السبت، 29 يوليو 2017

خطبة عن خطر التصوف

الحمدلله الذي خلق الخلق لعبادته ، وبين لهم سبيل مرضاته ، وحذرهم من الشرك وأداته ، في محكم الكتاب وآياته ، والصلاة والسلام على نبيه المختار من برياته ، وعلى آله وصحبه الذين ساروا على سنته بعد مماته وعلى كل من نهج نهجهم في حياته وبعد : 
أيها المسلمون اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعه وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار . 
( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون )   ( ياأيها الذين أمنوا الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )  
عباد الله : 
اعلموا أن الله بعث الرسل وأنزل الكتب وخلق الخلق كلهم لعبادته سبحانه وتعالى وعبادته حق له لاغيره فكل فعل من أفعال العبادة هي من خصائصه ولا يحل بأي حال من الأحوال أن تُصرف لغيره ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) فالدعاء - والذي من ضمن أفعاله الصلاة - وكذلك النذر والذبح والإستغاثة والإستعانه والحلف كلها من أفعال العبادة وكل مافي معناها كالخضوع والإنكسار والتعظيم ونحو ذلك يجري مجرى أفعال العباده ولا يحل صرف شيء من ذلك لغير الله ، وإن عزة هذه الأمة بعقيدتها ومجدها باتباع شرع الله في كل شأن في العبادات والمعاملات وكل أمر يستجد فلا بد من عرضه على الكتاب والسنة مهما كبُر أو صغر ، حتى نعرف حكم الله فيه وحكم رسوله ولا نستبد برأينا لأنفسنا ونقدم شهواتنا على مايريد الله تعالى : " ياأيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم " 
أيها المصلون :
لنعلم جميعا أن مشاريع العدو مستمرة في تحريف عقيدتنا وتهشيم ديننا واطفائ نور التوحيد وصفاء العقيدة في قلوبنا ، ومن هؤلاء الأعداء الذي يدعون الإسلام ويتمسكون باسمه لابمضمونه ومنهجه أولئك هم أرباب الصوفية وأصحاب الطرق الشركية والمسالك المنزلقة في نتن الوثنية والقبورية هؤلاء المتصوفة لمن لايعرفهم هم ممن يدعي العصمة للأولياء وتقديمهم على الأنبياء واستحلالهم الطواف بالقبور والدعاء عندها بل بلغ عن بعضهم أنه قال  : " لو كان الطواف بالقبور شركاً فلم نطوف حول الكعبة  ؟ " 
وهذا قول جاهل مريض سيء الفهم والقصد فلولا أن الله أمر بذلك ماطاف بالبيت أحد فهل أمر الله بالطواف بالقبور ياهذا ! والطواف بالبيت عمل واجب مرة بالعمر فعله جميع الأنبياء ، فهل طاف نبي بقبر مرة واحدة ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ( فإن لم لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) ثم إن الطائف بالكعبة يطوف بها بجسده وأما قلبه فمتعلق بالله بالكلية ويدعو ويردد باسم الله لاباسم الكعبة ولا باسم حجر ولا باسم مكان فيها أو حولها وأنت أيها الطائف بالقبر تدعو عند القبر باسم فلان وتطوف بقبره وقلبك متعلق بما لديه من قدرة مزعومة وهمية لاحقيقة ولو أنك دعوت باسم الله عند قبر لك لاللمقبور لأثمت وما قُبل منك مع أن الدعاء لك أنت باسم الله لاباسم صاحب القبر ، فكيف بدعاء صاحب القبر مباشرة فهل تعرف جُرم ماأقدمت عليه ، أما والله إنك نبذت ربقة الإسلام كلها من عنقك وأنت حينها بحاجة لتدخل في الإسلام من جديد فقد حبطت أعمالك . . 
أيها المؤمنون :   
إن من استهداف عقيدتنا ومناهجنا وديننا في الوقت الحاضر تمكين الصوفية من مناصب قيادية ومراكز اعلامية ومنبرية واجتماعية حساسة والهدف من ذلك تضليل العامة وتضييع الهوية وتفريق الصف وتنشيط بعض الطرق الصوفيه لبث شركياتهم والتعصب لأرباب الشرك من مشائخ الصوفيه وبالتالي انخرام العقيدة واطفاء الروح الحماسية لدى الأمة واطفاء جمرة الجهاد التي تؤرق الغرب وعدم الإكتراث بضياع المقدسات وهلاك كثير من الأفراد في شتى البلاد الإسلامية واشغال الرأي العام باتباع كرامات هؤلاء الخرافيه وتمييع روح الولاء والبراء  .
ومن ثم تمكين الإستعمار الفكري والمنهجي الغربي في كثير من الأقطار المنتسبه للإسلام
ولقد رأيت من دعاة وأرباب الصوفيه من يكره الكلام في الجهاد وينصب العداء لمن يتكلم فيه فهل تعول على هؤلاء نصر دين الله ونصر الأمة والله إنهم معاول هدم وتقويض لأمة محمد عليه الصلاة والسلام وحرب لرموز الدين وأفراده وعوام الناس أيضا وذلك باستجذابهم إلى وحل الإنحراف والزيغ .
ومن يعرفهم ويستطلع حقيقتهم يعلم علم اليقين أنهم لايريدون من أفراد الأمة إلا أن يجعلوهم جسرا يمررون نتنهم وبدعتهم وشركهم من خلالهم فحال الله بينهم وبين مايريدون . 
ومن خطورة البدع والشركيات التي يحملها هؤلاء أن صاحب البدعة تُحجب عنه التوبة مادام مقيماً على بدعته 
بما روى أبو حفص العكبري عن أنس مرفوعا :
(إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) رواه الطبراني وإسناده حسن . 

ولا شك أن ذلك من استدراج الله لهذا العبد واستوجاب العقوبة له فالحذر من الإنزلاق وراء هذه البدع والشركيات وأصحابها .
فعلى المسلم أن يعتز بعقيدته ويفخر بها حق الفخر ولا يجامل بذلك أحداً مهما كان منصبه ومركزه ولايتنازل عن شيء من ذلك وأن يكون داعية للنهج الصحيح القائم على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . 
اللهم اهدنا ووفقنا لمرضاتك وجنبنا عقوبتك واجعلنا من عبادك المخلصين يارب العالمين .  
أقول ماتسمعون وأستغفر لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم  .

= = = = = = = = = = =  الخطبة الثانية  = = = = = = = = = = = = =

الحمدلله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله على الهادي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد  :
عباد الله : 

إن من فضل الله على عباده أن جعل لهم مواسم للخيرات يستكثرون فيها من الطاعات ويتقربون فيها بالصالحات من الأعمال وإنه قد أضلكم في أيامكم المقبلة عشر ذي الحجة أقسم الله بلياليها في كتابه فقال جلا وعلا : ( والفجر * وليال عشر ) ولا يقسم سبحانه إلا بعظيم ، وبين نبينا عليه الصلاة والسلام فضل أيامها وأنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق وأنها خير من العشر الأواخر من رمضان بالجملة فقال عليه الصلاة والسلام 
كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الترمذي ، وأصله في البخاري ، وفي حديث ابن عمر : (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه أحمد .
ومن حيث الفضيلة والترتيب فأيام العشر خير من ليالي العشر الأواخر من رمضان إلا ليلة القدر وليال العشر الأواخر من رمضان تأتي بعد هذه الأيام في الفضيلة لوجود ليلة القدر فيها ، ومن ثم تكون ليالي العشر من ذي الحجة تأتي ثالثاً من حيث الفضيلة ، وفي كل حال ينبغي المسارعة والبدار لفعل الخيرات في أيام العشر الفاضلة واغتنامها وتأجيل الكثير من الأعمال لأن هذه العشر عشر فاضلة وأجرها عظيم تفوت ولا تُستدرك بالفوات وكذلك الفُرص زمن يمضي ولا يعود فلنتق الله تعالى بفعل الخيرات واجتناب المنكرات فيها ولنبادر بالعمل الصالح قال صلى الله عليه وسلم : "
بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر رواه الترمذي وقال: حديث حسن . 


الخميس، 27 يوليو 2017

خطبة عن الحر وعلم الفلك .

الحمدلله رب القوي القهار ، العزيز الغفار ، الذي كور النهار على الليل وكور الليلَ على النهار والصلاة والسلام على المبعوث المختار صاحب الهدي والآثار وعلى آله الأطهار وصحبة الأبرار وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار وسلم تسليما كثيراً أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى في السر والنجوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " 
" ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " . 
" ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " . 
أيها المسلمون لقد كان النظر والتأمل في آيات الله بشكل عام له فضله وثوابه وعاقبته الحسنى في شرع الله تعالى قال جل جلاله : " قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وماتغني الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون " وقا ل سبحانه : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانه فقنا عذاب النار ) وكذلك النظر في تقلبات الليل والنهار واختلاف الفصول والأزمنة وشدة الحر والبر وظهور السحب وهبوب الرياح ونزول الغيث وغير ذلك لعبرة وعظة لمن أمعن النظر وقاد الفكر والعقل بزمامه للتفكر والتدبر في ذلك . 
وإننا نعيش فترتنا هذه في حر شديد هو الأشد هذه الأيام وهو من فيح ونفس جهنم أعاذنا الله وإياكم منه يقاد هذا الحر الشديد من مسافة بعيدة عنا بملايين الأميال حتى يصل إلى هذه الأرض بقدرة الله ، قال عليه الصلاة والسلام في شأن هذا : " إن النار اشتكت إلى ربها فقالت يارب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم ، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم " رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة 
وهناك سؤال يرد في كيفية الجمع بين السبب الحسي الذي هو أن سبب الحر من قرب الشمس إلينا وبين السبب الشرعي الذي هو أن الحر من فيح جهنم ؟
والجواب في ذلك : أن الجمع واقعٌ وممكن وقد قال بعض أهل العلم : " أن الحر يصل إلينا من فيح جهنم بواسطة الشمس فالشمس ماهي إلا واسطة تستمد حاراتها من النار والنار هي المصدر للحرارة والبرودة بنص الحديث السابق  وهي - أي الشمس - لاتملك القدرة على الإستمرار بعد تقدير الله لها ذلك إلا بواسطة من يغذيها وهذا الجمع هو الأقرب للصواب وكل ذلك بقدرو الله وعلمه ولايؤده حفظ شيء سبحانه وتعالى . 
ومهما يكن من أمر فالواجب علينا أن نحذر من سب الدهر أو الحر فقد كان التحذير في شرعنا كما عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وأما التعجب من شدة الحر ونحو ذلك مما لابأس به فلاحرج في هذا وكم لهذا الحر من فوائد لانحصيها وأهمها نضج وصحة الثمار والتمور والغراس والبذور ممن يتناساه أو يتغافل عنه الكثيرين وينظرون للأمور والأقدار من عين واحدة . 
عباد الله : هل اطلع أحد منكم على علم الفلك وعلم المجرات والنجوم ليزداد ايمانه بربه ويقوى يقينه بخالقه فيرى مايبهره من بديع صنع الله وهو البديع في خلقه والقادر المقتدر الذي حير العقول والفِكَـر ، ( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) فإن في خلقه عجب وفي صنعه يحار الفكر بين المسبب والسبب ، قال جلا جلاله وتقدست أسمائه " أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون " وقال في حجم هذا العالم السفلي ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) . 
قسماً أقول من الصميم * وخالقي رب الأفــق 
والله لو أبصرتم بعــــــ* ض الذي خلف الشفق 
لأصابكم مثلُ المهابــ * ـــة واعتلى النفس العرق 
ماأكثر الجهل الذي * قد ألجم الناس بحـــــق 
هم غافلون عن الحقيقة * كل صبح أو غسق 
لم ينظروا في النجم * والأبراج  ممن يأتلق  
علم المجرات الكبير * وصنعه كيف اتفق
علم وإحكام بهـــا  * وترابط بين النسق
إني أقول وعبرتي  * بين المحاجر والحدق  
سبحانك اللهم يـــا * رب العوالم والفلق 
ماقد قدرناك وكل  * الكبرياء لك استحق 
في هذا الكون الفسيح الذي يقيس الفلكيون وعلماء الفضاء والرصد مساحته وطوله بالسنوات الضوئيه فلا مكان للميل والكيلو في قياسها لأنها لو قيست عندهم بذلك لخرج رقم فلكي كبير من مائة رقم فأكثر أي واحد وعن يمينه مائة صفر وهذا عدد لامسمى له أصلاً عند علماء الرياضيات ولا يعلم تسمية مثل هذه الأرقام إلا الله سبحانه فاعتاضوا عن هذه الأرقام بالسنين الضوئية التي هي أكبر عددا وأظول مسافة مما نتصور وإذا كان بعض النجوم أكبر من الأرض بما يفوق العشرة آلاف مرة فكيف بالمسافة إليه وإلى ماأبعد منه وبعض هذه الكواكب والنجوم هي في الواقع أعلى من حرارة الأرض بآلاف المرات وقد سجلت حرارة كوكب واحد من الكواكب بحوالي 4600 درجة مئوية فهل من معتبر وهل من متمعن بصير ، وناظر خبير ، يعود عليه هذا النظرِ بالتقوى وخشية الله تعالى ويقوده ذلك للعمل للدار الآخرة وترك ملذات الدنيا وشهواتها الفانية . 
اللهم إنا نسألك نوراً تهدي به قولبنا ورحمة منك تنجينا بها ورضى منك وقبولاً وعفواً وغفراناً ياواسع المغفرة ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله الغفور لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه غفارا  . 


================== الخطبة الثانية =================== 

الحمدلله الجواد الحكيم ذو الفضل العميم والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه ذوي المسلك القويم ومن سار على الصراط السمتقيم أما بعد : 

عباد الله :   
إن عبادة التأمل والتفكر ثمرتها الأولى والتي عليها المعول هي : أن يُورث العبد بالنظر والتفكر والتأمل خشية الله والخوف من بطشه وعقابه وبأسه وعذابه قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء . . . ) وإن لم يحصل ذلك فليعلم العبد أن على قلبه من أطباق الشهوات والضلاله والزيغ والجهاله ماصده ذلك عن هذه العباده وقد حرمه الله بسبب ذلك من الإنتفاع بآياته والعبرة بخلقه ومصنوعاته ، قال سبحانه في محكم التنزيل : " كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون " ومثل هذا قد أغفل الله قلبه عن ذكره وقد حذر الله تعلى نبيه من طاعة هؤلاء والتحذير مأمورة به أمته والأمر له أمر لأمته عليه الصلاة والسلام قال تعالى في شان هؤلاء : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا " أي ضائعا غير مستدرك والدواء والعلاج الناجع لمثل هؤلاء عدة أمور ومنها : 
الحذر من اتباع الهوى ، ولزوم أهل الخير والصلاح والقرين الصالح ، وحضور مجالس الذكر ، ومسح رأس اليتيم وهو علاج لصاحب القلب القاسي ، وقد ثبت ذلك في حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام فقال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء شكا إليه قسوة قلبه : " إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح برأس اليتيم " رواه أحمد والبهقي وسنده جيد . 
ومنها أيضاً البعد عن كثرة الكلام بغير ذكر وشدة الضحك والإستهزاء بالآخرين والتهكم بهم والسخرية منهم . 
وأورد الإمام مالك في كتابه - الموطأ - أن عيسى عليه السلام قال : " لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لاتعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافيه "  . 
وقال عليه الصلاة والسلام : " ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " ورواه أحمد والترمذي والبهقي وحسنه الألباني . 
ومنها كثرة تكرار الآيات ولو أن يأخذ آية فيها وعيد ويكررها فإن ذلك أخشع للقلب وأخوف له من عذاب الله وقد ردد كثير من السلف آية حتى الصباح وكانوا يرددون ويبكون وبعضهم إذا قرىء عليه بعض الآيات يُغشى عليه وربما يموت ، كما وقع لعلي بن الفضيل بن عياض رحمه الله وأبيه فقد كان يُصلي خلف أبيه يوماً وكان يقرأ من سورة الأنعام ، فلما بلغ قول الله تعالى : " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نُرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " سقط ميتاً من شدة ماورد على قلبه فأين نحن من هؤلاء  .
اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك واجعل عملنا في رضاك واهدنا بهداك ووفقنا لتقواك ياحي ياقيوم . . 
واعلموا - عباد الله - أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته المسبحة بحمده وثلث بكم فقال عز من قائل : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )  






  

   

الثلاثاء، 4 يوليو 2017

خطبة عن السفر وآدابه وأحكامه

الحمدلله الذي نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد : 
عباد الله لقد أمر الله سبحانه في النور المبين والكتاب الحكيم بالسير في الأرض لحكمة بالغة وحجة ظاهرة وظاهرها الإعتبار بعواقب الأمور وعاقبة المجرمين واستكشاف دلائل قدرة الله على البعث والنشور والعبرة بآثار من قبلنات بقيود شرعيه ، وضوابط حكميه ، كل ذلك لتربية القلوب على خشية علام الغيوب ، وتربية الأنفس على الإستقامة والهداية وسلوك سبيل المؤمنين والبعد عن دروب المفسدين وطرق الضالين من أصحاب الهوى وأعداء الهدى فقال في عدة مواضع من كتابه المجيد : " أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " . 
وقال عز وجل : " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ماكانوا يكسبون " 
وقال جلا جلاله : " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " وغيرها من الآيات كثير ، وأمر بالرؤيه والتفكر والنظر فقال سبحانه : " أولم يروا إلى مابين أيديهم من السماء والأرض . . "  وقال أيضاً : أولم يروا إلى ماخلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " وقال في موضع آخر : " أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون " وقال علا شأنه : " أو لم يتفكروا في أنفسهم ماخلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق " .
والسير في الأرض والرؤية والتفكر والنظر ينْصبُّ كلٌ منهم في هدف واحد وأمر واحد ويرشدان لمسألة ألا وهي الإدكار والإعتبار بالعمل والآثار وهكذا كان حال القرآن والهدف من تيسيره : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) . 
ولما كان السفر يجري مجرى السير في الأرض كان من الضروري أن ينظر العبد لسفره وترحاله هل وافق فيه حكمة الله ، وكان هدفه ومَأْرِبُه فيه صالحاً نافعاً يؤدي فيه الفرائض والسنن ويزداد به يقينه ويسخر قطع هذه المفاوز والبحار والهضاب لهدف نبيل سامٍ يبحث فيه عن الرشد والصواب من دعوة وتبليغ ونشر للخير وتحذير من الشر والفتنة ، مستصحباً عون رب الأرباب باذلا في ذلك الأسباب لنيل مرضاة الله والفوز بالخيرية بين الناس والحظوة عند الله بالعفو والمغفرة ، فأين نحن من سلف مضوا ممن ضربوا في الأرض طولاً وعرضاً يطلبون فيه علماً ويدونون فيه فقهاً وحِكَماً وآداباً ،  فقد روي عن بعض التابعبن الذين هم أقل درجة من الصحابة رضوان الله عن الجميع رحلات متعاقبة كلها في طلب علم وكتابة حديث ومنهم الإمام أحمد رحمه الله فقد رحل حوالي شهرين من بغدادَ في العراق إلى صنعاء في اليمن لكتابة عشرة أحاديث ومنهم : بقيّة بن مَخْلد فقد سافر من الأندلس إلى أرض العراق مروراً بمكة للقاء الإمام أحمد والسماع منه وكل ذلك مشياً على الأقدام وكان لجملة الصحابة والتابعين من الصبر في ذلك مايفوق الوصف رحمهم الله جميعاً وخلف علينا خيراً ، والله فضلهم ويستجيب لهم ولكل مسافر بشكل عام ممن أراد بسفره الخير وصلُحت حاله ومما يروى في ذلك عن رجل من التابعين وهو رواة الحديث من الحنابلة ألا وهو اسحاقَ الكوسج فإنه ذات مرة خرج من بغداد إلى خراسان وكانت معه كتبه التي كتبها سنين طويله فأصاب أرضه تلك مطر شديد في عرض الصحراء فدعا الله تعالى وقال مامعناه : " يارب هذه كتبي تعبت عليها سنيناً وسوف يمحو هذا المطر مدادها - أي حبرها - التي كُتبت به ، ثم دعا الله بحفظها وأن لايُصيبها البلل وأن لايضيعه الله تعالى ، فلما انقطع المطر وجف أخذ يبحث عنها فما وجد حرفاً منها أًصابه البلل - فسبحان من حفظها - ورؤي في المنام يُسأل مافعل الله بك ياإسحاق ؟ فقال : غفر لي ، فقيل له بماذا ؟ قال : بما حصل لي في تلك الليلة التي أصابني المطر فيها !!  . 
وماهذه وأمثالها من القَصص إلا مصداق ماأخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وأبوداوود وابن ماجه وابن حبان منحديث أبي هريره أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن : دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده " . 
فلابد أن نستغل أوقات سفرنا وترحالنا بما يفيدنا ويزيد من رصيدنا ومنزلتنا عند الله فإن الدنيا فرصة وحياتك موسم ووقتك ثمين فلا تضيعه إلا بما يفيد ويرفع من تحصيلك للخير وإن كل يوم يمر على ابن آدم لايكسب فيه خيراً ولا يزداد فيه علما ولاينمي له فيه عملا لهو يوم ذاهب لم يبارك للعبد فيه وساعاته فيه خساره وضياع وروي في الأثر : " إذا أتى علي يوم لاأزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم "  
فالمبادرة في استغلال الفرص في الحل والترحال هو من المبادرة بالأعمال التي حث عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالعاقل البصير ينظر لمثل هذه الفرص بعين البصيرة ، ويبذل فيها وسعه ، وإنك لتجد أناسا ممن ظاهرهم الإستقامة يسافر لبلد يبعد عنا بآلاف الأميال وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لايعود لذلك البلد مرة أخرى مابقي على ظهر الحياة ومع ذلك يتثاقل عن أخذ كتاب نافع أو كتيّب صغير أو نشرة قيمة أو مصحف معه أثناء ذهابه بحجة واهية ، فماذا قدم لذلك البلد الذي سافر إليه ؟ وماذا استفاد منه أهله ؟ ومن أفاد من البشر التائهين والضالين هناك ؟ فعجباً والله لهؤلاء ؟ وكم هي حجم الخسارة التي خسرها مقابل ذلك . 
فينبغي لنا عباد الله أن لانحقر من المعروف شيئا ، وأن نبذل مافي الطاقة وأن ننافس في تبليغ دعوة ورفع جهل وارشاد تائه وانكار منكر وإبلاغ نصح  - حسب الإستطاعه - وبالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة كلٌ حسب قدرته من غير أن يجرّ نفسه لفتنة أو يحرض على شر ونحوذلك  . 

أقول ماتسمعون وأستغفر الله ولعامة المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغروه وتوبوا إليه إن ربي غفر رحيم  . 


============== الخطبة الثانية ===============
الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار والصلاة والسلام على النبي المختار وصحبه الأبرار ومن تبعهم بإحسان واستن بسنتهم ماخلت الديار أما بعد : 
اخوة الإيمان إن السفر أمر محبب للنفوس فطرة وطبيعة لأنه من الشهوات المباحة مالم يتجاوز فيه العبد إلى ماحرم الله وإلا أصبح سفر معصية فيكون وبالاً على المرء في دينه ونفسه وفكره وتوجهه وخصوصاً فيمن يسافر لبلاد الكفر من بلاد النصارى والوثينيين وغيرهم وهنا بعض الأحكام والسنن التي قل العمل بها نوردها لكم ومنها : 
* لو أنه كان مقيماً ثم سافر فإنه يصلي صلاة مسافر فيقصر على الصحيح والعكس بالعكس لو أنه كان مسافراً ثم أقام فإنه يصلي صلاة مقيم فلا يقصر  . 
* من صلى خلف مقيم فإنه يتم صلاته ولو دخل مع الإمام في التشهد الأخير وأما إن كان لايدري عن الإمام أهو مقيم أم مسافر فالأصل أنه يتم صلاته . . وإن نوى في نفسه أنه لو أتم الإمام أتم ولو قصَر الصلاة قصر ، فيصح منه لأنه من باب تعليق الصلاة على صلاة إمامه لامن باب الشك . 
* لو أخر صلاتين مجموعتين وهو مسافر كالمغرب والعشاء مثلاً ثم أقام قبل خروج وقت الأولى - أي المغرب - لزمه أن يتم ، وكذلك لو صلاهما بعدما وصل إلى بلده وكان قد أخر الصلاة حتى خرج وقت المغرب فيتم أيضاً . 
* ولو أنه جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم فيحل له أن يوتر وإن كان لم يدخل وقت العشاء على الصحيح الراجح . 
* ويسن التعجيل بالقدوم من السفر إذا قضى المسلم حاجته لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه : " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحكم نهمته فليعجل رجوعه إلى أهله " . 
* ويكره أن يطرق أهله ليلاً - أي يقدم عليهم في الليل - وفي النهار أفضل وهو اتباعٌ  للهدي النبوي . 
* ويسن أن ينحر عند قدومه من السفر فرحاً واستبشارا وتسمّى " النقيعة "  وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يفعله كما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه في صحيح البخاري .  
*  ويسن أن يصلي النوافل على راحلته كسيارته أو الطائره أو القطار  وقل من يفعله ، مع أن المسافر يقضي على مركوبه فترة طويله ، يذهب أكثرها بصمت أو كلام طويل لايخرج منه بفائدة لاقليلة ولا كثيرة ، وإن استقبل القبلة في تكبيرة الإحرام فقط فبها وحسن ، وإلا فلا يلزمه على الصحيح من أقوال أهل العلم .  
* ويُسن أن يُحرك مركوبه عند ما يقترب من بلده وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم المدينة فرآها حرك دابته من حب المدينة كما ثبت في صحيح البخاري 
* ويسن أن يصلي ركعتين في المسجد حين قدومه إلى بلده ( وهذه سنة مهجورة ) وقد كان نبينا يفعله عليه الصلاة والسلام . 
فاللهم اجعلنا من أهل السنة العالمين العاملين بها ، المنيبين إليك والمتوكلين عليك
المجتنبين للسوء والزلل من القول والعمل يارحمن ياجواد ياكريم . 
ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
  

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...