الاثنين، 12 نوفمبر 2018

قصة أصحاب الكهف - خطبة للجمعه

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله معلماً للخلائق ومظهراً للحقائق ومفسراً للأمور الدقائق فبلغ للناس وأسمع للبشر وبشّر وأنذر وأصلح الله به الأعم الأكثر وقصم المنافق والكافر الأشر أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة ٍفي النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
- عباد الله - إن في القصص عبرة وعظة للأنبياء والمرسلين ولعباد الله المؤمنين وزيادة لإيمانهم وتأنيسٌ لهم على مصابهم واستخراجٌ لصبرهم وتثبيتٌ لهم وإخباراً لهم بأحوال ماقد سبق من الأمم يقول الحق تبارك وتعالى : ( لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب ماكان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كلّ شيء وهدىً ورحمة لقومٍ يؤمنون ) وقال : ( وكلاً نقصّ عليك من أنباء الرسل مانثبّت به فؤادك وجاءك في هذه الحقّ وموعظةٌ وذكرى للمؤمنين ) وقال : ( فاقصص القصص لعلهم يتذكرون ) ومن القَصص الوارد في القرآن قصة أصحاب الكهف في سورة الكهف التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل أول عشر آياتٍ منها فقال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من المسيح الدجال " والحديث رواه مسلم .
- عباد الله - ومما ينبغي على كل أب أن يُعلّم ويُحفّظ ابناءه وبناته لهذه السورة وإن لم يستطع فلا أقل من عشر آيات من أولها يُلزمهم بحفظها وله أجر ثوابها ماتُليت ، يعصمون بها من الفتن ومن فتنة الدجاّل التي هي من أعظم الفتن التي تزيغ فيها الأحلام وقصة أصحاب الكهف من أعجب القصص الواردة في القرآن وهم فتية الله أعلم بعدتهم وأكثر ماقيل : أنهم سبعة ، وكانوا في زمن ملكٍ يقال له :
" دقيانوس " من ملوك الإمبراطوية الرومانية التي مقرها روما القديمة ، وهذا الملك حمل على قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام كما روى المفسرون ، فكان لايدع العامة من الناس حتى يأتوا ويسجدوا ويعّظّموا هذه الأصنام ، فلمّا كان هذا حال أولئك هذا الفعل المقيت ، امتنع أولئك الفتية من السجود لهذه الأوثان وتلك الأصنام وفرّوا من آبائهم وأمهاتهم فرارا ًبدينهم وعصياناً لذلك الملك الفاجر الذي استعبد الناس وعبّدهم لغير الله وفي ذلك يقول الله : ( إنهم فتية ٌ آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) أي بهتاناً عظيماً وقولاً بعيداً عن الحق ، وكان أولئك الفتية من أبناء أكابر حاشية الملك وفي ذلك وكان الملك يطلُبهم ، ففرّوا لكهف في جبلٍ وحبب الله لهم الإعتزال فاعتزلوا قومهم دهراً طويلاً وألقى الله عليهم النوم فناموا نومة طويلة ورقدة رقوداً في زمن ذلك البحث ولبثوا في تلك النومة تسع وثلاثمائة سنة وفي ذلك يقول الله : ( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ) فرعاهم الله وحماهم من بطش ذلك الطاغية بتلك الرقدة وقد وقع هذا في حوالي القرن الرابع قبل الهجرة النبوية تقريباً  حسب بعض المصادر التأريخية وقد كانوا في تلك الرقدة يقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال لكيلا تأكل أجسادهم الأرض والشمس تعطيهم من ثم إن الملك الطاغي هلك وجاء ملوك بعده ، وقد كان من ضوء الشمس مايدخل عليهم ويميل الشعاع جهة يمين الباب للداخل منه فيتقلص الفيء من جهة اليمين لارتفاع الشمس في الأفق وتغرب الشمس فيميل شعاعها جهة الشمال للداخل من الباب وكل ذلك لامدادهم بالطاقة والهواء الذين لو لم يوجدا لفسدت الأجساد وشروقها وغروبها سخره الله بهذه الطريقة لئلا تصيب أجسادهم الشمس فتؤذيهم وربما تحرق أجسادهم وكل ذلك من آيات الله ذكره الله في كتابه حيث قال : ( وترى الشمس تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله . . ) وذكر بعض المفسرين أن طريقة دخول بعض ضوء الشمس للكهف يدلّل أن باب الكهف من جهة الشمال ، وذلك يعلمه من يتأمل ويدقق ويتدبر في الآيات وذلك ، ونقل ذلك ابن كثير والشوكاني في تفسيرهما .

- عباد الله - ثم إنهم ناموا تلك النومة الدهرية وعيونهم مفتوحة وذلك أعجب ، وعادة الإنسان أنه لايستطيع النوم بحال إلا وعينه مطبقة مُغلقة بالأجفان لئلا تجفّ فتتلف ، وفي ذلك من العجب الذي يجلب الوحشة الشيءُ الكثير ، وفي ذلك يحكي الله عن نبيه : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولمُلئت منهم رعبا ) وانظر لحفظ الله لهؤلاء وكيف أن الله أوقف في عقولهم الزمن وكذلك النائم لايُحس بمرور الوقت ، ولهذا عندما يُبعث الناس عامة والمجرمون خاصة في الآخرة لايفجعهم إلا قيام الساعة بغتة فيُحسوا أنهم مالبثوا في قبورهم إلا زمناً يسيراً وما عاشوا إلا سويعات فلهذا يقول الله عنهم :( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ ٍزرقا * يتخافتون بينهم إن لبثم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ) وكانوا قد لبثوا آلاف السنين ، سنين في حياتهم وكم هائل من السنين بعد مماتهم فسبحان الله ، ثم إن فتية الكهف لما استيقظوا أمروا أحدهم أن يأخذ الورِق ليأتوا لهم بطعام - وهو الفضة وليس الورق الذي يُكتب به كما يعتقد البعض - فأخذ ذلك الورِق فلما أتى المدينة وقيل أنها طرسوس الواقعة في تركيا الآن وقيل أنه في الأردن - وليس لنا كثير فائدة في معرفة موقعه عموماً ، ولو كان لنا فائدة في ذلك لذكر الله موقعه ومكانه - وتكملة للقصة لما أتى ذلك الرجل الذي بعثوه المدينة وجد أن الناس والزمان قد اختلفا فسألوه عن حاله ورفعوا أمره إلى الملك في ذلك الوقت  
- وانظر إلى الغلو في الصالحين ماذا يصنع في القلوب المريضة - فقرر الملك ومن معه من الحاشية قرروا أن يتخذوا على مكانهم الذي باتوا فيه معبداً وذلك قول الله تعالى : ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) ، ولما ذكر الله قصة أهل الكهف أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يعلّق كل أمرٍ يُريده على مشيئة الله فقال سبحانه : ( ولا تقولنّ لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) وسبب نزول تلك الآية أن كفار قريش أرسلوا رجلا ً يُدعى النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى المدينة فلمّا قدموا المدينة سألوا أحبار اليهود عن محمدٍ وما كان من أمره ، فقالوا : سلوه عن ثلاث خلال : عن فتية مضوا في الزمن الأول وقد كان لهم خبرٌ ونبأ وحديث مُعجب ، وعن رجلٍ طوّاف ٍبلغ من البلاد مالم يبلغه غيره ؟ وعن الروح ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال : " غداً أخبركم عن ذلك " ولم يستثنِ ، فمكث عنه جبريل بضعة عشر ليلة مايأتيه ولا يراه ، حتى أرجف به أهل مكة ، فقالوا : إن محمداً وعدنا أن يُخبرنا عمّا سألناه عنه غدا ً فهذه بضعة عشر ليلة ، فكبُرَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم لُبث جبريل عنه ، ثم جاءه بسورة الكهف كاملة حسب ماذُكر بما فيها قوله الله سلفاً : ( ولا تقولن لشأي إني فاعلٌ ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) ، ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل : " لقد احتُبست عنّي ياجبريل حتى سئت ظنــّا ً فأنزل الله آية في سورة مريم : ( ومانتنزّل إلا بأمر ربك له مابين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربّك نسيّا ) ومن ثمّ إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأن المقصود بالفتية أهل الكهف وبالرجل الطواف في البلاد أنه ذو القرنين وأما الروح فذكر أنها من أمر الله وأنها من عجيب صنعه وأنهم لم يؤتوا من العلم لكي يلعمون كنهها وكيفيتها لقصر عقولهم عن فهم ذلك ، وذلك قول الله تعالى المصدق لهذا السؤال الذي سألوه : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ً ) . 
- عباد الله - هناك الكثير والكثير من آيات الله التي نجهلها ولا نعلمها علماً أن قصة أهل الكهف التي بلغت في العجب مبلغا ً عند اليهود والنصارى والمسلمين ليست هي أعجب آيات الله لمن تدّبر تلك الآيات وفتّش في كتاب الله واطلع على آيات الله الكونية من خلق السماوات والأرض وغيرذلك ولهذا يقول الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) أي أنها يامحمد ليست بأعجب آياتنا فلا تظن مثل هذا الظنّ ، والرقيم الوارد ذكره في الآيات قيل بأنه لوحُ فيه أٍسماؤهم وقيل هو اسم الوادي الذي يقع عليه ذلك الكهف وقيل : اسم الجبل ، وأصح ماقيل في ذلك أنه : لوحٌ يحوي على أسمائهم وقصتهم وهذا المتبادر في التفسير اللغوي لأن الرقيم مأخوذ من الرقمة وهي العلامة التي تدل على شيء فعُلم أنه شيء - أي الرقيم - شيء مكتوب ومُعلّم بعلامة - والله أعلم وأحكم ، فاللهم علّمنا وأرشدنا لكل خير وارزقنا حسن النظر والتوفيق في سائر أمورنا وبارك لنا في القرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم واغفر لنا ولوالدينا ووفقنا للإستغفار في الليسر والإعسار إنك أنت الكريم الودود الغفار . 

=========== الخطبة الثانية ============
الحمدلله الذي عُرف بآياته واستُدل بهن على ذاته أحمده وهو المعظّم في أرضه وسماواته والصلاة والسلام على من اصطفاه ربه من خلقه وبريّاته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه من أمته وأهل ملّته وسلّم تسليما كثيراً أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وثقوا أن أعظم حافظٍ في كل فتنة ومن كل شرّ ٍومحنة توحيد الله الذي هو الحبل الوثيق في الشدائد والضيق ، وماكان حفظ الله لأهل الكهف من بطش الطالبين المناوئين لهم وكذلك جعلهم عبرة للناس وقدوة في الخير إلا بتوحيدهم الذي سطّروه في الكتب المنزلة ومنها القرآن بقوله : ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططاً ) ولهذا كان مما يشبه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال لاإله إلا الله وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير في يومٍ مائة مرّة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمِل أكثر من ذلك ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، والشاهد قوله : " كانت له حرزا ًمن الشيطان " أي حفظا ً منه وشروره وذريته حتى يُمسي  . 
- عباد الله - من كان يَعجبُ من قصة إيقاظ الله جلّ جلاله لأهل الكهف بعد رقودهم الطويل ، فليعلم أن الله أحيا ألوفاً بعد ماأماتهم وهذا أعجب وأغرب وأشدّ دهشة لمن تأمله وتفكّر فيه ، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة البقرة : ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهو ألوفٌ حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون ) وذكر بعض المفسرين أن ذلك وقع وجرى في العراق في قرية يُقال لها " داوردان " قريبا ً من مدينة يُقال لها واسط وهي بهذا المسمًى في العراق الآن ، وأنهم خرجوا فراراً من الطاعون وكانوا حوالي أربعة آلاف كما ذُكر ذلك عن ابن عبّاس فأرسل الله عليهم الموت فماتوا جميعاً وبليت عظامهم وأنه مرّ بهم نبي من بني اسرائيل يُقال له : " حزقيال " فدعا الله وابتهل أن يُحييهم ، فأحياهم الله جميعا وأمره أن ينادي بهم فيقول : " ياأيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي " فاجتمعت ثم أمره أن يُنادي بهم ويقول : " أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم " فاكتست ، ثم أمره أن يُنادي بهم ويقول : " ياأيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك " فقاموا بإذن الله تعالى وقدرته ، وهذا من أعجب ماسُمع به في إحياء الموتى وقد ذُكرت هذه القصة في التوراة وكتب أهل الكتاب ، ويُشبه ذلك قصة ابراهيم أبو الأنبياء وخليل الرحمن حينما قال لربه : " ربِّ أرتي كيف تُحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهنّ أليك - أي اجمعهن إليك - ثم اجعل على كل جبلٍ منهن جزءا ثمّ ادعهن يأتيك سعيا واعلم أن الله عزيزٌ حكيم ) ففعل ابراهيم ماقال له ربّه وأخذ أربعة من الطير من أنواع متفرقة أيضا ًكما ورد عن المفسرين مقطعة قطعاً قطعاً فرقهن ووضع كل قطعة منهن على رأس كل جبل من جبالٍ اربعة ثم أمره الله أن يناديهن فاجتمعن بقدرة الله وجئنه يسعين وذلك مشهدٌ من مشاهد إحياء الموتى الذي يكون على جميع الخلائق من الجن والإنس والحيوان يوم الدين ، فاللهم كن لنا جاراً يوم الفزع الأكبر عزّ جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماءك ولا إله غيرك . . هذا وصلوا وسلموا على المصطفى المختار وسيد البررة الأخيار فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان غلى يوم الدين وعنّا معهم يارب العالمين . 









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...