السبت، 28 يوليو 2018

خطبة عن الإستغلال الجنسي للأطفال وخطورته ودور الأسرة للحماية منه .


الحمدلله الذي خلق ووهب ، وأجاب من دعاه وطلب ، وهدى للتوبة وقبِل مَن استعتَب ، ورضاه غاية كل مطلب والصلاة والسلام على شريف النسب وعالي الحسب نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه النُخب وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ماجرى القلم وكتبْ أمّا بعد :
عباد الله اتقوا الله تعالى فبتقواه العز والفلاح والصلاح والنجاح ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . .
عباد الله : إن مما جرت به سنة الله في أحوال الناس وفي كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن صيّر المال والولد فتنة للعبيد وادّخر للصابرين أجزل الأجور وأوفر الثواب وأعظم الخير فقال مبيناً ومرشداً سبحانه : (( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ والله عنده أجرٌ عظيم )) وقال في سورة التغابن (( إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ والله عنده أجر عظيم * فاتقوا الله مااستطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )) . .
وإن مما يلزم على ولي الأمر والمسؤول عن الأسرة ياعباد الله أن يتفقد أولاده في ذهابهم وخروجهم ودخولهم ومعاشرتهم للآخرين ، وإن مما يجدر إليه في هذا الباب أن مسؤولية ولي الأمر قد تعاظمت في زماننا هذا لكثرة المغريات والفتن واتباع الشهوات - ياعباد الله - وتالله إن الأب والأم لو نجحا في تربية أبنائهما وتقويمهما وتحسين سلوكهما وتعلميهما وتحذيرهما من كل قرين سيء ومترصدٍ للسوء ومتربص للشر وأكثرا من الدعاء لهما فقد نالا جنّة في الدنيا قبل الآخرة يجدان ثمار ذلك ويقطفا جناه الحلو في مستقبل أمرهما  مع ادخار الثواب العظيم والذي عظّمه الله في كتابه والله لايستعظم شيئاً إلا كان فوق مايتصور ابن آدم فطوبى لمن شمّر عن ساعد الجدّ واحتوى الأبناء بالتربية والتعليم بالحكمة واللين حيناً وبقدرٍ قليلٍ من الشدة حيناً آخر . .
عباد الله : إن ماينتظر أبنائنا من مخاطر سلوكية وأخلاقية وأساليب ماكرة وطرقٍ سلبيه كل ذلك لايخفى على الكثير من الناس ، وبالتالي لايخفى على أولياء الأمور وأرباب الأسر ولكن نريد أن نشير إلى بعضٍ منها من باب التذكير ولفت النظر لها فإن هذا أمرٌ جديرٌ بالإهتمام مع وضع الحلول المناسبة والطرق الإيجابية لمثل هذه المشكلات التي تحلّ ببعض البيوت ، فمن ذلك :
* الإستغلال الجنسي القذر لبعض الأطفال من قبل ضِعاف النفوس والمغرضين من الشباب الذين قلت رجولتهم وكانوا نشازاً في مجتمعهم وتأذى منهم والديهم وسخط عليهم رب العباد قبل ذلك ، لم تساعدهم أسرهم وأهليهم على إعفاف فروجهم فصاروا كالبهائم يرتعون في أعراض الآخرين ، ولم يسلم منهم صغار السنّ فبئس ماصنعوا وويلهم من سوء أفعالهم ومن عاقبة صنيعهم ، والمشلكة الأعظم والشر الأكبر يتجلّى في فساد خُلق هذا الطفل ، فإنه إن لم يُتولّ أمره بالرعاية والتحذير من صنيع الجاني الأول وعاقبة فعله ، فسينشأ نشأة فاسدة غيرَ قويمة ، يتعلّم ويأخذ من الفاجر الأول والجاني الشقي قصة انحراف ربما يُطبّق ماجُني عليه به ، فيكون شؤماً جديدا على أهله ومجتمعه ، وعنصرَ هدمٍ للأخلاق والقيم بسبب إفساد الأول
يقول التربويون : " إن فعل الفاحشه - أكرمكم الله - بالأطفال خاصّة من قبل الشاذين من الكبار ، ينقل سموم صنيع الكبار للصغار ، وتلك من سهام إبليس التي تؤثر في الفؤاد فقلّ أن يسلم من هذا السلوكِ الخبيث الطفل ُفي مستقبل أمره إلا من تولّاه الله بقدرته وعصمه برحمته ، وكان أهلُه وأسرتُه لايألون جهداً في رعايته ومتابعته وتقويمه " فلابد أن يتولّ أمرَه ولي أمرِه فتكتنفه أهله وذويه ويرعوه رعاية خاصّة يحتسبوا فيها وجه الله تعالى ، ولابد أن يُدعى له دعاءً صادقاً والله سميعٌ للدعاء وواسع العطاء .
وإذا علمنا عقوبة الشرع في ذلك كانت أعظم رادع وأعظمُ أثراً في النفوس فقد قال عليه الصلاة والسلام كما ورد الحديث : " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " رواه ابن عباس رضي الله عنهما وأخرجه أهل السنن إلا النسائي رحمنا الله وإياهم ، بل قد أجمع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به إذا كان برضاه ولم يكن مكرهاً ولم يختلف من الصحابة في ذلك اثنان فالأمر خطير ومن لم يفعل ذلك من الحكام وغيرهم فقد عطّل حدود الله والله الحفيظ الحافظ والعاصم من كل سوء ، وليُعلم أن الله تعالى ونبيه عليه الصلاة والسلام ماأمرا بقتل كلا المشتركَين في هذه الفعلة الخبيثة إلا لأن الله تعالى المشرّع للعباد يريد أن يجتث شجرة هذا الفعل الشنيع من جذوره ، ويطهّر بذلك المجتمع بكامله من أقذار هذه النجاسة التي تُنجس القلوب قبل الأبدان والأجساد .
* ومنها : قرناء السوء الذين يجرون إلى الآفات ويعلّمون اقتراف المنكرات ، وكم من كلمة قالها قرينٌ وخل من الخلان لقرينه وخليله فوقعت في قلبه وأثارت الشهوة في نفسه ، ووالله إن السلامة والوحدة خير من جليس السوء ، ولكن من أفضل الحلول في ذلك انتقاء الخلان والأصدقاء من قِبل الآباء أو الإخوان العقلاء ولنعلم علم اليقين أنه كم من بعيد نسباً ومكاناً عنك ، أو عن ابنك وولدك ممن يحُسب من أهل الصلاح والفضل هو خيرٌ من قريب لاتأمنه على شيء ، جعبة سوء أينما حل وارتحل ، فالعبرة والمعيار بالصلاح والنزاهة وسلامة الصدر ياعباد الله .
* ومن جملة المخاطر أيضاً - ياعباد الله - مكوث الأبناء أو البنات أمام الأجهزة الذكية لفترات طويلة ، وتطوّر هذه الحالة حتى وصلت لحد الإدمان والهوس فلنتق الله تعالى فالحالة التي يمر بها الإبن أو البنت مع هذه الأجهزة على حالين :
- إما أن يكون مُغرماً بالألعاب الإلكترونية التي أضاعت أوقات الكثير من الشباب والصغار بلا فائدة ولا حصيلة تُذكر ، وربما تسلّط عليه بعض الأعداء ممن نُزعت عن قلوبهم الرحمة فأمروه بفعل كارثة من قتل لنفسه أو أمه أوابيه أو أخته أو أخيه أو من كان حوله أوأمره بانتحار كما سمعنا في بعض الأخبار ، فلا عجب يامعشر الإخوة أن نرى مثل ذلك ، لأن الطفل أو الإبن يعيش في حالة مع الجهاز هي أشبه بحالة الإستحواذ الكلي على مشاعره من قِبل الطرف الآخر فردّ الله كيد الأعداء في نحورهم عن هؤلاء الضعفة والمغرر بهم والواجب فعله هو التحكم الإلكتروني بهذه الألعاب وحظرها أو حظر تحميلها وإبلاغ الجهة التي تعالج الإبتزاز مباشرة المتمثلة في الرقم 1909 .

- وإما أن يكون الإبن يُكثر المطالعة لمقاطع وأفلام الرسوم المتحركة آمنة وغير آمنة فهذا ينبغي أن يشخّص حالُه وينظر فيه ومن أجل ذلك كانت المسؤولية كبيرة والمتابعة المستمرة ضرورية لهم ولا يُترك الحال للأم كما هو فعل الكثير من الناس ولا يُعطون من ذلك إلا بقدر كافٍ لايزيد عن الساعة قدر الإمكان وذلك لما لطول النظر في مثل هذه المرئيات والمقاطع والأجهزة من أثر على الفكر والحفظ والفهم فطولُ واستدامةُ النظر لمثل ذلك يؤدي للشرود الذهني والضعف الفكري لدى الطفل أو الإبن والبنت وهذا ملاحظٌ بكثرة في الآونة الأخيره ، ولهذا تجد - كمثال - أنك تنادي ابنك في البيت عدة مرات فلا يستجيب ولا يبالي ، وتجد أنك تُحدّثه عدة مرات فلا يمسك بشيء مما حدثت به بسبب الضعف الذهني والشرود الذي بُلي به ، وهذه مرحلة خطيرة تستوجب العلاج ، فعلينا العناية بهؤلاء الذرية الذين حبانا الله إياهم وجعلهم أمانة في أعناقنا ، وهم ذخيرة للعبد في الحياة وبعد الممات ، فاللهم أصلحهم لنا وارزقنا حسن التأديب لهم والنصح والرفق بهم ونهج الخير معهم والدعاء لهم . 
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

