الحمدلله الذي خلق العقول والأحلام وعلّم عباده من الأنام وبيّن لهم دعائم الدين وأركان الإسلام ، أحمده وهو أهل الحمد وطيْب الكلام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للخلائق المبرأ من الآثام الداعي إلى الجنة دار السلام وعلى آله وصحبه الميامين الكرام ومن تبعهم بإحسان ٍوعلينا معهم مادامت السنين والأعوام أما بعد :
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله هو السبيل إلى رضا ربنا الجليل : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله فقد فاز فوزاً عظيماً ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
عباد الله : العقل نعمة من الله سبحانه وتعالى عظيم القدر جليل المنزلة وهو الفارق بين الإنسان المكلف وبين غيره من المسلوبين إياه أو المجانين وفارقٌ بينه وبين سائر المخلوقات من البهائم والعجماوات ، والله جل جلاله زجر من لم يفكّر بعقله أو يعتبرْ وكذا من لم يهتدِ للحق ولم يُميّز بين الحق والباطل أو لا يتأمل به ولم يفعّله فقال سبحانه :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لايفقهون بها ولهم أعينٌ لايبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) وقال ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وحثهم أيضاً على التعقل في الآيات في عشرات المواضع كقوله تعالى : ( إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) ( إن في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون ) ( كذلك نُفصّل الآيات لقوم يعقلون ) .
عباد الله : ومما يجري في العقول والأذهان تلك الأحلام التي يُسخرها الله لحكمة ويجريها على الناس كافّة وهي من إيجاد الله وتصوير الملك أو الشيطان وتفسيرها بابٌ من أبواب هذا الدين ليس كل أحدٍ يفهمه ويُحسنه ، بل إن له رجاله وأهله ، ومعرفتها وحسن تفسيرها فضيلة وكرامة وممن أُكرم بذلك من الرسل وغالبهم يُحسن ذلك ، وممن اشتهر في ذلك نبي الله يوسف عليه السلام وأبوه يعقوب الذي فهم تأويل رؤياه حينما قال : ( ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ففهم ذلك أبوه يعقوب عليه السلام وعلم أنها كرامة له ستكون بعد بلوى فقال له يعقوب عليه السلام : ( يابُني لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين ) وكذلك نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي رأى عدة رؤى وفسرها ففتح للمتأملين والمهتمين بتفسيرها باباً عظيماً من تفسير الرؤى للعارفين المتقين أصحاب القلوب الرقيقة الرحيمة فإن أسعد الناس بتفسير الرؤى وفهمها وكثرتها هو سليم القلب والرحيم الرقيق من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأبعدهم عنها وعن فهمها وتتابعها هو الجاف الغليظ ثخين القلب والجفاء في النار كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فمن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " رأيت في سيفي ذي الفقار فلاّ ، فأولته - أي فسرته - فلّاّ يكون فيكم - أي انهزاماً - ورأيت أني مُردفٌ كبشاً فأوّلته كبشُ الكتيبة ، ورأيت أني في درع ٍحصينة فأولتها المدينة ، ورأيت بقراً تُذبح فبقرٌ والله خير فبقرٌ والله خير ، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهذا كلّه جرى في غزوة أحد فهُزم المسلمون في غـزوة أحد بعد أن كانوا منتصرين في أول المعركة وذلك بسبب مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمرهم ألا لاينزلوا عن جبل الرُماة وأما الكبش الذي كان يحمله في الرؤيا عليه الصلاة والسلام فهو عثمان بن أبي طلحة حامل لواء المشركين الذي قتله علي رضي الله عنه وسُرّ بذلك النبي حينها عليه الصلاة والسلام ، ورأى رؤياً أخرى في أُحدٍ أيضاً فقال عليه الصلاة والسلام : " رأيت في رؤياي أني هززت سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ماأصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ماكان فإذا هو ماجاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقراً والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد " أخرجه الشيخان . عباد الله : ومن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عُقبة بن رافع فأُتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب " رواه مسلم .
ومنها أيضاً : " أنه رأى في يديه سوارين من ذهب فكرههما فنفخَهما فطارا فأولهما الكذّابََين : صاحب اليمن وصاحب اليمامة " والمقصود بهما من ادعى النبوة من بعده وهم الأسود العنسي في اليمن ومسيلمة الكذاب في اليمامة فكان ذلك .
ومن الرؤى التي رآها أيضاً عليه الصلاة والسلام الرؤيا الطويلة التي رآها حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي : انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه إلا وقد صحّ رأسه كما كان فيفعل به مثل مافعل بالمرّة الأولى ، قال : قلت لهما سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق ٍلقفاه وإذا آخر قائمٍ عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل مافعل في الجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يفرغ ذلك الجانب كما كان ثم يعود إليه فيفعل مثل مافعل المرّة الأولى ، قال قلت : سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور ، قال الراوي : فأحسب أنه قال فيه لغط وأصوات فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال : قلت ماهؤلاء : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول : أحمر مثل الدم وإذا النهر رجل سابح يسبح وإذا على شطّ النهر رجلٌ قد جمع حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح مايسبح ثمّ يأتي ذلك الذي قد جمع حجارة عنده الحجارة فيفغر له فاه فيُلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغـر له فاه فألقمه حجراً قال : قلت لهما : ماهذان ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على رجل ٍكريه المَرآة ، كأكره ماأنت راءٍ رجلاً مرآةٍ وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها قال : قلت ماهذا ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لاأكاد أرى رأسه طولاً في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ قال قلت لهما : ماهذا ماهؤلاء ؟ قال : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن قال : قالا لي ارقَ فيها قال : فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبِن ذهب ولَبِن فضّة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ماأنت راءٍ وشطرٌ كأقبح ماأنت راءٍ قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فذهبوا فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة ، قال قالا لي : هذه جنّة عدن وهذاك منزلك قال : فسما بصري صعُداً فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء قال : قالا لي : هذاك منزلك قلت : بارك الله فيكما ذراني فأدخُله قالا : أما الآن فلا وأنت داخله ، قال قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذي رأيت ، قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يُثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، وأما الرجال والنساء العُراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزُناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحُشّها ويسعى حولها فإنه مالك خازن النار ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال : فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين ، وأمّا القوم الذين شطرٌ منهم حسناً وشطرٌ منهم قبيحاً فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم " انتهى ورواه البخاري في صحيحه ، فاللهم أصلح فساد أعمالنا وقلوبنا في الحياة وتداركْنا بلطفك ورحمتك قبل الممات واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل خطيئة وإثم فتوبوا بصدق واستغفروه بحقّ إنه كان غفارا .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على الهادي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى وبالحق اهتدى وبه اكتفى أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن بعض الرؤى نعمة عظيمة تستلزم الشكر فهي رسالة من الله لك عن طريق الملك إن كان ماتراه حقاً ،
وهي على ثلاثة أنواع :
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله هو السبيل إلى رضا ربنا الجليل : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله فقد فاز فوزاً عظيماً ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
عباد الله : العقل نعمة من الله سبحانه وتعالى عظيم القدر جليل المنزلة وهو الفارق بين الإنسان المكلف وبين غيره من المسلوبين إياه أو المجانين وفارقٌ بينه وبين سائر المخلوقات من البهائم والعجماوات ، والله جل جلاله زجر من لم يفكّر بعقله أو يعتبرْ وكذا من لم يهتدِ للحق ولم يُميّز بين الحق والباطل أو لا يتأمل به ولم يفعّله فقال سبحانه :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لايفقهون بها ولهم أعينٌ لايبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) وقال ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وحثهم أيضاً على التعقل في الآيات في عشرات المواضع كقوله تعالى : ( إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) ( إن في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون ) ( كذلك نُفصّل الآيات لقوم يعقلون ) .
عباد الله : ومما يجري في العقول والأذهان تلك الأحلام التي يُسخرها الله لحكمة ويجريها على الناس كافّة وهي من إيجاد الله وتصوير الملك أو الشيطان وتفسيرها بابٌ من أبواب هذا الدين ليس كل أحدٍ يفهمه ويُحسنه ، بل إن له رجاله وأهله ، ومعرفتها وحسن تفسيرها فضيلة وكرامة وممن أُكرم بذلك من الرسل وغالبهم يُحسن ذلك ، وممن اشتهر في ذلك نبي الله يوسف عليه السلام وأبوه يعقوب الذي فهم تأويل رؤياه حينما قال : ( ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ففهم ذلك أبوه يعقوب عليه السلام وعلم أنها كرامة له ستكون بعد بلوى فقال له يعقوب عليه السلام : ( يابُني لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين ) وكذلك نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي رأى عدة رؤى وفسرها ففتح للمتأملين والمهتمين بتفسيرها باباً عظيماً من تفسير الرؤى للعارفين المتقين أصحاب القلوب الرقيقة الرحيمة فإن أسعد الناس بتفسير الرؤى وفهمها وكثرتها هو سليم القلب والرحيم الرقيق من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأبعدهم عنها وعن فهمها وتتابعها هو الجاف الغليظ ثخين القلب والجفاء في النار كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فمن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " رأيت في سيفي ذي الفقار فلاّ ، فأولته - أي فسرته - فلّاّ يكون فيكم - أي انهزاماً - ورأيت أني مُردفٌ كبشاً فأوّلته كبشُ الكتيبة ، ورأيت أني في درع ٍحصينة فأولتها المدينة ، ورأيت بقراً تُذبح فبقرٌ والله خير فبقرٌ والله خير ، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهذا كلّه جرى في غزوة أحد فهُزم المسلمون في غـزوة أحد بعد أن كانوا منتصرين في أول المعركة وذلك بسبب مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمرهم ألا لاينزلوا عن جبل الرُماة وأما الكبش الذي كان يحمله في الرؤيا عليه الصلاة والسلام فهو عثمان بن أبي طلحة حامل لواء المشركين الذي قتله علي رضي الله عنه وسُرّ بذلك النبي حينها عليه الصلاة والسلام ، ورأى رؤياً أخرى في أُحدٍ أيضاً فقال عليه الصلاة والسلام : " رأيت في رؤياي أني هززت سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ماأصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ماكان فإذا هو ماجاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقراً والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد " أخرجه الشيخان . عباد الله : ومن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عُقبة بن رافع فأُتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب " رواه مسلم .
ومنها أيضاً : " أنه رأى في يديه سوارين من ذهب فكرههما فنفخَهما فطارا فأولهما الكذّابََين : صاحب اليمن وصاحب اليمامة " والمقصود بهما من ادعى النبوة من بعده وهم الأسود العنسي في اليمن ومسيلمة الكذاب في اليمامة فكان ذلك .
ومن الرؤى التي رآها أيضاً عليه الصلاة والسلام الرؤيا الطويلة التي رآها حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي : انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه إلا وقد صحّ رأسه كما كان فيفعل به مثل مافعل بالمرّة الأولى ، قال : قلت لهما سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق ٍلقفاه وإذا آخر قائمٍ عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل مافعل في الجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يفرغ ذلك الجانب كما كان ثم يعود إليه فيفعل مثل مافعل المرّة الأولى ، قال قلت : سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور ، قال الراوي : فأحسب أنه قال فيه لغط وأصوات فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال : قلت ماهؤلاء : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول : أحمر مثل الدم وإذا النهر رجل سابح يسبح وإذا على شطّ النهر رجلٌ قد جمع حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح مايسبح ثمّ يأتي ذلك الذي قد جمع حجارة عنده الحجارة فيفغر له فاه فيُلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغـر له فاه فألقمه حجراً قال : قلت لهما : ماهذان ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على رجل ٍكريه المَرآة ، كأكره ماأنت راءٍ رجلاً مرآةٍ وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها قال : قلت ماهذا ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لاأكاد أرى رأسه طولاً في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ قال قلت لهما : ماهذا ماهؤلاء ؟ قال : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن قال : قالا لي ارقَ فيها قال : فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبِن ذهب ولَبِن فضّة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ماأنت راءٍ وشطرٌ كأقبح ماأنت راءٍ قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فذهبوا فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة ، قال قالا لي : هذه جنّة عدن وهذاك منزلك قال : فسما بصري صعُداً فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء قال : قالا لي : هذاك منزلك قلت : بارك الله فيكما ذراني فأدخُله قالا : أما الآن فلا وأنت داخله ، قال قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذي رأيت ، قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يُثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، وأما الرجال والنساء العُراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزُناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحُشّها ويسعى حولها فإنه مالك خازن النار ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال : فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين ، وأمّا القوم الذين شطرٌ منهم حسناً وشطرٌ منهم قبيحاً فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم " انتهى ورواه البخاري في صحيحه ، فاللهم أصلح فساد أعمالنا وقلوبنا في الحياة وتداركْنا بلطفك ورحمتك قبل الممات واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل خطيئة وإثم فتوبوا بصدق واستغفروه بحقّ إنه كان غفارا .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على الهادي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى وبالحق اهتدى وبه اكتفى أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن بعض الرؤى نعمة عظيمة تستلزم الشكر فهي رسالة من الله لك عن طريق الملك إن كان ماتراه حقاً ،
وهي على ثلاثة أنواع :
- أولاً : الرؤيا من الله وهي تأتي بواسطة الملك فيجيء الملك لمحل الأحلام من الدماغ فيصور لابن آدم شيء يفعله من المحضورات للتحذير منه واجتنابه أو شيء مقصر فيه ليفعله أو يخبره بحدث في المستقبل أو مصيبة ليصبر عليها وكل ذلك يدور في فلك إرادة الله بالعبد خيراً فيسلّم العبد ويستسلم لله رب العالمين ويهديه الله لأسباب الصبر والفلاح برحمته ولطفه .
- ثانياً : رؤيا من الشيطان وهي باطلٌ وتلاعب من الشيطان بالعبد وكيدٌ له وتشفي منه وذلك يقع لمن فرّط في الأذكار والأوراد الشرعيه عند النوم ، وما أكثر مايُفرّطون فيها بسبب هذه الأجهزة التي ربّما لا ينام في كل ليلة إلا وقد أشغله جهازه عن أذكار النوم فنام بدون أن يقرأها فالله المستعان .
- ثالثاً : حديث النفس في اليقظة يراه في المنام وذلك أن يتمنّى تحصيل شيء ولا يتسنّى له ذلك في اليقظة فيراه في المنام وهو تفريغ للنشاط السلبي في اليقظة عن طريق رؤية مثل هذه الأحلام وبعض النفسيين ذكروا أن ذلك يكون إرضاء للعاطفة وأن الأحلام ضرورية لصحة الجسد والعقل والعاطفة ، فالرؤيا الأولى التي تأتي من الله هي حق ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : " الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستّة وأربعين جزءاً من النبوة " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فالإيمان بها واجب والإستهانة بها فسقٌ وجهل ، بل إن الرؤيا الصالحة قد يراها حتى الكافر امتحاناً له كما رأى فرعون في منامه أن ولداً من أبناء بني اسرائيل يكون ذهاب ملكه على يديه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لم يبق َمن النبوة إلا المبشرات " قالوا : وما المبشرات ؟ قال : " الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له " وأصدق الناس في الرؤيا وأوقعهم لما رآه هو أصدقهم فانظر إلى فضل لزوم الصدق حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إذا اقترب الزمان لم تكن رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدق الناس حديثاً أصدقهم رؤيا " ثمّ لايُحدث بهذه الرؤيا غلا من يُحبّ ، وأمّا الرؤيا التي من الشيطان فهي لاتضرّ ابن آدم ، ولكن عليه غن رأى حلْماً وفزع بالليل أن يُغيّر ضجعته وأن ينفث عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يُحدّث بها أحداً ولن تضرّه ، والحديث مثل هذه الأحلام الشيطانيه من نعمة الله أنها لاتبقى في الذهن طويلاً بل تزول من يومها وتُنسى وتتلاشى .
ثم إنه معشر الإخوة قد انتشر في هذا الوقت مفسّري الرؤى الذين يجيبون عن أسئلة الرائين وبعضهم في الواقع ليس بمؤهلٍ وبضاعته في تفسير الرؤى قليلة ومع ذلك تصدّر للتفسير علما ًأن الإجابة على الرؤيا فتوى ، فلا ينبغي لأحدٍ أن يُجيب على أي رؤياً أو يتكلّف فيها ملا علم له به ( ولا تقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) فلا تستفتِ إلا من وثقت بخبرته ومعرفته وعلمه ، علماً أن معرفة تفسير الرؤى هبةٌ من الله لبعض الخواص من الناس لايُتعلّم بكتاب ولايُدوّن بالمحابر ولا تُبذل فيه الأسباب ، لأنه يختلف باختلاف الزمان والبيئة والناس ، ولا يُشترط أن يكون مفسّر الرؤى والأحلام من العلماء ، بل كثير منهم ليس ملتزماً في الظاهر ولكنّه عُرف بالأمانة وصلاح القلب وسلامة الصدر وممن وفّق في هذا المجال بسبب صدقه ونقاء سريرته ، فاللهم وفقنا بتوفيقك واكلأنا برعايتك واحرسنا بعنايتك في منامنا ويقظتنا وفي الحياة وعند الممات وسائر المسلمين والمسلمات يارب الأض والسماوات . . هذا وصلوا وسلموا على رسول الهدى ونور الدجى . .