الأربعاء، 5 يوليو 2023

خطبة عن أسباب السعادة والإنشراح

 الحمدلله الذي بنعمته يسعد العباد ويُسرون  ، وبعدله يشقى أهل الضلالة ويبأسون ، وبفضله يقرب المتقون الذين لاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي أرسله ربه إلى الثقلين محذراً ومبشراً حتى يفوزون ويُفلحون وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون أما بعد : 

 فاتقوا الله  - عباد الله -   ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : إن من أسباب سعادة العبد وانشراحه في هذه الحياة الدنيا أن يعرف الهدف الذي أوجد من أجله وخُلق له وهو : عبادة الله تعالى فهو الهدف الأسمى ومن أجل هذا الهدف خُلق الجن والإنس كما أخبر العلي العظيم بقوله : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " أي إلا ليعبدوني فحذفت الياء التي تسمّى ( ياء المتكلم ) كما هو في مواضع في القرآن كثيرة ، وكذلك في قول الله تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت . . ) وقال في موضع آخر : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لاإله إلا أنا فاعبدون ) فهذا الهدف من أجله بُعث الرسل ومن أجله قامت السماوات والأرض ، وبهذه الكلمة وغيرها من كلمات التعظيم والتنزيه كالتسبيح قامت السماوات والأرض وهذه الكلمة التي هي كلمة التوحيد أعظم كلمة وترجَحُ بالسماوات والأرض من عِظَمِها  فعبادة الملأ الأعلى هي التسبيح والصلاة وعبادة أهل الأرض الصلاة المشتملة على التوحيد وفي حديث أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال موسى : يارب علمني شيئاً أذكُرك وأدعوك به ، قال : قل ياموسى لاإله إلا الله ، قال : كل عبادك يقولون هذا ، قال : ياموسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفّة ولاإله إلا الله في كفة مالت بهن لاإله إلا الله " رواه ابن حبّان والحاكم وصححه . 

عباد الله : من عرف وحدد هذا الهدف ورد النفس إليه كلما تاهت في دهاليز هذه الحياة عرف معنى السعادة والإنشراح ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبو ولنجزينهم بأحسن ماكانوا يعملون) وإن ضياع الهدف والتخبط في هذه الحياة بلا بصيرة والإعراض عن هذا الدين هو من أسباب الشقاوة والتعاسة والحزن والهم ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشُره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كُنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ) وإن هذه ياعباد الله تُعدّ قاعدة وسُنة من سنن الله تعالى في هذه الحياة ولهذا نجد الشعوب الكافرة يكثُر فيها الإنتحار بنسب مُخيفة ولا تجد من بين هذه الدول دولة إسلامية وتجد أن الكثير من هذه الدول يرتفع لديهم نسبة الأمراض النفسية كالإكتئاب والخوف والقلق ولا يعلم الكثير منهم أسبابه ويداوونه بأدوية ومهدئات لاتُجدي نفعاً فكثير منهم يعيشون في بحر من الهموم والأحزان والضغوط النفسية ولا يجدون منها مخرجاً ومن ثمّ يلجؤون إلى الإنتحار ، وهم مع ذلك يعطونك صورة برّاقة في الإعلام ليوهموا الشعوب الأخرى بأنهم شعبٌ ينعم بالسعادة والهناء وهم في أسوأ حال ، قد خلت حياتُهم من المعاني الروحية والإتصال برب البريّة يعاقرون الشهوات ويداوون بها الأمراض والأسقام بما يزيدُهم حسرات وأنّات ، قد زُيّن لهم فعلُهم وسوءُ عملهم وصدق قول الشاعر حينما قال : 
علاجُ الضُرّ بالمحظور سوءٌ * ويُذكي اليأس في النفس الجريحة 
ولكن النفوسَ إذا تعامــت * تُحسّنُ في القلــوب لها القبيحــة 
عباد الله : إن من أسباب السعادة والإنشراح هو الرضا بقضاء الله وبما يُجريه من القدر عليك ، وكثيراً ماترى أناساً لديهم تنغيص في حياتهم وكدر ، وعندما تُفتّش عنه تجد أن الرجل لديه عدم رضا وتسخط من أقدار جرت عليه في الماضي ومضى عدةُ سنوات وهو مازال يعيش معها أكثر أحيانه فهذا نوعٌ من التنغيص في الحياة يصنعه هو بسبب عدم الرضا بما يُجريه الله من أقدار عليه أو على من يهُمّه أمرُه ، فياعبدالله لاتُحمّل نفسك مالا تحتمل ولا تشتغل بما ينغص عليك حياتك ويُكدّرها وأنت لاحيلة لك في دفعه أصلاً ، فإن هذا من أسباب الهموم التي تأكل وقتك وتضيّعُ عُمُرك ، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الهم والحزَن كثيراً ، وهو يعلم أن الهم يقطع عن ذكر الله ويُشغل ومن ثمّ تفقد أسباب محبة الله تعالى ، فإنك لاتسطيعُ أن تكثر من ذكره إلا غمرت قلبَك محبته ، فإن الإنسان لايكثر من شيء إلا عندما يستولي قلبُه على محبته ، يقول ابن قيّم الجوزية : " محبة الله وحده ومحبّة ماأحب ، وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسُها " وقال : " المحبّة روح الإسلام وقطبُ رحى الدين ومدار السعادة والنجاة " وقال أيضاً : " أعظم سعادة العبد تفريغ قلبه لحب الله ، ولسانه لذكره " .
وإن جَمَعَ العلم النافع والعمل الصالح فذلك غاية المنى وبلغ الذروة والهنا وذلك يتمثل في قول الله تعالى في سورة العصر : ( والعصر * إن الإنسان لفي خُسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) 
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله وإيانا أجمعين : " الخير والسعادة والكمال والصلاح منحصرٌ في نوعين : في العلم النافع والعمل الصالح "  انتهى كلامه 
فأما العلم النافع فهو يمتّع العقل والفكر  وأما العمل الصالح فيمتّع الجوارح والقلب والعبد يفرح بما يُقدّم ويجد بذلك للحياة طعماً ويشعُر بالطمأنينة والإرتياح وصدق شيخ الإسلام حينما قال : " إن في الدنيا جنّة من لم يدخُلها لم يدخُل جنة الآخرة " وهي جنّة الإيمان فالمؤمن منّعم وغيره معذب وإن أكل أحسن المآكل وشرب أحسن المشارب وركب احسن المراكب فالعذاب يلاحقه في صدره أينما حلّ ورحل ، فاللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرّه إلينا المفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين يارب العالمين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============== الخطبة الثانية ==============

الحمدلله الذي عم العالمين بنواله وأعطى ومنح كثيراً بكرمه وإفضاله والصلاة والسلام على المبعوث للعباد رحمة من ربه جلّ جلاله ، وعلى أزواجه وصحبه وآله وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 
عباد الله : اتقوا الله تعالى واعلموا أن من أسباب السعادة والإنشراح : القناعة لأن الذي لايقنع بما أعطاه الله يعيش في ضيقٍ ونكد وإن كان لديه مال وعيشه يُسر وفي الحديث الصحيح في صحيح مسلم  : " انظروا إلى مَن أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدرُ أن لاتزدروا نعمة الله عليكم " وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام : " اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لاينفع ومن قلبٍ لايخشع ومن نفسٍ لاتشبع ومن دعوة لايُستجاب لها " .
وإن من أسباب السعادة الإتزان في العلاقة مع الناس فبعض الناس لايكون للتصرف مع الجاهل ولا للتغافل عن الزلل فيكون على اضطراب في علاقته مع الناس أو مع بعضهم ، فيعيش في ضيقٍ وهم من كلمة قيلت له أو زلل من بعضهم واجهه ، والله أرشد لحسن التعامل والإعراض عن الجاهين والقول الحسن ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزَغُ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبينا ) 
ولذا في دراسة طويلة الأمد لأحد الجامعات في الخارج أن العلاقات الجيدة والحميمة التي يكتنفها المودة ومن ذلك العلاقة الزوجية التي تُحاط بالحب والرضا هي من أكبر الأسباب للسعادة والعيش الهنيء وسبب من أسباب العافية والصحة الجيدة وروى أحمد في مسنده وابن حِبّان في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعٌ من السعادة : المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء وأربعٌ من الشقاوة : الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيّق والمركب السوء ) وصححه جمعٌ من أهل العلم . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...