الخميس، 1 ديسمبر 2022

خطبة عن دفع الله الناس بعضهم ببعض وعن الحركات الإصلاحية

  إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . 

عباد الله : إن من سنة الله تعالى التي لاتتبدل ولا تتغير على مرّ الزمان هو دفع الناس بعضهم ببعض وذلك الكافر بالمسلم ويُدفع الكافر المعتدي بكافرٍ مثله ب وحتى يُدفع مسلمٌ معتدٍ بمسلم مثله ، وذلك لكفّ العدوان ولحصول الأمن في البلدان ولعدم فساد الأرض وذلك قول الله تعالى في سورة البقرة : ( ولو دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين ) وقال في موضعٍ آخر في سورة الحج : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلواتٌ ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) والصوامع هي صوامع الرهبان والبيع هي كنائس النصارى واختلفوا في الصلوات فقيل أنها كنائس اليهود وهو أقرب وقيل أنه عنى بذلك مساجد لأهل الكتاب وللمسلمين بالطرق ولكن الصلوات هي كنائس اليهود لأنهم يسمون الكنيسة " صلوتا " بالعبرية وهو الذي رجحه ابن جرير الطبري رحمه الله وإيانا أجمعين . 

عباد الله : قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية السابقة بعد استعراض جملة من أقوال المفسرين : " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يُقال إن الله تعالى ذكره ، أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض ، وكفّه المشركين بالمسلمين عن ذلك : ومنه كفّه ببعضهم التظالمَ ، كالسلطان الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم ، ومنه كفّه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم لمن قِبَله حق ونحو ذلك ، وكل ذلك دفعٌ منه الناس بعضهم عن بعض ، ولولا ذلك لتظالموا ، فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم وما سمّى جلّ ثناؤه ، ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضاً دون بعض - أي من تلك المعاني التي ذكر - ولا جاء بأن ذلك كذلك خبر يجب التسليم له ، فذلك على الظاهر والعموم على ماقد بيّنته قبل ، لعموم ظاهر ذلك جميع ماذكرنا " انتهى كلامه وفيه دلالة واضحة على أنه يشمل غالباً كلَّ اعتداء من طرف أو فرد على آخر فإن الله يدفعه ويدفع الشر والفساد في الأرض ببعض عباده من المسلمين والكفار ولا يستطيع الكاتب أو المؤرخ إحصاء كلَّ مايكون من دفع الله الناس بعضهم ببعض ، ولكن لعلنا أن نشير لبعض ذلك من خلال السيرة النبوية ، وما ورد بعدها من أحداث على عُجالة إلى يومنا هذا ، وإن أعظم شرّ دفعه الله عن الناس هو الشرك الذي ظهر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو من إفساد الناس وكان زعيم ذلك عمرو بن لحي الخزاعي الذي جلب الأصنام للجزيرة العربية ، وقد كانت خالية من الشرك ودعا الناس لها ، فاستحسنوا ذلك وسار داء الشرك إلى القبائل وبقي من عامّة القبائل من هو متمسكٌ بدين إسماعيل ، وهو الحنيفية السمحة على دين أبيه ابراهيم ، ومن ثمَّ قيض الله لهذا الفساد نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقضى على أرباب الشرك وخلّص العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ، ولمّا ارتد من ارتد العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قيّض الله لذلك أبا بكر الصديق فحارب المرتدين ورد من تاب منهم لصراط رب العالمين ، ولمّا ظهرت فتنة الخوارج قيّض الله لها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فردّهم إلى مذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقُتل من قُتل منهم كفاية للمسلمين من شرّه وكانت هناك فتن في الدولة الأموية  ومنها فتنة ابن الأشعث الذي خرج على والي العراق للدولة الأموية فصدّ الله فتنته وأخمدها  وأما ماكان من مقتل الحسين بن علي وابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين فهذه حادثة في أصلها أريد بها الإصلاح ، وليس الخروج فيها للإفساد  ، وفي عصر الدولة العباسية تصدّى هارونُ الرشيد لفتنة البرامكة والتي أرادت أن تتسلل للحكم وتنازع الخليفة العباسي ، وفي القرن الخامس قويت شوكة الدولة البويهية الرافضية والتي انشقت عن الدولة العباسية وأفسدت في الأرض حتى سيطروا على بغداد في العراق فقيّض الله لها الدولة السلجوقية التركية فأسقطتها وقضت عليها ولله الحمد ، وفي نفس القرن لما غزا الصليبيون بيت المقدس وماحولها سلّط الله عليهم الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي فطهرت بيت المقدس من رجسهم ،  ولما غزا التتار بلاد المسلمين وفعلوا الأفاعيل وأكثروا في الأرض الفساد سلّط الله عليهم الدولة المملوكية بقيادة مظفر الدين قطز والظاهر بيبرس وكان في ذلك الجيش شيخ الإسلام ابن تيمية الذي حث الناس على قتال الأعداء وأقسم لهم بأن يُنصروا وأقسم على الله - كما ورد بعض المؤرخين - أن ينصرَ المسلمين فأبرّ الله قسمه في معركة عين جالوت ، ولمّا ظهرت الدولة الصفوية الرافضية في القرن العاشر الهجري تُشيّع وتُفسد في البلاد بقوة السلاح قيض الله لها الدولة العثمانية فقضت عليها ولله الحمد ،  ولما تسلّط الإستعمار على بلدان المسلمين ونثر سمومه وأزهق الكثير من دماء الأبرياء ظهرت حركات جهادية تقاومه وتقضي عليه فظهر ضد الإستعمار الفرنسي بلقاسم النَكَادي أو ( أبو القاسم البوزكاوي ) في المغرب  ، وفي الجزائر عبدالقادر بن محيي الدين الجزائري ، وفي تونس محمد الدغباجي ، وفي ليبيا عمر المختار الهلالي ضد الإستعمار الإيطالي وفي مصر ظهر ثوّار كثُر ومناضلون ضد الإستعمار الإنجليزي ، وظهر في الشام سلطان الأطرش ضد الإستعمار الفرنسي وغيرهم كثير رحمهم الله جميعاً ، ولما كان الشرك أعظم فساد ظهر في هذه البلاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب مناضلاً ضد الشرك بدعمٍ من قائد الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود رحمهم الله جميعاً فقضوا على مظاهر الشرك وأرسوا الأمن في البلاد وقد سارت هذه الدولة على ذلك النهج ولله الحمد ، وظهرت حركات إصلاحية سلفية في الكثير من بلدان المسلمين يطول المقام بذكرها ، فاللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ووحد صفوفهم واجمع كلمتهم على الحق والدين واحقن دمائهم في كل مكان وألف بين قلوبهم واهدهم سبُل السلام وجنبهم الفتن والشرور ياعزيز ياغفور ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم  . 

============ الخطبة الثانية ============

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأكمل التسليم أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - وكونوا مع الصادقين واعلموا أنه لاتزال هذه الأمة تقدّم صفحاتٍ مشرقة ونماذج يكونون للناس قدوة وأسوة في الإصلاح ، ومحاربة الفساد وردّ الناس لحياض السنّة ومجاهدة أعداء الدين ، بالقول والنفس ، وفي سنن ابن ماجه وصحيح ابن حبّان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لايزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته " وفي الحديث الآخر في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدّدُ لها دينها " ومن فضل الله تعالى أن " من " هنا اسم موصول يُفيد الإطلاق فيشمل الفرد أو الجماعة من الناس كما فسره الكثير من العلماء بذلك ، وهذا يُشجع ويقوي عزيمة الفرد المسلم  ويستحث خُطاه لفعل الخير والإجتهاد في نشر الإسلام وتعليمه وإحياء السنن ورفع الجهل الذي استشرى في كل مكان ونبذ الخرافة والبدعة ونحو ذلك ، فليكن لكل فرد منّا دورٌ في عملية الإصلاح والبناء ومحاربة الفساد ونشر هذا الدين واستغلال الأعمار بما يُقرّب للواحد القهار جل جلالُه وعمّ الناس نواله ، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل عليماً : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...