الأربعاء، 29 أغسطس 2018

خطبة عن الأمن في الحج وتسخير البيت الحرام للناس



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وعلينا معهم إلى يوم القيامة وسلم تسليما كثيراُ ً أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله بلزوم صراطه المستقيم وانتهاج نهج نبيه القويم عليه الصلاة والسلام : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا ًتمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم ) ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ) .
عباد الله : إن من نعمة الله على عباده وسعة فضله عليهم أن جعل لهم حرماً آمناً يعودون إليه ويثوبون له مابين عام وعام أو مابين فترة وأخرى يقضون منه وطَرَهم ويلجأون به لربهم وقد دعاهم لكي يمحو عنهم الأوزار والآثام يدعون به بإذن ربهم ذي الجلال والإكرام ، ويلحون عليه فيه ، وقد أمرهم بذلك وامتن عليهم به فقال جل جلاله : " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) ويقدمون فيه القربان للعزيز المنان ويؤدون فيه النسك والعبادة على طريقة المصطفى عليه الصلاة والسلام فقد قال سبحانه : " لكلّ أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادعُ إلى ربك إنك لعلى هدىً مستقيم " وجعل محل ذلك المشاعر والبيت الحرام فقال سبحانه : " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم مافي السماوات ومافي الأرض وأن الله بكل شيء عليم " وجعل البيت الحرام تقوم به مصالح للعباد كثيرةٌ دينية ٌودنيوية ، فكم من المصالح الدينية والدنيوية قُضيت فيه وكانت يوماً من الأيام أرضاً صحراوية جُرُز لانبت فيها مقفرةٌ خالية وكل ذلك فضل من الله ونعمة وخيرٌ عميم عم ّ الله به عرب الجزيرة خاصة والمسلمين عامة ، يقول جل ثناؤه وتقدست ذاته وأسماؤه : " أولم نمكّن لهم حرماً آمناً يُجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدُنّا ولكن أكثرهم لايعلمون " وقال في موضعٍ آخر : " أولم يروا أنّا جعلنا حرما ًآمنا ً ويُتخطّف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون " .
وكان أهل الجاهلية يعظّمون البيت الحرام تعظيماً لايُشبه تعظيم المشركين الآخرين لمعابدهم ، ولايدخلون في بنائه إلا مالا ًحلالاً مباحاً ، وكان ذات مرة في سنة من سنوات ماقبل البعثة النبوية دخلت امرأة للبيت الحرام لكي تجّمره وتُطيّبه فلمّا كانت بقرب الكعبة طار من الجمر شرارةٌ أحرقت كسوة الكعبة وإن السيل أتى بعد ذلك فغمرها وتصدعت جدرانها ، فقام أبو وهب بن عمرو المخزومي فقال : " يامعشر قُريش لاتُدخلوا في بنائها إلا طيّباًً ، ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمةَ أحد " .
وكان من تعظيمهم للبيت الحرام أنهم كانوا يعظمون أن يبنوا فيها بيتاً وكان ذلك في عهد قُصي بن كلاب ويعظّمون أن يبنوا فيها بيتاً مع بيت الله ، وكانوا يكونون في مكة نهاراًُ فإذا أقبل الليل خرجوا إلى الحلّ ، وكانوا لايستحلون الجنابة بمكة ، ثم إنه بعد ذلك طرأ لقصي أن يبني بيتاً حول الكعبة ومن ثم أذن لقومه من كفار ومشركي قريش وقال : " إن سكنتم حول البيت هابتكم العرب ، ولم تستحل قتالكم ، ولايستطيع أحدٌ إخراجكم ، فقالوا له : أنت سيدنا ورأينا لك تبع ، فجمعهم حول البيت المعظم .
ومن صور تعظيمهم للبيت أنهم كانوا يبنون بيوتهم بناءاً مدوّرا ً ولا يبنونه كما هو الحال الآن بناءا ًمربّعا ويهابون أن يفعلوا ذلك لكون ذلك البناء ليست كل أجزائه باتجاه الكعبة ، وكان أول من بنى بيتا ًمربعا رجل يُقال له : حُميد بن زُهير ، فقالت قريش : " ربّع حميد بن زهير بيتا ً إما حياةً وإما موتاً " .
ومن صور تعظيمهم له وهم أهل جاهلية ماذكره الثعالبي رحمه الله : " أن من علا الكعبة من العبيد فهو حرّ ، فلا يرون الرق على من علاها ، ولا يجمعون بين عزّ علوها وذل الرق " وذكر أن بمكة من الصُلحاء لم يدخلوها قطّ - أي أبدا ً- تعظيماً لها
وكانوا أيضاً أثناء رجوعهم من سفرهم وقفولهم من قنصهم يبدؤن بالبيت فيطوفوا به قبل أن يدخلوا بيوتهم ، وقد ورد مثل ذلك في قصة اسلام حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وكانوا لايدخلون الكعبة بأحذيتهم تعظيماً لها .
عباد الله : إن مما يزيد البيت مهابة في قلوب الناس أن الناس يأمنون فيه على أنفسهم وأرواحهم ولهذا كان أهل الجاهلية إذا رأى الرجل منهم قاتل أبيه لم يتعرضه بسوء حتى يخرج من الحرم ، وقد توالت ولله الحمد دولٌ على حكم البلد الحرام فقامت بتوسعته وزيادة مساحاته عصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل حتى وصلت إلى أوج اتساعها في عهد الملكين فهدٍ وعبدالله في عهد الدولة السعودية وكل ذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل الحكومة الرشيدة التي سعت في تلبية وتأمين حاجات المصلين والحجاج والزوار والمعتمرين عاماً بعد عام ولله الحمد .

أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
. 

============ الخطبة الثانيه ============
الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تُعطى وتُنال الهبات والصلاة والسلام على المبعوث للخلائق والبريات نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والمكرمات وعلينا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا أما بعد : 
فاتقوا الله ياعباد الله حق التقوى في العافية والبلوى واعلموا أن أجسادكم على النار لاتقوى ، واذكروا نعمة الله عليكم بالأمن في الأوطان والعافية في الأجساد والأبدان وهو القائل : " وإن تعدّوا نعمة الله لاتُحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار " وإن مما امتنّ الله به على بلادنا خاصة نجاح موسم الحج كل سنة بشكل عام ، وهذا العام بشكل خاص ونجاحه نجاحٌ لجهود المخلصين والمتابعين والمسؤولين والقادة الذين لم يألوا جهدا ً في بذل كل منفعة وردّ كل مضرّة في الأغلب تُعيق سير الحج وتكدّر صفو وراحة الحجيج وقد عولجت في ذلك أمورٌ كثيرة تخفى على كثير من الناس والتنسيق قائمٌ بين أجهزة الأمن والأجهزة الحكومية الأخرى في أمور إفاضة الحجاج وتفويجهم وذهابهم وعودتهم وكل ذلك تُشكر عليه الدولة وفقها الله ، وحفظ الأمن ياعباد الله لملايين من البشر في وقت واحد وزمن واحد ومكان واحد ليس بالأمر الهيّن ولا بالسهل ، ولايعرف قدرهُ إلا من فقده ، كالصحيح إذا فقد العافيه ، وذلك أنه يحتاج إلى مساندة وكثافة جهود ومتابعة دقيقة وسهر ومواصلة وحزمٍ وصبر ، ومثابرة وتخطيط وتنسيق وإدارة وكل ذلك كان ولله الحمد وله المنة والفضل ، وكان ثمرته حج مبارك وأداء للنسك براحة وانتظام ويسر وسلام فاللهً نسأل أن يجزي القائمين على جهاز الحج خير الجزاء ويثيبهم ويصلح لهم أهليهم وذراريهم ويكفيهم شر الأشرار وكيد الفجار إنه هو العزيز الكريم القهار ، اللهم أصلح ولاة أمرنا ووفقهم للإلتزام بشرعك وتحكيم سنة نبيك في كل دقيق وجليل واكفنا وإياهم مضلات الفتن وخلان السوء وبطانة النفاق والكذب والخيانة واجعلنا وإياهم درعا ً واقيا يذاد به عن الإسلام وأهله وأوطانه ياذا الجلال والإكرام . . 
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام فقد أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته وثلّـث بكم فقال جل ذكره : " إن الله وملائكته يصلّون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "  . 








الأربعاء، 15 أغسطس 2018

خطبة عن الأضاحي ونعمة الأنعام وبعض أحكامها


إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي امتنّ به على عباده وفتح به أعيناً عُمياً وآذاناً صمّا ًوقلوباً غُلفا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وعلينا معهم إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيرا أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى أفضل طريقٍ وأصدقُ رفيق ٍموصل لمرضاة الله وجالبٍ لعفوه ورحمته ( ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) ( ومن يخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ) .
عباد الله : إن من نعمة الله على ابن آدم غير هدايته وتوفيقه وعافيته أن سخر له الكثير مما يقتنيه من المال والمراكب وسخر له مايقتنه من بهيمة الأنعام مايقوم به زادهُ وعيشُه وكسبُه ورزقُه ، وكل ذلك فضلٌ من الله ونعمة لايعرف قدرها إلا من حُرمها فهذه وقفة مع نعمة بهيمة الأنعام التي أفرد الله لها سورة في كتابه الكريم ، وهي سورة الأنعام ، والتي نزلت كاملة يُشيّعها ويناصرها سبعون ألف ملك جملة واحدة على نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام فهي والله جديرةٌ بالذكر والتأمل وسبر غور تلك المعاني العظيمة في ثناياها وفي طيّات تلك السورة ، وقد رُوي عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال : " لما نزلت سورة الأنعام سبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " لقد شيّع هذه السورة من الملائكة ماسدّ الأفق " أخرجه الحاكم والبيهقي وفي حديث ابن عباس رضي الله عنها أنه قال : " نزلت سورة الأنعام جملة بمكة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح " أخرجه الطبراني وفي رواية لابن عمر رضي الله عنه : " لهم - أي الملائكة زجل ٌُبالتسبيح والتحميد " وكل هذه الروايات متعاضدةٌ فيكون الأثر حسنٌ لغيره ، والله تبارك وتعالى عدد الفضائل والأنعام في بهيمة الأنعام وبين تلك الفضائل التي يغفل عن التفكر فيها الكثير من الناس حيث يقول الحق تبارك وتعالى : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمالٌ حين تُريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ الأنفس إن ربكم لرؤوفٌ رحيم ) وقال سبحانه : ( وإن لكم في الأنعام لعبرةً نُسقيكم مما في بطونها من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خاصاً سائغاً للشاربين ) وقال سبحانه في سورة النحل : ( والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين ) وقال في سورة الأنعام أيضا ً : ( ومن الأنعام حمولة وفرشاً كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين ) والآيات في ذلك كثيرةٌ ، ولكن تحتاج من العاقل المكلف التفكر فيها وفي تلك النعم من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب والمُقتنى والمحتمى به والمستشفى به منها ، فتأملوا ذلك كله ففي تلك البهائم الزاد والراحلة مما يُحمل عليه حيث قال : " حمولةً وفرشا " والكبير من البهائم الذي يُحمل عليه كالبعير سمّاه الله حمولةً والصغار منه ومن الغنم سمّاه فرْشاً ومن تلك المنافع الجلود والتي تقي من حرّ الصيف وبرد الشتاء ومنها ما يُتخذ أثاثاً للبيوت ومنها مايستشفى به لبعض الأمراض كاألية الشاة لعرق النساء كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " شفاء عرق النساء ألية شاةٍ أعرابيه - أي ترعى في الباديه - تُذاب ثم تُجزّأ ثلاثة أجزاء ، ثمّ يُشربُ على الريق في كل يومٍ جُزء " .
عباد الله : وفي مقابل تلك النعم فرض الله الزكاة فيها وسنّ الأضاحي وأكّد عليها حيث قال سبحانه : ( فصلّ لربك وانحر) وأمرهم بشكرها وحمد الله وكثرة ذكره وتكبير الله عليها فقال في سورة الحج : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلوماتٍ على مارزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) وأخبر سبحانه أن هذا نُسك يتنسك به المتقرب لله بهذه الذبائح وأن غاية مايناله الله هو التقوى من هؤلاء المتقربين وهؤلاء المتنسكين ، وأنه لاحاجة له في لحوم الهدي ولا دماؤها وإنما يأجُر العباد على تقربهم لله بخلقٍ سخره لهم وهي بهيمة الأنعام فقال : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ماهداكم وبشّر المحسنين ) وأمر بكثرة التكبير ولهذا من السنة أن يقول عندما يُضحي " بسم الله والله أكبر " فيقرن التسمية بالتكبير ويُسن أن يحفظ بعض الأدعية كقولك : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونُسكي ومحياي ووماتي لله رب العالمين * لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ويقول أيضاً : " اللهم هذا عني وعن أهل بيتي " ويقول أيضاً : " اللهم هذا منك ولك " وكل ذلك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلما كثُر الدعاء كان ذلك أقرب للقبول وزيادة الثواب ، وإن من ترك التقرب بالأضحية فقد فوّت عليه أجراً عظيماً ، لايتسنّى له أن يتحصل عليه في غير يوم النحر الذي هو أعظم الأيام عند الله ، وإن فوّت ذلك فليضح ِفي يوم القرّ الذي هو اليوم الحادي عشر ، وما بعد هذان اليومان فدونهما في الأجر لقوله صلى الله عليه وسلّم : " أعظم الأيام عند الله يوم النحر ، ثم يوم القرّ " رواه الإمام أحمد وأبو داوود من حديث عبدالله بن قُرط ، يقول عبدالله بن قُرط رضي الله عنه راوي الحديث السابق : " وقُرّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست ينحرهن ، فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها ، فلما وجبت جنوبها - أي سقطت بعد نحرها - قال كلمة خفية لم أفهمها ، فسألت بعض الذي يليني ماقال ؟ قالوا : من شاء اقتطع " أي منهن ، وانظروا إلى هذه المعجزة العظيمة لنبينا عليه الصلاة والسلام كيف كانت هذه العجماوات من البهائم يتسابقن لنحرها ، وكلّ ذلك تشرّفاً بنحره وبذلاً لأرواحهن ، وهنّ لايرجين جنة ولا يحذرن عذاباً ، فكيف بمن يقصّر بكثير من الواجبات أو يُعاقر الآثام ، ولم يُطلب منه مصارعة المنايا في مواجهة عدو ونحوه ، بل كل مايُطلب منه هجرُ المعاصي والمنكرات وأداء الفرائض والواجبات ؟ والله قائمٌ على كل نفسٍ بما كسبت .
عباد الله : إن بعض العوام يثيرون مسألة الإمساك عن الشعر والظفر في عشر ذي الحجة ، ويتناقلون فيما بينهم بعض أقوال أهل العلم في المسألة ، وكان الناس في الماضي لايعرفون إلا أنه يحرم التعرّض للشعر والأظفار في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يُضحي وهو الحق الذي لاينبغي أن يُؤخذ بغيره لصراحة الحديث الوارد في ذلك وهو قول كبار أهل العلم في عصرنا ، وأما فتوى بعض العلماء الذين قالوا بالكراهة فإنه اجتهادٌ منهم ، اجتهدوا فأخطأوا ولا يُثرّب عليهم ، ولكن يُثّرب ويُعتب على من ينقل تلك الفتاوى بقصد تمييع المحرم أو البحث عن الرخصة في ذلك ، ومن يتتبع الرُخص فقد تزندق كما أخبر بعض أهل العلم ، ولايُعدّ من يتتبع الرُخص ممّن استبرأ لدينه وعرضه ، ومن ابتلي بمخالفة ترك الإمساك عن الشعر والأظفار في عشر ذي الحجة مع أنه قد قرّر أن يُضحي فليتب إلى الله ولايعود ، وليس لتلك المخالفة كفارة .

عباد الله : ومن المسائل في الأضاحي وأحكامها أن تُسمّن الأضحية ففي حديث أبي أمامة قال : " كنّا نسمّن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يُسمّنون " أخرجه البخاري في صحيحه وكذلك أن يجعل للفقير منها نصيباً وأفضل ذلك أن يأكل منها ثُلثاً ويتصدق بثلث ، ويُهدي ثُلثاً ، قال سبحانه : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) وقال في آية أخرى : (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ ) والقانع من يقنع بالعطاء ويتعفف عن السؤال من الفقراء والمعترّ من الفقراء الذي يتعرض لك لكي تُعطيه ، ويجوز أن يُهدي منها للكافر بقصد تأليف قلبه لهذا الدين ، ومن اشترى أضحية ثم تعيّبت أي أصابها عيب بعد ذلك بأن أصابها كسرٌ أو نحوه فليضح ِ بها وهو معذورٌ ولا حرج عليه إن لم يُفرّط في ذلك ، ويجوز أن يشترك في البدنة من بقرة أو ناقة أو بعير من قصده اللحم وليس الأضحية تكميلاً للعدد ، أو كان شريكاً بدون تكميل ( أي يكون له أكثر من السُبع ) فلا يلزم أن يكونوا سبعة في البدنة ، فلو اشترك فيها ثلاثة أو اثنين أو لم يشترك فيها أحدٌ بل كان الذي يُضحيها واحد فجائزٌ ، والعدد في البدنة إنما هو تحديدٌ لكي لايُتجاوز فيه ، فيشترك في البدنة أكثر من سبعة ، وأما ماكان من السبعة فأقل فلا حرج ، ولا يجوز بيع جلد الأضحية بل يُتصدق به ولو على غني والفقير أولى به ، وأما الفقير فيجوز أن يبيع اللحم الذي يُعطى ولا يُلام أو يُزجر في ذلك فله التصرف في اللحم الذي يُعطى لأنه ملَكَه فأشبه ماله .

