الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

خطبة عن استهداف المملكة من قِبل الأعداء

الحمدلله  الحفيظ الكريم  العزيز العليم الرب الرحيم والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين أرسله ربنا بالآيات والذكر الحكيم نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وعنّا معهم  ملء السماوات والأرض وملء العرش العظيم . .  أما بعد : 

فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله غنىً ومنّه وطريق التقوى موصلٌ إلى الجنّة
( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )  . . واعلموا عباد الله : أن بلادكم وعقيدتكم  مستهدفون ومحاربون من أطراف الأعداء الذين قد أكثروا توجيه السهام إلى هذه البلاد وولاة أمرها وأهلها ، يخلقون في سبيل ذلك النزاعات والخصومات ويحرضون ولايرعوون  ، ولكل شرّ يجلبون ، يخططون الليل والنهار بدون قرار ولاتروّي ومنهم من يُبدي العداوة ومنهم من يخفيها ، حتى لاتضيع مصالحه ولا يُقطع خطّ امداده ، طوائف وملل وطرقٌ ونحل من نصارى ضالين ويهود مناكفين ورافضةٍ حاقدين ومنافقين وعلمانيين وأعداءٍ محاربين همهم صنع فجوة بين الشعب والولاة أو بين حكام بلاد الحرمين وبين أشقائهم في البلدان العربية والإسلامية ، أكثر أولئك المتربصون في الأرض الفساد وعثوا في البلاد . 
لقد غاضهم اجتماع الكلمة ووحدة الصف فأرادوا شق الصفوف وارتفاع الأمن ونزول الخوف حالهم كما قال الله تعالى في شأن المنافقين : ( لو خرجوا فيكم مازادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليمٌ بالظالمين ) بل كان لهم سجلٌ حافلٌ بالمكر والخديعة وتزوير الحقائق وتشويه السمعة ونشر الأكاذيب والإفتراءات التي باءت بالفشل وأُُجهضت وتلاشت وانمحقت وحالهم كما قال الله :
( لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون)

ويهمنا معشر المسلمين في ذلك أن يحرص الإنسان أن لايكون يداً أو معولاً ينفذ الأعداء من خلاله للنيل من دينه وأمته وولاة أمره ، فيجب التحرز في ذلك ، وأسمى المواقف في ذلك هو الدفاع عن الدين وبلاد الحرمين وولاة الأمر في ذلك ، ومن لم يستطع في ذلك فعليه بالسكوت والصمت وأن لايلج في أمرٍ لاعلم له به ولم يقتف أثره كما قال الهادي سبحانه وتعالى : ( ولا تقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) . 
- عباد الله : إن أعداء الله لن يرضوا عن شعوبٍ اختارت الإيمانَ بخاتم الأنبياء والمرسلين وآمنت بالله ورسله ولم تُفرق بين الله ورسله حتى تتبع أولئك الشعوب دينهم وملتهم وتعتقد معتقدهم وفي الذكر الحكيم : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم . . ) الآيه وقد أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يهجرهم ولا يطيعهم وأن يحذر من اتباع اهوائهم وشهواتهم ، وأمره أن يبين لهم أن هدى الله هو الذي يهدي للصراط المستقيم والسبيل القويم وليس ماتُمليه عليه نفوسهم وشهواتهم ، وأن المتهدي من هداه الله ، فقال جل في تدبيره : ( قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير ) وقال في موضعٍ ٍآخر ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ماأنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يُصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثير من الناس لفاسقون ) وقال أيضاً : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) 
- عباد الله إن أعداء الله لهم تأريخ طويل في الكيد لهذه البلاد وأهلها من عهد النبوة إلى يومنا هذا ومن ذلك على سبيل المثال ولكن الطآمة في ذلك عندما يكون أولئك  من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا فذلك خلل في البنية الوحدويه وثلمة في اللحمة الوطنية ، همّ أولئك أن يبايعوا ولي أمرهم على المال إن أُعطي منه رضي وإن لم يُعط منه سخط وصار يؤلب على الوالي ويُغري غيره للنيل من الولاة أو ممن ينسب إليه ، وقد ورد في ذلك التحذير الشديد في أحاديث الوعيد حيث قال صلى الله عليه وسلم :" ثلاثٌ لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم : رجل على فضل ماء - أي ماءٌ يزيد عن حاجته - بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدّقه ، وهو على غير ذلك ، ورجلٌ بايع إماماً لايبايعه إلا لدنيا ، فإن أعطاه منها وفّى وإن لم يعطه منها لم يوفّ " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، واعلم يامن اتصفت بتلك الصفات المذمومة أن من تخوّض بالمال بشكل علم حتى لو كان له ولاية صغيرة أو كبيرة أنه معرض لعذاب الله ولدخول الجحيم وصلي العذاب الأليم ففي الحديث : " إن رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " رواه البخاري من حديث خولة الأنصارية رضي الله عنها وعنا جميعاً ، وهذا يشمل من خاض في المال فصرفه لغير حاجة وفي غير مصرفه الذي أعدّ له ، أو بذّره في شؤون تافهة وهو يعلم أن أناساً يجاورنه يتقلبون من الجوع ويواجهون الموت بسبب جفافٍ أو مجاعة أو نحوها ، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري : " أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل ، وهو أعمّ من أن يكون بالقسمة وبغيرها " ومعنى كلامه رحمنا الله وإياه ، أي أنه لايلزم من ذلك الخوض المذموم أن يمنحك الحاكم أو الوالي مالاً ومن ثمّ تسعى في صرفه بوجوه الباطل وإنما كل مالٍ كسبته فأنت مسؤول عنه ولا يحلّ لك أن تصرفه إلا بحق ، وذلك يصدّقه قول الله تعالى : ( واحفظوا أموالكم )  وقوله : ( ولاتؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما . . ) فالواجب على الجميع من صغير أو كبير حاكم أومحكوم أن يتخذ السبل الشرعيه في الإنفاق والإدخار وهذه معادلة موزونة وضع الله قاعدتها ونهجها بقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنُقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا )  .
عباد الله : نحن مأمورون مهما أنشبت الفتنة أظفارها أن نصبر وأن لاننزع يداً من طاعة مهما كثر الفساد في البلاد أو لم يكثُر حتى يغير الله الحال ويُصلح الأحوال وأن نقوم بدور المصلح في مجتمعنا حيث قال صلى الله علي وسلم : " إنكم ستلقون بعدي أثرة - أي استئثاراً بتولي الأمور - فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقد أخرج هذا الحديث البخاري رحمنا الله وإياه ، وقال أيضاً عليه الصلاو والسلام : " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء " قالوا من يارسول الله ؟ قال : " الذين يَصلحون إذا فسد الناس " وفي رواية : " يُصلحون ماأفسد الناس من سُنّتي " رواه الإمام أحمد في مسنده ، وفي رواية لمسلم : " هم أناسٌ صالحون قليل في أناس سوءٍ كثير " . 
فالمخرج من ذلك كلّه هو الإصلاح والنهي عن الفساد بما يستطيعه العبد وفي ذلك يقول الرب سبحانه : ( فلمّا نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذابٍ بئيس بما كانوا يفسقون ) . . فاللهم أصلح لنا ديننا وولاة أمرنا وأفراد أمتنا واجتمع كلمتنا على الحق المبين واجعلنا ممن تمسك بحبلك المتين فممنت عليه بالنصر والتمكين ، بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني الله وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول هذا فإن كان صواباً فمن الله وإن كان فيه زلل فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 

============ الخطبة الثانيه ============ 
الحمدلله الذي الذي منّ علينا وأعطانا ومن لدنه أولانا ولدينه الحنيف هدانا والصلاة والسلام على خير عباده شهادة به وإيمانا الذي بتبليغه وهديه أرشدنا وبه من الضلالة كفانا وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إسراراً بذاك وإعلانا أما بعد : 
فالتقوى ياعباد الله به أوصيكم ، فإن بتحقيقه الله يرضيكم ، ومن واسع فضله  يُغنيكم ثمّ ، إن على كل واحد منّا مسؤولية اصلاح ومشروع نصحٍ وتوجيه دائمٍ في كل سبيل ، مادام يصل لذلك سبيلا ، ومن اكتنفته بتوجيهك من صغير أو أحطته بنصحك من كبير ومسؤول فاعلم أن الله في ذلك لايُضيع أجر المصلحين وليكن جرير بن عبدالله البجلي هو قدوتك في ذلك ففي الأثر يقول عن نفسه رضي الله عنا وعنه : " بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " والنصيحة لها أدبها وطريقتها لكي تؤتي النصيحة ثمارها ويظهر أثرها ونتاجها ، واعلموا أن من شر الناس من دخل الأعداء ونفذوا لأمته من قِبله وجهته فيكون بذلك كمن فتح لهم الباب بعد أن كان منغلقا وكان وثغرة فساد وخيانة بعد أن كان مصمتا ، وقد ورد في الحديث في صحيح البُخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  : " لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به " ويُقام هذا اللواء أو هذه الراية من وراء ظهره عند مؤخرته يراها الناس كلهم ويقال : هذه غدرة فلان بن فلان كما ورد ذلك في رواية أخرى . 
ولا مانع ياعباد الله من نُصح ولاة الأمر فهم لايردون أحداً في الغالب لإبراء الذمة بالكلمة الطيبة والقول الحسن أو بتوجيه من يتحدث معهم ممن ترى أنه أوجه منك ، وإن لم يُسمع منك أو منه فقد أديت الذي عليك وبرأت ذمتك وسلمت من تبعية ذلك وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام : ( الدين النصيحة ) قلنا لمن ؟ قال : " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " أخرجه مسلم من حديث تميم الداري ، ولنعلم أن الضرر الحاصل الذي ينبني من عدم سماع النصيحة أهون بكثير من الضرر الذي يحصل بسبب استخدام العنف والتغيير بالقوة وحمل السلاح فمن مات بهذا السبيل عُد خارجياً حتى لو كان أصل فعله إرادة الإصلاح ، والله يتولى هذا الأمر بخيره وشرّه ، وإنما في كل ذلك ماعليك إلا أن تُناصح وتدعوا لسبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإن لم تستطع تُنكر ذلك بقلبك فتسلم ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برئ ، ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع " قال : أفلا نُقاتلهم قال : " لا ، ماصلوا " رواه مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها ، قال النووي في شرح مسلم : " فيه - أي الحديث - دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لايأثم بمجرد السكوت "  انتهى ، وهذه منّة ورحمة من الله على عباده فإن الخلق كلّهم لايستطيعون الإنكار بالقول ، بل ولا يُحسنون الإنكار فبقي عليهم أن يُنكروا بقلوبهم ، علماً أن هذه الدرجة من الإنكار هي أقل منازل الإيمان وأضعفها بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم . 
فاللهم ياجواد ياوهاب آت نفوسنا تقواها وهداها واصرف عنها شرها وطغواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها ، هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال  " والله يقول الحق وهو يهدي السبيل " : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...