الأحد، 25 نوفمبر 2018

خطبة عن تفسير الأحلام والتصدر له وخطورة التسرع في التفسير

الحمدلله الذي خلق العقول والأحلام وعلّم عباده من الأنام وبيّن لهم دعائم الدين وأركان الإسلام ، أحمده وهو أهل الحمد وطيْب الكلام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للخلائق المبرأ من الآثام الداعي إلى الجنة دار السلام وعلى آله وصحبه الميامين الكرام ومن تبعهم بإحسان ٍوعلينا معهم مادامت السنين والأعوام أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله هو السبيل إلى رضا ربنا الجليل : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله فقد فاز فوزاً عظيماً ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) . 
عباد الله : العقل نعمة من الله سبحانه وتعالى عظيم القدر جليل المنزلة وهو الفارق بين الإنسان المكلف وبين غيره من المسلوبين إياه أو المجانين وفارقٌ بينه وبين سائر المخلوقات من البهائم والعجماوات ، والله جل جلاله زجر من لم يفكّر بعقله أو يعتبرْ وكذا من لم يهتدِ للحق ولم يُميّز بين الحق والباطل أو لا يتأمل به ولم يفعّله فقال سبحانه :( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لايفقهون بها ولهم أعينٌ لايبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) وقال ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) وحثهم أيضاً على التعقل في الآيات في عشرات المواضع كقوله تعالى : ( إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) ( إن في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون ) ( كذلك نُفصّل الآيات لقوم يعقلون ) . 
عباد الله : ومما يجري في العقول والأذهان تلك الأحلام التي يُسخرها الله لحكمة ويجريها على الناس كافّة وهي من إيجاد الله وتصوير الملك أو الشيطان وتفسيرها بابٌ من أبواب هذا الدين ليس كل أحدٍ يفهمه ويُحسنه ، بل إن له رجاله وأهله ، ومعرفتها وحسن تفسيرها فضيلة وكرامة وممن أُكرم بذلك من الرسل وغالبهم يُحسن ذلك ، وممن اشتهر في ذلك نبي الله يوسف عليه السلام وأبوه يعقوب الذي فهم تأويل رؤياه حينما قال : ( ياأبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) ففهم ذلك أبوه يعقوب عليه السلام وعلم أنها كرامة له ستكون بعد بلوى فقال له يعقوب عليه السلام : ( يابُني لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوّ مبين ) وكذلك نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم الذي رأى عدة رؤى وفسرها ففتح للمتأملين والمهتمين بتفسيرها باباً عظيماً من تفسير الرؤى للعارفين المتقين أصحاب القلوب الرقيقة الرحيمة فإن أسعد الناس بتفسير الرؤى وفهمها وكثرتها هو سليم القلب والرحيم الرقيق من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأبعدهم عنها وعن فهمها وتتابعها هو الجاف الغليظ ثخين القلب والجفاء في النار كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فمن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " رأيت في سيفي ذي الفقار فلاّ ، فأولته - أي فسرته - فلّاّ يكون فيكم - أي انهزاماً - ورأيت أني مُردفٌ كبشاً فأوّلته كبشُ الكتيبة ، ورأيت أني في درع ٍحصينة فأولتها المدينة ، ورأيت بقراً تُذبح فبقرٌ والله خير فبقرٌ والله خير ، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهذا كلّه جرى في غزوة أحد فهُزم المسلمون في غـزوة أحد بعد أن كانوا منتصرين في أول المعركة وذلك بسبب مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمرهم ألا لاينزلوا عن جبل الرُماة وأما الكبش الذي كان يحمله في الرؤيا عليه الصلاة والسلام فهو عثمان بن أبي طلحة حامل لواء المشركين الذي قتله علي رضي الله عنه وسُرّ بذلك النبي حينها عليه الصلاة والسلام ، ورأى رؤياً أخرى في أُحدٍ أيضاً فقال عليه الصلاة والسلام : " رأيت في رؤياي أني هززت سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ماأصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ماكان فإذا هو ماجاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها بقراً والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد " أخرجه الشيخان . عباد الله : ومن الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عُقبة بن رافع فأُتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب " رواه مسلم . 
ومنها أيضاً : " أنه رأى في يديه سوارين من ذهب فكرههما فنفخَهما فطارا فأولهما الكذّابََين : صاحب اليمن وصاحب اليمامة " والمقصود بهما من ادعى النبوة من بعده وهم الأسود العنسي في اليمن ومسيلمة الكذاب في اليمامة فكان ذلك .
ومن الرؤى التي رآها أيضاً عليه الصلاة والسلام الرؤيا الطويلة التي رآها حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي : انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه إلا وقد صحّ رأسه كما كان فيفعل به مثل مافعل بالمرّة الأولى ، قال : قلت لهما سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق ٍلقفاه وإذا آخر قائمٍ عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل مافعل في الجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يفرغ ذلك الجانب كما كان ثم يعود إليه فيفعل مثل مافعل المرّة الأولى ، قال قلت : سبحان الله ماهذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور ، قال الراوي : فأحسب أنه قال فيه لغط وأصوات فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال : قلت ماهؤلاء : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول : أحمر مثل الدم وإذا النهر رجل سابح يسبح وإذا على شطّ النهر رجلٌ قد جمع حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح مايسبح ثمّ يأتي ذلك الذي قد جمع حجارة عنده الحجارة فيفغر له فاه فيُلقمه حجراً فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغـر له فاه فألقمه حجراً قال : قلت لهما : ماهذان ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق قال : فانطلقنا فأتينا على رجل ٍكريه المَرآة ، كأكره ماأنت راءٍ رجلاً مرآةٍ وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها قال : قلت ماهذا ؟ قال : قالا لي : انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمّة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لاأكاد أرى رأسه طولاً في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قطّ قال قلت لهما : ماهذا ماهؤلاء ؟ قال : قالا لي انطلق انطلق قال : فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن قال : قالا لي ارقَ فيها قال : فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبِن ذهب ولَبِن فضّة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففُتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجالٌ شطرٌ من خلقهم كأحسن ماأنت راءٍ وشطرٌ كأقبح ماأنت راءٍ قال : قالا لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فذهبوا فوقعوا فيه ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة ، قال قالا لي : هذه جنّة عدن وهذاك منزلك قال : فسما بصري صعُداً فإذا قصرٌ مثل الربابة البيضاء قال : قالا لي : هذاك منزلك قلت : بارك الله فيكما ذراني فأدخُله قالا : أما الآن فلا وأنت داخله ، قال قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذي رأيت ، قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يُثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، وأما الرجال والنساء العُراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزُناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا ، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحُشّها ويسعى حولها فإنه مالك خازن النار ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة قال : فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين ، وأمّا القوم الذين شطرٌ منهم حسناً وشطرٌ منهم قبيحاً فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم " انتهى ورواه البخاري في صحيحه ، فاللهم أصلح فساد أعمالنا وقلوبنا في الحياة وتداركْنا بلطفك ورحمتك قبل الممات واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل خطيئة وإثم فتوبوا بصدق واستغفروه بحقّ إنه كان غفارا .

  ============ الخطبة الثانية ============   

الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على الهادي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى وبالحق اهتدى وبه اكتفى أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن بعض الرؤى نعمة عظيمة تستلزم الشكر فهي رسالة من الله لك عن طريق الملك إن كان ماتراه حقاً ، 
وهي على ثلاثة أنواع : 
  • أولاً : الرؤيا من الله وهي تأتي بواسطة الملك فيجيء الملك لمحل الأحلام من الدماغ فيصور لابن آدم شيء يفعله من المحضورات للتحذير منه واجتنابه أو شيء مقصر فيه ليفعله أو يخبره بحدث في المستقبل أو مصيبة ليصبر عليها وكل ذلك يدور في فلك إرادة الله بالعبد خيراً فيسلّم العبد ويستسلم لله رب العالمين ويهديه الله لأسباب الصبر والفلاح برحمته ولطفه . 
  • ثانياً : رؤيا من الشيطان وهي باطلٌ وتلاعب من الشيطان بالعبد وكيدٌ له وتشفي منه وذلك يقع لمن فرّط في الأذكار والأوراد الشرعيه عند النوم ، وما أكثر مايُفرّطون فيها بسبب هذه الأجهزة التي ربّما لا ينام في كل ليلة إلا وقد أشغله جهازه عن أذكار النوم فنام بدون أن يقرأها فالله المستعان . 
  • ثالثاً : حديث النفس في اليقظة يراه في المنام وذلك أن يتمنّى تحصيل شيء ولا يتسنّى له ذلك في اليقظة فيراه في المنام وهو تفريغ للنشاط السلبي في اليقظة عن طريق رؤية مثل هذه الأحلام وبعض النفسيين ذكروا أن ذلك يكون إرضاء للعاطفة وأن الأحلام ضرورية لصحة الجسد والعقل والعاطفة ، فالرؤيا الأولى التي تأتي من الله هي حق ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : " الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستّة وأربعين جزءاً من النبوة " رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فالإيمان بها واجب والإستهانة بها فسقٌ وجهل ، بل إن الرؤيا الصالحة قد يراها حتى الكافر امتحاناً له كما رأى فرعون في منامه أن ولداً من أبناء بني اسرائيل يكون ذهاب ملكه على يديه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " لم يبق َمن النبوة إلا المبشرات " قالوا :  وما المبشرات ؟ قال : " الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له " وأصدق الناس في الرؤيا وأوقعهم لما رآه هو أصدقهم فانظر إلى فضل لزوم الصدق حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إذا اقترب الزمان لم تكن رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدق الناس حديثاً أصدقهم رؤيا "  ثمّ لايُحدث بهذه الرؤيا غلا من يُحبّ ، وأمّا الرؤيا التي من الشيطان فهي لاتضرّ ابن آدم ، ولكن عليه غن رأى حلْماً وفزع بالليل أن يُغيّر ضجعته وأن ينفث عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يُحدّث بها أحداً ولن تضرّه ، والحديث مثل هذه الأحلام الشيطانيه من نعمة الله أنها لاتبقى في الذهن طويلاً بل تزول من يومها وتُنسى وتتلاشى .   
ثم إنه معشر الإخوة قد انتشر في هذا الوقت مفسّري الرؤى الذين يجيبون عن أسئلة الرائين وبعضهم في الواقع ليس بمؤهلٍ وبضاعته في تفسير الرؤى قليلة ومع ذلك تصدّر للتفسير علما ًأن الإجابة على الرؤيا فتوى ، فلا ينبغي لأحدٍ أن يُجيب على أي رؤياً أو يتكلّف فيها ملا علم له به ( ولا تقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) فلا تستفتِ إلا من وثقت بخبرته ومعرفته وعلمه ، علماً أن معرفة تفسير الرؤى هبةٌ من الله لبعض الخواص من الناس لايُتعلّم بكتاب ولايُدوّن بالمحابر ولا تُبذل فيه الأسباب ، لأنه يختلف باختلاف الزمان والبيئة والناس ، ولا يُشترط أن يكون مفسّر الرؤى والأحلام من العلماء ، بل كثير منهم ليس ملتزماً في الظاهر ولكنّه عُرف بالأمانة وصلاح القلب وسلامة الصدر وممن وفّق في هذا المجال بسبب صدقه ونقاء سريرته  ، فاللهم وفقنا بتوفيقك واكلأنا برعايتك واحرسنا بعنايتك في منامنا ويقظتنا وفي الحياة وعند الممات وسائر المسلمين والمسلمات يارب الأض والسماوات . . هذا وصلوا وسلموا على رسول الهدى ونور الدجى . . 

















   

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

قصة أصحاب الكهف - خطبة للجمعه

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله معلماً للخلائق ومظهراً للحقائق ومفسراً للأمور الدقائق فبلغ للناس وأسمع للبشر وبشّر وأنذر وأصلح الله به الأعم الأكثر وقصم المنافق والكافر الأشر أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة ٍفي النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
- عباد الله - إن في القصص عبرة وعظة للأنبياء والمرسلين ولعباد الله المؤمنين وزيادة لإيمانهم وتأنيسٌ لهم على مصابهم واستخراجٌ لصبرهم وتثبيتٌ لهم وإخباراً لهم بأحوال ماقد سبق من الأمم يقول الحق تبارك وتعالى : ( لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ماكان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كلّ شيء وهدىً ورحمة لقومٍ يؤمنون ) وقال : ( وكلاً نقصّ عليك من أنباء الرسل مانثبّت به فؤادك وجاءك في هذه الحقّ وموعظةٌ وذكرى للمؤمنين ) وقال : ( فاقصص القصص لعلهم يتذكرون ) ومن القَصص الوارد في القرآن قصة أصحاب الكهف في سورة الكهف التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل أول عشر آياتٍ منها فقال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من المسيح الدجال " والحديث رواه مسلم .
- عباد الله - ومما ينبغي على كل أب أن يُعلّم ويُحفّظ ابناءه وبناته لهذه السورة وإن لم يستطع فلا أقل من عشر آيات من أولها يُلزمهم بحفظها وله أجر ثوابها ماتُليت ، يعصمون بها من الفتن ومن فتنة الدجاّل التي هي من أعظم الفتن التي تزيغ فيها الأحلام وقصة أصحاب الكهف من أعجب القصص الواردة في القرآن وهم فتية الله أعلم بعدتهم وأكثر ماقيل : أنهم سبعة ، وكانوا في زمن ملكٍ يقال له :
" دقيانوس " من ملوك الإمبراطوية الرومانية التي مقرها روما القديمة ، وهذا الملك حمل على قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام كما روى المفسرون ، فكان لايدع العامة من الناس حتى يأتوا ويسجدوا ويعّظّموا هذه الأصنام ، فلمّا كان هذا حال أولئك هذا الفعل المقيت ، امتنع أولئك الفتية من السجود لهذه الأوثان وتلك الأصنام وفرّوا من آبائهم وأمهاتهم فرارا ًبدينهم وعصياناً لذلك الملك الفاجر الذي استعبد الناس وعبّدهم لغير الله وفي ذلك يقول الله : ( إنهم فتية ٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) أي بهتاناً عظيماً وقولاً بعيداً عن الحق ، وكان أولئك الفتية من أبناء أكابر حاشية الملك وفي ذلك وكان الملك يطلُبهم ، ففرّوا لكهف في جبلٍ وحبب الله لهم الإعتزال فاعتزلوا قومهم دهراً طويلاً وألقى الله عليهم النوم فناموا نومة طويلة ورقدة رقوداً في زمن ذلك البحث ولبثوا في تلك النومة تسع وثلاثمائة سنة وفي ذلك يقول الله : ( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ) فرعاهم الله وحماهم من بطش ذلك الطاغية بتلك الرقدة وقد وقع هذا في حوالي القرن الرابع قبل الهجرة النبوية تقريباً  حسب بعض المصادر التأريخية وقد كانوا في تلك الرقدة يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال لكيلا تأكل أجسادهم الأرض والشمس تعطيهم من ثم إن الملك الطاغي هلك وجاء ملوك بعده ، وقد كان من ضوء الشمس مايدخل عليهم ويميل الشعاع جهة يمين الباب للداخل منه فيتقلص الفيء من جهة اليمين لارتفاع الشمس في الأفق وتغرب الشمس فيميل شعاعها جهة الشمال للداخل من الباب وكل ذلك لامدادهم بالطاقة والهواء الذين لو لم يوجدا لفسدت الأجساد وشروقها وغروبها سخره الله بهذه الطريقة لئلا تصيب أجسادهم الشمس فتؤذيهم وربما تحرق أجسادهم وكل ذلك من آيات الله ذكره الله في كتابه حيث قال : ( وترى الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله . . ) وذكر بعض المفسرين أن طريقة دخول بعض ضوء الشمس للكهف يدلّل أن باب الكهف من جهة الشمال ، وذلك يعلمه من يتأمل ويدقق ويتدبر في الآيات وذلك ، ونقل ذلك ابن كثير والشوكاني في تفسيرهما .

- عباد الله - ثم إنهم ناموا تلك النومة الدهرية وعيونهم مفتوحة وذلك أعجب ، وعادة الإنسان أنه لايستطيع النوم بحال إلا وعينه مطبقة مُغلقة بالأجفان لئلا تجفّ فتتلف ، وفي ذلك من العجب الذي يجلب الوحشة الشيءُ الكثير ، وفي ذلك يحكي الله عن نبيه : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولمُلئت منهم رعبا ) وانظر لحفظ الله لهؤلاء وكيف أن الله أوقف في عقولهم الزمن وكذلك النائم لايُحس بمرور الوقت ، ولهذا عندما يُبعث الناس عامة والمجرمون خاصة في الآخرة لايفجعهم إلا قيام الساعة بغتة فيُحسوا أنهم مالبثوا في قبورهم إلا زمناً يسيراً وما عاشوا إلا سويعات فلهذا يقول الله عنهم :( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ ٍزرقا * يتخافتون بينهم إن لبثم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) وكانوا قد لبثوا آلاف السنين ، سنين في حياتهم وكم هائل من السنين بعد مماتهم فسبحان الله ، ثم إن فتية الكهف لما استيقظوا أمروا أحدهم أن يأخذ الورِق ليأتوا لهم بطعام - وهو الفضة وليس الورق الذي يُكتب به كما يعتقد البعض - فأخذ ذلك الورِق فلما أتى المدينة وقيل أنها طرسوس الواقعة في تركيا الآن وقيل أنه في الأردن - وليس لنا كثير فائدة في معرفة موقعه عموماً ، ولو كان لنا فائدة في ذلك لذكر الله موقعه ومكانه - وتكملة للقصة لما أتى ذلك الرجل الذي بعثوه المدينة وجد أن الناس والزمان قد اختلفا فسألوه عن حاله ورفعوا أمره إلى الملك في ذلك الوقت  
- وانظر إلى الغلو في الصالحين ماذا يصنع في القلوب المريضة - فقرر الملك ومن معه من الحاشية قرروا أن يتخذوا على مكانهم الذي باتوا فيه معبداً وذلك قول الله تعالى : ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) ، ولما ذكر الله قصة أهل الكهف أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يعلّق كل أمرٍ يُريده على مشيئة الله فقال سبحانه : ( ولا تقولنّ لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) وسبب نزول تلك الآية أن كفار قريش أرسلوا رجلا ً يُدعى النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى المدينة فلمّا قدموا المدينة سألوا أحبار اليهود عن محمدٍ وما كان من أمره ، فقالوا : سلوه عن ثلاث خلال : عن فتية مضوا في الزمن الأول وقد كان لهم خبرٌ ونبأ وحديث مُعجب ، وعن رجلٍ طوّاف ٍبلغ من البلاد مالم يبلغه غيره ؟ وعن الروح ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غداً أخبركم عن ذلك " ولم يستثنِ ، فمكث عنه جبريل بضعة عشر ليلة مايأتيه ولا يراه ، حتى أرجف به أهل مكة ، فقالوا : إن محمداً وعدنا أن يُخبرنا عمّا سألناه عنه غدا ً فهذه بضعة عشر ليلة ، فكبُرَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم لُبث جبريل عنه ، ثم جاءه بسورة الكهف كاملة حسب ماذُكر بما فيها قوله الله سلفاً : ( ولا تقولن لشأي إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) ، ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : " لقد احتُبست عنّي ياجبريل حتى سئت ظنــّا ً فأنزل الله آية في سورة مريم : ( ومانتنزّل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربّك نسيّا ) ومن ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأن المقصود بالفتية أهل الكهف وبالرجل الطواف في البلاد أنه ذو القرنين وأما الروح فذكر أنها من أمر الله وأنها من عجيب صنعه وأنهم لم يؤتوا من العلم لكي يلعمون كنهها وكيفيتها لقصر عقولهم عن فهم ذلك ، وذلك قول الله تعالى المصدق لهذا السؤال الذي سألوه : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ً ) . 
- عباد الله - هناك الكثير والكثير من آيات الله التي نجهلها ولا نعلمها علماً أن قصة أهل الكهف التي بلغت في العجب مبلغا ً عند اليهود والنصارى والمسلمين ليست هي أعجب آيات الله لمن تدّبر تلك الآيات وفتّش في كتاب الله واطلع على آيات الله الكونية من خلق السماوات والأرض وغيرذلك ولهذا يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) أي أنها يامحمد ليست بأعجب آياتنا فلا تظن مثل هذا الظنّ ، والرقيم الوارد ذكره في الآيات قيل بأنه لوحُ فيه أٍسماؤهم وقيل هو اسم الوادي الذي يقع عليه ذلك الكهف وقيل : اسم الجبل ، وأصح ماقيل في ذلك أنه : لوحٌ يحوي على أسمائهم وقصتهم وهذا المتبادر في التفسير اللغوي لأن الرقيم مأخوذ من الرقمة وهي العلامة التي تدل على شيء فعُلم أنه شيء - أي الرقيم - شيء مكتوب ومُعلّم بعلامة - والله أعلم وأحكم ، فاللهم علّمنا وأرشدنا لكل خير وارزقنا حسن النظر والتوفيق في سائر أمورنا وبارك لنا في القرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم واغفر لنا ولوالدينا ووفقنا للإستغفار في الليسر والإعسار إنك أنت الكريم الودود الغفار . 

=========== الخطبة الثانية ============
الحمدلله الذي عُرف بآياته واستُدل بهن على ذاته أحمده وهو المعظّم في أرضه وسماواته والصلاة والسلام على من اصطفاه ربه من خلقه وبريّاته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه من أمته وأهل ملّته وسلّم تسليما كثيراً أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وثقوا أن أعظم حافظٍ في كل فتنة ومن كل شرّ ٍومحنة توحيد الله الذي هو الحبل الوثيق في الشدائد والضيق ، وماكان حفظ الله لأهل الكهف من بطش الطالبين المناوئين لهم وكذلك جعلهم عبرة للناس وقدوة في الخير إلا بتوحيدهم الذي سطّروه في الكتب المنزلة ومنها القرآن بقوله : ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) ولهذا كان مما يشبه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال لاإله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير في يومٍ مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر من ذلك ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، والشاهد قوله : " كانت له حرزا ًمن الشيطان " أي حفظا ً منه وشروره وذريته حتى يُمسي  . 
- عباد الله - من كان يَعجبُ من قصة إيقاظ الله جلّ جلاله لأهل الكهف بعد رقودهم الطويل ، فليعلم أن الله أحيا ألوفاً بعد ماأماتهم وهذا أعجب وأغرب وأشدّ دهشة لمن تأمله وتفكّر فيه ، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة البقرة : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوفٌ حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون ) وذكر بعض المفسرين أن ذلك وقع وجرى في العراق في قرية يُقال لها " داوردان " قريبا ً من مدينة يُقال لها واسط وهي بهذا المسمًى في العراق الآن ، وأنهم خرجوا فراراً من الطاعون وكانوا حوالي أربعة آلاف كما ذُكر ذلك عن ابن عبّاس فأرسل الله عليهم الموت فماتوا جميعاً وبليت عظامهم وأنه مرّ بهم نبي من بني اسرائيل يُقال له : " حزقيال " فدعا الله وابتهل أن يُحييهم ، فأحياهم الله جميعا وأمره أن ينادي بهم فيقول : " ياأيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي " فاجتمعت ثم أمره أن يُنادي بهم ويقول : " أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم " فاكتست ، ثم أمره أن يُنادي بهم ويقول : " ياأيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك " فقاموا بإذن الله تعالى وقدرته ، وهذا من أعجب ماسُمع به في إحياء الموتى وقد ذُكرت هذه القصة في التوراة وكتب أهل الكتاب ، ويُشبه ذلك قصة ابراهيم أبو الأنبياء وخليل الرحمن حينما قال لربه : " ربِّ أرتي كيف تُحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهنّ أليك - أي اجمعهن إليك - ثم اجعل على كل جبلٍ منهن جزءا ثمّ ادعهن يأتيك سعيا واعلم أن الله عزيزٌ حكيم ) ففعل ابراهيم ماقال له ربّه وأخذ أربعة من الطير من أنواع متفرقة أيضا ًكما ورد عن المفسرين مقطعة قطعاً قطعاً فرقهن ووضع كل قطعة منهن على رأس كل جبل من جبالٍ اربعة ثم أمره الله أن يناديهن فاجتمعن بقدرة الله وجئنه يسعين وذلك مشهدٌ من مشاهد إحياء الموتى الذي يكون على جميع الخلائق من الجن والإنس والحيوان يوم الدين ، فاللهم كن لنا جاراً يوم الفزع الأكبر عزّ جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماءك ولا إله غيرك . . هذا وصلوا وسلموا على المصطفى المختار وسيد البررة الأخيار فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان غلى يوم الدين وعنّا معهم يارب العالمين . 









الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

خطبة عن تصحيح الإعتقاد والتصورات والمسميات

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غُلفا فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وعلينا معهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين مادارت الساعات والأيام وتصرّمت السنين والأعوام أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله فتقوى الله في السر والنجوى عافية من كل بلوى وأمان الله لايتأتّى إلا بالتقوى ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم ) . 
عباد الله : إن هذا الدين الحنيف أتى بنجاة العباد من الذلّة والإستعباد وهداهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم ونسب سبحانه العزة له وللمؤمنين حيث قال سبحانه : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايعلمون ) وقال : ( إن العزة لله جميعاً هو السميع العليم ) ومن أعظم أسباب العزة وصلاح الحال والنجاة في الآخرة صلاح المعتقد والتصور وقد كفّر الله المؤلهين لغيره باللفظ أو بالفعل حيث كفر النصارى القائلين بالتثليث فقال : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا إله ٌواحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّن الذين كفروا منهم عذابٌ أليم ) وكفّـر الناسبين لله نقصاً أو أنكروا له اسماً أو صفة أو نسبوا له وصفاً سيئاً لايليق أو من نسب لله الولد الذي يستلزم الزوجه له والولاده للإله الإبن وغير ذلك جل الله وتقدّس عمّا يقول الظالمون فقال في شأن ذلك كلّه : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ماقالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدّمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ) وقال : ( وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يُضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ) واستعظم الله قولهم فقال : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا *لقد جئتم شيئاً إدّا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هداّ * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا *إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * ) وقال في شأن من تناول بعض أسماء الله بالنفي أو الميل بها عن مراد الله إلى مراد ذلك الضالّ المنحرف مثل إنكار اسم الله الرحمن الذي أنكره بعض كفّار قريش فقال الله في ذلك : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ماتدعوا فله الأسماء الحسنى .... ) وقال أيضاً : ( إن الذين يُلحدون في أسمائنا لايخفون علينا أفمن يُلقى في النار خيرٌ أمّن يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ماشئتم إنه بما تعملون بصير ) ومن صور الإلحاد في ذلك أيضاً اشتقاق اسم أو صفة من صفات الله كما فعل بعض المشركين الذين اشتقوا من اسم الله " العزيز " اسم صنمهم : " العزى " واشتقوا من اسم الله : " المنّان " مناة وكثيرٌ في كتاب الله تلك الآيات التي تُعين على تقويم عقيدة المؤمن وتحقيق التوحيد ونبذ التصورات الفاسدة عن الإله جل جلاله في الفعل والعمل خاصة وكذلك في اللفظ والقول أيضاً كما ورد عن المصطفى عليه السلام في النهي عن بعض الألفاظ الشركيه التي تجرّ إلى سوء التصوّر والمعتقد الباطل وترسّخ التصور النقي الفطري الذي ينبغي للإله ولمقام الألوهية الذي يلزم العباد صرفه للبارئ سبحانه وتعالى حتى في أضيق الأحوال وأشدّ الظروف فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" إذا أصاب أحدكم همّ أو لأواء فليقل : الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً " أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ، وفي حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أعلمك كلماتٍ تقولينها عند الكرب ، أو في الكرب : الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً " رواه أبوداوود وابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وصححه جمعٌ من أهل العلم ، وكذلك نسبة النعمة لله الذي يحقق أيضاً التصور الصحيح لحصول النعم وأن المُنعم سبحانه هو من سخرها ووهبها ، وأن لايتعلق الإنسان بغير ربّه فيُفسد التصوّر الصحيح الذي رسّخ له هذا الدين ، ففي حديث زيد بن خالد الجُهني رضي الله عنه قال : " صلى بنا رسول صلى الله عليه وسلم بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلمّا انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب ، وأما من قال : مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب " وكذلك نهى عن كل لفظٍ يُفسد صحة الإعتقاد والتصوّر المعتقدي الصحيح فنهى عن قول : " ماشاء الله وشئت " وعن الحلف إلا بالله دون غيره فعن ابن عباّس رضي الله عنه وعن أبيه : " أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ماشاء الله وشئت ، فقال - أي النبي عليه الصلاة والسلام - : أجعلتني لله ندّاً ، بل ماشاء الله وحده ، وفي حديث آخر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : " ورب الكعبة ، وأن يقولوا : ماشاء الله ثمّ شئت " رواه النسائي وصححه ، ومن المناهي اللفظية - وقصدنا بذلك تلك الألفاظ التي نهى عن استعمالها الشرع لأنها تحـْرِفُ عقيدة العبد ، نقول : منها : سبّ الدهر ، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر وأنا الدهر أُقلّب الليل والنهار " وفي رواية : لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " ومن المناهي اللفظية - تعبيد الأسماء لغير الله : كعبد الكعبة وعبد النبي وعبدالحارث وعبدزيد وأشنع من ذلك من تعبّد للأوثان كعبد مناة وعبدالعزى ، وذكر الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا عبدالصمد قال حدثنا عمر بن ابراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لمّا ولدت حوّاء طاف بها إبليس وكان لايعيش لها ولد فقال : سمّيه عبدالحارث فإنه يعيش ، فسمته عبدالحارث فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره ، وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن عبدالصمد بن عبدالوارث به ، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآيه عن محمد بن المثنى عن عبدالصمد به وقال : هذا حديث حسن غريب لانعرفه إلا من حديث عمر بن ابراهيم ، ورواه الحاكم في مستدركه مرفوعاً ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرّجاه - أي الشيخين البخاري ومسلم  وروى مثله جماعة من المفسرين وذُكر كل هذا عند قول الله تعالى : ( فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عمّا يُشركون ) . 
 ومن المناهي اللفظية ياعباد الله التسمي بملك الملوك أو ملك الأملاك وما يرادفها في اللغات الأخرى ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخنع اسمٍ عند الله رجل ٌتسمّى ملك الملوك ، لامالك إلا الله " وفي رواية أخرى : " أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه " ، وفي رواية : " إن أوضع اسم عند الله . .  - الحديث - " أي أحقر وأصغر . 
ومثله الحكم فكان أبو شريح رجل ٌمن الصحابة رضوان الله عليهم يُسمّى " أبا الحكم " فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم : " إن الله هو الحكم ، وإليه الحُكُم " فقال : " إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين ، فقال - أي النبي صلى الله عليه وسلم : " ماأحسن هذا ، فما لك من الولد ؟ " قال : شُريح ومسلم وعبدالله  ، قال : " فمن أكبرهم " قلت: شُريح ، قال : " فأنت أبو شُريح " . رواه أبوداوود وجمعٌ من المحدثين ، فصارت سنّة بعد ذلك ونِعم السُنّة ، وإن من كريم الأخلاق وحسين الصفات وكمال خُلق المسلم أن ينادي أخيه بكنيته لاباسمه والذي نشاهده ولله الحمد منتشراً في بلادنا ، فاللهم أقم لنا ألسنتنا على الرشد والخير واكفنا شر أنفسنا وشر الأشرار من الغير ، وبارك الله لي ولكم في القُرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

=============  الخطبة الثانيه ============= 
الحمدلله الكريم المنّان ذو الفضل والإحسان والجود والإمتنان نحمده في كل آن ونشكره على ماأولى من النعم في الأرزاق والأبدان والصلاة والسلام على المبعوث بالقرآن والحكمة والإيمان وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما ًكثيرا أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أننا لو تتبعنا الألفاظ التي نهى عن استعمالها الشرع لطال بنا المقام ولكن من أراد ضبط ذلك فليعلم أن التسميات عموما ً ومثلها الألفاظ تنقسم إلى قسمين : 
* الأول : ماكان من الأسماء والألفاظ مايقدح في التوحيد كالتسمية ببعض أسماء الله وصفاته أو تعبيد الأسماء لغير الله أو التسمية بأسماء أصنام تُعظم أو آلهة وثنية أو نحو ذلك أو تحتوي على تعظيم الأشخاص كاسم السيد لأن السيد هو الله كما ورد في الحديث ، ولكن لو قال سيدي لكان جائز . 
* الثاني : ماكان يحتوي من الأسماء والألفاظ على معنى فاسد وقبيح فهذا لايصح التسمية فيه لتأثيره على الشخص المسمى فكثيراً مايفعل ذلك المعنى الذي سُمّي به وذكر الأطباء النفسيون أن الإسم له تأثير على من سُمّي به ، وإن لم يبدو أثره الآن والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحسين الأسماء وتسهيلها والإبتعاد عن العسير وما يجلب الشر منها وكذلك الأسماء التي فيها تأول على الله أو تزكية للنفس  كاسم بّرة والذي هو من البرّ فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم زوجته برّة بن جحش إلى زينب بنت جحش وقال : " لاتزكوا أنفسكم فإن الله هو أعلم بالبرّة منكن والفاجرة " رواه البخاري في الأدب المفرد وغيراسم عاصية إلى جميلة وجثّامة إلى حسّانة وغيرها من الأسماء ، ومن ذلك اسم حزَن للرجال فقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم رجل حزن إلى سهل فعن سعيد بن المُسيّب عن أبيه عن جدّه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له - أي لجدّه : " مااسمك ؟ قال : " حزَن " قال : " أنت سهل " قال : " لا ، السهل يُوطأ ويُمتهن " قال سعيد : فظننت أنه سيصيبنا بعده حُزُونة ، ثم قال - أي جدُّه - : لاأغير اسماً سمّانيه أبي ، قال سعيد : " فما زالت الحُزُونة فينا بعد " والمقصود من ذلك كلّه هو : عدم تسرّب المعنى الرديء إلى النفس وتأثيرها فيه وإن كان أصل التسمية من مبدأ القوة والشجاعة والبأس والإفتخار ، وذلك أن العرب تُسمي الأرض الصلبة بالحَزَن واللينة بالسهل ، ولكن وقوع الإسم على النفس يُعطي ذلك المعنى والوصف السيء الذي يجلب الهموم والغموم وهو الحُزُن والذي كان دائماً عليه الصلاة والسلام يستعيذ منه ويأمر بالإستعاذة منه ، لأنه يجعل الرجل لايقوم بمصالحه ولاحتى فروض دينه ويعقل العقل عن التفكير الإيجابي ، ومما يُؤسف له في هذه الأام انتشار أسماءٍ دخيلة علينا لها معانٍ فاسدة بل وفي بعضها شرك وكُفر وليست بعربية ومن تسمّى بأسماء ملة غير الإسلام شابههم في أفعالهم أو قارب ذلك وإذا كان التكلّم بغير العربية مكروه فكيف بالتسمي بأسماء من يصدّون عن دين الله ويُحرضون على قتل المسلمين أو يعينون على قتلهم في كل مكان علماً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلٌ يتكلم بالفارسية فقال له : " أترضى بالمجوسية بعد الحنيفية "  ويامن أبتليت بمثل ذلك فلزاماً على كل رجل منّا أن يبحث عن معنى كل اسم يُريد أن يُسمّى به وتغيير اسم الأنثى ليس كالذكر ، واعلم أن الإسم إذا سمّيت به فإنه سيعيش بعد موتك سنين عديده فاحذر عند الإختيار أن تُسمّي باسمٍ محظورٍ شرعاً يكون سُنّة متبوعة بعد رحيلك ، فاللهم إياك نسأل ولك ندعو ونبتهل أن تهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال ، ياواسع الإنعام والإفضال وحقق مانصبو إليه من آمال . .


خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...