الحمدلله رب القوي القهار ، العزيز الغفار ، الذي كور النهار على الليل وكور الليلَ على النهار والصلاة والسلام على المبعوث المختار صاحب الهدي والآثار وعلى آله الأطهار وصحبة الأبرار وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار وسلم تسليما كثيراً أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى في السر والنجوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "
" ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " .
" ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً " .
أيها المسلمون لقد كان النظر والتأمل في آيات الله بشكل عام له فضله وثوابه وعاقبته الحسنى في شرع الله تعالى قال جل جلاله : " قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وماتغني الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون " وقا ل سبحانه : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانه فقنا عذاب النار ) وكذلك النظر في تقلبات الليل والنهار واختلاف الفصول والأزمنة وشدة الحر والبر وظهور السحب وهبوب الرياح ونزول الغيث وغير ذلك لعبرة وعظة لمن أمعن النظر وقاد الفكر والعقل بزمامه للتفكر والتدبر في ذلك .
وإننا نعيش فترتنا هذه في حر شديد هو الأشد هذه الأيام وهو من فيح ونفس جهنم أعاذنا الله وإياكم منه يقاد هذا الحر الشديد من مسافة بعيدة عنا بملايين الأميال حتى يصل إلى هذه الأرض بقدرة الله ، قال عليه الصلاة والسلام في شأن هذا : " إن النار اشتكت إلى ربها فقالت يارب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم ، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم " رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة
وهناك سؤال يرد في كيفية الجمع بين السبب الحسي الذي هو أن سبب الحر من قرب الشمس إلينا وبين السبب الشرعي الذي هو أن الحر من فيح جهنم ؟
والجواب في ذلك : أن الجمع واقعٌ وممكن وقد قال بعض أهل العلم : " أن الحر يصل إلينا من فيح جهنم بواسطة الشمس فالشمس ماهي إلا واسطة تستمد حاراتها من النار والنار هي المصدر للحرارة والبرودة بنص الحديث السابق وهي - أي الشمس - لاتملك القدرة على الإستمرار بعد تقدير الله لها ذلك إلا بواسطة من يغذيها وهذا الجمع هو الأقرب للصواب وكل ذلك بقدرو الله وعلمه ولايؤده حفظ شيء سبحانه وتعالى .
ومهما يكن من أمر فالواجب علينا أن نحذر من سب الدهر أو الحر فقد كان التحذير في شرعنا كما عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وأما التعجب من شدة الحر ونحو ذلك مما لابأس به فلاحرج في هذا وكم لهذا الحر من فوائد لانحصيها وأهمها نضج وصحة الثمار والتمور والغراس والبذور ممن يتناساه أو يتغافل عنه الكثيرين وينظرون للأمور والأقدار من عين واحدة .
عباد الله : هل اطلع أحد منكم على علم الفلك وعلم المجرات والنجوم ليزداد ايمانه بربه ويقوى يقينه بخالقه فيرى مايبهره من بديع صنع الله وهو البديع في خلقه والقادر المقتدر الذي حير العقول والفِكَـر ، ( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) فإن في خلقه عجب وفي صنعه يحار الفكر بين المسبب والسبب ، قال جلا جلاله وتقدست أسمائه " أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون " وقال في حجم هذا العالم السفلي ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) .
قسماً أقول من الصميم * وخالقي رب الأفــق
والله لو أبصرتم بعــــــ* ض الذي خلف الشفق
لأصابكم مثلُ المهابــ * ـــة واعتلى النفس العرق
ماأكثر الجهل الذي * قد ألجم الناس بحـــــق
هم غافلون عن الحقيقة * كل صبح أو غسق
لم ينظروا في النجم * والأبراج ممن يأتلق
علم المجرات الكبير * وصنعه كيف اتفق
علم وإحكام بهـــا * وترابط بين النسق
إني أقول وعبرتي * بين المحاجر والحدق
سبحانك اللهم يـــا * رب العوالم والفلق
ماقد قدرناك وكل * الكبرياء لك استحق
في هذا الكون الفسيح الذي يقيس الفلكيون وعلماء الفضاء والرصد مساحته وطوله بالسنوات الضوئيه فلا مكان للميل والكيلو في قياسها لأنها لو قيست عندهم بذلك لخرج رقم فلكي كبير من مائة رقم فأكثر أي واحد وعن يمينه مائة صفر وهذا عدد لامسمى له أصلاً عند علماء الرياضيات ولا يعلم تسمية مثل هذه الأرقام إلا الله سبحانه فاعتاضوا عن هذه الأرقام بالسنين الضوئية التي هي أكبر عددا وأظول مسافة مما نتصور وإذا كان بعض النجوم أكبر من الأرض بما يفوق العشرة آلاف مرة فكيف بالمسافة إليه وإلى ماأبعد منه وبعض هذه الكواكب والنجوم هي في الواقع أعلى من حرارة الأرض بآلاف المرات وقد سجلت حرارة كوكب واحد من الكواكب بحوالي 4600 درجة مئوية فهل من معتبر وهل من متمعن بصير ، وناظر خبير ، يعود عليه هذا النظرِ بالتقوى وخشية الله تعالى ويقوده ذلك للعمل للدار الآخرة وترك ملذات الدنيا وشهواتها الفانية .
اللهم إنا نسألك نوراً تهدي به قولبنا ورحمة منك تنجينا بها ورضى منك وقبولاً وعفواً وغفراناً ياواسع المغفرة ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله الغفور لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه غفارا .
================== الخطبة الثانية ===================
الحمدلله الجواد الحكيم ذو الفضل العميم والصلاة والسلام على النبي الكريم وعلى آله وصحبه ذوي المسلك القويم ومن سار على الصراط السمتقيم أما بعد :
عباد الله :
إن عبادة التأمل والتفكر ثمرتها الأولى والتي عليها المعول هي : أن يُورث العبد بالنظر والتفكر والتأمل خشية الله والخوف من بطشه وعقابه وبأسه وعذابه قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء . . . ) وإن لم يحصل ذلك فليعلم العبد أن على قلبه من أطباق الشهوات والضلاله والزيغ والجهاله ماصده ذلك عن هذه العباده وقد حرمه الله بسبب ذلك من الإنتفاع بآياته والعبرة بخلقه ومصنوعاته ، قال سبحانه في محكم التنزيل : " كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون " ومثل هذا قد أغفل الله قلبه عن ذكره وقد حذر الله تعلى نبيه من طاعة هؤلاء والتحذير مأمورة به أمته والأمر له أمر لأمته عليه الصلاة والسلام قال تعالى في شان هؤلاء : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا " أي ضائعا غير مستدرك والدواء والعلاج الناجع لمثل هؤلاء عدة أمور ومنها :
الحذر من اتباع الهوى ، ولزوم أهل الخير والصلاح والقرين الصالح ، وحضور مجالس الذكر ، ومسح رأس اليتيم وهو علاج لصاحب القلب القاسي ، وقد ثبت ذلك في حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام فقال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء شكا إليه قسوة قلبه : " إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح برأس اليتيم " رواه أحمد والبهقي وسنده جيد .
ومنها أيضاً البعد عن كثرة الكلام بغير ذكر وشدة الضحك والإستهزاء بالآخرين والتهكم بهم والسخرية منهم .
وأورد الإمام مالك في كتابه - الموطأ - أن عيسى عليه السلام قال : " لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لاتعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد ، فإنما الناس مبتلى ومعافى ، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافيه " .
وقال عليه الصلاة والسلام : " ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب " ورواه أحمد والترمذي والبهقي وحسنه الألباني .
ومنها كثرة تكرار الآيات ولو أن يأخذ آية فيها وعيد ويكررها فإن ذلك أخشع للقلب وأخوف له من عذاب الله وقد ردد كثير من السلف آية حتى الصباح وكانوا يرددون ويبكون وبعضهم إذا قرىء عليه بعض الآيات يُغشى عليه وربما يموت ، كما وقع لعلي بن الفضيل بن عياض رحمه الله وأبيه فقد كان يُصلي خلف أبيه يوماً وكان يقرأ من سورة الأنعام ، فلما بلغ قول الله تعالى : " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نُرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " سقط ميتاً من شدة ماورد على قلبه فأين نحن من هؤلاء .
اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك واجعل عملنا في رضاك واهدنا بهداك ووفقنا لتقواك ياحي ياقيوم . .
واعلموا - عباد الله - أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته المسبحة بحمده وثلث بكم فقال عز من قائل : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق