الحمدلله رب العالمين المدبر للخلائق أجمعين الذي أبان سبل الهداية والدين وحذر من طرق الضلال والغواية بالقول المبين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وقدوة الخلق أجمعين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه والنبيين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
عباد الله اتقوا الله تعالى فتقوى ينجيكم من دار الجحيم ويبلغكم دار النعيم المقيم ويسلّمكم من الفتن والسوء والقول الأثيم ، " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " ، " ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " .
عباد الله : إن من يسبر حال الناس في زماننا هذا يجد الناس متفاوتين في أحوالهم ونهجهم وامتثالهم لما أمرهم به البارئ سبحانه ، فكانوا على ثلاثة أضرب :
* فمنهم من يكون قدوة في الشر ، يبتغي طلب الشهوات ويركض ركض البهائم في الملذات ويُغري غيره بها حتى يُسقطه في وحلها كما سقط هو فيها ، وعلى رأس هؤلاء الكفرة والفُساق من بعض المسلمين ، فقد قال الله تعالى في شأن الكفرة والمشركين : " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يُهاجروا في سبيل الله . . " الآيه وقال في شأن فساق المسلمين ممن كان فيهم خصال من النفاق " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما " وهكذا كان حال الغارقين في اللهو واللعب واللاهثين خلف المغريات ممن سيطرت على مشاعرهم ونفوسهم معاقرة كؤوس الهوى ومجالسة قرناء السوء ومجاذبة الأحاديث المشينة معهم ومشابهتم بلباسهم وشكلهم والإجتماع معهم في نواديهم على كل معصية وموبقة يعيشون في بحار من الغفلة وتأبى نفوسهم سواها ولا تسع لما قال الله وقال رسوله ، فهم في سكرتهم يعمهون ولكل شهوة ينادون قدوات سوء ومصدر ضلال ، مانهجوا في دروب الخير مثل آبائهم ، ولا سلكوها كأجدادهم يتمنون الأماني ويستقون من شياطين الإنس والجن قيمهم ومبادئهم فلا ربحوا ولاربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ، ضلوا وأضلوا ونشروا باطلهم في الحفلات الماجنة والنوادي الشبابية ، عاشوا حياتهم بين الرقص على المزمار ومتابعة المشاهير من الفسقة والكفار ، فهؤلاء رسالتنا لهم ولأمثالهم أن لايغتروا بإمهال الله لهم وحلمه عليهم ، فقد غادر أناسٌ هذه الحياة وهم متلبسون بحالة مأساوية فجرّوا أنفسهم الشقيه إلى دروب الهلاك والبوار خسروا الدنيا والآخره وذلك هو الخسران المبين .
* وضربٌ من الناس ثابتٌ على حال لايُعد إن ذكر أهل الخير ولا يُعد إن ذُكر أهل الشر حاله مع الناس يكون مع الغالب إن غلبت قوى أهل الخير في المجتمع كان معهم ، وإن غلبت قوى أهل الشر كان معهم ، ليس ممن تمكن الإيمان في قلبه ، إمّعة لمن يهيمن - أي تابعاً ، وقد ورد في الأثر : " لاتكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطّنوا أنفسكم - أي عوّدوها - إن أحسن الناس أن تُحسنوا وإن أساءوا أن لاتظلموا " وأورد ذلك المنُذري في صحيح الترغيب والترهيب
- عباد الله : وتجد مثل هذا الضرب من الناس في نشر الرسائل عبر برامج التواصل الإجتماعي ، فهو ممسكٌ عن نشر كل رسالة فيها هدى وخير ، ممسكٌ عن فعل كل خير ويتصف بالعجز والوهن والضعف والكسل ، فهو وإن ظن نفسه أنه سيسلم بسبب إمساكه عن فعل الشرّ في ظنه ، وأنه لم يتعرض لأحد بأذى وغير ذلك من الظنون فإن مثل هذا الرجل سيلحقُه من الندامة والحسرة الكثير ، والله جل وعلا وصف السائرين إليه إما بالتقدم أو التأخر فقال : " لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " فليس هناك مرحلة متوسطة بين التقدم والتأخر ، فيجب على كل من اتصف بذلك أو كان فيه بعض أوصاف أولئك أن يبادروا بإصلاح أنفسهم وأهليهم ويشاركوا ويعينوا على صلاح وإصلاح المجتمع ولا يركنوا إلى الوهن والضعف فيركبوا الندامة ولات حينها ساعة مندم .
فسابق أخي للخير قبل فواته * فالمجدُ لايأتي بغير سعاته
وبادر ببذلٍ قبل لهوٍ وغفلةٍ * فكم غافلاً مستغرقا ًفي سباته
* وضربٌ من الناس هو مصباح دُجى ومشكاة هُدى وهو من أبعد الناس عن سُبل الردى والغوايه وجعل رضا الله عنده غاية الغاية مفتاحٌ لكل خير ومغلاقٌ لكل شر وقدوة في أفعاله وأقواله وتصرفاته ، حريصٌ كل الحرص على هداية الناس ممن تاه وضاع من كبير أو صغير سبّاق ٌ لكل سنّة ، يَجهد ويحمل نفسه على فعل الخير وإن كرهت ويُلزمها الوحيين إن مادت أو جنحت جعل قول النبي عليه الصلاة والسلام : " لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به " جعله نصب عينيه ، يؤنّب نفسه إن أخطأت ، ويسليها بنيل مرضاة الله والنعيم المقيم إن توانت أو كسلت ففي قلبه يلجلجل قول الله تعالى : " أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخطٍ من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " وقوله تعالى : " أفمن وعدناه وعدا ًحسناً فو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين " ، فانظر لهؤلاء البشر الذين خلقهم وجعل عملهم شتى وأعمالهم متباينة ولأجل ذلك أقسم الله بمخلوقات من مخلوقاته ليبين هذه الحقيقة فقال : " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلّى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى " اللهم استعلمنا في طاعتك واجعلنا ممن يطمع ويرجو رحمتك وأعنّا على أنفسنا وأهوائنا وشهواتنا وجعلنا هداة مهتدين لاضالين ولا مضلين يارب العالمين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب ٍوخطيئة فاستغفروه يغفر لكم غنه هو الغفور الرحيم .
=============== الخطبة الثانية ===============
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله - واعلموا أن الخير كلُ الخير في مخالفة هوى النفس وما تشتهيه من الراحة والدّعة والركون إلى الدنيا الدنيّه والحياة الفانيه وغاية الخير وأرفع الرّتب أن تكون قدوةً يُقتدى بك في فعل كل برّ ومجانبة كل إثمٍ وشر ، وذلك لايتأتى إلا بالصبر والمصابرة وجهاد النفس كما أرشد الله لذلك في قوله تعالى : " وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج . . " فلاحظ في هذه الآيه كيف ربط الإختيار والإصطفاء بالمجاهدة في الله وتطويع النفس على مراد الله ورسوله لاعلى ماتشتهي وتختار ، وكما قال سبحانه : " فاستقم كما أمرت " لاكما أردت ورغبت ، والسلوى في ذلك هو طمع الرجل برحمة الله وعالِ الدرجات في الفردوس الأعلى من الجنان التي لو علم ابن آدم حقيقتها يقينا ًلاسترخص كل غالٍ وثمين في شراء الآخرة وجعل ثمنها الدنيا كلّها وما تأسّف على مافاته من هذه الدنيا حتى لو كان في نظر البعض هائلاً وعظيما ، ولكان في أقل أحواله كيّسا ًفطنا ً يُعطي ويزن الأمور بميزان الله الذي أحاط بكل شيء علما ً ووسع كل شيء رحمة وحلما وكان وقوده في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله " وفي لفظ آخر : " وتمنى على الله الأماني " رواه الترمذي وحسّنه .
عباد الله : إن من يخاف ويخشى من تبليغ أمرٍ أو نهي عن منكر أو إظهار للحق في جوّ الباطل أو يحْذرُ الناس ويُداريهم مع أنه يعلم خطأهم وأنهم منغمسون في الجهل والضلاله بلا ريب عنده ، فلا يعتبر نفسه قدوة ولا مُصلحا ً بل هو مشارك لهم راضٍ بما يصنعون ، إن بقي معهم ولم يُفارقهم ولم يُنكر عليهم ، وقد يُخشى على هذا من الوقوع في أحد أنواع الشرك الذي هو شرك الخوف ، فيمتنع من فعل ماأوجب الله عليه لكونه يخاف الناس أو يهابُهم ويحذرهم فإن كان كذلك فقد أتى باباً من أبواب الشرك وعليه أن يُسارع بالتخلص منه ويقوي إيمانه ويقينه بربه ويتوكل عليه في أموره كلّها وهو القوي العزيز الحفيظ العليم المانع الدافع لكل محذور والجالب لكل بشرى وسرور ، وليتأمل قول الله تعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم " .
فاللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك واكنفنا بلطفك ورضاك فإنه لايُدعى لكل خير سواك ولا يدفع البلوى إلا إياك . . هذا وصلوا وسلموا على النعمة المهداة والرحمة المسداة نبي الرحمة والملحمة نبينا المبجل وعلى العالمين المفضّل محمداً عليه الصلاة والسلام ذو الحوض المورود واللواء المعقود .
عباد الله اتقوا الله تعالى فتقوى ينجيكم من دار الجحيم ويبلغكم دار النعيم المقيم ويسلّمكم من الفتن والسوء والقول الأثيم ، " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " ، " ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم " .
عباد الله : إن من يسبر حال الناس في زماننا هذا يجد الناس متفاوتين في أحوالهم ونهجهم وامتثالهم لما أمرهم به البارئ سبحانه ، فكانوا على ثلاثة أضرب :
* فمنهم من يكون قدوة في الشر ، يبتغي طلب الشهوات ويركض ركض البهائم في الملذات ويُغري غيره بها حتى يُسقطه في وحلها كما سقط هو فيها ، وعلى رأس هؤلاء الكفرة والفُساق من بعض المسلمين ، فقد قال الله تعالى في شأن الكفرة والمشركين : " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يُهاجروا في سبيل الله . . " الآيه وقال في شأن فساق المسلمين ممن كان فيهم خصال من النفاق " والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما " وهكذا كان حال الغارقين في اللهو واللعب واللاهثين خلف المغريات ممن سيطرت على مشاعرهم ونفوسهم معاقرة كؤوس الهوى ومجالسة قرناء السوء ومجاذبة الأحاديث المشينة معهم ومشابهتم بلباسهم وشكلهم والإجتماع معهم في نواديهم على كل معصية وموبقة يعيشون في بحار من الغفلة وتأبى نفوسهم سواها ولا تسع لما قال الله وقال رسوله ، فهم في سكرتهم يعمهون ولكل شهوة ينادون قدوات سوء ومصدر ضلال ، مانهجوا في دروب الخير مثل آبائهم ، ولا سلكوها كأجدادهم يتمنون الأماني ويستقون من شياطين الإنس والجن قيمهم ومبادئهم فلا ربحوا ولاربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ، ضلوا وأضلوا ونشروا باطلهم في الحفلات الماجنة والنوادي الشبابية ، عاشوا حياتهم بين الرقص على المزمار ومتابعة المشاهير من الفسقة والكفار ، فهؤلاء رسالتنا لهم ولأمثالهم أن لايغتروا بإمهال الله لهم وحلمه عليهم ، فقد غادر أناسٌ هذه الحياة وهم متلبسون بحالة مأساوية فجرّوا أنفسهم الشقيه إلى دروب الهلاك والبوار خسروا الدنيا والآخره وذلك هو الخسران المبين .
* وضربٌ من الناس ثابتٌ على حال لايُعد إن ذكر أهل الخير ولا يُعد إن ذُكر أهل الشر حاله مع الناس يكون مع الغالب إن غلبت قوى أهل الخير في المجتمع كان معهم ، وإن غلبت قوى أهل الشر كان معهم ، ليس ممن تمكن الإيمان في قلبه ، إمّعة لمن يهيمن - أي تابعاً ، وقد ورد في الأثر : " لاتكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطّنوا أنفسكم - أي عوّدوها - إن أحسن الناس أن تُحسنوا وإن أساءوا أن لاتظلموا " وأورد ذلك المنُذري في صحيح الترغيب والترهيب
- عباد الله : وتجد مثل هذا الضرب من الناس في نشر الرسائل عبر برامج التواصل الإجتماعي ، فهو ممسكٌ عن نشر كل رسالة فيها هدى وخير ، ممسكٌ عن فعل كل خير ويتصف بالعجز والوهن والضعف والكسل ، فهو وإن ظن نفسه أنه سيسلم بسبب إمساكه عن فعل الشرّ في ظنه ، وأنه لم يتعرض لأحد بأذى وغير ذلك من الظنون فإن مثل هذا الرجل سيلحقُه من الندامة والحسرة الكثير ، والله جل وعلا وصف السائرين إليه إما بالتقدم أو التأخر فقال : " لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر " فليس هناك مرحلة متوسطة بين التقدم والتأخر ، فيجب على كل من اتصف بذلك أو كان فيه بعض أوصاف أولئك أن يبادروا بإصلاح أنفسهم وأهليهم ويشاركوا ويعينوا على صلاح وإصلاح المجتمع ولا يركنوا إلى الوهن والضعف فيركبوا الندامة ولات حينها ساعة مندم .
فسابق أخي للخير قبل فواته * فالمجدُ لايأتي بغير سعاته
وبادر ببذلٍ قبل لهوٍ وغفلةٍ * فكم غافلاً مستغرقا ًفي سباته
* وضربٌ من الناس هو مصباح دُجى ومشكاة هُدى وهو من أبعد الناس عن سُبل الردى والغوايه وجعل رضا الله عنده غاية الغاية مفتاحٌ لكل خير ومغلاقٌ لكل شر وقدوة في أفعاله وأقواله وتصرفاته ، حريصٌ كل الحرص على هداية الناس ممن تاه وضاع من كبير أو صغير سبّاق ٌ لكل سنّة ، يَجهد ويحمل نفسه على فعل الخير وإن كرهت ويُلزمها الوحيين إن مادت أو جنحت جعل قول النبي عليه الصلاة والسلام : " لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به " جعله نصب عينيه ، يؤنّب نفسه إن أخطأت ، ويسليها بنيل مرضاة الله والنعيم المقيم إن توانت أو كسلت ففي قلبه يلجلجل قول الله تعالى : " أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخطٍ من الله ومأواه جهنم وبئس المصير " وقوله تعالى : " أفمن وعدناه وعدا ًحسناً فو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين " ، فانظر لهؤلاء البشر الذين خلقهم وجعل عملهم شتى وأعمالهم متباينة ولأجل ذلك أقسم الله بمخلوقات من مخلوقاته ليبين هذه الحقيقة فقال : " والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلّى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى " اللهم استعلمنا في طاعتك واجعلنا ممن يطمع ويرجو رحمتك وأعنّا على أنفسنا وأهوائنا وشهواتنا وجعلنا هداة مهتدين لاضالين ولا مضلين يارب العالمين ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب ٍوخطيئة فاستغفروه يغفر لكم غنه هو الغفور الرحيم .
=============== الخطبة الثانية ===============
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اهتدى أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله - واعلموا أن الخير كلُ الخير في مخالفة هوى النفس وما تشتهيه من الراحة والدّعة والركون إلى الدنيا الدنيّه والحياة الفانيه وغاية الخير وأرفع الرّتب أن تكون قدوةً يُقتدى بك في فعل كل برّ ومجانبة كل إثمٍ وشر ، وذلك لايتأتى إلا بالصبر والمصابرة وجهاد النفس كما أرشد الله لذلك في قوله تعالى : " وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج . . " فلاحظ في هذه الآيه كيف ربط الإختيار والإصطفاء بالمجاهدة في الله وتطويع النفس على مراد الله ورسوله لاعلى ماتشتهي وتختار ، وكما قال سبحانه : " فاستقم كما أمرت " لاكما أردت ورغبت ، والسلوى في ذلك هو طمع الرجل برحمة الله وعالِ الدرجات في الفردوس الأعلى من الجنان التي لو علم ابن آدم حقيقتها يقينا ًلاسترخص كل غالٍ وثمين في شراء الآخرة وجعل ثمنها الدنيا كلّها وما تأسّف على مافاته من هذه الدنيا حتى لو كان في نظر البعض هائلاً وعظيما ، ولكان في أقل أحواله كيّسا ًفطنا ً يُعطي ويزن الأمور بميزان الله الذي أحاط بكل شيء علما ً ووسع كل شيء رحمة وحلما وكان وقوده في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله " وفي لفظ آخر : " وتمنى على الله الأماني " رواه الترمذي وحسّنه .
عباد الله : إن من يخاف ويخشى من تبليغ أمرٍ أو نهي عن منكر أو إظهار للحق في جوّ الباطل أو يحْذرُ الناس ويُداريهم مع أنه يعلم خطأهم وأنهم منغمسون في الجهل والضلاله بلا ريب عنده ، فلا يعتبر نفسه قدوة ولا مُصلحا ً بل هو مشارك لهم راضٍ بما يصنعون ، إن بقي معهم ولم يُفارقهم ولم يُنكر عليهم ، وقد يُخشى على هذا من الوقوع في أحد أنواع الشرك الذي هو شرك الخوف ، فيمتنع من فعل ماأوجب الله عليه لكونه يخاف الناس أو يهابُهم ويحذرهم فإن كان كذلك فقد أتى باباً من أبواب الشرك وعليه أن يُسارع بالتخلص منه ويقوي إيمانه ويقينه بربه ويتوكل عليه في أموره كلّها وهو القوي العزيز الحفيظ العليم المانع الدافع لكل محذور والجالب لكل بشرى وسرور ، وليتأمل قول الله تعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ عظيم " .
فاللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك واكنفنا بلطفك ورضاك فإنه لايُدعى لكل خير سواك ولا يدفع البلوى إلا إياك . . هذا وصلوا وسلموا على النعمة المهداة والرحمة المسداة نبي الرحمة والملحمة نبينا المبجل وعلى العالمين المفضّل محمداً عليه الصلاة والسلام ذو الحوض المورود واللواء المعقود .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق