الثلاثاء، 4 يوليو 2017

خطبة عن السفر وآدابه وأحكامه

الحمدلله الذي نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد : 
عباد الله لقد أمر الله سبحانه في النور المبين والكتاب الحكيم بالسير في الأرض لحكمة بالغة وحجة ظاهرة وظاهرها الإعتبار بعواقب الأمور وعاقبة المجرمين واستكشاف دلائل قدرة الله على البعث والنشور والعبرة بآثار من قبلنات بقيود شرعيه ، وضوابط حكميه ، كل ذلك لتربية القلوب على خشية علام الغيوب ، وتربية الأنفس على الإستقامة والهداية وسلوك سبيل المؤمنين والبعد عن دروب المفسدين وطرق الضالين من أصحاب الهوى وأعداء الهدى فقال في عدة مواضع من كتابه المجيد : " أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " . 
وقال عز وجل : " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ماكانوا يكسبون " 
وقال جلا جلاله : " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " وغيرها من الآيات كثير ، وأمر بالرؤيه والتفكر والنظر فقال سبحانه : " أولم يروا إلى مابين أيديهم من السماء والأرض . . "  وقال أيضاً : أولم يروا إلى ماخلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " وقال في موضع آخر : " أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون " وقال علا شأنه : " أو لم يتفكروا في أنفسهم ماخلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق " .
والسير في الأرض والرؤية والتفكر والنظر ينْصبُّ كلٌ منهم في هدف واحد وأمر واحد ويرشدان لمسألة ألا وهي الإدكار والإعتبار بالعمل والآثار وهكذا كان حال القرآن والهدف من تيسيره : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) . 
ولما كان السفر يجري مجرى السير في الأرض كان من الضروري أن ينظر العبد لسفره وترحاله هل وافق فيه حكمة الله ، وكان هدفه ومَأْرِبُه فيه صالحاً نافعاً يؤدي فيه الفرائض والسنن ويزداد به يقينه ويسخر قطع هذه المفاوز والبحار والهضاب لهدف نبيل سامٍ يبحث فيه عن الرشد والصواب من دعوة وتبليغ ونشر للخير وتحذير من الشر والفتنة ، مستصحباً عون رب الأرباب باذلا في ذلك الأسباب لنيل مرضاة الله والفوز بالخيرية بين الناس والحظوة عند الله بالعفو والمغفرة ، فأين نحن من سلف مضوا ممن ضربوا في الأرض طولاً وعرضاً يطلبون فيه علماً ويدونون فيه فقهاً وحِكَماً وآداباً ،  فقد روي عن بعض التابعبن الذين هم أقل درجة من الصحابة رضوان الله عن الجميع رحلات متعاقبة كلها في طلب علم وكتابة حديث ومنهم الإمام أحمد رحمه الله فقد رحل حوالي شهرين من بغدادَ في العراق إلى صنعاء في اليمن لكتابة عشرة أحاديث ومنهم : بقيّة بن مَخْلد فقد سافر من الأندلس إلى أرض العراق مروراً بمكة للقاء الإمام أحمد والسماع منه وكل ذلك مشياً على الأقدام وكان لجملة الصحابة والتابعين من الصبر في ذلك مايفوق الوصف رحمهم الله جميعاً وخلف علينا خيراً ، والله فضلهم ويستجيب لهم ولكل مسافر بشكل عام ممن أراد بسفره الخير وصلُحت حاله ومما يروى في ذلك عن رجل من التابعين وهو رواة الحديث من الحنابلة ألا وهو اسحاقَ الكوسج فإنه ذات مرة خرج من بغداد إلى خراسان وكانت معه كتبه التي كتبها سنين طويله فأصاب أرضه تلك مطر شديد في عرض الصحراء فدعا الله تعالى وقال مامعناه : " يارب هذه كتبي تعبت عليها سنيناً وسوف يمحو هذا المطر مدادها - أي حبرها - التي كُتبت به ، ثم دعا الله بحفظها وأن لايُصيبها البلل وأن لايضيعه الله تعالى ، فلما انقطع المطر وجف أخذ يبحث عنها فما وجد حرفاً منها أًصابه البلل - فسبحان من حفظها - ورؤي في المنام يُسأل مافعل الله بك ياإسحاق ؟ فقال : غفر لي ، فقيل له بماذا ؟ قال : بما حصل لي في تلك الليلة التي أصابني المطر فيها !!  . 
وماهذه وأمثالها من القَصص إلا مصداق ماأخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وأبوداوود وابن ماجه وابن حبان منحديث أبي هريره أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن : دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده " . 
فلابد أن نستغل أوقات سفرنا وترحالنا بما يفيدنا ويزيد من رصيدنا ومنزلتنا عند الله فإن الدنيا فرصة وحياتك موسم ووقتك ثمين فلا تضيعه إلا بما يفيد ويرفع من تحصيلك للخير وإن كل يوم يمر على ابن آدم لايكسب فيه خيراً ولا يزداد فيه علما ولاينمي له فيه عملا لهو يوم ذاهب لم يبارك للعبد فيه وساعاته فيه خساره وضياع وروي في الأثر : " إذا أتى علي يوم لاأزداد فيه علماً يقربني إلى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم "  
فالمبادرة في استغلال الفرص في الحل والترحال هو من المبادرة بالأعمال التي حث عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالعاقل البصير ينظر لمثل هذه الفرص بعين البصيرة ، ويبذل فيها وسعه ، وإنك لتجد أناسا ممن ظاهرهم الإستقامة يسافر لبلد يبعد عنا بآلاف الأميال وهو يعلم في قرارة نفسه أنه لايعود لذلك البلد مرة أخرى مابقي على ظهر الحياة ومع ذلك يتثاقل عن أخذ كتاب نافع أو كتيّب صغير أو نشرة قيمة أو مصحف معه أثناء ذهابه بحجة واهية ، فماذا قدم لذلك البلد الذي سافر إليه ؟ وماذا استفاد منه أهله ؟ ومن أفاد من البشر التائهين والضالين هناك ؟ فعجباً والله لهؤلاء ؟ وكم هي حجم الخسارة التي خسرها مقابل ذلك . 
فينبغي لنا عباد الله أن لانحقر من المعروف شيئا ، وأن نبذل مافي الطاقة وأن ننافس في تبليغ دعوة ورفع جهل وارشاد تائه وانكار منكر وإبلاغ نصح  - حسب الإستطاعه - وبالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة كلٌ حسب قدرته من غير أن يجرّ نفسه لفتنة أو يحرض على شر ونحوذلك  . 

أقول ماتسمعون وأستغفر الله ولعامة المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغروه وتوبوا إليه إن ربي غفر رحيم  . 


============== الخطبة الثانية ===============
الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار والصلاة والسلام على النبي المختار وصحبه الأبرار ومن تبعهم بإحسان واستن بسنتهم ماخلت الديار أما بعد : 
اخوة الإيمان إن السفر أمر محبب للنفوس فطرة وطبيعة لأنه من الشهوات المباحة مالم يتجاوز فيه العبد إلى ماحرم الله وإلا أصبح سفر معصية فيكون وبالاً على المرء في دينه ونفسه وفكره وتوجهه وخصوصاً فيمن يسافر لبلاد الكفر من بلاد النصارى والوثينيين وغيرهم وهنا بعض الأحكام والسنن التي قل العمل بها نوردها لكم ومنها : 
* لو أنه كان مقيماً ثم سافر فإنه يصلي صلاة مسافر فيقصر على الصحيح والعكس بالعكس لو أنه كان مسافراً ثم أقام فإنه يصلي صلاة مقيم فلا يقصر  . 
* من صلى خلف مقيم فإنه يتم صلاته ولو دخل مع الإمام في التشهد الأخير وأما إن كان لايدري عن الإمام أهو مقيم أم مسافر فالأصل أنه يتم صلاته . . وإن نوى في نفسه أنه لو أتم الإمام أتم ولو قصَر الصلاة قصر ، فيصح منه لأنه من باب تعليق الصلاة على صلاة إمامه لامن باب الشك . 
* لو أخر صلاتين مجموعتين وهو مسافر كالمغرب والعشاء مثلاً ثم أقام قبل خروج وقت الأولى - أي المغرب - لزمه أن يتم ، وكذلك لو صلاهما بعدما وصل إلى بلده وكان قد أخر الصلاة حتى خرج وقت المغرب فيتم أيضاً . 
* ولو أنه جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم فيحل له أن يوتر وإن كان لم يدخل وقت العشاء على الصحيح الراجح . 
* ويسن التعجيل بالقدوم من السفر إذا قضى المسلم حاجته لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه : " السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحكم نهمته فليعجل رجوعه إلى أهله " . 
* ويكره أن يطرق أهله ليلاً - أي يقدم عليهم في الليل - وفي النهار أفضل وهو اتباعٌ  للهدي النبوي . 
* ويسن أن ينحر عند قدومه من السفر فرحاً واستبشارا وتسمّى " النقيعة "  وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يفعله كما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه في صحيح البخاري .  
*  ويسن أن يصلي النوافل على راحلته كسيارته أو الطائره أو القطار  وقل من يفعله ، مع أن المسافر يقضي على مركوبه فترة طويله ، يذهب أكثرها بصمت أو كلام طويل لايخرج منه بفائدة لاقليلة ولا كثيرة ، وإن استقبل القبلة في تكبيرة الإحرام فقط فبها وحسن ، وإلا فلا يلزمه على الصحيح من أقوال أهل العلم .  
* ويُسن أن يُحرك مركوبه عند ما يقترب من بلده وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم المدينة فرآها حرك دابته من حب المدينة كما ثبت في صحيح البخاري 
* ويسن أن يصلي ركعتين في المسجد حين قدومه إلى بلده ( وهذه سنة مهجورة ) وقد كان نبينا يفعله عليه الصلاة والسلام . 
فاللهم اجعلنا من أهل السنة العالمين العاملين بها ، المنيبين إليك والمتوكلين عليك
المجتنبين للسوء والزلل من القول والعمل يارحمن ياجواد ياكريم . 
ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...