الخميس، 25 يونيو 2020

خطبة عن الأشهر الحرم

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله أرسله إلى الأنام فأبان به دعائم الإسلام بجوامع الكلام عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه وأتياعه وحزبه إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله عباد الله وأنيبوا إليه واستغفروه وتوبوا إليه واشكروه واجتنبوا حرماته ممّا بين في محكم آياته واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . 
عباد الله : الأشهر الحُرُم هي أشهرٌ حرّم الله فيها البداءة بالقتال وغلّظ سبحانه المعصية فيها وحثّ سبحانه على عدم ظلم النفس فيها وذلك إما بالشرك أو المعصية أو نشر الضرر وإلحاق الأذى والتعدي بوجه عام وهذا التحريم قديمٌ قدم الزمان فقد قال ربنا جل جلاله في سورة التوبة : ( إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرضَ منها أربعة ٌحرم ذلك الدين القيّم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّة كما يقالتلونكم كافّة واعلموا أن الله مع المتقين )  . 
وكل هذا يدلّل أن شريعة الأنبياء منذ أن خلق الله آدم شريعة ٌ متشابهة متقاربة إن لم تكن واحدة ، فالدين واضحٌ وجليّ ليس به لبسٌ ولا خفاء ، يهتدي إليه أصحاب الفِطَر السليمة والقلوب الصافية النقيّة بلا عناء . 
عباد الله : إن تحريم هذه الأشهر أخذ به الأنبياء قبل محمدٍ عليه الصلاة والسلام وهذا يدلل أن تأريخ الأشهر القمرية هو المعتمد لكل نبي سبقنا وذلك لكون الله تعالى حرّم الأربعة أشهرٍ القمرية لاالشمسية  وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ورجب مضر ولو ماعرفها الأنبياء قبلنا لكان ذلك أوقعهم بالقتال فيها فهل نتأمل ذلك ولكن قد تختلف التسمية للشهر وأما ذات الشهرِ فلا يتغيّر . 
عبادالله قد ذمّ الله المشركين الذين يحتالون على الناس ويُخادعون الله - وهو خادعهم - وذلك بأن يؤخرون حرمة الأشهر أو بعضها إلى الشهر الذي بعده وأخير سبحانه بأن ذلك كفرٌ على كفر وظلمٌ على ظلم ، وتعدي وضلال ، فكانوا إذا دخل المحرّم استحلوه وحرّموا الشهر الذي بعده وهو صفر عاما ً وفي عام آخر يحرّمون المحرم ويحلّون صفر وهكذا فقال الله عز وجل فيهم : (( إنما النسيء زيادةٌ في الكفر يُضلّ به الذين كفروا يُحلّونه عاماً ويُحرّمونه عاماً ليواطئوا عدّة ماحرم الله فيُحلّوا ماحرم الله زُيّن لهم سوء أعمالهم والله لايهدي القوم الكافرين )) وهذا من التحايل لارتكاب المعصية وذلك أقبح وأغلظ في العقوبة من إتيان المعصية على وجهها ، وذلك من شأن اليهود ومن أطباعهم التحايل ومخادعة الله جلّ سبحانه فيما يحرّم عليهم كما فعلوا في يوم السبت وفي شحوم الميتة ففي يوم السبت حرّم الله عليهم صيد السمك فنصبوا الشباك يوم الجمعة وأخذوها يوم الأحد وفي شحوم الميتة عندما حرّم الله عليهم تلك الشحوم  أذابوها ثمّ باعوها فأكلوا ثمنها فاستحقوا سخط الله وعقوبته ونقمته نسأل الله العافية  . 
عباد الله : من الحكم التي حرّم الله من أجلها هذه الأشهر أمان الطريق للحج والعمرة وأمان الهدي والقوافل والحاجِّ عامّة والإبل المقلّدة التي ستذبح في الحرم وكان من عادة بعض العرب في الجاهلية قطع الطريق وترويع الحجاج وأخذ زادهم ومتاعهم وتركهم يموتون جوعاً وعطشاً في تلك الصحاري فمن رحمة الله تعالى أن حرّم الله القتال والعدوان في هذه الأشهر وشدّد فيها الإثم وغلّظ فيها المعصية وخصوصاً عندما تكون تلك المعصية تتعلّق بحقوق العباد ،  فالحذر ثمّ الحذر من حقوق الغير واقدُم على ربّك ياعبدالله ولا أحدٌ من عباده يطلبك بمظلمة أو حقّ ٍ أياً كان نوعه . 
وتأمل في قول الله تعالى : (( ياأيها الذين آمنوا لاتُحلّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد لا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنئان قوم ـ أي بغض قوم ٍـ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) 
معشر المسلمين : إن الحج شعيرة ظاهرةٌ وركنٌ من أركان الإسلام وواجب على المستطيع مالم يقُم عذرٌ أو يحول خطرٌ يعرّض فيه الإنسان نفسه للموت - كما في هذه الأيام - فإن الله سيعذره ولو قُدّر أن توفّاه الله قبل أداء هذه الفريضة فالله أرحم بعباده من أن يحاسبهم عن الحج في أيام الوباء والمرض ، ومن عادة الحليم الإمهال والعبرة في التفريط في أيامٍ ماضية وليس هذا العام وذلك لأن الحج في هذه السنة أعدادٌ محدودة والأحكام التي تجري على العبد في الظروف والأزمات ليست مثل الأحكام التي تجري عليه في الظروف الإعتيادية . . فاللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك وعوّضنا بالصالحات في مستقبَل الأوقات وعاملنا بلطفك ياجواد ياكريم . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه غفور حليم . 

======== الخطبة الثانية =========

الحمدلله المحمود بكل لسان ذو الفضل والإمتنان والصلاة والسلام على عبده الذي أنزل عليه الفرقان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان أما بعد : 
عباد الله  لو علم العبد مايبلُغ بالنيّة لحرص على إحضارها في كل وقتٍ وحين فمن لم يتمكن على سبيل المثال من الحج في هذه السنة للأسباب المذكورة آنفاً وكان لديه النيةَ الجازمة التي لايصحبها في الرغبة بالحج لكُتب له الأجر الوفير بإذن العلي القدير وذلك لما ورد في صحيح مسلم بن الحجاج من حديث جابرٍ رضي الله عنه أنه قال : " كنّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال : " إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً ولا قطعتُم وادياً إلا كانوا معكم ، حبسهم المرض " وفي رواية العذر " وفي رواية أخرى رواها وكيع رحمه الله : " إلا شركوكم في الأجر "  وكانت تلك الغَزاة غزوة تبوك فالشاهد من قوله : " إلا شركوكم في الأجر " أن الإنسان يبلغ بنيته أجر الغازي أو الحاج بشرط أن تكون نيّته صادقةٌ جازمة لايطرأ لها الشك وذلك من فضل الله على عباده . 
والقاعدة عند أهل العلم : " كم من عملٍ صغير كبرته النيّة ، وكم من عملٍ كبيرٍ صغرته النية " فالحمد لله على فضله وإحسانه وجوده وعطائه ، فاللهم ضاعف لنا الأجور وآمنا يوم البعث والنشور ياعزيز ياغفور ، وصلوا وسلموا على محمد بن عبدالله فقد قال عزّ من قائلٍ عليما : ( إن الله وملائكته يُصلّون على النبي ، ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما ) .

الأربعاء، 17 يونيو 2020

خطبة قصيرة عن الحياء

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله فتح الله به أعيناً وآذاناً صمّاً وقلوباً غلفا ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحزبه إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيراً . .  أما بعد : 
فاتقوا الله - معشر المصلين - وكونوا من عباد الله المخبتين الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ماأصابهم ومما رزقناهم ينفقون . 
عباد الله خصلة حميدة وصفة مجيدة من أعظم خصال الدين ومن أنبل صفات المؤمنين وهي صفة من أكرم أواصر الأخلاق منالُها بعيدٌ على أهل النفاق ، قريبة ٌ من عباد الله المتقين ومن حزبه المفلحين ، من نال مراتبها ارتفع ، ومن هجرها وُضع ، هي صفة مكتسبة بالتعلّم والتعليم والتربية والتوجيه والإرشاد إلى سلوك خير السبيل ، مع اصطحاب الخوف من الجليل ، مبدؤها التوقير والإحترام ومراعاة الأنام ، مع ضبط الكلام والبعد عن المشين من القول والعمل ، ومكنونها سلامة الفؤاد من الأحقاد والضعائن والبعد عن كل قبيح شائن ، لعلكم أدركتم مضمونها وعرفتم كنهها ألا وهي صفة ( الحياء ) . 
دلّ عليها خير الورى صلى الله عليه وسلم وتحلّى بها وكان أشد حياءاً من العذراء في خدرها وقال عنها : 
( الحياء لايأتي إلا بخير ) متفق عليه وفي رواية لمسلم : " الحياء خير كلّه " ورواية أخرى " الحياء كلّه خير " ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء ) رواه ابن ماجة والطبراني وصححه الألباني ، وأوصى صلى الله عليه وسلم سعيد بن يزيد عندما طلب الوصية فقال له عليه الصلاة والسلام " ( أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح ) رواه الإمام أحمد في المسند والبيهقي في شُعب الإيمان . 
وفي صحيح البخاري رحمه الله وإيانا ، أن ابن عباس رضي الله عنه سئل عن قول الله تعالى : (( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم مايُسرون وما يعلنون إنه عليمٌ بذات الصدور ))  فقال : " أناسٌ كانوا إذا أرادوا أن يتخلّوا - أي يذهبوا إلى الخلاء لقضاء حاجتهم - فيفضوا إلى السماء ، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء "  
عباد الله : لقد كان الرعيل الأول أكثر حياءاً ومروءة من أفراد عصرنا هذا فكانت أخلاقهم سائدة في الكثير من المواقف ، بل كان حتى المشركين من الأوائل يخافون على سمعتهم ومروءتهم ونبلهم من الدنس والتلويث وخير شاهدٍ في ذلك قصة أبي سفيان رضي الله عنه قبل أن يُسلم فعندما سأله هرقل ملك الروم آنذاك عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم وقرّب أصحابه وقال لهم : " إني سائلٌ هذا - أي أبا سفيان - عن هذا الرجل - أي النبي ُصلى الله عليه وسلم  فإن كذَبَني فكذّبوه ، فقال أبو سفيان " فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذباً لكذبت عليه " فانظر لمن لم يدخل الإسلام والإيمان في قلبه بعد ، فكيف يكون من دخل الإسلام والإيمان في قلبه فلاشك في أنه سيكون أكثرَ حياءاً وأرفع أخلاقاً وأنبل سلوكاً . 
عبادالله : الأمة بحاجة للحياء في هذا الزمان أكثرَ من أي وقتٍ مضى وذلك بسبب تكاثر أدوات الهدم التي تهدم الحياء وتقوّضه من وقتٍ مبكر ، فتنشأ - أعاذنا الله وإياكم - في هذا العصر مقوّضات الحياء من طفولة الإنسان المبكرة ، فيعيش مرحلة إنفلاتية ، ويتدرّج في أخطاءٍ سلوكية لايفعلها من كان في سِنّه في ما مضى ، وغفلة الآباء والأمهات عن التوجيه تؤجج مثل هذه الأخطاء فتزداد في الأبناء والبنات فيكونون أبعد الناس عن الحياء في سلوكهم وعلاقاتهم وتعاملهم مع الناس فكيف حالهم مع الله ، فلابد أن يُربّى الأبناء والبنات تربية تقيم سلوكَهم على الحياء من الله أولاً ومن الناس ثانياً ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : " من لم يستحيي من الناس لايستحيي من الله " وذلك أن الحياء من الناس تجعل المعصية في طيّ الستر عند العبد لايطلع عليها إلا هو ، ومن ثمّ يدخل في العفو المراد نيلُه من الله فقد عُفي لأمة محمد إلا المجاهرين منهم كما أخبر المصطفى عليه السلام . . فاللهم ارزقنا الحياء منك والإنابة إليك وأهلينا وذرارينا ياسميع الدعاء واهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال ياواسع العطاء . . بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين إنه هو كريمٌ جوادٌ متين 

======== الخطبة الثانية ========

الحمدلله الذي قسم بين عباده أخلاقهم كما قسم أرزاقهم والصلاة والسلام على خير عباده وأزكاهم وأنبلهم خُلقاً وأسماهم نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاهم أما بعد : 
عباد الله : إن هناك أعمالٌ تميت الحياء وتخدشه ينبغي لكل فردٍ منّا مسؤولاً أو كان غير مسؤول أن يتنبّه لها ومنها : 
- المجاهرةُ بالمعصية فإن المجاهرة بالمعصية يتجاوزُ مسألة الحياء وكأن المجاهر يتحدى ربّه ومجتمعه وهو معرّض لمكر الله أكثر من غيره . 
- ومنها صحبة الفسّاق وأصدقاء السوء حتى لو كانوا كبارَ سنّ فإن الصاحب السيء - أعاذنا الله وإياكم - يجرّئ على الحرمات والإنسانُ بطبعه يميل للتقليد ويتأثر حتى لو كان راشداً وذلك لايأتي إلا من كثرة المخالطة . 
- ومنها البعد عن كل مظهر من مظاهر الريبة والفتنة فإن ذلك يفسد الخلق ويرفعُ الحياء 
- ومنها : إجتناب كل مايخدش الحياء من الأعمال والأقوال فبعض الفضوليين هداهم الله إذا جلس في مجلس ما أخذ بقبيح الألفاظ فدنّس بها أسماع الحاضرين وأمرض بها قلوب الناشئة 
- ومنها أيضاً : تجنّب الألبسة التي يستقبحها الشرع والفطرة للرجال والنساء وقد ظهرت مثل هذه الألبسة  في زمننا هذا كثيراً وظهر ذلك خاصة في فئات الشباب من يلبس لباساً يبين العورة ويمشي مفتخراً بذلك أمام الناس في المضامير والطرق فبالله عليك يامن تصنع ذلك أين الحياء من الله ؟ وأين الحياء من الناس بالدرجة الثانية ؟ وأين الحفاظ على السمعة والكرامة والمروءة والشهامة 
يعيش المرء مااستحيا بخير * ويبقى العود مابقي اللحاء 
فلا والله مافي العيش خيرٌ  * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء  

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 
. . . 

الخميس، 11 يونيو 2020

خطبة مختصرة عن التمحيص للعبيد


الحمدلله الذي أتم على عبيده نعمته ، وسخر لهم  مايستعينوا به على طاعته ، ويسر لهم سبل عافيته ، وابتلاهم بما فيه تمحيص لهم بحكمته ، والصلاة والسلام على نبيه الكريم خير خلقه وبريته ، وعلى آله وصحبه وعلى من سار على طريقه ومنهاجيته أما بعد :
فاتقوا الله حق تقواه فبقواهِ النجاة وصلاح الحال والذات وهو طريق الفلاح والثبات حين السراء وحين الضراء في المدلهمات ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .

أيها المسلمون : سنّة التمحيص في المحن والبلايا سنة قائمة منذ أقدم العصور يجريها الله على عباده ليمحصهم ويغفر لهم ماسلف من ذنوبهم ويكفر عنهم سيئاتهم
ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور قال جل ذكره : ( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) وقال جل جلاله وعم العالمين نوالُه : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسأء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) وهي مرحلة يسيرة على الراضي بما يُجري الله من الأقدار صعبة عسيرة على من طبعه السُخط والكره ، ( أولما أصابتكم مصيبة ٌقد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيءٍ قدير ) وهذه الآية تفسر حدثاً وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبالتحديد في غزوة أحد وذلك أنه قُتل من المسلمين حوالي سبعون نفراً منهم فاستنكر ذلك الصحابة  رضوان الله عليهم فأنزل الله هذه الآية ليبين لهم أنهم قد أصابوا من المشركين يوم بدر مثلي هذا العدد أي ضعفه فقتلوا سبعين وأسروا سبعين ، ومن ثمّ بين الله لهم أن ماأصابهم كان بسبب عدم طاعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة الرماة منهم الذين امرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لاينزلوا من الجبل حتى يناديهم ويأمرهم ، فاستعجلوا بالنزول فوقعت الهزيمة وقد أورد ذلك المعنى ابن جرير وغيره من المفسرين .

فطوّع - أخي - قلبك دائماً وأبداً على الإستسلام والإنقياد لله تعالى والصبر مهما كان عُسر الأمور ، واعلم علم اليقين أن الله مايبتلي العبد إلا لأمرين إما رفعة درجات له لصلابة في دينه وقوة ٍ في إيمانه وإما تطهيراً لنفسه وتكفيراً لكافّة سيئاته حتى يكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مايزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعند البخاري في رواية أخرى مشابهة : " فما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " .

وتعلق ّ بمن له الأمر كلّه ففي التوكل عليه طمأنينة والرضا بقضائه سعادة وأنسٌ وانشراح وعزّ وفلاح واستبشر بوعد الله الذي لايُخلف ولا يتبدّل من الله القدير الأول : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وإن أصابك كدر وتنغيص فاستبشر وسلّ نفسك بقول الله الحكيم : ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالايرجون وكان الله عليماً حكيماً ) فاللهم بدّل حال الشاكينِ والمرضى بالعافية والأحزان بسعادة الوجدان والأتراح بالأفراح وداوِ المصابين والجراح واحفظ على الأمة دينها وإيمانها ومكن لها وأصلح اللهم حالها

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم في سائر الأحوال والأمور فاستغفروه يغفر لكم إنه غفور شكور .

========  الخطبة الثانية ========


الحمدلله الذي قدر فهدى وخلق وسوى وأخرج المرعى فجعله غثاءاً أحوى والصلاة والسلام على المبعوث بالنور والهدى الذي أبان للناس سبل التقوى وحذرهم من سبل الغواية والردى وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والنهى ومن تبعهم بإحسانٍ ومن بهديهم اهتدى أما بعد :

عباد الله : الحياة دروسٌ وعبر وذكرى وتفكر لمن ادّكر تأمل أخي حالنا قبل بداية هذا الوباء كان الرجل منا يذهب متى شاء ، ويعود متى شاء ، ويزور من شاء ، أي وقتٍ شاء ، ويسلّم على من شاء ، آمن ٌلايخاف وقريب لايُجاف وكل ذلك نعمة ٌعظيمة رُفعت برهة من الزمن ابتلاءاً من الله وتذكيرٌ للناس بنعمة الله على عباده التي نسُوها ولم يشكروا الله ويحمدوه عليها أو قلّ شكرهم له عليها ، فتذكروا تلك النعم وأكثروا من حمد الله تعالى عليها وعلى كل حالٍ فابن آدم لايدري أي الحالين خيرٌ له ، مع البلاء أو مع العافية ، والزموا الحمد فبالحمد والصبر تدوم النعم وتعود وتزيد وبالتقوى تصلح الأحوال وترفع الكروب وتغفر الذنوب ، وما الإنسان إلا كما قال الرب سبحانه :

( ولئن أذقتا الإنسان منّا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوسٌ كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسته ليقولن ذهب السيئات عنّي إنه لفرحٌ فخور * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير )

هذا وصلوا وسلموا على الرسول البشير والسراج المنير فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . . .




خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...