إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا فبلغ وأدى ماعليه صلوات الله عليه وسلامنا إليه ولواء الحمد يوم الدين بين يديه وهو الشافع المشفع ذو المقام الأرفع عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان صلاة وسلاماً يدوم أبداً وينفع إلى يوم ٍ تحشر فيه العباد وتجمع أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فالدين هو التقوى في السر والنجوى وفي العافية والبلوى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الذين الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
أيها الإخوة المؤمنون : إن من عرف ربه جل جلاله وعلم أسمائه وصفاته علم أن من أسماءه السميع والمجيب والقريب ، وأنه سبحانه يسمع دعاء الداعين وابتهال المنيبين المخبتين ويجيب دعاء المضطرين والمكروبين وهو قريبٌ ممن دعاه مجيب لمن توسل به ولجأ إليه يقول نبي الله صالحٌ عليه الصلاة والسلام : "واستغفروا ربكم ثمّ توبوا إليه إن ربي قريبٌ مجيب"
وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى : " أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجلعكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ماتذكرون " وقال أيضاً : " وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لامبدل لكلماته وهو السميع العليم " ، وقال أيضاً : " وله ماسكن في الليل والنهار وهو السميع العليم " وكل ذلك يدلل ويدل أن الله تبارك وتعالى وأن خزائنه ملأى لايغيظها نفقة - أي لايُنقصها ماينفق مهما كان ذلك الطلب ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى قال : " حدثنا أبواليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يد الله ملأى لايغيظها نفقة سحّـــاء الليل والنهار " وقال : " أرأيتم منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض - أي يُنقص مافي يده " وقال : " عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع " .
وفي الحديث القدسي الطويل الذي أخرجه مسلم بن الحجاج القُـشيري النيسابوري عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عايه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى أنه قال جل جلاله وعظمت أوصافه وعمّ نواله قال : " ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسانٍ مسألته ، مانقص ذلك مما عندي إلا كما يَنقص المخيط إذا أدخل البحر " .
ومع هذه الأوصاف لله سبحانه يغفل الكثير في الرخاء وفي الشدة أن يدعو الله تعالى ويلجأ إليه في أحواله كلها ، وربنا يُدعى في أمر الدنيا وأمر الآخرة ومما يدلّل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أويحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك " وفي الحديث الآخر : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي " .
عباد الله : إن أنبياء الله ورسله كانوا هم أكثر الناس دعاءا ً وابتهالا ً وتضرعاً في الخفاء والسر والإعلان والجهر فهم يمتثلون قول الله تعالى : " ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لايحب المعتدين " وهم أصبر الناس وأحلم البشر وكان من أحلمهم اسماعيل عليه السلام الذي قال الله عنه : " فبشرناه بغلام ٍحليم " وكان أبونا ابراهيم عليه السلام خليل الرحمن ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم من أحلم أنبياء الله ، فقد قال سبحانه عن ابراهيم عليه السلام : " إن ابراهيم لحليمٌ أواهٌ منيب " وكان من حلم نبينا محمد أن صفح عن كفار قريش وصناديدهم في وقت قدرته عليهم وقال حين فتح مكة في مشهدٍ شهده الناس وسارت به الركبان وقال لهم كلمة دونها التاريخ " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وهم الذين أخرجوه من مكة وحاولوا قتله ، وقتلوا أصحابه ، وطاردوه وآذوه حينما كان في مكة ، ومع ذلك كله أطلقهم وعفا عنهم جميعاً ، وصار مضرب المثل في الحلم والصبر عليه الصلاة والسلام ، وعندما تتذكر حلم أنبياء الله تعالى ، تتذكر حلم الله تعالى على عباده وعلى العُصاة والمجرمين وأنه أمهلهم طويلاً حتى مابقي لهم ايمان ووصلوا لحد السخرية والإستهزاء وطلبوا من أنفسهم سرعة الإنتقام ومعالجة العقوبة ، ومن أسماءه " الصبور" ومعناه الذي لايُعاجل بالعقوبة بل يمهل ويرفق بخلقه ، وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاأحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل ، إنه يُشرك به ويُجعل له الولد ومع ذلك هو يعافيهم ويرزقهم " .
عباد الله : لقد أمهل الله الكفرة والمجرمين من قوم نوح امهالاً أيس معه نوح ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك لم يؤمن إلا القليل بعد أن دعاهم وجادلهم وألح عليهم بالإيمان حتى دخل نوح اليأس من ايمان هؤلاء ، وأتاه الوحي من الله حيث قال سبحانه : " وأوحي إلى نوحٍ أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يعملون " وأمره الله بصناعة الفلك وهي السفينة الضخمة ونجاه الله وقومه وماجرى مع نوح جرى مع هودٍ وصالح ومن بعدهم من قرون كثيرة لايعلمهم إلا الله وجرى مع شعيب ، كلهم دعَوا أقوامهم طويلاً ولم يؤمنوا حتى يئس الرسل يأساً عظيماً ، وابتُلوا بأقوامهم بلاءً صبروا عليه مرضاة لله تعالى ، (حتى إذا استئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين ) .
فاتقوا الله عباد الله فالدين هو التقوى في السر والنجوى وفي العافية والبلوى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الذين الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) .
أيها الإخوة المؤمنون : إن من عرف ربه جل جلاله وعلم أسمائه وصفاته علم أن من أسماءه السميع والمجيب والقريب ، وأنه سبحانه يسمع دعاء الداعين وابتهال المنيبين المخبتين ويجيب دعاء المضطرين والمكروبين وهو قريبٌ ممن دعاه مجيب لمن توسل به ولجأ إليه يقول نبي الله صالحٌ عليه الصلاة والسلام : "واستغفروا ربكم ثمّ توبوا إليه إن ربي قريبٌ مجيب"
وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى : " أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجلعكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ماتذكرون " وقال أيضاً : " وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لامبدل لكلماته وهو السميع العليم " ، وقال أيضاً : " وله ماسكن في الليل والنهار وهو السميع العليم " وكل ذلك يدلل ويدل أن الله تبارك وتعالى وأن خزائنه ملأى لايغيظها نفقة - أي لايُنقصها ماينفق مهما كان ذلك الطلب ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله تعالى قال : " حدثنا أبواليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يد الله ملأى لايغيظها نفقة سحّـــاء الليل والنهار " وقال : " أرأيتم منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض - أي يُنقص مافي يده " وقال : " عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع " .
وفي الحديث القدسي الطويل الذي أخرجه مسلم بن الحجاج القُـشيري النيسابوري عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عايه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى أنه قال جل جلاله وعظمت أوصافه وعمّ نواله قال : " ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسانٍ مسألته ، مانقص ذلك مما عندي إلا كما يَنقص المخيط إذا أدخل البحر " .
ومع هذه الأوصاف لله سبحانه يغفل الكثير في الرخاء وفي الشدة أن يدعو الله تعالى ويلجأ إليه في أحواله كلها ، وربنا يُدعى في أمر الدنيا وأمر الآخرة ومما يدلّل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أويحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك " وفي الحديث الآخر : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي " .
عباد الله : إن أنبياء الله ورسله كانوا هم أكثر الناس دعاءا ً وابتهالا ً وتضرعاً في الخفاء والسر والإعلان والجهر فهم يمتثلون قول الله تعالى : " ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لايحب المعتدين " وهم أصبر الناس وأحلم البشر وكان من أحلمهم اسماعيل عليه السلام الذي قال الله عنه : " فبشرناه بغلام ٍحليم " وكان أبونا ابراهيم عليه السلام خليل الرحمن ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم من أحلم أنبياء الله ، فقد قال سبحانه عن ابراهيم عليه السلام : " إن ابراهيم لحليمٌ أواهٌ منيب " وكان من حلم نبينا محمد أن صفح عن كفار قريش وصناديدهم في وقت قدرته عليهم وقال حين فتح مكة في مشهدٍ شهده الناس وسارت به الركبان وقال لهم كلمة دونها التاريخ " اذهبوا فأنتم الطلقاء " وهم الذين أخرجوه من مكة وحاولوا قتله ، وقتلوا أصحابه ، وطاردوه وآذوه حينما كان في مكة ، ومع ذلك كله أطلقهم وعفا عنهم جميعاً ، وصار مضرب المثل في الحلم والصبر عليه الصلاة والسلام ، وعندما تتذكر حلم أنبياء الله تعالى ، تتذكر حلم الله تعالى على عباده وعلى العُصاة والمجرمين وأنه أمهلهم طويلاً حتى مابقي لهم ايمان ووصلوا لحد السخرية والإستهزاء وطلبوا من أنفسهم سرعة الإنتقام ومعالجة العقوبة ، ومن أسماءه " الصبور" ومعناه الذي لايُعاجل بالعقوبة بل يمهل ويرفق بخلقه ، وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاأحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل ، إنه يُشرك به ويُجعل له الولد ومع ذلك هو يعافيهم ويرزقهم " .
عباد الله : لقد أمهل الله الكفرة والمجرمين من قوم نوح امهالاً أيس معه نوح ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك لم يؤمن إلا القليل بعد أن دعاهم وجادلهم وألح عليهم بالإيمان حتى دخل نوح اليأس من ايمان هؤلاء ، وأتاه الوحي من الله حيث قال سبحانه : " وأوحي إلى نوحٍ أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يعملون " وأمره الله بصناعة الفلك وهي السفينة الضخمة ونجاه الله وقومه وماجرى مع نوح جرى مع هودٍ وصالح ومن بعدهم من قرون كثيرة لايعلمهم إلا الله وجرى مع شعيب ، كلهم دعَوا أقوامهم طويلاً ولم يؤمنوا حتى يئس الرسل يأساً عظيماً ، وابتُلوا بأقوامهم بلاءً صبروا عليه مرضاة لله تعالى ، (حتى إذا استئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنُجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين ) .
أيها الإخوة المسلمون : وإن من صور إمهال الله لعباده إمهال الله لفرعون وقومه الطغاة المعتدين ( الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد ) ومن طُغيانهم وعدوانهم أنهم كانوا يقتلون الأطفال الصغار من بني اسرائيل ، ويستحيون ويستبقون النساء للخدمة والعمل عليهم لعائن الله ، وذلك عملٌ مافعله أحدٌ قبل فرعون وقومه ، وهو بلاء عظيم وخطبٌ جسيم ، لو كان ذلك عند العرب لثاروا كلُهم انتصاراً للمظلوم على الظالم ، فقضية العرض عند العرب خاصة لايُماثلها ولا يًرادفها كلمة لعظمة العرض خاصّة في نفوسهم ، ومع ذلك قدّر الله على بني اسرائيل ماقدّر لإعراضهم عن دين الله ، ولكي يستكثر هؤلاء الطغاة من دماء وأعراض الناس فيأخذهم أخذة رابية لارجوع بعدها ، ولذا يقول الحق تبارك وتعالى : (( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نُملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزداوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين )) وإذا أتى عقابه سبحانه فلا يُرد عن القوم المجرمين ، ولا يقبل في ذلك الشفاعات مهما كانت منازل الشافعين ، سواءً من الأنبياء أو الملائكة المُقربين ، واستمرّ طغيان فرعون وقومه زمناً طويلا ً ، من قبل بعثة موسى ومن بعد بعثته ، ومن حلم الله على هؤلاء الطغاة على فظاعة جرمهم أن أمهلهم طويلا ً، وأرسل عليهم من الآيات مالو أرسله إلى حجارة أو على جمادٍ لآمن ، فقال جل في ملكه وتدبيره : ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقصٍ من الثمرات لعلهم يذّكرون ) واتهموا موسى وأخاه هارون بالسحر والكهانة وقالوا لموسى قولاً طاغياً فقالوا : ( مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) ومع ذلك أمهلهم الله تعالى وحلمَ عليهم فلم يعاجلهم بعذابه وزادهم من الآيات مافيه بلاءٌ لهم وامتحان فقال سبحانه: ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم آياتٍ مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ) ومع ذلك كلّه لم يؤمنوا ولم يُصدقوا بتلك الآيات العظيمة التي أُرسلت ، مع أنها لم تُرسل لأقوام قبلهم ممن ذكرهم الله تعالى ، فاللهم أعذنا من الخذلان وشر الجحود والكفران ياذا الجلال والإكرام ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ٌودود .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله ناصر المتقين ومجيبِ السائلين وهادِ الخلق أجمعين ، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين فبلغ عن الله آياته ونصح له في خلقه وبرياته ، وأتمّ لله مابلغه من قوله ورسالاته وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ممن يؤمن بالله وكلماته أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن نصر الله ومعيتَه مع المتقين والمؤمنين (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) والنصر - ياعباد الله - لايأتي إلا بعد صبرٍ واصطبار وتقوى لله الواحد القهار وابتلاء ٍوامتحان من العزيز المنان يقول الحق تبارك وتعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّــا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسأء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريبٌ ) وكان ذلك أيضاً بعد دعاء الأنبياء على أقوامهم ، ولذا كان نصر موسى وقومه على فرعون وحزبه ، جاء بعد دعاء موسى عليه حين قال : ( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) فجاء الردّ من العزيز الجبار القوي القهار : ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعانّ سبيل الذين لايعلمون ) وكل ذلك أتى بعد تمحيصٍ عظيم نال الفريقين واستبان في ذلك سبيل المجرمين ، واستعجل القوم نقمة رب العالمين ، وجاء النصر والعذاب للظلمة الفجار الخونة الأشرار فقال الحق تبارك وتعالى في الآيات : ( وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متّبعون * فارسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمةٌ قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميعٌ حاذرون * فأخرجناهم من جنّات وعيون * وكنوزٍ ومقامٍ كريم * كذلك وأورثناها بني اسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلمّـا تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرقٍ كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهوالعزيز الرحيم ) وانتهت فصول تلك القصة من المعاناة من بني اسرائيل والنصر لهم في الختام وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ، وقد قال من رحمته قبل ذلك : ( ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون ) وكل ذلك من رحمة الله ويكفينا من تلك القصة عبرةً أنك مهما حرصت وفكرّت وحذرت وعملت وقررت ونفذت ، فالله إذا أراد أمراً فلا ينفع ذلك الحذر ولا تلك الترتيبات والإحتياطات مهما كان تعقيدها وقوتها ودهائها فمن المعروف أن هلاك فرعون وقومه وقع من طفلٍ تربّى في بيت فرعون وفي رزقه الذي رزقه الله ، على حرص فرعون على قتل كل طفلٍ وقعت عليه يدي فرعون وقومه بسبب رؤيا منام رآها ومفادها : " أن ذهاب ملكه يكون على يد طفلٍ يولد من بني اسرائيل " ومع ذلك كله قدّر الله لهذا الطفل أن يتربّى في عقر دار طاغية مصر ويكون هلاكه وذهاب ملكه في النهاية على يديه ، وذلك اليوم يومٌ من أيام الله الذي أعز الله به أولياءه وقهر فيه أعداءه وهو يوافق العاشر من شهر الله المحرم في كل عام ويوافق بذلك يوم الخميس القادم ، ومن العجب في ذلك أن أهل الجاهلية وهم أهل ضلال من قريش وغيرهم كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وكان ذلك قبل أن يُفرض صيام شهر رمضان كما روى البخاري ومسلم رحمنا الله وإياهم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وأنه لما فُرض رمضان قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من شاء صامه ومن شاء تركه " ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ويتحرى صيامه ، ولكم في رسول الله أسوة حسنة وأخبر أن صيامه يكفر ذنوب سنة ماضية فقد روى مسلمٌ في صحيحه من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : " يكفّر السنة الماضية " ويستحب أن يصوم معه التاسع وقد كان النبي يتمنى أن يبقى لعام قادم لكي يصوم التاسع ولكنّ أجله وافاه قبل ذلك ، فمن صام اليوم التاسع والعاشر فقد نال ثواباً عظيماً ، فتقربوا إلى الله بصيام هذين اليومين الذين هما آكد أيام شهر الله المحرم ، اللهم اهدنا لأفضل الأعمال وأكمل العبادات والأقوال وارض عنّا قبل حلول الآجال ياذا الجلال والإكرام . . هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار وصفوة الأخيار . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق