فاتقوا الله عباد الله فإن تقوى الله داعٍ للفضائل ومجنّبٍ للرذائل ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور مُحدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : ربنا جل وعلا رؤوفٌ بعباده رحيم يزكيهم ويُطهرهم منّةً منه وفضلاً ورحمة بعباده وإحسانا كما أخبر في كتابه (يريد الله ليبين لكم ويهديَكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليمٌ حكيم ) ومن وسائل تزكيته سبحانه أنه - ياعباد الله - أنه يحذّر ويُزكي من صفات لاتليق بالمسلم ويُرشد المؤمن بلسان رسوله أن يستعيذ بالله منها ومن تلك الصفات صفة البُخل فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منها دُبر مل صلاة ، فقد أخرج البُخاري رحمه الله من حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ دُبر الصلوات المكتوبة بهؤلاء الكلمات : " اللهم إني أعوذ بك من الجبُبن والبُخل وأعوذ بك من أن أردّ إلى أرذل العُمُر ، وأعوذ بك من فتنة الدُنيا وأعوذ بك من فتنة القبر " وفي حديث آخر يروية سعد رضي الله عنه قال : " كان رسول الله يُعلّمنا هؤلاء الكلمات كما تُعلّم الكتابة : " اللهم إني أعوذ بك من البُخل وأعوذ بك من الجُبن وأعوذ بك من أن نُردّ إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدُنيا وعذاب القبر " أخرجه البُخاري أيضاً .
عباد الله : البُخل صفة ذميمة تمنع الخير عن العبد وتُقصيه من الله والخلق ، والبُخل نوع أنانية في النفس وفتنة بالمال وحب للدُنيا على حساب الدين ، فالبخل - أجارنا الله وإياكم - يقتُل صاحبه إن غذاه في نفسه ويحرمه التمتع بما انعم الله عليه من النعم فهو محروم مع حرمانه لغيره ممن يعوله ممن يحتاجون إليه ، بل إن البخيل ينفر منه أصحابه ولذا قال بعض الحكماء : " البخيل ليس له خليل " ، وأشنع أمره أن يتمادى به البخل حتى يبخل بحق الله تعالى الواجب عليه من أداء الزكاة المفروضه للفقير والمسكين ومن يستحقها من أهل الزكاة الثمانية فربما ناله سخط الله تعالى إن لم يتدراكه الله بتوبة قبل الموت فيكون داخلاً في قول الله تعالى : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراًُ لهم بل هو شر لهم سيطوقون مابخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ) والنبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلاً للبخيل والمتصدق فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم فقال : " مثلُ المنفق والمتصدق كمثل رجُلين عليهما جُنّتان من حديد قد اضطُّرت أيديهما إلى ثُديِّهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تُغشّي أنامله - أي تغطيها - وتعفو أثره ، وجعل البخيل كلّما همّ بصدقة قَلَصَت ، وأخذت كلّ حلقة مكانها " يقول أبوهريرة رضي الله عنه : " فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول باصبعه في جيبه فلو رأيته يوسّعها ولا تَوَسّع - أجارنا الله وإياكم -
قال صاحب مختصر منهاج القاصدين المقدسي رحمنا الله وإياه أجمعين : " اعلم أن الشح والبُخل درجات : فأرفع درجات السخاء الإيثار ، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه ، وأشد درجات البُخل : أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة إليه - أي المال - فكم من بخيل يُمسك المال ويُمرض فلا يتداوى ، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البُخل ، فكم بين من بخِل على نفسه مع الحاجة وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة - أي من الفرق - فالأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء ، وإذا أراد الله بأمة شراً أمّر عليهم شرارهم وبُخلائهم ، يقول محمد بن المنكدر - رحمه الله : " كان يُقال : إذا أراد الله بقومٍ شرّاً أمّر عليهم شرارهم ، وجعل أرزاقهم بأيدي بُخلائهم " أعاذنا الله وإياكم والمسلمين .
عباد الله : من يتأمل حال البخيل المُمسك يجد أنه حارس ماله للورثة بعده وعاملهم عليه بجمعه وحفظه وصدق الشاعر حينما قال :
إذا كُنت جمّاعاً لمالك ممسكاً * فأنت عليه خازنٌ وأمين
تؤديه مذموماً إلى غير حامدٍ * فيأكُله عفواً وأنت دفين
والشُح والبخل متقاربان ولكن الشح أشمل وأشد خطراً على دين العبد من البخل وإن كان الشح من ثماره البُخل ولما سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله عن الفرق بين الشح والبخل قال : " الشُح أشد ، فالشح معناه : البخل بالموجود والحرص على المفقود ، فالشحيح حريصٌ على الزيادة وبخيل بما عنده " انتهى كلامه فاللهم أعذنا من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء وأصلح لنا أنفسنا ياسميع الدُعاء ياواسع والفضل والعطاء ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
============== الخطبة الثانية ==============
الحمد لله كما ينبغي أن يُحمد والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى عليه وعلى آله وصحبه ذوي النهج الأرشد وعلى من تبعه بإحسان ولربه تعبد ، أما بعد :
عباد الله : إن من الديانة ومحبة الخير وكرم النفس للغير من المسلمين خاصّة الوقوف معهم في حال المصيبة ووقت نزول الشدّة وإذا كان المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ اشتكى كلّه ، فالمسلم بمقتضى ذلك متضامن مع أخيه المسلم في أي بلد وأي قطرٍ من الأقطار ، بالدعاء ومد يد العون له عند الحاجة ، وإن إخوانكم في السودان اليوم يُعانون من ويلات حرب شبّت بين أطراف بعضُها بغى على بعض ونتج عن ذلك الصراع منكوبين لا ومشردين ومرضى تشتتوا في البلاد بسبب الإجرام والفساد ، وقامت هذه الدولة ولله الحمد بإيواء اللاجئين منهم والمفارقين لأوطانهم وتوفير مايحتاجونه كل ذلك يتم امتثالاً لتوجيهات الدين الحنيف كما قال صلى الله عليه وسلم : " عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني " وقوله عليه الصلاة والسلام : " المسلم أخو المسلم لايظلمه ولا يُسلمه " ومعنى : " لايُسلمُه " لايتركه ولا يتخلّى عنه دون أن يُعينه ولايتركه مع من يؤذيه دون أن يحميه ، فيجب مد يد العون لهم والمساهمة في الحملة الشعبية لإغاثة الشعب السوداني وذلك عن طريق منصة ساهم التي خصصتها الدولة لمثل هذه الحملات وهي جسر تواصل وباب عون لإخواننا في كل مكان وتذكروا قولَ ربنا جل وعلا : ( قل إن ربي يبسط الرزق لم يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين ) وقولَ المصطفى عليه الصلاة والسلام : " من يوم يُصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدُهما : اللهم أعطِ منفقاً خلَفا ، ويقول الآخر : اللهم أعطِ مُمسكاً تلفا " وتذكر عون الله لك مادمت في عون أخيك ونعمة الله عليك بالعافية والغنى وسلامتك من البؤس والعناء ، ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمر الله حيث قال جلا وعلا : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق