الحمدلله الذي له المقام الرفيع وهو العلي السميع أثاب برحمته كلُّ عبدٍ مطيع وأذل كل فاسقٍ وضيع والصلاة والسلام على عبده الشفيع نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه صلاة الجميع ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أزكى الصلوات والتسليم من ربنا الكريم أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - فقد فاز المتقون المتعلقون بربهم المحققون للإيمان واليقين الراسخون على ثوابت الدين ( ومن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) ( ومن يخشَ الله ويتقْهِ فأولئك هم الفائزون )
عباد الله : صفاء العقيدة وخلوصها من الشرك من أوجب الواجبات وأعلى الضروريات ومن صفت عقيدته وخلُصت عبادته فهو في أعلى المقامات وأرفع المنازل والدرجات وعلى العكس من ذلك فمن لم تصفو عقيدته ولم تخلص عبادته وكان صاحب شرك ورياء أو مبتلاً بالشرك الأكبر فإن الله جلا وعلا لايبالي به في أي وادٍ هلك ( ومن يُشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطه الطير أو تهوي به الريح في مكانٍ سحيق ) فما أهون المشرك على الله فهو عبدٌ محروم من الرحمة بجرمه العظيم وبذلك الذنب الذي يستصغره وهو عند الله عظيم ( إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) والشرك من أعظم الظلم للنفس وأكبر الأبواب الذي به يتخلّى الرب عن عبده ( إن الشرك لظلمٌ عظيم ) وذلك أن الشرك خطيئة كبرى في حق الله ولو تأملت قول الله تعالى : ( ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانُكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقومٍ يعقلون ) فهل ترضى أن يكون لك شريك في ملكك الخاص بك يتصرّف فيه كتصرفك أنت ، فمادام أنك لاترضى ذلك فكيف ترضاه في حق الله ( ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ) .
عباد الله : كل وسيلة موصلة إلى الشرك فلها حكم الشرك نفسه في التحريم والتجريم ولذا في شرع الله قاعدة وهي : ( الوسائل لها حكم المقاصد ) ولذا كانت التمائم والمعلقات الشركية محرمة لأنها وسيلة من وسائل الشرك فليس العبرة بخيط تُعلقه على رقبتك أو خرزات تضعها في سيارتك أو خرقة سواء يضعها بعض الناس في شاحنته ولكن المحظور في ذلك القصد الذي تضع هذه الأشياء من أجله وهو رد المكروه أو الضرر أو العين عنك أنت أيها الواضع لها أو من هي موضوعة له ، سواءٌ كانت هذه التمائم من القرآن أو من خرزات أو من جلد أو من قماش ونحوه زفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرُقى والتمائم والتِولة شرك " وفي الحديث الآخر : " من تعلّق تميمة فلا أتمّ الله له " أي فلا أتم له قصده ومطلوبه وهو الحفظ من شر العين والشياطين ، وفي مسند الإمام أحمد من حديث عُقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل عليه رهطٌ فبايع تسعة وأمسك عن واحد ، فقال الرهط : يارسول الله : بايعت تسعة وأمسكت عن هذا ! فقال صلى الله عليه وسلم : " إن عليه تميمة " فأدخل الرجل يده فقطعها ، فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : ( من تعلّق تميمة فقد أشرك ) ويقول ابن باز رحمه الله : " العلّة في كون تعليق التمائم من الشرك - والله أعلم - أن من علّقها سيعتقد فيها النفع وتميل إليها وتنصرف رغبته عن الله إليها ، ويضعف توكله على الله وحده ، وكل ذلك كافٍ في إنكارها والتحذير منها " انتهى كلامه .
عباد الله : قد منع الشرع المطهر من تعليق الرقى من القرآن وهو كلام الله فكيف بغيره لأن من علّق القرآن سيعلق غيره ويفتح على الإنسان باب شرّ وفتنة ولأن الإنسان المعلّق لهذه الأوراق من القرآن لايتعلق بما في القرآن ذاته بل يتعلق بذات التعليق وفي هذا إنصراف للنية عن التعلق بالخالق فأغلق هذا الباب من أصله وهو ينافي التوكل المأمور به فالعبرة بانصراف القلب إلى الخالق جلا وعلا فالله سبحانه يأمر عبده أن يُعلّق قلبه بخالقه وذلك يكون بذكره وقراءة الأوراد الشرعية التي تحفظ العبد من كل مايحذر وهذا نهج الأنبياء والمرسلين والصحابة أجمعين وما روي عن واحد منهم ولا التابعين أنه علق شيئاً من القرآن أو الأحاديث النبوية وفي ذلك برهانٌ على أنهم لايرون ذلك من الدين أصلاً فاللهم احفظنا بالإسلام في كل الأحوال وجنبنا الزيغ والضلال واعصمنا من الجهالة وأفعال الجُهال ياذا الجلال والإكرام .
============ الخطبة الثانية ============
الحمدلله الذي له الدين الخالص والقول الحق والصلاة والسلام على المبعوث بالحنيفية والصدق نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أزكى تحية وأعطر سلام من ربنا الكريم العلام أما بعد :
عباد الله : فاتقوا الله - عباد الله - كل وسيلة يتوسّل بها إلى الشرك وإن من وسائل الشرك شيء يصنعونه يُسمّى التِوَلة وهو مكون من خرزات تُعلّق يعتقدون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته ولا يتم ذلك أصلاً إلا بذهاب المرأة أو الرجل إلى الساحر أو الكاهن فيطلب منه هذا الأمر سواءاً كان صرفاً أو عطفاً والصرف صرف الرجل عن المرأة أو بالعكس والعطف محبة الرجل لزوجته أو بالعكس ، فعندما يذهب إلى مبتغي هذا الأمر إلى الساحر فيتقرّب بعد ذلك الساحر أو الكاهن إلى الشياطين بما يريدون من وسائل الشرك كذبح طائر أو حيوان ومن ثم يتم التعاقد مع هذه الشياطين فيتسلطون على المرأة أو الرجل فيكرهونه في زوجته أو يحببونه إليها وكذلك يجري على المرأة ذلك وهو نوعٌ من السحر لأن فيه عقد ونفث ، ومن وسائل الشرك العين الزرقاء وهي أشكال وأنواع والتي يضعها بعض الناس في بيته يعتقد أنها تدفع عنه العين والحسد والمشكلة عندما تُصدر مثل هذه الثقافة إلى العامّة من الناس بصفة رسمية إما في صحيفة معينة أو عن طريق برامج التواصل الإجتماعي ولا تكون على سبيل الخفاء والستر وقد شاهد بعضهم مثل هذه الأمور حين سفره لبعض الدول الإسلامية وهذا من أكثر مايُضلُ العوام ويكون برضا شريحة كبيرة من المجتمع فكيف تُنزع هذه الثقافة من أذهان الناس وقد اصبحت عُرفاً سائراً فويلٌ لمن دعا إلى ضلالة وحرّف دين الله عز وجل وصرف الناس عن عبادة ربهم إلى التعلق بغير الله والإعتماد على غيره وهذا إفسادٌ في الأرض والله ينهى عن الإفساد ولا يُصلح عمل المفسدين ويقول جل وعلا ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين ) وقولُ الله عز وجل ( إن الله لايُصلح عمل المفسدين ) ولم يقل الفاسدين لأن الفاسد بنفسه يُوفق للتوبة أكثر من المُفسد وضرر المفسد كبير وممتد والمفسد عنده مجاهرة بالمعصية وقد عفي عن هذه الأمة إلا من يُجاهر وباب التوبة مفتوح والله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل مالم تطلع الشمس من مغربها فاللهم وفقنا للتوبة النصوح قبل خروج الروح وجنبنا الموبقات من الخطايا والسيئات يارب الأرض والسماوات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق