درجة واحدة من النشاط في كل الأوقات ومن جعل عمله ديمة وشارط نفسه على ذلك أن لايترك ذلك العمل الذي اشترطه على نفسه ولو في وقت فتوره ومرضه حسب استطاعته ، كان من عباد الله السابقين ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون ) وذلك العمل فعل الأنبياء والمرسلين وذلك أن علقمة النخعي رحمه الله سأل عائشة رضي الله عنها : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئاً - أي يجتهد فيها غير المواسم - قالت : لا ، كان عمله ديمة ، وأيكم يُطيق ماكان رسول الله يُطيق ؟ أخرجه البُخاري .
عباد الله : الإستمرار في عمل صالح حتى الممات - إخوة الإسلام - هو نهجٌ نبوي حيث كان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته - أي داوم عليه - وكان كذلك آل محمد عليه الصلاة والسلام إذا عملوا عملاً أثبتوه وأحب الأعمال إلى الله ماداوم عليه صاحبه كما ثبت في السنة وعلى العبد أن يحرص ويسدد ويقارب ويجتهد قدر استطاعته ، فما هذه الدنيا إلا مزرعة للآخرة وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سددوا وقاربوا ، واعلموا أنه لن يُدخل أحدُكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ " فنسأل الله أن يُعيننا جميعاً على أنفسِنا، وأن يهدينا ويوفقَنا لسبل مرضاته ، ونيل كرامته . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله الذي منّ بفضله على الأنام وهداهم لسبل السلام والصلاة والسلام على المبرّأ من الخطايا والآثام نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن السلف الصالح ممن سبقنا كانوا يحرصون على الدعاء بقبول رمضان أشهراً بعد انصرام شهر الصوم ، وكانوا يهتمون لقبول العمل كثيراً ، ففي الأثر عن فضَالة بن عُبيد رضي الله عنه قال : " لأن أكون أعلم أن الله قد تقبّل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها " لأن الله يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) وقال عبدالعزيز بي أبي روّاد رحمه الله : " أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح ، فإذا فعلوه ، وقع عليهم الهم أيُقبل منهم أم لا ؟ فهم يمتثلون قول الله تعالى : ( والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) . . وكان علي رضي الله عنه أنه كان ينادي آخر رمضان فيقول : " ياليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ؟ ومن هذا المحروم فنعزيه ؟ " . . ومن علامات القبول : إتباع الحسنة بالحسنة ، والعملِ الصالح بالعمل الصالح فالفريضةُ تُتبع بالنافلة والزكاة تُتبع بالصدقة وصوم رمضان يُتبع بصوم الست من شوال وفي ذلك ورد النص عن المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر " أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعنا أجمعين ، فاحرص أخي الموفق على ذلك مادمت في وقت الصحة والإمهال ، ولو أن تصومها مفرّقة إذا كان يشق عليك سردها ، ومن صام يوم الإثنين والخميس لينال الأجرين بذلك كان له مانوى وقد أفتى بذلك كبار أهل العلم في بلادنا وغيرها . . فاللهم ارزقنا القوة والعون على مرضاتك وعلى كل عمل صالح يُرضيك عنا ووفقنا للخير حيثما كنّا . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
عباد الله : إن مما ينبغي للمسلم بعد أداءه لفريضة الصيام أن يلزم الإستقامة على طريق الهداية ولا يحيد عن درب النجاة ويتعاهد إيمانه وتقواه على الدوام فهذا هو الذي يفوز ويعلو ويبشّر وينجو ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كنتم تُوعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفُسكم ولكم فيها ماتدّعون * نُزلاً من غفور رحيم ) .
والإستقامة : ليس أن تجتهد في الطاعات بقدر ماهو ترك للمنهيات فكثير من الناس يسهُل عليه فعل الطاعة ولكن يصعُب عليه ترك المعصية ، وترك المعصية أوجب وأولى لأن ترك المعصية عام في الشرع لكل معصية وإثم وأما الطاعات فيأتيها العبد المسلم على قدر طاقته ونشاطه فيكون أخص من هذا الباب وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه مااستطعتم " رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
عباد الله : هذا الحديث قاعدة من قواعد الإسلام يعمل بها المسلم في شؤون حياته كلّها وما زلّت قدم عبد في الآخرة وما عُذّب في قبره ولا ناله العذاب والعقوبة إلا بسبب ذلك فتجد أنه ممن وفقه الله للصدقة فتجده باذلاً للمال في وجوه الخير ولكن عنده كبيرة خفيّة يفعلُها توبق نفسه وتورده الجحيم ، فياليته لم يتصدّق واجتنبها لكان أسلم له ، وتجد آخر يصوم الأيام من أيام النفل كصيام ست من شوّال والإثنين والخميس والأيام البيض ولكن ممن دخل في المعاملات الربوية ولا يبالي لهثاً وراء المال فهذا يجب عليه أن يتركَ أكل الربا وحينها ينتفع بصيامه وإلا لم يستفد من صيامه ، وهكذا على هذا النحوك من الأمثلة والخلاصة من ذلك : أن تفتّش - أخي المبارك - عن المعصية والكبيرة في حياتك إن كنت ممن ابتُلي بذلك ومن ثمّ تتجتنبُها وتُلزمُ نفسك وتتعاهَدُها لتنال الكرامة وتكفير السيئات
( إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عننكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مُدخلاً كريما ) .
عباد الله : وإن من تمام الطاعة ولزوم النهج القويم في التعامل مع النفس أن تداوم على الطاعة ولا تنقطع ، فعملٌ قليل دائم خيرٌ من كثير منقطع وحريّ بالذي يداوم على الطاعة أن يصلَ المنزل ويحوزَ الدرجة الرفيعة ، وذلك أن النفس ليست على درجة واحدة من النشاط في كل الأوقات ومن جعل عمله ديمة وشارط نفسه على ذلك أن لايترك ذلك العمل الذي اشترطه على نفسه ولو في وقت فتوره ومرضه حسب استطاعته ، كان من عباد الله السابقين ( والسابقون السابقون * أولئك المقربون ) وذلك العمل فعل الأنبياء والمرسلين وذلك أن علقمة النخعي رحمه الله سأل عائشة رضي الله عنها : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئاً - أي يجتهد فيها غير المواسم - قالت : لا ، كان عمله ديمة ، وأيكم يُطيق ماكان رسول الله يُطيق ؟ أخرجه البُخاري .
عباد الله : الإستمرار في عمل صالح حتى الممات - إخوة الإسلام - هو نهجٌ نبوي حيث كان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته - أي داوم عليه - وكان كذلك آل محمد عليه الصلاة والسلام إذا عملوا عملاً أثبتوه وأحب الأعمال إلى الله ماداوم عليه صاحبه كما ثبت في السنة وعلى العبد أن يحرص ويسدد ويقارب ويجتهد قدر استطاعته ، فما هذه الدنيا إلا مزرعة للآخرة وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سددوا وقاربوا ، واعلموا أنه لن يُدخل أحدُكم عمله الجنة وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ " فنسأل الله أن يُعيننا جميعاً على أنفسِنا، وأن يهدينا ويوفقَنا لسبل مرضاته ، ونيل كرامته . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله الذي منّ بفضله على الأنام وهداهم لسبل السلام والصلاة والسلام على المبرّأ من الخطايا والآثام نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن السلف الصالح ممن سبقنا كانوا يحرصون على الدعاء بقبول رمضان أشهراً بعد انصرام شهر الصوم ، وكانوا يهتمون لقبول العمل كثيراً ، ففي الأثر عن فضَالة بن عُبيد رضي الله عنه قال : " لأن أكون أعلم أن الله قد تقبّل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها " لأن الله يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) وقال عبدالعزيز بي أبي روّاد رحمه الله : " أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح ، فإذا فعلوه ، وقع عليهم الهم أيُقبل منهم أم لا ؟ فهم يمتثلون قول الله تعالى : ( والذين يؤتون ماءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ) . . وكان علي رضي الله عنه أنه كان ينادي آخر رمضان فيقول : " ياليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ؟ ومن هذا المحروم فنعزيه ؟ " . . ومن علامات القبول : إتباع الحسنة بالحسنة ، والعملِ الصالح بالعمل الصالح فالفريضةُ تُتبع بالنافلة والزكاة تُتبع بالصدقة وصوم رمضان يُتبع بصوم الست من شوال وفي ذلك ورد النص عن المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر " أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعنا أجمعين ، فاحرص أخي الموفق على ذلك مادمت في وقت الصحة والإمهال ، ولو أن تصومها مفرّقة إذا كان يشق عليك سردها ، ومن صام يوم الإثنين والخميس لينال الأجرين بذلك كان له مانوى وقد أفتى بذلك كبار أهل العلم في بلادنا وغيرها . . فاللهم ارزقنا القوة والعون على مرضاتك وعلى كل عمل صالح يُرضيك عنا ووفقنا للخير حيثما كنّا . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها
الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...
-
الحمدلله الذي الذي خلق الخلائق من عدم وأكرم عباده بالنعم وأسبغ عليهم من وافر الكرم وأبان لهم طريق الثبات والقيم والصلاة والسلام على النبي ال...
-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و...
-
الحمدلله ولي المؤمنين وقاهر العباد أجمعين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أنار درب السالكين وأبان سبل الغواية للحائرين ودل أمته على ...