========== الخطبة الثانيه ========== 

الحمدلله الذي أعز الطائعين وأذل العاصين وهو القوي المتين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعنا معهم أجمعين إلى يوم الدين  أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من أعظم أسباب صلاح الأولاد كافة ، المطعم الحلال والمال الحلال المباح الذي لم يشوبه من الحرام شائبة ولم يمنع الرجل فيه حق الله من زكاة واجبة أو نذرٍ يُوجبه العبد على نفسه فيَـلزمُه حينها أن يُخرج من ماله مايوفي ذلك النذر أو كان جحدا ً لحقوق مالية للغير لايدفعها لأصحابها وكما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما ذكر الرجل يطيل السفر يمدّ يديه إلى السماء ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنّى يستجاب له ، كما ورد ذلك في صحيح مسلم . 
ومن أعظم أسباب صلاح الأبناء برُّ الوالدين عند الصِغر وإن فاته ذلك فليدركهما عند الكِبر وكما ورد ذلك في حديث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رغم أنفُ ، ثمّ رغم أنفُ ، ثمّ رغم أنفُ " قيل : من يارسول الله ؟ قال : " من أدرك أبويه عند الكِبر أحدُهما أو كليهما فلم يدخل الجنّه "  وفي رواية لأحمد في مسنده : " فلم يُغفر له "  .
والبرُّ دَينٌ إن أديته كان الوفاء لك من أولادك عموماً ، ولكن ينبغي أن يُكرّم الأولاد ولا يهانون ، ويتخذ الأب معهم أنفع الطرق ليكتمل البرُّ والإحسان له ، ولهذا روى أبوالليث السمرقندي في كتابه تنبيه الغافلين : " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه رجلٌ بابنه له وقال : " إن ابني هذا يعـقني " ، فقال عمر رضي الله عنه للإبن : " أما تخاف الله تعالى في عقوق والدك " ، فقال الإبن : ياأمير المؤمنين ، أما للإبن على والده حق ؟ قال : " نعم ، حقه عليك أن يستنجب أمّه - اي يتزوج أمرأة لايُعير بها إن كبُر - وحسن اسمه ويعلمه الكتاب " فقال الإبن : " فوالله مااستنجب أمي ولا حسّن اسمي ولا علمني من كتاب الله آية واحدة " فالتفت عمر رضي الله تعالى عنه إلى الأب وقال - واسمعوا إلى ماقال - قال : " تقول ابني يعقني ، فقد عققته قبل أن يعقـك " فرضي الله عن عمرَ والصحابة أجمعين يهدون بهدي الله ويعلّمون الحكمة ويبينون للناس ويرفعون عنهم الجهل ويقومونهم . 
ومن أسباب صلاح الأبناء : العدل في العطية والتسوية بين الزوجات ، فإن الظلم وتفضيل الأولاد بعضهم على بعض سببٌ من أسباب نقمة الإبن وكرهه لأبيه وحقده وبغضه لأخيه والواجب الإصلاح بينهم إن وقع مثل ذلك ، ولهذا ورد في السنة أن النعمان بن بشير أتى به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إني نحلت ابني هذا غلاماً " أي وهبته غلاماً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أكلّ ولدك نحلته مثله " فقال : " لا " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " قال : فرجع فردّ عطيته وأخرجه البخاري في صحيحه ، وفي رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : " فلا تُشهدني إذن فإني لاأشهد على جور " وفي رواية أخرى أبين وأصرح عند الإمام مسلم في صحيحه وعند الإمام أحمد في مسنده :
" أليس يسرّك أن يكونوا إليك في البرّ سواء " فينبغي أن لانستهين بمثل ذلك والعقوبة تأتي العبد من تفريطه واستهانته بمثل ذلك ، فاللهم اجعلنا من العالمين العاملين ومن عبادك المتقين وحزبك المفلحين والقائمين بما أوجب الله عليهم المجتنبين لسيء القول والعمل يارب العالمين . 
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداه 





الاثنين، 23 يوليو 2018

خطبة عن القدر خيره وشره ووجوب الإيمان به

الحمدلله الذي برأ الخلائق ورزقهم وكان بهم خبيرا بصيرا ، أحمده وهو الذي خلق كل شيئ فقدره تقديرا ، وأستغفره وكان على عباده حليماً قديراً ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً فبلغ ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أقام الله به الملة العوجاء والحنيفية السمحاء وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً وألان به ماكان عسيراً ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعنا معهم ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيرا . . . أما بعد : 
فياعباد الله اتقوا الله تعالى حق تقواه وارجوه وادعوه واستأنسوا بنجواه ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم )  واعلموا أنكم قادمون عليه ومقبلون إليه لامحالة فأحسنوا في العمل وأجتنبوا الزلل في كل حال وادعوه يجنبكم الزيغ والضلال . 
عباد الله : إن مما زلت به القَدم في زماننا وفي الحديث والقِدم عند طائفة من الناس وكان ذلك في بابٍ عظيمٍ  من أبواب الإيمان وأصلٍ من أصول الشريعة الغراء وأسٍ من الأسس والثوابت التي من تمسك بها نجى واستبشر ومن أعرض عنها وكفر بها فقد هلك وخسر ، وذلك الباب هو باب " القدر" بخيره وشره وحلوه ومره  .
وقد أرشد الله عباده في كتابه وسنة نبيه بوجوب الإيمان به ايماناً جازماً ويقيناً صادقاً وحذر من الكفر به ، و لا يُطلق على شاك بهِ و جاحدٍ له أنه مؤمن ومن جملة هذه الآيات قوله تعالى : " إنا كل شيء خلقناه بقدر * وما أمرنا إلا واحدةٌ كلمحٍ بالبصر " وقال جل جلاله : " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا * الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا " وقال سبحانه : " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين " وقال سبحانه " ماأصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختالٍ فخور " ، ومن سنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإيمان كما أخرجه مسلم في صحيحه قال : " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر  وتؤمن بالقدر خيره وشرّه "  . 
 وكما ورد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لابنه : " يابُني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ماأصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ماخلق الله القلم ، فقال له اكتب : فقال : ربِّ وماذا أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة " ثم قال لابنه : يابُني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من مات على غير هذا فليس مني "  وفي رواية لأحمد : " إن أول ماخلق الله تعالى القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " وفي رواية لابن وهب  " فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار "  .
ومن ذلك أيضاً ماجاء في سنن أبي داوود من حديث ابن الديلمي التابعي رضي الله عنه قال : أتيت أُبي بن كعب - الصحابي الجليل - فقلت له : وقع في نفسي شيءٌ من القدر فحدثني بشيء لعل الله أن يُذهبَه من قلبي ، فقال له : " لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذّّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم ، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم ، ولو أنفقت مثل أحدٍ ذهباً في سبيل الله ماقبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ماأصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو متّ على غير هذا لدخلت النار " قال ابن الديلمي : " ثم أتيت عبدالله بن مسعود فقال مثل ذلك ، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك ، ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك " . 
عباد الله : بل إننا نقول تباعاً لذلك أن الله ورسوله قد وصف الذين ينفون القدر ويقولون : ( لاقدر ) ويُسموّن " القدرية " وصفهم بأنهم مجوس هذه الأمة وأن لايُزاروا إذا مُرضوا ولا تُشهد جنائزهم إذا ماتوا ، نعوذ بالله من الخسران فقد روى أبوداوود في سننه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القدرية مجوس هذه الأمة ، إذا مرضوا فلا تعودوهم وإذا ماتوا فلا تشهدوهم "  وروى هذا الحديث جمعٌ من أهل العلم منهم : الحاكم والبيهقي والطبراني والبغوي وابن أبي عاصم وصححه القطان وحسنه أبوحاتم الرازي والألباني  . . قال الخطابي في شرح صحيح مسلم : " إنما جعلهم صلى الله عليه وسلم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة ، يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة ، فصاروا ثنوية - أي قام مذهبهم على أصلين اثنين - وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر جميعاً ، لايكون شيءٌ منها إلا بمشيئته ، فهذه مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقاً وايجادا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلاً واكتسابا  " انتهى ،
عباد الله : إن أعظم مايترتب على نفي القدر كما يعتقد بعض من يدّعي الإسلام ،هو أن الله يجهل ماتصير إليه الأمور في مستقبل الزمان وما يكون من مصير الخلائق في دار الجحيم أو دار النعيم وذلك ينافي اسم الله " العليم "  ويُنسب لله الجهل جل جلاله واعتلى كماله وذلك - أي الجهل - وصف نقص وسوء لاينبغي لله تعالى وممتنع على الله ولايمكن أن يكون ربنا تبارك وتعالى لديه ذرة من هذا الوصف ، وينافي أيضاً اسم الله " المحيط " واسم الله " المهيمن " واسم الله " القدير " و " القادر " و " الخبير " وغيرها فلا يمكن أن يكون محيطاً بكل شيء ولا مهيمنٌ على العالم ولا قادر قدير عليهم ولا خبيرٌ بأحوالهم إذا كان لديه شيء من هذا الوصف سبحانه وتعالى 
علم الأمور صغيرها وكبيرها * فهو الإله الحق والمعبودُ 
وصدق القائل إذ يقول : 
لاتصلح الأحوال إلا بالذي  * خلق الوجودَ وقدّر الموجودا 
عباد الله : إن الخوض في مسائل القدر عموماً بابٌ من أبواب الحيرة والشك لمن لم يكن له علمٌ يقوّمه إذا ضلّ ويرده إذا زلّ وكذلك لمن لم يكون له إيمان ٌ متين ويقينٌ صادقٌ لايستكين للوساوس والشكوك ، وقد حذر العلماء كثيراً من الخوض والكلام في شأن القدر لأنه يفتح على ابن آدم وسوسة الشيطان ونزغه وتشكيكه في الغيبيات ويطرحه في عالم الماديات ، فما يزال يغوص في لجج الدنيا والحياة المادية حتى يُنكر وجود الله وليس القدر فقط أعاذنا الله وإياكم ، فالواجب البعد عن الخوض في مسائل القدر ، وذلك أسلم للدين وأعلى لليقين في القلوب ويكفيه من ذلك أن الله قدّر الأمور ويعلم مافي الصدور وأحوال الأحياء والموتى من أهل القبور وأنه لايضل ولا ينسى ولا عن علمه شيء يخفى وأنه أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا 
فاطرح الشك ودع عنك الردى * تالله خاب من بقوله اعتدى 
رب العبـــاد قد أحاط علمه * بما يكون غائباً  بلا مـــدى
أوجـد كل خلقه بحــــكمة ٍ  * سبحانه لم يخلق الخلق سُدى 
ولهذا - ياعباد الله صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ذُكر القدر فأمسكوا " أي عن الكلام والخوض فيه ، وروى هذا الأثر الطبراني وصححه جمعٌ من أهل العلم منهم الألباني  . 
قال الإمام الطحاوي رحمه الله : " وأصل القدر سرّ الله تعالى في خلقه ، لم يُطلع على ذلك ملكٌ مقرّب ولا نبيٌ مرسل والتعمّق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلّم الحرمان ودرج الطغيان ، فالحذر كلّ الحذر من ذلك نظراً أو فكراً أو وسوسةً ، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ، ونهاهم عن مرامه ، كما قال عز وجل : ( لايُسأل عن مايفعل وهم يُسالون ) وقال أيضاً : " العلم علمان : علمٌ في الخلق موجود ، وعلمٌ في الخلق مفقود ، فإنكار العلم الموجود كفر ، وادعاء العلم المفقود كفر ، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود ، وبردّ طلب العلم المفقود " . 
وقال ابن عبدالبر في الإستذكار : " قد أكثر أهل الحديث في تخريج الآثار في هذا الباب وأكثرَ المتكلمون فيه من الكلام والجدال ، وأما أهل السنّة فيجتمون على الإيمان بالقدر على ماجاء في هذه الآثار ، وعلى اعتقاد معانيها وترك المجادلة فيها " انتهى كلامه 
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

========== الخطبة الثانيه ==========


الحمدلله الذي خلق فسوى وقدر فهدى والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى نبينا محمد صى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين صلاة تترى وسلاماً ينال به العبد ثواباً وأجرا أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن للإيمان بالقدر ثمرات عظيمة تتجلى في عدة أمور منها :
* الإخلاص لله تعالى بانصراف القلب إليه لا إلى غيره لأنه مادام أنه يعلم أن مامن أمرٍ يجري عليه وقضاءٍ يكون له إلا بقدر الله تعالى فيُخلص له وينصرف قلبه بالكلية لله فيطلب من الله أن يردّ الشر عنه ويقضي له بالخير والتوفيق لنيل مرضاته واجتناب سخطه وينصرف عن العباد جُملة واحدة لأنه يعلم أنهم لايملكون خيراً ولا شراً ولا نفعاً ولاضُرا إلا بقدرة الله الذي أقدرهم على ذلك .

* أن الإيمان بالقدر يبعث على الطمأنينة في النفس ويُهيء للمؤمن الحياة السعيدة وفي المقابل من كان طبعه مناكفة الله في قضاءه وقدره والتسخط لما يجري عليه من أقدار ، فإنه يشقى في الدنيا والآخرة فلا هو ظفر بالسعادة في الدينا ولا بالفوز في الآخرة وهذا كله يرجع للإعراض عن الله تعالى وقلة إيمان العبد والتسليم للخالق فيما يقضي ويدبّر وصدق الله جل جلاله حين قال : " فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال ربِّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك أياتنا فسيتها وكذلك اليوم تُنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذا بالآخرة أشد وأبقى " .

*ومنها : أن الرضا بقضاء الله وقدره سبب لمرضاة الله عن العبد والعكس بالعكس وهو أن سخط العبد وتضجّره سبب لسخط الله عليه وموجبٌ للعقوبة والعذاب وكما ورد في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي .

*ومنها : أن الرضا سبب للبركة والرزق والتوسيع على العبد ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليبتلي العبد فيما أعطاه فإن رضي بما قُسم له بورك له ووسّعه ، وإن لم يرضَ لم يبارك له ولم يُزد على ماكُتب له " رواه الإمام احمد والبيهقي .

* ومنها : أن يعلم العبد مدى رحمة الله به وذلك أنه أمهله ولم يمكربه ويؤخر له العقوبة في الآخرة وكما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله بعبده الخير عجّل الله له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد الله بعده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة " رواه الترمذي وصححه وذلك أن من لطف الله تعالى بعباده حصول البلاء لهم في الدنيا ليحصل لهم تكفير الذنوب وتصفو لهم بعد ذلك الآخرة فهم يصبِرون قليلاً ويُؤجرون كثيرا بعكس المتسخطين الذين يطول عليهم الشقاء ولا يُؤجرون إلا قليلا ً ، فاللهم اهدنا للرضا والتسليم ياجواد ياكريم ياحي ياقيوم ، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ، اللهم إنا نسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضله ، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين لاضالّين ولا مضلين يارب العالمين .

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه .








الأحد، 15 يوليو 2018

خطبة عن قدوات السوء والخير

الحمدلله رب العالمين المدبر للخلائق أجمعين الذي أبان سبل الهداية والدين وحذر من طرق الضلال والغواية بالقول المبين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الخلق أجمعين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه والنبيين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 
عباد الله اتقوا الله تعالى فتقوى ينجيكم من دار الجحيم ويبلغكم دار النعيم المقيم ويسلّمكم من الفتن والسوء والقول الأثيم ، " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " ، " ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم "  . 
عباد الله : إن من يسبر حال الناس في زماننا هذا يجد الناس متفاوتين في أحوالهم ونهجهم وامتثالهم لما أمرهم به البارئ سبحانه ، فكانوا على ثلاثة أضرب : 
* فمنهم من يكون قدوة في الشر ، يبتغي طلب الشهوات ويركض ركض البهائم في الملذات ويُغري غيره بها حتى يُسقطه في وحلها كما سقط هو فيها ، وعلى رأس هؤلاء الكفرة والفُساق من بعض المسلمين ، فقد قال الله تعالى في شأن الكفرة والمشركين : " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يُهاجروا في سبيل الله . . "  الآيه وقال في شأن فساق المسلمين ممن كان فيهم خصال من النفاق " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما " وهكذا كان حال الغارقين في اللهو واللعب واللاهثين خلف المغريات ممن سيطرت على مشاعرهم ونفوسهم معاقرة كؤوس الهوى ومجالسة قرناء السوء ومجاذبة الأحاديث المشينة معهم ومشابهتم بلباسهم وشكلهم والإجتماع معهم في نواديهم على كل معصية وموبقة يعيشون في بحار من الغفلة وتأبى نفوسهم سواها ولا تسع لما قال الله وقال رسوله ، فهم في سكرتهم يعمهون ولكل شهوة  ينادون قدوات سوء ومصدر ضلال ، مانهجوا في دروب الخير مثل آبائهم ، ولا سلكوها كأجدادهم يتمنون الأماني ويستقون من شياطين الإنس والجن قيمهم ومبادئهم فلا ربحوا ولاربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ، ضلوا وأضلوا ونشروا باطلهم في الحفلات الماجنة والنوادي الشبابية ، عاشوا حياتهم بين الرقص على المزمار ومتابعة المشاهير من الفسقة والكفار ، فهؤلاء رسالتنا لهم ولأمثالهم أن لايغتروا بإمهال الله لهم وحلمه عليهم ، فقد غادر أناسٌ هذه الحياة وهم متلبسون بحالة مأساوية فجرّوا أنفسهم  الشقيه إلى دروب الهلاك والبوار خسروا الدنيا والآخره وذلك هو الخسران المبين  .
* وضربٌ من الناس ثابتٌ على حال لايُعد إن ذكر أهل الخير ولا يُعد إن ذُكر أهل الشر حاله مع الناس يكون مع الغالب إن غلبت قوى أهل الخير في المجتمع كان معهم ، وإن غلبت قوى أهل الشر كان معهم ، ليس ممن تمكن الإيمان في قلبه ، إمّعة لمن يهيمن - أي تابعاً ، وقد ورد في الأثر : " لاتكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطّنوا أنفسكم - أي عوّدوها -  إن أحسن الناس أن تُحسنوا وإن أساءوا أن لاتظلموا " وأورد ذلك المنُذري في صحيح الترغيب والترهيب

- عباد الله : وتجد مثل هذا الضرب من الناس في نشر الرسائل عبر برامج التواصل الإجتماعي ، فهو ممسكٌ عن نشر كل رسالة فيها هدى وخير ، ممسكٌ عن فعل كل خير ويتصف بالعجز والوهن والضعف والكسل ، فهو وإن ظن نفسه أنه سيسلم بسبب إمساكه عن فعل الشرّ في ظنه ، وأنه لم يتعرض لأحد بأذى وغير ذلك من الظنون   فإن مثل هذا الرجل سيلحقُه من الندامة والحسرة الكثير ، والله جل وعلا وصف السائرين إليه إما بالتقدم أو التأخر فقال : " لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " فليس هناك مرحلة متوسطة بين التقدم والتأخر ، فيجب على كل من اتصف بذلك أو كان فيه بعض أوصاف أولئك أن يبادروا بإصلاح أنفسهم وأهليهم ويشاركوا ويعينوا على صلاح وإصلاح المجتمع ولا يركنوا إلى الوهن والضعف فيركبوا الندامة ولات حينها ساعة مندم . 
فسابق أخي للخير قبل فواته * فالمجدُ لايأتي بغير سعاته 
وبادر ببذلٍ قبل لهوٍ وغفلةٍ  * فكم غافلاً مستغرقا ًفي سباته 

* وضربٌ من الناس هو مصباح دُجى ومشكاة هُدى وهو من أبعد الناس عن سُبل الردى والغوايه وجعل رضا الله عنده غاية الغاية مفتاحٌ لكل خير ومغلاقٌ لكل شر وقدوة في أفعاله وأقواله وتصرفاته ، حريصٌ كل الحرص على هداية الناس ممن تاه وضاع من كبير أو صغير سبّاق ٌ لكل سنّة ، يَجهد ويحمل نفسه على فعل الخير وإن كرهت ويُلزمها الوحيين إن مادت أو جنحت جعل قول النبي عليه الصلاة والسلام : " لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به "  جعله نصب عينيه ، يؤنّب نفسه إن أخطأت ، ويسليها بنيل مرضاة الله والنعيم المقيم إن توانت أو كسلت ففي قلبه يلجلجل قول الله تعالى : " أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخطٍ من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " وقوله تعالى : " أفمن وعدناه وعدا ًحسناً فو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين " ، فانظر لهؤلاء البشر الذين خلقهم وجعل عملهم شتى وأعمالهم متباينة ولأجل ذلك أقسم الله بمخلوقات من مخلوقاته ليبين هذه الحقيقة فقال : " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلّى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى " اللهم استعلمنا في طاعتك واجعلنا ممن يطمع ويرجو رحمتك وأعنّا على أنفسنا وأهوائنا وشهواتنا وجعلنا هداة مهتدين لاضالين ولا مضلين يارب العالمين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب ٍوخطيئة فاستغفروه يغفر لكم غنه هو الغفور الرحيم . 

=============== الخطبة الثانية =============== 
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله - واعلموا أن الخير كلُ الخير في مخالفة هوى النفس وما تشتهيه من الراحة والدّعة والركون إلى الدنيا الدنيّه والحياة الفانيه وغاية الخير وأرفع الرّتب أن تكون قدوةً يُقتدى بك في فعل كل برّ ومجانبة كل إثمٍ وشر ، وذلك لايتأتى إلا بالصبر والمصابرة وجهاد النفس كما أرشد الله لذلك في قوله تعالى : " وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج . . " فلاحظ في هذه الآيه كيف ربط الإختيار والإصطفاء بالمجاهدة في الله وتطويع النفس على مراد الله ورسوله لاعلى ماتشتهي وتختار ، وكما قال سبحانه : " فاستقم كما أمرت "  لاكما أردت ورغبت ، والسلوى في ذلك هو طمع الرجل برحمة الله وعالِ الدرجات في الفردوس الأعلى من الجنان التي لو علم ابن آدم حقيقتها يقينا ًلاسترخص كل غالٍ وثمين في شراء الآخرة وجعل ثمنها الدنيا كلّها وما تأسّف على مافاته من هذه الدنيا حتى لو كان في نظر البعض هائلاً وعظيما ، ولكان في أقل أحواله كيّسا ًفطنا ً يُعطي ويزن الأمور بميزان الله الذي أحاط بكل شيء علما ً ووسع كل شيء رحمة وحلما وكان وقوده في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله  " وفي لفظ آخر : " وتمنى على الله الأماني "  رواه الترمذي وحسّنه . 
عباد الله : إن من يخاف ويخشى من تبليغ أمرٍ أو نهي عن منكر أو إظهار للحق في جوّ الباطل أو يحْذرُ الناس ويُداريهم مع أنه يعلم خطأهم وأنهم منغمسون في الجهل والضلاله بلا ريب عنده ، فلا يعتبر نفسه قدوة ولا مُصلحا ً بل هو مشارك لهم راضٍ بما يصنعون ، إن بقي معهم ولم يُفارقهم ولم يُنكر عليهم ، وقد يُخشى على هذا من الوقوع في أحد أنواع الشرك الذي هو شرك الخوف ، فيمتنع من فعل ماأوجب الله عليه لكونه يخاف الناس أو يهابُهم ويحذرهم فإن كان كذلك فقد أتى باباً من أبواب الشرك وعليه أن يُسارع بالتخلص منه ويقوي إيمانه ويقينه بربه ويتوكل عليه في أموره كلّها وهو القوي العزيز الحفيظ العليم المانع الدافع لكل محذور والجالب لكل بشرى وسرور ، وليتأمل قول الله تعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم "  . 
فاللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك واكنفنا بلطفك ورضاك فإنه لايُدعى لكل خير سواك ولا يدفع البلوى إلا إياك . . هذا وصلوا وسلموا على النعمة المهداة والرحمة المسداة نبي الرحمة والملحمة نبينا المبجل وعلى العالمين المفضّل محمداً عليه الصلاة والسلام ذو الحوض المورود واللواء المعقود . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...