الاثنين، 17 يونيو 2019

خطبة عن الحفاظ عى النعمة وأثر ذلك

الحمدلله الذي امتن على عباده بالنعم وصرف عنهم الشرور والنِقم ، أحمده وهو الجواد الحكم وأثني عليه وهو أهل الثناء والكرم وأصلي وأسلم على المبعوث بالقول البيّن وجوامع الكلم وعلى آله وصحبه مصابيح الظُلم وأهل المناقب والقيم وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ومن سلك سبيل المؤمنين أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى يُنال المقصود ويستردّ كل خير مفقود ويرضى رب الوجود ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون ) ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لايحتسب . .) ثمّ اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتُها وكلّ محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : نعم الله علينا عظيمة كثيرةٌ تزداد حيناً وتقلّ حيناً آخر والفضل كلّه لله في ذلك ، يقول الحقّ تبارك وتعالى : [ وإن تعدوا نعمة الله لاتُحصوها إن الله لغفور رحين  ] وقال سبحانه : [ وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلومٌ كفّار ] .
فانظر كيف نسب لنفسه المغفرة والرحمة والإنعام بالتفضل على بني البشر بمغفرة ذنوبهم وسترها ورحمتهم وإدرار الرزق لهم ونسب للإنسان الكفر بالنعمة والظلم والطغيان لأنه في الغالب كذلك إلا من رحم الله وتأمل كيف أفرد الظلم وأتى بصيغة المبالغة التي تدل على كثرة الفعل في قوله " كفّار " لأن الإنسان يُكثر الكفر بالنعمة وسريعاً ماينساها خلا عباد الله المؤمنين الذين يديمون الشكر والثناء والحمد لله في العسر واليسر وهذه وقفة مع هذه الآية العظيمة التي فيها يقول ربنا جلا جلاله :

(( ألم تروا أن الله سخر لكم مافي السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يُجادل في الله بغير ولا هدىً ولا كتاب منير )) .

أخي المبارك : تأمل قول الله تعالى : " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " كيف أن الله استخدم كلمة " أسبغ " التي تدل على الكمال والتمام فنعم الله كثيرة وكبيرة ومتعددة ووافرة منها الظاهر الذي يراه الإنسان ويسمعه ويحسه ويلمسه ومن النعم ماهو باطن لايعرفه ابن آدم إلا إذا فقده وعدِمه وذُكّر به وهذا من فضل الله ورحمة أن لايُحاسب الإنسان على مجموع نعمه كلها بل على الظاهر البيّن  مع حلمه أيضاً في الظاهر منها فاللهم لانُحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك .

عباد الله : إن من أعظم نعم الله الظاهرة التي تستوجب الشكر السمع والبصر والحياة والهداية والعلم والرزق بما في ذلك توافر المال والأزواج والأولاد والليل والنهار والمسكن والملبس والمركب وفي ذلك كلّه يقول المُنعم الرحيم والرب الكريم : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) ويقول في الهداية : ( أومن كان ميتاً فاحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثلُه في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زُين للكافرين ماكانوا يعملون ) وقال في العلم : ( ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون ) وقال في الرزق : ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركاءكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يُشركون ) وقال في الأزواج والأولاد : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) وقال في نعمة الليل والنهار : ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من رحمته ولعلكم تشكرون ) وقال في المساكن والبيوت : ( والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين ) وقال في الملبس والرداء : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يُواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون ) وقال في المراكب القديمة والحديثة : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالاتعلمون ) فتأمل كيف قال سبحانه ( ويخلق مالاتعلمون ) فهي شاملة لجميع المراكب الحديثة من سيارات وقطارات وطائرات وباخرات صغيرها وكبيرها وقديمها وحديثها وما فرّط سبحانه في الكتاب من شيء جل جلاله وتقدست اقواله وعظـُم في الناس نواله وعطاياه وهباته فهل من شكرٍ وحمد وثناءٍ على الله بما هو أهله ؟ 

فالحمد لله حمداً لو حمدناهُ 

بدهرنا كلّه ماقد وفينـــاهُ 
حمداً يُضاهي كثيراً من عطاياهُ
مدى الحياةِ لذي الأفضال والمنّة 
فنحمد الرب أولانا وأعطانا 
ونحمد الرب أعلانا وأسدانا 
ونحمد الرب إيماناً وإحسانا
ونسأل الله رضواناً مع الجنـــــــة 

عباد الله : إن مما يتوجب على العباد المحافظة على مثل هذه النعم العظيمة التي تزيد بالشكر وتقل بالتبذير والإسراف يقول سبحانه : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتُم إن عذابي لشديد ) وحذر في المُقابل - ياعباد الله - من الإسراف والتبذير الذي يجرّ إلى النقص في الأرزاق والنعم فقال موجهاً نبيه وأمته ( وآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) وتأمل كيف قرن حق القريب الذي اعتاد الناس عليه في إكرامه بالولائم المناسبة مع البذخ من بعضهم في الولائم التي يُقدمونها بغير حق وهي أكثر من اللازم المتوجّب الذي أدخل البعض في دائرة الإسراف والتبذير والذين استحقوا بالتالي أخوة الشيطان لاولاية الرحمن بفعلهم المشين والمقصود من ذلك كلّه أن تُستصحب خشية الله في تقدير تلك الولائم المُقدّمة للضيوف عموماً بغير إسراف ولا زيادة فاحشة ولا تبذير .

عباد الله : من قُدّر عليه أن ابتُلي بمثل ذلك حين إعداد تلك الولائم  فعليه أن يحذر من إلقاء تلك الأطعمة في المزابل القريبة أو البعيدة وعليه أن يتصل بجمعية حفظ النعمة أو جمعية إطعام والمنتشرة في مناطق المملكة كلها بل وفي كل مدينة  وليبادر لذلك بلا تردد خصوصاً أن تحركهم لتلقي مثل هذه الأنعام وهذه الأطعمة فوري ولله الحمد فكل ماعليك أن تحفظ رقمهم في جوالك إذا كنت عاجزاً عن تهيئة مثل هذه الأطعمة وتغليفها لإعطائها للفقراء والمحتاجين والمعوزين والذي بعضنا يجهل الكثير منهم وهم حولنا لمن بحث عنهم .

فلتنعاون جميعاً على البر والتقوى في هذا الشأن وهو من شكر الله المنُعم الكريم الجواد على أن وهبنا وفضلنا وأكرمنا ومن أراد أن يعرفَ حقاً نعمة الله عليه فليسأل كبار السنّ ممن مرّ عليهم سنوات المجاعة والحاجة يُحدثونك بأمورٍ من هولها لاتُصدقها العقول لولا أن المتحدّث من أهل الثقة والديانة وممن لامصلحة له في الكذب بل كان بعضُهم يتحدث وهو يبكي وينشج من عظيم نعمة الله علينا التي ماعرفها أولئك الآباء والأجداد في الماضي فهل من مُعتبر وشاكر ومُدّكر فاللهم ارزقنا شكر نعمك واجعلنا ممن يستعملها في طاعتك ونعوذ بك اللهم من زوال نعمتك وتحوّل عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم فمن استغفره رزقه وأعطاه ومن أعرض عنه أضلله وأغواه ومن توكل عليه كفاه .

=========== الخطبة الثانية ==========

الحمدلله الذي أعطى وهدى ورزق وكفى وأخرج المرعى فجعله غُثاءاً أحوى والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المُجتبى وعلى آله وصحبه أولي الفضل والنُهى وعلى من تبعهم بإحسان وعلينا معهم إلى يوم الفصل والقضاء وبعد :
أيها المؤمنون :
إن نعم الله جل جلاله إذا لم تُسخّر في طاعة الله ومرضاته وفي أمر الآخرة فإنها ستكون وبالاً على صاحبها وحسرة وندامة يوم القيامة فليحذر العباد من استعمالها في معصيته أو من ترك الشكر عليها فإن ذلك أبعد للعبد من الله وأبعد من الرحمة وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زُلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ) مع كون ذلك المال وتلك الأرزاق معرّضة للنقص والزيادة والإرتفاع والإنخفاض فليست على وتيرة واحدة فتجد من الناس من تجري عليه خسارة في ماله فيكون بين عشية وضحاها من المُفلسين ، بخلاف رزق الآخرة الذي لاينقطع أبداً وليس يعتريه نقص بل يزداد ويتكاثر ويتضاعف مضاعفة لايعلم مداها إلا الله وهذا يجعل العبد يرتبط بمقاييس الآخرة ويُعلق قلبه بما عند الله من كرامة وثواب ويبذل في ذلك الأسباب وفي تلك التجارة الرابحة يقول ربنا سبحانه : ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّا ًوعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزدَهم من فضله غنه غفورٌ شكور ) .
عباد الله : ومن ابتُلي بنقص في رزقه بسبب عرفه أو لم يعرفه فليلزم الصبر وليتذكر أن من العباد ماتحصّل على عشر ماوجد وعليه أن يلزم القناعة ويسعى لطلب الآخرة في كل حال فإنها هي الدار الحقيقة للعبد وقد روى ابن ماجة في سننه عن محمد بن اسماعيل بن سمُرة قال حدثنا وكيع عن عبدالله بن عمرو بن مرّة عن أبيه عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال : " لمّا نزل في الفضة والذهب مانزل قالوا : فأي المال نتخذ ؟ قال عمر رضي الله عنه : " فأنا أعلم لكم ذلك " فأوضع على بعيره فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في إثره فقال يارسول الله : أي المال نتخذ ؟ فقال [[ ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناًَ ذاكراً وزوجة مؤمنة تُعين أحدكم على أمر الآخرة ]] .

عباد الله : فاطلبوا في ذلك العون من الله على شكر النعم فبعون الله يدوم الشكر والذكر والزموا الدعاء الوارد في ذلك عقب الصلوات المفروضة فإنه سبب للتوفيق للشكر وأداء ماأوجب الله على العبد وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين قال له : ( والله إني لأحبك أوصيك يامُعاذ لاتدعنّ دُبر كل صلاة تقول : " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " ) وفي الدعاء الآخر أيضاً كما عند الإمام الترمذي من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : ( ربّ اجعلني لك شكّارا ًلك ذكّارا ً لك رهّابا ًلك مِطواعاً لك مُخبتاً إليك أواهاً مُنيبا ) وخير الأدعية ماكان من سنة المُصطفى عليه الصلاة والسلام لكونه أجمع وأحوى وأكمل وأهدى ، ثمّ تذكّروا أنكم مسؤولون عن ذلك النعيم الذي تعيشونه يقول سبحانه في محكم التنزيل : ( ثم لتُسألن يومئذٍ عن النعيم ) فأستعينوا بها على مايرضي الله ويُقرب منه فما فاز إلا الشاكرون الصابرون جعلنا الله وإياكم منهم .

هذا وصلوا وسلموا على رسول الهدى ونبي الرحمة من أرسله الله للأمة وكشف عنهم الغمة فاللهم احشرنا في زمرته وأدخلنا في شفاعته وأوردنا حوضه واسقنا منه شربة لانظمأ بعدها أبداً يارب العالمين ، اللهم أعنا ولا تعن علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم ولّ علينا خيارنا واكفنا شرّ شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين ، اللهم وفق ولي أمرنا لهداه واجعل عمله في رضاك وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الحق والخير وتعينه عليه ياذا الجلال والإكرام . 
اللهم كن لجنودنا البواسل في أرض اليمن وعلى الثغور ياحي ياقيوم ، اللهم تبل شهدائهم وارحم موتاهم وعافِ مُبتلاهم وكن للمجاهدين في سبيلك في أرض الشام والعراق ياحي ياقيوم وانصرهم نصراً من عندك تغنيهم به عن نصر من سواك ومكّن لهم في الأرض يارب العالمين .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...