عباد الله : ولا يُجزئ بيع الأضحية إن عيّنها صاحبها ولا أن يهبها أو يرهنها عند أحد لأنها دخلت حيّز الوقف لله تعالى وأوقفت في سبيله فلا يحلّ التصرف فيها إلا أن يستبدلها بأفضل منها .
وأفضل الأضاحي على الراجح البدنة الكاملة من الإبل ثم البقرة بلا اشتراك ثم الشاة ثم سُبع بدنة ثم سُبع بقرة لما ثبت في صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثمّ راح في الساعة الأولى فكأنمّا قرّب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشاً - وفي رواية كبشاً أقرن - ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " وهذا يدلل على فضل البدنة في تقريب الأضاحي ، فاللهم اجعلنا ممن يقدّمُ ويتقرب بخير ماتريد يارب العبيد واجعلنا بكل منسكٍ ممن ترضى عنه ياحليم يامجيد ياسميع ياجواد ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله ذو الفضل والإحسان ، الكريم المنّان ، والصلاة والسلام على النبي من نسل عدنان ، وعلى آله وصحبه أهل المكارم والإيمان ومن تبعهم إلى يوم الدين بإحسان أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن في الأضاحي من لايُجزئ في أن يضحي به العبد ومن هن أربعة لاتُجزئ ويدخل تحتهن مايشبههن ففي حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربعٌ لاتُجزئ في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضُها ، والعرجاء البين ظَلْعُها ، والكسيرة التي لاتُنقي " أخرجه النسائي وأبو داوود وابن ماجه ، ومعنى التي لاتُنقي : أي الهزيلة التي لامُخ فيها ، فيدخل في ذلك العمياء من البهائم من باب أولى وكذلك مقطوعة اليد والرجل وكذلك المُقعدة من البهائم ، وأما الكبش الذي قُطعت خصيتاه فيجوز وقد ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين - أي مقطوعا الخصية ويجوز التضحية بمقطوعة الذيل لامقطوعة الإلية وكذلك البتراء التي لاذنب لها خِلقة ًعلى الراجح من الأقوال ، قال ابن قُدامة رحمنا الله وإياه في كتابه المُغني : " وتُجزئ البتراء وهي التي لاذنب لها خِلقة أو مقطوعاً . . إلى أن قال : لأن هذا نقصٌ لايُنقص اللحم ، ولا يُخل بالمقصود ولم يرد به نهي " وقال أيضاً : " ولا تُجزئ ماقُطع منه عضوٌ كالألية " . . قال ابن عُثيمين رحمنا الله وإياه وإياكم : " أما مقطوع الألية فلا يُجزئ لأن الألية ذاتُ قيمة ومُرادةٌ مقصودة " وأما العضباء التي كُسر قرنها فالذي يُفتى به الآن إن كان الكسر أقل من النصف فلا حرج وإن كان نصف القرن فأكثر لم تصح ، وأما الجمّاء التي لم يُخلق لها قرنٌ أصلاً فتجزئ كما أورده ابن قدامة في المُغني ، وأما الجدعاء وهي : مقطوعة الأنف فلا تُجزئ وكذلك السكّاء وهي مقطوعة الأذنين وأما ماكان في أحد أذنيها قطعٌ فيكره أن يُضحى بها فالتي شُقت أذنها من الخلف أو من المُقدّم أو خُرقت أذنها فكل ذلك مكروه في الأضاحي من تركه لأضحية أفضل ، فهو الأكمل والأكثر ثواباً ومن ضحّى بواحدة غير مقطوعة الأذن بالكلية ولكن بها عيب فلا حرج عليه وفاته الأفضل ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " استشرفوا العين والأذن " وأما الجذّاء وهي التي رؤوس ضروعها يبست فلا تُجزئ وكذلك الهتماء وهي التي ذهبت أسنانها ، واعلموا أن الله طيّب ٌلايقبل إلا طيبا وله الأكمل والأجود والأفضل ويُعطي على الأفضل مالايُعطي على غيره . . فاللهم بارك لنا فيما رزقتنا من بهيمة الأنعام واجعلها عوناً لنا على إتمام النُسك وتقبلها منا وضاعف لنا بها الثواب والأجور ياعزيز ياجواد ياغفور ، واغتنموا رحمكم الله بقية هذه العشر المباركة بالمسارعة في الخيرات والتقرب بالطاعات ولزوم الفرائض والنوافل في العبادات وبالتقرب بالصيام والإمساك عن المفطرات فمن عجز منكم فلا يدع صيام يوم عرفة بأي حال مادام في صحته ووعيه فصيام يوم عرفة الأجل من صامه احتساباً وتقرباً فقد ربح تكفير سنتين بصيام يوم واحد كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده " وليُكثر فيه من الدعاء لعل أن تناله الرحمة وخصوصاً في عشية عرفة أي بعد العصر إلى غروب الشمس وخير الدعاء دعاء يوم عرفة كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام فاجتهدوا فيه بكثرة الدعاء لكم ولأهليكم وللمسلمين . . هذا وصلوا وسلموا على أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . 






الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

خطبة عن زكاة النخيل وأحكام زكاة الزروع

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلينا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا . . أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله حق تقواه واشكروا الله على ماأولاكم من كريم فضله وواسع جوده وعطاءه ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون )
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تُفلحون) 
عباد الله : إن من فضل الله على الناس في زماننا هذا كثرة الزروع والثمار
والمحاصيل الزراعية والنباتيه وهذا فضلٌ ٌمن الله لم يتحقق في زمان مضى بهذه الكثرة والوفرة وإن الله سبحانه وتعالى فرض في هذه المزروعات فريضة الزكاة عند وقت الحصاد وقطف الثمار ، حيث قال البارئ سبحانه وتعالى : (( وهو الذي أنشأ جناتٍ معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أُكلُه والزيتون والرمان متشابها ًوغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تُسرفوا إنه لايحب المسرفين )) فانظروا إلى هداية الله للناس باستصلاح دنياهم وزروعهم كيف أن الله هداهم ، فجعلوا لبعض الزروع التي ليس لها ساقٌ تقوم عليه عريشاً يرفع من قامتها وبه يسهُلُ قطف الثمار وجني المحصول واستخراج الثمرة بسهولة ، وفي المقابل من لايحتاج لمثل هذه العرائش فيقوم بنفسه وله ساقٌ يرتكز عليه ويعتضدُ به فسبحان من يهدي ويُعلم ويقدر ومن كل آفة يُسلّم . 
أيها الإخوة المسلمون : إن من ابتغاء الوسيلة والتي هي العمل الصالح التي تقرّب لله أداء ما افترض الله على ابن آدم وهو أحب شيء عنده سبحانه وأعظم الوسائل المقربة إليه ، كما ورد بالحديث القدسي : " وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه " وأداء الحق الواجب في التمور والزروع والثمار إذا أداها العبد بطيب نفسٍ منه وبدون نقص أو مخادعة هو من أعظم فرائض الدين بعد الصلاة ، ومن أجلّ القُربات وأعظم الطاعات ، والأداء لايكون إلا بعد أن تبلغ نصاباً ، والنصاب في تمر النخيل هو مابلغ خمسة أوسُق ، والوسقُ  ستون صاعاً ، فيكون جملة النصاب ستمائةٍ واثنا عشر كيلو ، وبعد جني الثمرة مباشرة لمدلول الآية ، ولأن ذلك حقٌ لازم في ذمة الزارع  للمسكين والفقير فلا يجوز تأخيره عن وقت الحصاد ، وللعلم فإن النصاب في التمر في الغالب يكون فيمن عنده سبع نخلات فأكثر احتياطاً وأكثر أهل النخيل يجمعون في الغالب أن من عنده ثمان نخلات بالمتوسط  فقد وجبت عليه الزكاة لأن النخلة تأتي بحوالي ثمانين كيلو من التمر تقريباً ، والواجب الأخذ بالأحوط عموماً ابراء للذمة وسلامة للدين ونماء للمال والصدقةُ تنمّيه وتبارك فيه وتزيدُه ، وما نقصت صدقةٌ من مال بل تزده بل تزده كما أخبر بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام . 
أيها المسلمون : والزكاة تجب أيضاً في أصناف الزروع والثمار الأخرى بشروطٍ أربعة وهي : 
* أن تبلغ الثمرة النصاب وهو كما أسلفنا ستمائة واثنا عشر كيلو وبعض العلماء يقول بأكثر من ذلك ، وهو خلاف المشتهر في هذا البلاد . 
* وأن تكون مدّخرة وهو عدم فساد الثمرة عند خزنها ، فلا زكاة في ما يفسد بالتخزين حتى لو كان في مكان تبريدٍ مثلاً ، فلا زكاة في الفواكه عموما كتفاح وموز وبرتقال وغيرها ، ولكن الزكاة في ثمنها إذا كانت عروض تجارة فقط . 
* أن تكون مكيلة ، ويكون الكيل بالصاع والكيل مقياس للحجم وليس للثِقَل كما هو الوزن اليوم ، وبناء على ذلك فالذي يُباع بالعدّ كالبطيخ والورقيات وما شابهها أو الذي يُباع بالوزن كالبصل والخضروات وغيرها فهذا كله لازكاة فيه ، فتكون الزكاة في الحبوب لأنها تُكال كالبر والشعير والزبيب وأما الملح والتوابل فلازكاة فيها لكن الأفضل أن يخرج زكاته فيها خروجاً من خلاف أهل العلم في ذلك . 
* ومن شروط الزكاة أن يكون النصاب مملوكاً له وقت الوجوب ، فلو أصابت زرعه جائحة فتلفَ كلُّه فلا زكاة عليه أو أهدي له نخلاً بعد الحصاد فلا زكاة عليه فيه لعدم وجوب الزكاة في ذمته .  
والمقدار الذي يجب إخراجه نصف العشر لما سُقي بمؤونة - أي بكلفة وجهد ومشقة - وهو الغالب في بلادنا فيدخل في ذلك ماسُقي بالرشاشات والتمديدات الزراعية  ، وأما ماسُقي بلا مؤونة ولا كُلفة ففيه العُشر وذلك يكون بمياه الأنهار والعيون والجداول المائية ، ويدل لذك حديث جابر الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فيما سقت السماء والأنهار والعيون العُشْر ، وفيما سُقي بالسانية نصف العشر " أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه . 
عباد الله : ولا يحل للعبد أن يخرج الرديء من الثمرة ، وإن الله طيّبٌ لايقبل إلا طيباً كما ورد في السنة وقد حذّر الله سبحانه وتعالى في ثنايا كتابه العزيز حيث قال سبحانه وتعالى : (( ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ماكسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تُنفقون ولستُم بآخذيه إلا أن تُغمضوا فيه واعلموا أن الله غنيٌ حميد )) فكيف ينفق في حق الله تعالى نفقة ردئية لو أُعطيت إياه ماقبلها وإن قبِلها استنقصها وازرداها كما هو ظاهر الآيه حيث قال : " ولستم بآخذيه إلا أن تُغمضوا فيه " أي تنتقصونه وتحقرونه ، فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنّا سيئها لايصرفُ عنّا سيئها إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ، ونستغفرك ربنا ونتوب إليك إنك أنت أهل التقوى وأهل المغفرة . 

============ الخطبة الثانية =============


الحمدلله أهل الثناء والمجد أحق ماقال العبد ولا ينفع ذا الجدِّ منه الجدّ والصلاة والسلام على النبي المعصوم صاحب لواء الحمد وخير الأنام من حرّ وعبد ، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والسعد ومن تبعهم بإحسان ٍوعلينا معهم إلى يوم المعاد والوعد وسلم تسليما كثيراً . . أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن مما يتعلق بزكاة الثمار والزروع بعض البيوع المنهي عنها نعرّج على بعضها فمنها :
* مايُسمى ببيع المعاومة وهو مأخوذ من مرور الأعوام وهو بيع الثمرة لسنين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المعاومة لأنه يُفضي إلى الخلاف والخصومة ، ولأن فيه جهالة فلربما إن سلمت الثمرة في عام من الأعوام لاتسلم في عام ٍبعده فيكون البائع أخذ مال أخيه بغير مقابل .

ولا يصح أن نخلط بين هذا البيع المحرم وبيع كراء الأرض الذي هو تأجيرها للزرع لأن العقد لايتعلق بالثمرة وإنما يتعلق بتأجير الأرض لكي يتصرف فيها المزراع سواءً بزرعها أو بالبناء عليها أو نحو ذلك ولهذا سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي : هل يجوز أخذ مبلغ معين من المال مقابل الإنتفاع بالأرض من خلال زراعتها ؟ 
فأجابت بقوله : " يجوز كراء الأرض الزراعية بالدراهم مدة معلومة بأجر معلوم ، فعن ابن عمر رضي الله عنها : " أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقرّهم بخيبر ، على أن يُعملوها ، ويكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر مايخرج منها من زرع أو ثمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نُقرّكم على ذلك ماشئنا " رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داوود .    
* ومنها بيع المزابنة وهو بيع التمر بالرطب وذلك لأن الرطب ينقص وزنه فيما بعد والتمر بالتمر رباً إلا إذا وُجد شرطان : التساوي في الوزن والتقابض في الحال ، وقد رخص الشارع في مادون خمسة أوسق أي في أقل من 612 كيلو أما أكثر من ذلك فلا يجوز ، وذلك أن يأتي شخصٌ مثلاً محتاج إلى الرُطب ، فيقول يافلان خذ هذا التمر وإن كان قديماً ، وأعطني هذا الرطب الذي على رؤوس النخل فيجوز بشروط منها : 
- أن يكون على رؤوس النخل فلو أنه كان في أوانٍ فلا يجوز . 
- وأن يأتي شخص حاذق يخرص النخل ويساوي بين التمر وبين الرطب إذا جف وهذا شرط ٌ مهم جداً . 
- أن يكون صاحب التمر محتاجٌ للرطب 
- أن يحصل القبض قبل التفرق 
- وأن يكون البيع بينهما في أقلّ من خمسة أوسُق . 
* ومنها : بيع الثـُّنيّا إلا أن تُعلم ، والثنيّا مأخوذ من الإستثناء ، وذلك أن يقول الرّجل : بعتُك هذا النخل إلا نخلتين ولا يُحدّد ماهي النخلتان ؟ أو بعتُك هذا الشجر إلا شجرتين ولا يحدّد ، فهذا بيعٌ يُفضي إلى النزاع وهو منهي عنه إلا أن تُعلم النخلتان أو الشجرتان فتُحدّدان لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي نهى عن بيع الثنيّا ورخص في العرايا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم وزاد النسائي وأبوداوود والترمذي : " وعن الثُنيّا إلا أن تُعلم "  . 
* ومنها بيع المخاضرة : وهي بيع الثمرة قبل بدو صلاحها أي والتمر مازال أخضراً لأنه قد يمنع الله الثمرة فتُرسلُ عليها جائحة فتتلفها ومن ثمّ يحصل من جرّاء ذلك خصومة بيع البائع والمشتري ، ومن ثمّ انظر إلى الشرع الحكيم والشارع سبحانه وتعالى فقد أغلق كل باب يفضي إلى الخصومة والنزاع فكل بيع فيه كذلك فاعلم أن الشرع حرّم فعله وكذلك كل بيع مجهول العاقبة وكذلك كل بيع فيه غرر ومخادعة وكل بيع فيه ربا وقمارولكن الكثير من الناس يجهل مثل هذه القواعد الشرعية أو يتجاهلها ولا يُعيرها اهتماماً ، فاتقوا الله ويعلمكم الله واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم واتقوا الله لعلكم تفلحون . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...