الحمدلله الذي أتم على عبيده نعمته ، وسخر لهم مايستعينوا به على طاعته ، ويسر لهم سبل عافيته ، وابتلاهم بما فيه تمحيص لهم بحكمته ، والصلاة والسلام على نبيه الكريم خير خلقه وبريته ، وعلى آله وصحبه وعلى من سار على طريقه ومنهاجيته أما بعد :
فاتقوا الله حق تقواه فبقواهِ النجاة وصلاح الحال والذات وهو طريق الفلاح والثبات حين السراء وحين الضراء في المدلهمات ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .
أيها المسلمون : سنّة التمحيص في المحن والبلايا سنة قائمة منذ أقدم العصور يجريها الله على عباده ليمحصهم ويغفر لهم ماسلف من ذنوبهم ويكفر عنهم سيئاتهم
ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور قال جل ذكره : ( وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) وقال جل جلاله وعم العالمين نوالُه : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسأء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) وهي مرحلة يسيرة على الراضي بما يُجري الله من الأقدار صعبة عسيرة على من طبعه السُخط والكره ، ( أولما أصابتكم مصيبة ٌقد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيءٍ قدير ) وهذه الآية تفسر حدثاً وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبالتحديد في غزوة أحد وذلك أنه قُتل من المسلمين حوالي سبعون نفراً منهم فاستنكر ذلك الصحابة رضوان الله عليهم فأنزل الله هذه الآية ليبين لهم أنهم قد أصابوا من المشركين يوم بدر مثلي هذا العدد أي ضعفه فقتلوا سبعين وأسروا سبعين ، ومن ثمّ بين الله لهم أن ماأصابهم كان بسبب عدم طاعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، خاصة الرماة منهم الذين امرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لاينزلوا من الجبل حتى يناديهم ويأمرهم ، فاستعجلوا بالنزول فوقعت الهزيمة وقد أورد ذلك المعنى ابن جرير وغيره من المفسرين .
فطوّع - أخي - قلبك دائماً وأبداً على الإستسلام والإنقياد لله تعالى والصبر مهما كان عُسر الأمور ، واعلم علم اليقين أن الله مايبتلي العبد إلا لأمرين إما رفعة درجات له لصلابة في دينه وقوة ٍ في إيمانه وإما تطهيراً لنفسه وتكفيراً لكافّة سيئاته حتى يكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مايزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وعند البخاري في رواية أخرى مشابهة : " فما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " .
وتعلق ّ بمن له الأمر كلّه ففي التوكل عليه طمأنينة والرضا بقضائه سعادة وأنسٌ وانشراح وعزّ وفلاح واستبشر بوعد الله الذي لايُخلف ولا يتبدّل من الله القدير الأول : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وإن أصابك كدر وتنغيص فاستبشر وسلّ نفسك بقول الله الحكيم : ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالايرجون وكان الله عليماً حكيماً ) فاللهم بدّل حال الشاكينِ والمرضى بالعافية والأحزان بسعادة الوجدان والأتراح بالأفراح وداوِ المصابين والجراح واحفظ على الأمة دينها وإيمانها ومكن لها وأصلح اللهم حالها
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم في سائر الأحوال والأمور فاستغفروه يغفر لكم إنه غفور شكور .
======== الخطبة الثانية ========
الحمدلله الذي قدر فهدى وخلق وسوى وأخرج المرعى فجعله غثاءاً أحوى والصلاة والسلام على المبعوث بالنور والهدى الذي أبان للناس سبل التقوى وحذرهم من سبل الغواية والردى وعلى آله وصحبه أولي الفضائل والنهى ومن تبعهم بإحسانٍ ومن بهديهم اهتدى أما بعد :
عباد الله : الحياة دروسٌ وعبر وذكرى وتفكر لمن ادّكر تأمل أخي حالنا قبل بداية هذا الوباء كان الرجل منا يذهب متى شاء ، ويعود متى شاء ، ويزور من شاء ، أي وقتٍ شاء ، ويسلّم على من شاء ، آمن ٌلايخاف وقريب لايُجاف وكل ذلك نعمة ٌعظيمة رُفعت برهة من الزمن ابتلاءاً من الله وتذكيرٌ للناس بنعمة الله على عباده التي نسُوها ولم يشكروا الله ويحمدوه عليها أو قلّ شكرهم له عليها ، فتذكروا تلك النعم وأكثروا من حمد الله تعالى عليها وعلى كل حالٍ فابن آدم لايدري أي الحالين خيرٌ له ، مع البلاء أو مع العافية ، والزموا الحمد فبالحمد والصبر تدوم النعم وتعود وتزيد وبالتقوى تصلح الأحوال وترفع الكروب وتغفر الذنوب ، وما الإنسان إلا كما قال الرب سبحانه :
( ولئن أذقتا الإنسان منّا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوسٌ كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضرّاء مسته ليقولن ذهب السيئات عنّي إنه لفرحٌ فخور * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبير )
هذا وصلوا وسلموا على الرسول البشير والسراج المنير فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . . . . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق