الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

خطبة عن كبار السن وتقديرهم واحترامهم



الحمدلله الذي خلق الإنسان وصوّره ، وشقّ سمعه وبصره ، وأبان له النجدين من الشر والخير ويسّره له من المحامد والثناء أوفره ، ومن الشكر أجزله وأكثره والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الذي فضله ربنا وآثره نبينا محمد وعلى آله وصحبه البرره ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
فاتقوا الله عباد الله فبتقوى الله ترفع المقامات وتقضى الحاجات وتفرج الكربات وتتيسر الأمور والطاعات ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا * ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له اجرا ) .
- عباد الله : ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام من حديث " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط " رواه أبوداوود ن حديث أبي موسى وهو حديث حسن ، ومن هذا الحديث سنتناول أدباً جماً يُعلّمه الصغار ويُنشأوون عليه وهو خلق ضروري لابُد منه وهو من تعظيم الله تعالى و‘جلاله كما ورد في الحديث : ألا وهو احترام وتوقير كبار السن الذين لهم حقٌ واجب على الصغار خصوصاً من أفراد المسلمين عامّة ، وهذا الخلق الواجب هو سبيل من سبل الرُقي بالأخلاق والفضائل والقيم والحضارة وكذلك هو مرتبطٌ بكمال الإيمان والذي أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " أكمل الممؤمنين ايماناً أحسنهم خُلقا " .
- عباد الله : لقد انتشر في وقتنا هذا هجر توقير الكبير من قِبل صغار السن هداهم الله مع سوء سلوكٍ وقلّة حياء وطيشٍ وعدم مبالاة ، وربّما كان ذلك مع عدم اهتمامٍ من أولياء الأمور والذين يشاهدونهم يصنعون مثل ذلك ، ولا يوجهونهم ولاينبهونهم ويناصحونهم ويلزمون حينها الصمت وهذا بلا شكّ مبدأ منحط يُفضي مع مرور الوقت إلى انفراط المنظومة الأخلاقية في مجتمعنا ، وقد يُفضي إلى التخاصم والعداوة بين الأقارب ، وكل ذلك يكون إذا انعدمت السماحة من الجميع ، وانتصر بعض أولياء الأمور لأبنائهم وهم يرونهم على أخطاء وسلبيات ومع ذلك يخيّم عليهم الصمت ، ولاحتى يقبلون توجيه غيرهم لأبنائهم وتلك رزيّة عظيمة يقع في وحلها ودنائتها ذاك الأب المُدلّل والإبن المُدلًّل ، والذي لايجاوز فكرة أرنبة أنفه ولا رمش عينيه ، فاعلم ياولي الأمر ويامن ابتليت من الآباء بمثل هذا الصنيع ، أن من لم يحتمل النصح والتوجيه والتوبيخ عند الخطأ والتقريع والإنكار من الأبناء حينما يخطئ أو يتهاون بمثل تلك الحقوق والواجبات أنه لن يتحمّل ويحتمل خلُقك إن كبرت ، وصرت بحاجة في وقت الحاجة لذلك الإبن الذي أفسدت أخلاقه ورجولته بيديك وكنت في تمييزه وشبابه تُسارع في هواه وشهوته بغض النظر إن كان فعله صواباً أو خطأ ، فاتق الله وكن ممن يتصرفُ التصرف الصحيح اللائق حينما يقع الإبن بمثل ذلك


- عباد الله : إن كبار السن في مجتمعنا السن لهم حقوق على من دونهم من المسلمين من تقبيل رؤوسهم وتقديمهم في المجالس وتوقيرهم واحترامهم وعدم مقاطعتهم في الحديث والقيام بواجب الطاعة لهم في المعروف وكل ذلك مردود لفاعله في كِبَره وشيخوخته ولنتذكر فيهم قول النبي عليه الصلاة والسلام : " ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا " وفي رواية : " حق كبيرنا " رواه أبوداوود والترمذي وقال : " حديث حسن صحيح " من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه .

- أيها المؤمنون : إن الكبير إذا رأى من الصغير أو ممّن هو أقل منه في السنّ قلة تبجيل وسوء صحبة فإنه تبعد به الظنون ويدخل في همّ تحسون به إذا كبرتم وشختم ، وربما يحترق فؤاده مما يرى من الجفوة من الناس ولايُبدي مافي نفسه إما ليأسه وإما حياءً فلنتق الله فيهم ، فهم أسوة وقدوة في الخير مالم يحيدوا عن صراط الله ، ومنهم تؤخذ المشورة والرأي لأنهم أعرف بأمور الحياة وتجارب الزمن من حدثاء الأسنان الذين تغيب عن أذهانهم كثير من الأمور التي تحتاج لمراسٍ وتجربة وخبرة ، وعلى الآباء المكرمين من كبار السن الموقرين أن يبادروا بالنصيحة والتوجيه لمن هم دونهم ولايحملهم في ذلك العجز والتواني أو اليأس ممن هم دونهم فكم من كلمة صادقة من شخص ناصح مشفق أثّرت في قلوب المستمعين بتوفيق الله رب العالمين .

- عباد الله : وكان لله عليه وسلم قدوةً لأمته وأسوةً لهم في توقير الكبير ، ففي فتح مكة أتى أبوبكر بأبيه أبا قحافة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " هلاّ تركت الشيخ حتى آتيه " وفي رواية لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه " فقال أبو بكر رضي الله عنه وعن أبيه قال : " هو أحقّ أن يأتيك " ومن توقير دييننا في الجملة للكبير أن الصغير يُسلّم على الكبير ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يُسلّم الصغير على الكبير والمارُّ على القاعد والقليل على الكثير ) رواه البخاري وفي رواية لمسلم : ( والراكب على الماشي ) ، بل إنه عُدّ من يستهين بحق الكبير أن فيه نفاق فقد رُوي في الأثر : " ثلاثةٌ لايستخف بهم إلا منافق : ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم وإمامٌ مُقسط " وقد أورد هذه الرواية : المنذري في صحيح الترغيب والترهيب ، ومما روي عن توقير الكبير من الصحابة رضوان الله عليهم بتقديمهم في الكلام والإحجام عن معارضتهم في القول قدر الإمكان مارواه الشيخان عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال : " لقد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غُلاماً فكنت عنه ، فما يمنعني من القول أنّ ههنا رجالاً هم أسنّ مني " .

وقد ورد في كتاب الخراج لأبي يوسف يعقوب بن ابراهيم الأنصاري رحمه الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بباب قوم ٍ وعليه سائل يسأل شيخٌ كبير ضرير البصر أي أعمى البصر - فضرب عضُده من خلفه فقال : " من أي أهل الكتاب أنت ؟ " قال : " يهودي " قال : " فما ألجأك إلى ماأرى " قال : " أُسْأل الجزية والحاجة والسن ؟ " قال : فأخذ عمر رضي الله عنه بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له - أي أعطاه - من المنزل شيءٌ ، ثمّ أرسل إلى خازن بيت المال ، فقال : " انظر هذا وضُرباءَه ، والله ماأنصفناه إذ أكلنا شبيبته - أي وقت شبابه - ثم نخذُله عند الهرم " فوضع عنه الجزية ومن كان مثلُه .

وروى مجاهدٌ أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً : " أخبروني عن شجرةٍ مثلُها مثلُ المؤمن " فجعل القوم يذكرون من شجر البوادي ، وألقِي في نفسي أو رَوعي أنها النخلة ، فجعلت أريد أن أقولها فإذا أسنان القوم فأهاب أن أتكلم ، فلمّا سكتوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " ورواه مسلم في صحيحه .

- عباد الله : ومما ينبغي أن يُجلّ ويبجل الذي يحفظ القرآن ويعمل به ، وينبغي أن نكون قدوة في توقيره واحترامه وتبجيله ونعلّم هذا الخلُق لأولادنا وأحفادنا ياعباد الله حتى لوكان صغير السنّ وهذا الغالب في حفظة القرآن ، فإن توقيره ورفع شأنه ليس من أجل ذلك الحافظ وإنما لما يحمله في صدره من آياتٍ بينات ، فتعظيمه وتوقيره هو تبجيلٌ وتعظيمٌ لله تعالى قبل كل شيء الذي أنزل هذا النور الذي بين أيدينا ، فمن الذي يُعظّم ويبجّــل إذا لم يُعظّم ويبجل حامل القرآن ، ومن الذي يُقدّم في المجالس والملتقيات إذا لم يُقدّم حملة الوحي ، أيُقدّم سفلةُ القوم وغوغائهم والرويبضة في مجتمعنا ، أم المنحطّين من المغنيين ، ومن الفنانين وغيرهم الذين يُضلّون بأهوائهم ويُفسدون في الأرض بعد اصلاحها ، ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تُصيبهم فتنةٌ أو يُصيبهم عذابٌ أليم ) .

ولاشك أن الناس يهابون ويوقّرون ظاهراً وباطناً عند الناس بالجملة بحسب هيبتهم لله تعالى وبحسب مايحملونه من علمٍ وحفظٍ ودينٍ وتقوى ، وإذا رأيت رجلا ً من الناس يوقّر أهل الهوى والفساد أو أهل الشهوات والشُبهات فاعلم أن في قلبه زيغ وفي ديانته انحرافٌ وهوى ، فاحذر الهوى فما سُمّي بذلك إلا لأنه يهوي بصاحبه في أدنى الدركات وأحطّ المنازل ، فاللهم جنبنا الهوى والردى ولاتُذهبُ أعمالنا سُدى واجعلنا ممن سلك طريق الحق واهتدى ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني الله وإياكم بما في من الآيات والحكمة أقول قولي وأستغفر ربي لي ولكم ولسائر المسلمين ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .


============ الخطبة الثانيه ============


الحمدلله العزيز الحميد والصلاة والسلام على المبعوث بالقول السديد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي الفضائل ومن اقتفى أثرهم ونهج منهجهم إلى يوم المزيد أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله فأهل التقوى لطريق الحق سالكون ومن الله مقربون ، ثم اعلموا - عباد الله - أن ممن يجب توقيرهم وتبجيلهم وبيان فضلهم أولئك العلماء الذين منّ الله عليهم بالفقه في الدين وبمعرفة التأويل والأحكام ومعرفة شرائع الإسلام ممن نذروا أنفسهم وضحّوا بأوقاتهم لبيانها للناس ورفع الجهل عنهم وتوجيههم وإرشادهم وتحذيرهم مما يُخاف ويُحذر من طرق الغواية والضلال وتبصيرهم بطريق مايُرجى ويُتمنى من طرق الفلاح والفوز والنجاح في الآخرة خاصّة ، مع تصحيح الأخطاء في العبادات والمعاملات والتحذير من الشرور والموبقات ، فأولئك الأفاضل الذين لهم فضلٌ على الناس بعد فضل الله تعالى علينا جميعا ً بالهداية لهذا الدين ، ويستبين فضلهم حينما يعز ّّ وجود العلماء فلا يجد الناس من يستفتون في أمور دينهم ولا يجدوا من يستشيرون ويسألون ، ويستبين فضلهم حينما يتخذ الناس رؤوساً جُهّالا ً فيُضلون الناس بغير علم ويوردونهم الجحيم نعوذ بالله العظيم ويستبين فضلهم عندما يقبضهم الله تعالى وحينها يفتقد الناس علمهم واجتهادَهم لكونهم محل الإجتهاد والإستنباط والنظر وذلك لايكون إلا بالإحاطة بالنصوص القرآنيه والنبوية ومعرفة لغة العرب وكلامهم بجاهليتهم وإسلامهم وهذا مسلك ٌطويل يحتاج لبذل حياة كاملة من الصغر ويمتد إلى الكبر والشيخوخة ، وانظر لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام حينما قال : " ألا إن الله لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالا ً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا " رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .

ثم يجب أن نعلم أن العلماء من أولياء الله المتقين في الأعم الأغلب والله سبحانه وتعالى ينتصر لأوليائه ويُعادي من يعاديهم ويدخل في هذه الولايه من الناس من كان من أهل الإيمان والتقوى وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عادى لي وليّا ًفقد آذنته بالحرب " أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد ذكر شيخ الإسلام أحمد بن تيميه رحمنا الله وإياه في كتابه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) " أن من مؤمناً تقيّا كان لله وليّا فمن آذى مؤمنا ً فقد آذنه الله - أي أعلمه الله - أنه محارب له والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه " فيجب الحذر من التعرض للعلماء خاصة بالهمز واللمز أو الإستنقاص ، وإن مما يقع في زماننا هذا وخصوصاً في المجالس تضخيم زلّة العالم ونشر النقد فيه بين الناس والسخرية به وتلك والله هوان وذلة من الله للعبد واستدراجٌ للإنسان من حيث لايدري ولا يعلم وما يهزأ بالأكابر إلا الأسافل والأصاغر ، واجتهاد العلماء في الغالب أنه لايأتي إلا بعد استفراغ وسع واستنفاد طاقة فلم لايُلتمس لهم العذر والله في ذلك عذرهم ولايكلّف الله نفساً إلا وسعها فهم على خير ورشد وصلاح وإن كان الله قدّر الحق مع غيرهم من العلماء فهذا لايُنقص قدرهم في الجملة ، ولهم أجرهم وعلى النائل من عرضهم وزره ومما ورد في الأثر عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " رواه مسلم .

هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبي الرحمة والملحمة وصاحب الحجة القائمة نبينا محمد كما قال ربنا : " إن الله ملائكته يُصلوّن على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليما " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...