الحمدلله الذي خلق ووهب ، وأجاب من دعاه وطلب ، وهدى للتوبة وقبِل مَن استعتَب ، ورضاه غاية كل مطلب والصلاة والسلام على شريف النسب وعالي الحسب نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه النُخب وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ماجرى القلم وكتبْ أمّا بعد :
عباد الله اتقوا الله تعالى فبتقواه العز والفلاح والصلاح والنجاح ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . .
عباد الله : إن مما جرت به سنة الله في أحوال الناس وفي كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن صيّر المال والولد فتنة للعبيد وادّخر للصابرين أجزل الأجور وأوفر الثواب وأعظم الخير فقال مبيناً ومرشداً سبحانه : (( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ والله عنده أجرٌ عظيم )) وقال في سورة التغابن (( إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ والله عنده أجر عظيم * فاتقوا الله مااستطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )) . .
وإن مما يلزم على ولي الأمر والمسؤول عن الأسرة ياعباد الله أن يتفقد أولاده في ذهابهم وخروجهم ودخولهم ومعاشرتهم للآخرين ، وإن مما يجدر إليه في هذا الباب أن مسؤولية ولي الأمر قد تعاظمت في زماننا هذا لكثرة المغريات والفتن واتباع الشهوات - ياعباد الله - وتالله إن الأب والأم لو نجحا في تربية أبنائهما وتقويمهما وتحسين سلوكهما وتعلميهما وتحذيرهما من كل قرين سيء ومترصدٍ للسوء ومتربص للشر وأكثرا من الدعاء لهما فقد نالا جنّة في الدنيا قبل الآخرة يجدان ثمار ذلك ويقطفا جناه الحلو في مستقبل أمرهما مع ادخار الثواب العظيم والذي عظّمه الله في كتابه والله لايستعظم شيئاً إلا كان فوق مايتصور ابن آدم فطوبى لمن شمّر عن ساعد الجدّ واحتوى الأبناء بالتربية والتعليم بالحكمة واللين حيناً وبقدرٍ قليلٍ من الشدة حيناً آخر . .
عباد الله : إن ماينتظر أبنائنا من مخاطر سلوكية وأخلاقية وأساليب ماكرة وطرقٍ سلبيه كل ذلك لايخفى على الكثير من الناس ، وبالتالي لايخفى على أولياء الأمور وأرباب الأسر ولكن نريد أن نشير إلى بعضٍ منها من باب التذكير ولفت النظر لها فإن هذا أمرٌ جديرٌ بالإهتمام مع وضع الحلول المناسبة والطرق الإيجابية لمثل هذه المشكلات التي تحلّ ببعض البيوت ، فمن ذلك :
* الإستغلال الجنسي القذر لبعض الأطفال من قبل ضِعاف النفوس والمغرضين من الشباب الذين قلت رجولتهم وكانوا نشازاً في مجتمعهم وتأذى منهم والديهم وسخط عليهم رب العباد قبل ذلك ، لم تساعدهم أسرهم وأهليهم على إعفاف فروجهم فصاروا كالبهائم يرتعون في أعراض الآخرين ، ولم يسلم منهم صغار السنّ فبئس ماصنعوا وويلهم من سوء أفعالهم ومن عاقبة صنيعهم ، والمشلكة الأعظم والشر الأكبر يتجلّى في فساد خُلق هذا الطفل ، فإنه إن لم يُتولّ أمره بالرعاية والتحذير من صنيع الجاني الأول وعاقبة فعله ، فسينشأ نشأة فاسدة غيرَ قويمة ، يتعلّم ويأخذ من الفاجر الأول والجاني الشقي قصة انحراف ربما يُطبّق ماجُني عليه به ، فيكون شؤماً جديدا على أهله ومجتمعه ، وعنصرَ هدمٍ للأخلاق والقيم بسبب إفساد الأول
يقول التربويون : " إن فعل الفاحشه - أكرمكم الله - بالأطفال خاصّة من قبل الشاذين من الكبار ، ينقل سموم صنيع الكبار للصغار ، وتلك من سهام إبليس التي تؤثر في الفؤاد فقلّ أن يسلم من هذا السلوكِ الخبيث الطفل ُفي مستقبل أمره إلا من تولّاه الله بقدرته وعصمه برحمته ، وكان أهلُه وأسرتُه لايألون جهداً في رعايته ومتابعته وتقويمه " فلابد أن يتولّ أمرَه ولي أمرِه فتكتنفه أهله وذويه ويرعوه رعاية خاصّة يحتسبوا فيها وجه الله تعالى ، ولابد أن يُدعى له دعاءً صادقاً والله سميعٌ للدعاء وواسع العطاء .
وإذا علمنا عقوبة الشرع في ذلك كانت أعظم رادع وأعظمُ أثراً في النفوس فقد قال عليه الصلاة والسلام كما ورد الحديث : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " رواه ابن عباس رضي الله عنهما وأخرجه أهل السنن إلا النسائي رحمنا الله وإياهم ، بل قد أجمع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به إذا كان برضاه ولم يكن مكرهاً ولم يختلف من الصحابة في ذلك اثنان فالأمر خطير ومن لم يفعل ذلك من الحكام وغيرهم فقد عطّل حدود الله والله الحفيظ الحافظ والعاصم من كل سوء ، وليُعلم أن الله تعالى ونبيه عليه الصلاة والسلام ماأمرا بقتل كلا المشتركَين في هذه الفعلة الخبيثة إلا لأن الله تعالى المشرّع للعباد يريد أن يجتث شجرة هذا الفعل الشنيع من جذوره ، ويطهّر بذلك المجتمع بكامله من أقذار هذه النجاسة التي تُنجس القلوب قبل الأبدان والأجساد .
* ومنها : قرناء السوء الذين يجرون إلى الآفات ويعلّمون اقتراف المنكرات ، وكم من كلمة قالها قرينٌ وخل من الخلان لقرينه وخليله فوقعت في قلبه وأثارت الشهوة في نفسه ، ووالله إن السلامة والوحدة خير من جليس السوء ، ولكن من أفضل الحلول في ذلك انتقاء الخلان والأصدقاء من قِبل الآباء أو الإخوان العقلاء ولنعلم علم اليقين أنه كم من بعيد نسباً ومكاناً عنك ، أو عن ابنك وولدك ممن يحُسب من أهل الصلاح والفضل هو خيرٌ من قريب لاتأمنه على شيء ، جعبة سوء أينما حل وارتحل ، فالعبرة والمعيار بالصلاح والنزاهة وسلامة الصدر ياعباد الله .
* ومن جملة المخاطر أيضاً - ياعباد الله - مكوث الأبناء أو البنات أمام الأجهزة الذكية لفترات طويلة ، وتطوّر هذه الحالة حتى وصلت لحد الإدمان والهوس فلنتق الله تعالى فالحالة التي يمر بها الإبن أو البنت مع هذه الأجهزة على حالين :
- إما أن يكون مُغرماً بالألعاب الإلكترونية التي أضاعت أوقات الكثير من الشباب والصغار بلا فائدة ولا حصيلة تُذكر ، وربما تسلّط عليه بعض الأعداء ممن نُزعت عن قلوبهم الرحمة فأمروه بفعل كارثة من قتل لنفسه أو أمه أوابيه أو أخته أو أخيه أو من كان حوله أوأمره بانتحار كما سمعنا في بعض الأخبار ، فلا عجب يامعشر الإخوة أن نرى مثل ذلك ، لأن الطفل أو الإبن يعيش في حالة مع الجهاز هي أشبه بحالة الإستحواذ الكلي على مشاعره من قِبل الطرف الآخر فردّ الله كيد الأعداء في نحورهم عن هؤلاء الضعفة والمغرر بهم والواجب فعله هو التحكم الإلكتروني بهذه الألعاب وحظرها أو حظر تحميلها وإبلاغ الجهة التي تعالج الإبتزاز مباشرة المتمثلة في الرقم 1909 .
- وإما أن يكون الإبن يُكثر المطالعة لمقاطع وأفلام الرسوم المتحركة آمنة وغير آمنة فهذا ينبغي أن يشخّص حالُه وينظر فيه ومن أجل ذلك كانت المسؤولية كبيرة والمتابعة المستمرة ضرورية لهم ولا يُترك الحال للأم كما هو فعل الكثير من الناس ولا يُعطون من ذلك إلا بقدر كافٍ لايزيد عن الساعة قدر الإمكان وذلك لما لطول النظر في مثل هذه المرئيات والمقاطع والأجهزة من أثر على الفكر والحفظ والفهم فطولُ واستدامةُ النظر لمثل ذلك يؤدي للشرود الذهني والضعف الفكري لدى الطفل أو الإبن والبنت وهذا ملاحظٌ بكثرة في الآونة الأخيره ، ولهذا تجد - كمثال - أنك تنادي ابنك في البيت عدة مرات فلا يستجيب ولا يبالي ، وتجد أنك تُحدّثه عدة مرات فلا يمسك بشيء مما حدثت به بسبب الضعف الذهني والشرود الذي بُلي به ، وهذه مرحلة خطيرة تستوجب العلاج ، فعلينا العناية بهؤلاء الذرية الذين حبانا الله إياهم وجعلهم أمانة في أعناقنا ، وهم ذخيرة للعبد في الحياة وبعد الممات ، فاللهم أصلحهم لنا وارزقنا حسن التأديب لهم والنصح والرفق بهم ونهج الخير معهم والدعاء لهم .
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
========== الخطبة الثانيه ==========
الحمدلله الذي أعز الطائعين وأذل العاصين وهو القوي المتين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعنا معهم أجمعين إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من أعظم أسباب صلاح الأولاد كافة ، المطعم الحلال والمال الحلال المباح الذي لم يشوبه من الحرام شائبة ولم يمنع الرجل فيه حق الله من زكاة واجبة أو نذرٍ يُوجبه العبد على نفسه فيَـلزمُه حينها أن يُخرج من ماله مايوفي ذلك النذر أو كان جحدا ً لحقوق مالية للغير لايدفعها لأصحابها وكما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما ذكر الرجل يطيل السفر يمدّ يديه إلى السماء ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنّى يستجاب له ، كما ورد ذلك في صحيح مسلم .
ومن أعظم أسباب صلاح الأبناء برُّ الوالدين عند الصِغر وإن فاته ذلك فليدركهما عند الكِبر وكما ورد ذلك في حديث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رغم أنفُ ، ثمّ رغم أنفُ ، ثمّ رغم أنفُ " قيل : من يارسول الله ؟ قال : " من أدرك أبويه عند الكِبر أحدُهما أو كليهما فلم يدخل الجنّه " وفي رواية لأحمد في مسنده : " فلم يُغفر له " .
والبرُّ دَينٌ إن أديته كان الوفاء لك من أولادك عموماً ، ولكن ينبغي أن يُكرّم الأولاد ولا يهانون ، ويتخذ الأب معهم أنفع الطرق ليكتمل البرُّ والإحسان له ، ولهذا روى أبوالليث السمرقندي في كتابه تنبيه الغافلين : " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه رجلٌ بابنه له وقال : " إن ابني هذا يعـقني " ، فقال عمر رضي الله عنه للإبن : " أما تخاف الله تعالى في عقوق والدك " ، فقال الإبن : ياأمير المؤمنين ، أما للإبن على والده حق ؟ قال : " نعم ، حقه عليك أن يستنجب أمّه - اي يتزوج أمرأة لايُعير بها إن كبُر - وحسن اسمه ويعلمه الكتاب " فقال الإبن : " فوالله مااستنجب أمي ولا حسّن اسمي ولا علمني من كتاب الله آية واحدة " فالتفت عمر رضي الله تعالى عنه إلى الأب وقال - واسمعوا إلى ماقال - قال : " تقول ابني يعقني ، فقد عققته قبل أن يعقـك " فرضي الله عن عمرَ والصحابة أجمعين يهدون بهدي الله ويعلّمون الحكمة ويبينون للناس ويرفعون عنهم الجهل ويقومونهم .
ومن أسباب صلاح الأبناء : العدل في العطية والتسوية بين الزوجات ، فإن الظلم وتفضيل الأولاد بعضهم على بعض سببٌ من أسباب نقمة الإبن وكرهه لأبيه وحقده وبغضه لأخيه والواجب الإصلاح بينهم إن وقع مثل ذلك ، ولهذا ورد في السنة أن النعمان بن بشير أتى به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني نحلت ابني هذا غلاماً " أي وهبته غلاماً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أكلّ ولدك نحلته مثله " فقال : " لا " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال : فرجع فردّ عطيته وأخرجه البخاري في صحيحه ، وفي رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " فلا تُشهدني إذن فإني لاأشهد على جور " وفي رواية أخرى أبين وأصرح عند الإمام مسلم في صحيحه وعند الإمام أحمد في مسنده :
" أليس يسرّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء " فينبغي أن لانستهين بمثل ذلك والعقوبة تأتي العبد من تفريطه واستهانته بمثل ذلك ، فاللهم اجعلنا من العالمين العاملين ومن عبادك المتقين وحزبك المفلحين والقائمين بما أوجب الله عليهم المجتنبين لسيء القول والعمل يارب العالمين .
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداه