إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى الناس كافّة وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صمّاً وقلوباً غُلفا أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حقّ تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الذين الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) .
عباد الله : القلب السليم السالم من كل غشٍ وخبيئة سيئة وحقدٍ وضغينة هو أسعد بالعيش الهنيء والدرجة العالية من غيره من القلوب وهو أسرع الطرق في رفعة الدرجات والسلامة من وعيد الله وعذابه يوم الدين ( يوم لاينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ) وفي صحيح ابن ماجه من حديث عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : أي الناس أفضل ، فقال : " كل مخموم القلب صدوق اللسان " قالوا : صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ، قال : " التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد " .
عباد الله : لايظن البعض أن سلامة القلب أمرٌ يدركه الكثير من الناس وخصوصاً في هذا الوقت التي انتشرت فيه أمراض القلوب ، بل من يتحصّل عليه فهو من المرحومين المهديين ولا يدرك إلا بتزكية القلوب من أمراض الشهوات خاصة وبالدعاء الطويل وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه أن يكنز هذا الدعاء إذا كنز الناس الذهب والفضة وأن يسأل الله قلباً سليماً فقال : ( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسالك قلباً سليماً ولساناً صادقاً وأسألك من خير ماتعلم وأعوذ بك من شرّ ماتعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علّام الغيوب ) والحديث رواه لاإمام أحمد والطبراني وابن حبان وحسّنه جمعٌ من أهل العلم وكان الصحابة رضوان الله عليهم مع صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا من أسلم الناس قلوباً وأبرهم لهذه الأمة فصار فضلهم وأجرهم مضاعفاً مع علمهم يقول عنهم رضوان الله عليهم وعلينا أجمعين : " من كان متأسياً فليتأس بأصحاب محمدٍ صلى الله عليهم وسلم فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلّفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً ، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدي المستقيم ) .
عباد الله : إن من أعظم أمراض القلوب وأشدها فتكاً فيها مرض الحسد فمن سلم منه فقد سلم من شرّ عظيم وبلاءٍ جسيم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد وبين أنه يأكل الأجر والثواب ويُذهب الحسنات وربط - عليه الصلاة والسلام بينه وبين حب الدنيا وبينه وبين التدابر والبغضاء ففي حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فُتحت عليكم فارس والروم ، أيُّ قومٍ أنتم ؟ قال عبدالرحمن بن عوف : نقول كما أمرنا الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو غير ذلك ، تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض " وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه سيصيب هذه الأمة داء الأمم ليحذر العباد منه ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني والحاكم وحسنه بعض أهل العلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيصيب أمتي داء الأمم " قالوا : يانبي الله وما داء الأمم ؟ قال : " الأشر والبطر والتكاثر والتشاحن في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج " .
عباد الله : من أصيب بحسد وابتلي به فإنه يخفيه ولا يبديه ويستعين بالله عليه ويستعيذ من كيد الشيطان ووسوسته ونفثه فإنه من كيد الشيطان للإنسان وليستعذ بالله من الشح فإنه يُثير الحسد في القلوب ويجعلها تغلّ على المحسود ، ويقول ابن تيمية في رسالته : " أمراض القلوب وشفاؤها " : " الجسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ولذا يُقال ماخلا جسد من حسد ، لكن اللئيم يُبديه والكريم يُخفيه ، وقد قيل للحسن البصري : أيحسد المؤمن فقال ماأنسا إخوة يوسف لاأبا لك ولكن عمّه في صدرك - أي أخفه - فإنه لايضرك مالم تعدُ به يداً ولا لساناً فمن وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك في نفسه وكثيرٌ من الناس الذين عندهم دين لايعتدون على المحسود فلا يعينون من ظلمه ولكنهم أيضاً لايقومون بما يجب من حقّه بل إذا ذمّه أحد لم يوافقوه على ذمّه ولا يذكرون محامده وكذلك وكذلك لو مدحه أحدٌ لسكتوا وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقّه مفرّطون في ذلك لامعتدون عليه ، وجزاؤهم أنهم يُبخسون حقوقهم فلا يُنصفون أيضاً في مواضع ولا يُنصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود وأما من اعتدى بقول ٍأو فعل فذلك يعاقب ، ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه " انتهى كلامه .
فاللهم أصلح قلوبنا وسلّمنا من الحسد وأهله وزكّ نفوسنا وآتها تقواها ياحي ياقيوم أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
=========== الخطبة الثانية ===========
الحمدلله يهدى من اتقاه ويعين على مرضاته من طلب هداه والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يومِ نلقاه أما بعد :
فاتقوا الله -عباد الله - واعلموا أنه عندما يأتي الحسد في الشرع على وجه الإمتنان فالمقصود به الغبطة وليس الحسد الذي معناه تمني زوال النعمة عن الغير ، فتمني زوال النعمة عن الغير هو الحسد المذموم الذي أول من عمل به إبليس عليه لعنة الله عندما حسد آدم بعدما أمره الله بالسجود له ولذا كانت العين والتي مصدرها العائن هي تسلط من الشياطين على ابن آدم فيؤذون من أصابته العين ويكونون جنوداً للعائن ومن أتى ذلك إلا بسبب الحسد ولذا أرشد الله المسلم أن يستعيذ بالله من شرّ الحاسد حينما يحسد وهي برهة من الزمن يسيرة فقال : " ومن شرّ حاسدٍ إذا حسد " .
وأما الغبطة - ياعباد الله - فهي تمني مثل ماللغير وليس تمني زوال النعمة عن الغير كما هو معنى الحسد ولذا في الحديث الصحيح المتفق عليه : " لاحسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الله وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " وحديث آخر متفقٌ عليه أيضاً : " لاحسد إلا في اثنتين رجلٌ آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق - أي على ذهاب ذلك المال في سبيل الله - ورجلٌ آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويُعلمها " .
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه . .
مدونة تدون فيها خطب عصرية عامة تفيد الخطباء وتنشر محتوى في الشبكة يستفيد منه الجميع ، وعلى مذهب أهل السنة والجماعة وبكل فخر . أعدها للخطباء : فاعل خير عفا الله عنه ، ويطلب من المتصفحين والقراء الدعاء له ولوالديه وذريته
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها
الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...
-
الحمدلله الذي الذي خلق الخلائق من عدم وأكرم عباده بالنعم وأسبغ عليهم من وافر الكرم وأبان لهم طريق الثبات والقيم والصلاة والسلام على النبي ال...
-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و...
-
الحمدلله ولي المؤمنين وقاهر العباد أجمعين والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي أنار درب السالكين وأبان سبل الغواية للحائرين ودل أمته على ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق