الجمعة، 17 ديسمبر 2021

خطبة عن أهل الكهف وفي مافي قصتهم من آيات

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
أيها المؤمنون : قص الله علينا جل وعلا في كتابه العظيم مافيه عبرةٌ لأولي الألباب والأفهام والعقل السليم ومافيه موعظة للقلوب الغافلة التي أشغلها أمور الحياة والعمل لهذه الدنيا
وأكثرُ القصَص في القرآن تتعلق بإثبات الواحدانية لله تعالى ، وينصبُّ أكثرها في هذا الهدف ومن هذه القصص قصة ( أصحاب الكهف ) التي كثيراً مايقرأها الناس ، ولكن لايستخرجون منها العبر والدروس ولا يغوصون في معانيها الخفيّة التي تحتاج لقلبٍ واعٍ ومتدبر يقرأ بقلبه لابعينيه وهكذا المؤمن ينبغي أن يكون وليست قصة أهل الكهف بأعجب آيات الله بل هناك لو تمعن الإنسان في حياته ومن حوله يجد أعجبَ من ذلك ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) أي ليست بأعجب آيات الله والرقيم قيل هو اسمٌ للوادي الذي فيه الكهف وقيل هو اسم للوح مرقم دونت فيه أسماؤهم وهو الأقرب .

عباد الله : أهل الكهف فتية اختاروا طريق الهداية والإيمان كما قال الله عنهم : ( آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) رفضوا طريقة آبائهم الشركية وأخذوا عهداً على أنفسهم أن لايشركوا بالله جل وعلا وربط الله قلوبهم بالإيمان والتعلق به وهو الرحيم الرحمن واستعظموا هذا الشرك واستهجنوه ، وفي ذلك يقول الله عنهم ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوَا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا * هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) فقاموا رحمهم الله باعتزال قومهم ودخلوا كهفاً فناموا فيه نومة ضرب الله فيها على سمعهم الذي هو باب الإنتباه مدة طويلة حيث قال الله جل وعلا : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا . . . )
ثم بعثهم الله من نومهم بعد ذلك ومكثوا في كهفهم تسعٌ وثلاثمائة سنة وأثناء نومهم يقلبهم رب العزة والجلال ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد والوصيد هو فناء الكهف قرب بابه والعجب في نومهم أن الله ضرب عليهم هذه الرقدة الطويلة وأعينهم مفتوحة وهذا من آيات الله .
يقول في ذلك جل وعلا : ( وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) لئلا تأكل أجسادهم الأرض ثم قال الله سبحانه لنبيه : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولمُلئت منهم رعبا ) وسبب هذا الرعب بسبب الهيبة التي ألبسهم الله إياها وقيل بسبب طول شعورهم وأظفارهم وعِظم أجرامهم ووحشة مكانهم .
عباد الله : ساق ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابن عباسٍ في عدّة أهل الكهف أنهم كانوا سبعة وثامنهم كلبُهم وأخبر الله عن عدّة أهل الكهف أنه مايعلمهم إلا قليل وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : " أنا من القليل ، كانوا سبعة " وقال في سند آخر : " عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وأنا ممن استثنى الله " والآية تؤيد هذا القول بكونهم سبعة فإن الله استثنى قوله : ( ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم . .) من الرجم بالغيب وهذا واضحٌ لمن تأمله والمقصود الإعتبار والتأمل وليس العدد فكونهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة لايُقدّم ولا يؤخر، ولكن ماذا كان أثر تلك السورة وهذه الآيات على النفس وقد أورد ابن جرير في تفسيره عن قتادة السدوسي رحمه الله أنه قال : " كنّا نُحدث أنهم كانوا - أي أهل الكهف - من بني الركنا - وذكروا أن الركنا ملوك الروم - رزقهم الله الإسلام فتفرّدوا بدينهم واعتزلوا قومهم حتى انتهوا إلى الكهف فضرب الله على أصمختهم فلبثوا دهراً طويلاً حتى هلكت أمتهم وجاءت أمّةٌ مسلمة بعدهم وكان ملكهم - أي بعد ذلك - مسلماً " وبهذا الأثر تتجلى لنا الحكمة في رعاية الله لهؤلاء الفتية الذين فروا بدينهم من القهر والظلم ومن الوثنية التي عاشها أقوامهم فحفظهم الله جل وعلا وأذهب الله الظالمين وأنشأ قوماً آخرين ، ولذا لما استيقضوا لم يشعروا بنومهم الطويل فقال قائل منهم : " كم لبثتم ؟ " فظن بعضهم أنهم لم يلبثوا إلا مدة يسيرة فقالوا : ( لبثنا يوماً أو بعض يوم ) فقالوا : ( ربكم أعلم بما لبثتم ) فأرسلوا رجلاً منهم يأتي لهم بطعام طيب من كسبٍ مباح بنقود فضية كانت معهم وليكن متلطفاً ولا يُشعر الناس بمكانهم فلما ذهب إلى تلك المدينة وقيل اسمها " أفسوس " كما ورد عند ابن جرير فلما رأى البائع النقود قال من أين لك هذه النقود ؟ هذه على عهد الملك الجبار دقيانوس فكُشف أمرهم وانتشر خبرهم في المدينة وفي ذلك يقول الله جل وعلا : ( وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حقٌ وأن الساعة لاريب فيها ) فأبان الله قدرته لمن يمتري ويشك في البعث وإحياء الموتى في ذلك الزمان وقصّ الله علينا خبرهم من أجل الذكرى والموعظة وتلك من أعاجيب القصص التي تتجلى فيها قدرة الله على كل شيء فأين المعتبرون والمتفكرون وأهل الألباب من كلام رب الأرباب الذي فيه دلالة الحيران وزيادة للعبد في التُقوى والإيمان
بارك الله ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الإيمان والحكمة أقول ماتسمعون وأستغفر الله ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

============== الخطبة الثانية ===============

الحمدلله الذي أبان لعباده سبل الهدى وحذّرهم من سبل الغواية والردى والصلاة والسلام على النبي المصطفى المجتبى وعلى آله وصحبه الذين أرغم الله بهم العدا وعلى من تبعهم بإحسانٍ وبهم اقتدى أما بعد :
اتخاذ القبور مساجد – ياعباد الله - أمرٌ حذّر الله منه ورسوله ومقت سبحانه من يفعل ذلك ولا يأتي ذلك إلا بتتبع آثار الصالحين ولذا لما هلك أهل الكهف اتخذ أصحاب القوة والنفوذ عليهم مسجداً ( قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً ) والنبي صلى الله عليه وسلم حذّر من الغلو في الدين وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم وممن حذّر من ذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعن المَعرُور بن سُويد الأسدي قال : " وافيت الموسم مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلمّا انصرف إلى المدينة وانصرفت معه صلى لنا صلاة الغداة فقرأ فيها : " ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " و " لإيلاف قريش " ثمّ رأى أناساً يذهبون مذهباً - أي طريقاً - فقال : أين يذهب هؤلاء ؟ قالوا : يأتون مسجداً هاهنا صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إنما أُهلك من كان قبلكم بأشباه هذه ! يتّبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائسَ وبِيعاً ، ومن أدركته الصلاة في شيءٍ من هذه المساجد التي صلّى فيها رسول الله فليصل فيها ولايتعَمَّدْنَها " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في مشكل الآثار وهذا أثر صحح اسناده ابن تيمية في مجموع الفتاوى .
عباد الله : هناك فئة ممن يرى استباحة هذا الفعل - أي جواز اتخاذ القبور مساجد – يثيرون هذه الشبهة لدى العامّة من الناس ويستدلون بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي وهذا ضلال منهم وسوء فهم ، ومن المعلوم أن قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجرة عائشة رضي الله عنها ، ولم يكُ في المسجد أصلاً ولم يبنَ عليه المسجد ، فلما كانت التوسعة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سبعين عاماً في عهد الوليد بن عبدالملك أمر واليه على المدينة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله في عام ثمانيةٍ وثمانين من الهجرة أمره أن يهدم المسجد ويضيفُ إليه حُجَرُ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فجمع عمر بن عبدالعزيز وجوه الناس والفقهاء فشقّ عليهم ذلك وقالوا : تركها على ذلك أدعى للعبرة ، وشق على بعض التابعين ومنهم سعيد بن المسيّب ذلك الأمر فكتب عمر بن عبدالعزيز بذلك للوليد فأمره أمراً صارماً بتنفيذ ماأمر فكان لابد لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله من الطاعة خوفاً من الفتنة ودرءاً لفرقة المسلمين ، مع أن قولَ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح واضحٌ جليٌّ في هذا الشأن : " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " . . ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

خطبة عن حرمة السرقة والإحتيال الإلكتروني

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : شرع الله وأوجب على ابن آدم حفظ الضروريات الخمس الكبرى والتي هي حفظ الدين والعقل والمال والعرض والنفس وهذه الضروريات لاتقوم الحياة إلا بها ، وبها صلاح الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع وأدلتها حفظها متواترة ومفرّقة في الوحيين ( الكتاب والسنة ) ومن هذه الضروريات حفظ المال التي جعله الله للعبد قِواماً لعيشه ونفسه وأهله ، فأمر جل وعلا بحفظه حيث قال : ( واحفظوا أموالكم . . ) ونهى ولي الأمر أن يؤتي السفيه ماله من ولد أو خادم ذكراً كان او أنثى حيث قال جل وعلا : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا ) والسفيه من الشباب من الأبناء هو الذي لايُحسن التصرف في المال فتجد أنه حالة من الإسراف والتبذير في شراء بضاعة لاقيمة لها أو يشتري أو يستخدم هذا المال في شراء بضاعة محرمة أياً كانت . 

عباد الله : المال عصب الحياة ويتحصل عليه العبد نتيجة كدح وجهد ومشقة فعندما يذهب أو يُنهب ، ويُسلب يعيش العبد حالة من الفقر والفاقه وخصوصاً في حالات السرقة التي تستحوذ على كامل المال ، وربما يكون ضمن المتسولين الذين يتكففون الناس بسبب حاجتهم وعدم استغنائهم فحفظ المال به تقوم مصالح العباد ويستغني به العبد عن الناس ،  ومن ابتلي بهبٍ أو سلب فليسترجع وليصبر ويأخذ بالأسباب من إبلاغ مسؤول ورجل أمن وإن احتاج غلى الناس فليتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدّ فاقته ، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له بفرجٍ عاجل أو آجل " رواه أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن . 

عباد الله : حقوق العباد مبنية على المشاحّة وحقوق الله مبنية على المسامحة والتخلص من حقوق العباد واجبٌ وسببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى وسلب حقوق الناس وأموالهم موجبٌ لدخول الجحيم وهذا مقطوعٌ به في الشرع ولافكاك للعبد من حق الناس إلا بتأديتها إليهم ولا مناص ولا خلاص إلا بذلك مهما كانت منزلة العبد عند الناس وقد روى النسائي عن محمد بن جحش رضي الله عنه قال : " كُنّا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء فقال : سبحان الله ! ماذا نُزّل من التشديد ؟ فسكتنا وفزعنا ، فلمّا كان من الغد ، سألته يارسول الله : ماهذا التشديد الذي نُزّل ؟ فقال : " والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قُتل في سبيل الله ثم أُحيي ثمّ قُتل ثم أحيي ثم قُتل ثم أحيي وعليه دين مادخل الجنّة حتى يُقضى عنه دينَه "  والحديث حسن . 

وعن جابرٍ بن عبدالله رضي الله عنه قال : " مات رجلٌ فغسّلناه وكفنّاه وحنظناه ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، فجاء معنا فتخطّى خُطى ثمّ قال : " لعلّ على صاحبكم دين ؟ " قالوا : نعم ، ديناران ، فتخلف وقال : " صلّوا على صاحبكم " وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على المؤمنين فيها رحمة عظيمة لهم ، قال : " صلوا على صاحبكم " فقال له رجلٌ منّا يُقال له أبا قتادة : " يارسول الله هما عليّ " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميّت ثمّ لقيه عليه الصلاة والسلام من الغد فقال : " ماصنعت الديناران ؟ " فقال أبو قتادة : يارسول الله إنما مات أمس ، ثم لقيه من الغد فقال : " مافعل الديناران ؟ " قال : قد قضيتهما يارسول الله ، قال : " الآن حين بردت عليه جلده " أخرجه الحاكم والسياق له والبيهقي والطيالسي وأحمد بإسنادٍ حسن  . 

عباد الله : مال المؤمن له حُرمة لايحل منه شيءٌ إلا بطيب نفسٍ منه  حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث : " لايحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه " والحديث صحيح الإمام أحمد والبيهقي والدار قُطني وغيرهم وفي حديث أبي أمامة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه سلم قال : " من اقتطع حق امرئٍ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة " فقال له رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يارسول الله ؟ قال : " وإن قضيباً من أراك " رواه مسلم وفي حديث له شواهد يصححه جمعٌ من أهل العلم من حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايحل لامرئٍ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسٍ منه " . رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما فلذا ينبغي للعبد أن يحتاط ويحذر أشدّ الحذر من حقوق العباد ومن أبتلي في ذلك فلينوِ الأداء وإيصال الحقوق لأهلها والله مُطلعٌ على قلبه ونيته ومقصوده فليحذر أن يُبيّت نية السوء وليكن عازماً على أداء الحقوق لأهلها وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه ومن أخذها يُريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخاري . 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم " فقال له قائل : ما أكثر ماتستعيذ من المغرم ؟ فقال : " إن الرجل إذا غرِم حدّث فكذب ووعد فأخلف " رواه البخاري ومسلم 

فاللهم إنا نعوذ بك من شرّ حقوق العباد ومن سبيل الفساد والإفساد أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============= الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من الناس من لايبالي بحقوق العباد ولا باختلاس أموالهم ويصنع من أجل ذلك الحِيَل والمكر ويستدرج طائفة ممن سلمت قلوبهم وصاروا يظنون بمن يتعامل معهم خيراً ومن ثَمّ يوقعونهم في عملية احتيال ومكرٍ فاجرة سواءٌ كان ذلك التعامل عن طريق هاتفٍ أو رسالة أو برنامج أو نحو ذلك فيجب أن يكون العبد على حذر من التعامل مع تلك الإتصالات المُوهمة والتي غالباً ماتكون من خارج هذه البلاد فهناك فئات من المفسدين من خارج هذه البلاد قد عجزت عنهم حكوماتُهم ويرون أن بلاد الحرمين والبلدان الخليجية أنهم واسعوا الثراء ولا يعلمون أن هناك منهم من هو في أمسّ الحاجة لقليلٍ من المال الذي يعول به أسرته  . 

عباد الله  : الإحتيال والجريمة والسرقات الإلكترونية هي آفة في هذا العصر لم تسلم - ياعباد الله - دول عدة في جميع اقطار العالم من هذه الآفة ، فعلى المسلم أن يحذر من المحتالين الماكرين الذين يوقعون العباد في فخ ومن ثم ينهبون أموالهم وليحذر عامة المسلمين من المغررين الذين يطلبون بياناتهم الشخصية وأرقام حساباتهم وكلماتهم السريّة والتي كثيراً ماتحذر المصارف من إعطائها لأي أحد من الناس وهذه البلاد وأهلها مستهدفون بالهجمات الإلكترونية التي تصل لملايين الهجمات في بعض المواقع . 

عباد الله : تطبيق الحدود قطعٌ للجريمة والجناية في بلاد المسلمين وغيرهم ولو أن العالم أجمع  على تطبيق  حد السرقة لن تَر سارقاً في هذا العالم وذلك أن تطبيق الحدود فيه ردعٌ للسارقين والمحتالين وهو خيرٌ للناس وحفاظٌ على أموالهم من عبث العابثين واستدراج المحتالين كما قال صلى الله عليه وسلم :  ( حدٌ يقامُ في الأرض خيرٌ للناس من أن يُمطروا أربعين صباحاً ) رواه النسائي وابن ماجه في سنَنَيهما والإمام أحمد في مسنده . 

علماً أن تطبيق هذا الحد يحتاج لتوفر شروط وانتفاء موانع ولا تُقطع يد سارق إلا بعد توفر هذه الشروط  وإذا حصلت شُبهة فيُدفع الحد ولا يُطبّق لقوله صلى الله عليه وسلم : " ادرؤوا الحدود بالشبهات " وليس كل سارقٍ تُقطع يده وهذه شريعة الله الحكيم في تدبيره وهو أعرف جل وعلا بمصلحة عباده وله في ذلك الحكمة الباهرة والحجة البالغة . . وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 

الخميس، 2 ديسمبر 2021

خطبة عن الولاء والبراء من أعداء الإسلام

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من عقيدة الفرقة الناجية وأهل السنة والجماعة ومن الأصول الثابتة في شرع الله التي ينبغي للإنسان أن يتعاهدها ويرسخها في نفسه ( عقيدة الولاء والبراء في دين الله ) وتعني الولاء لكل مسلم والبراء من كل مشرك وكافر أياً كانت عقيدته يهودي أو نصراني أو بوذي أو هندوسي أو غيرهم وبتعريفٍ آخر الولاء لأولياء الله وأنصاره والبراءة من أعداء الله كلهم ولو كانوا من أولي القربى وفي ذلك يقول الله تعالى : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح ٍمنه ويُدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) فعدّهم الله من حزبه وضمن لهم الفلاح إن أدوا ماافترض الله عليهم ، والله جلّ وعلا نهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وجعل من يتولاهم بالمحبة والموالاة ومن يكون في صفهم منهم - أي من اليهود والنصارى - ولو كان ينطق بالشهادتين ويعدُّ نفسه من المسلمين ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظالمين ) وأخبر جلّ وعلا عن المنافقين من هذه الأمة هم أكثر من يوالي هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وأنهم يسرعون إلى موالاتهم يخافون من أن يغلب أعداء الله على المسلمين فيكونون في أمان باعتقادهم وزعمهم وهذا انتكاسٌ وبليّة بُليت بها هذه الأمة من فجر الإسلام إلى يومنا هذا حيث يقول الله عنهم ( فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ 
من عنده فيصبحوا على ماأسرّوا في أنفسهم نادمين ) والمؤمن يستنكر هذا الفعل ويستهجنه كما أراد الله ويعدّ ذلك من محبطات الأعمال وأن ذلك خسارة الدنيا والآخرة وفي يقول الله جل جلاله : ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) وهو في ذلك يشيرون للمنافقين الذي كانوا يقسمون بالله العظيم بأنهم لكم أولياء وأنهم معكم في سلمكم وحربكم حبطت اليوم أعمالهم فاصبحوا خاسرين . 
عباد الله : من اتخذ دين الله هزواً من اليهود والنصارى وغيرهم هو أحق من غيره بالمعاداة والكره فالكافر المستهزئ ليس كغيره من الكفار المسالمين كما أن الكافر المحارب ليس كغيره من الكفار غير المحاربين وذلك أن المستهزئ من هؤلاء يصد عن سبيل الله ويتلقف كلامه كل من رقّ دينه وذهب عهده وضل عن سبيل الله ممن كان قبل ذلك من المسلمين ، فلذا صرّح الله بالنهي عن موالاة المستهزئين من هؤلاء الكفرة فقال سبحانه : ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعِبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعبا ذلك بأنهم قومٌ لايعقلون ) فموالاة مثل هؤلاء ممن يستهزئ بشعائر الدين الظاهرة كالصلاة وغيرها له عواقبه الوخيمة على الدين أولاً وعلى مصير العبد بعد الموت  . 
عباد الله : في أول الإسلام بعدما فرض الله الهجرة على المسلمين فمن المسلمين من فرّ بدينه إلى الحبشة وبقي أناسٌ من المسلمين لم يُهاجروا منهم العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك طلحة بن أبي طلحة الذي كان معه مفتاح الكعبة فقد آثروا المكث مع أولادهم وأهليهم حينما استعطفوهم للبقاء وكان العباس أبقى نفسه لسقاية الحاج وأما طلحة فما هاجر لأن معه مفتاح الكعبة - كما زعم - ثم إن الله  أضله الله فيما بعد فقُتل كافراً يوم أحد كما ذكرت المصادر التاريخية  وإن الله أنزل فيهم وفيمن نهج سبيلهم ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره إن الله لايهدي القوم الفاسقين ) فانظر إلى وعيد الله وتفسيق من يفعل ذلك نسأل الله العافية . 
عباد الله : الولاء والبراء عقيدةٌ وفرضٌ متحتم على كل مسلم وهو من أصول هذا الدين وثوابته فلا ينبغي للمسلم أن يوالي إلا من أمر الله بولائه ومحبته ونصرته ولا ينبغي أن يُعادي إلا من أمر الله بمعاداته وهجره وكراهيته ولا تُنال ولاية الله ولا محبته إلا بذلك وهي أوثق عرى الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، وبالولاء والبراء يستكمل العبد الإيمان ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " رواه أبوداود  . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 
=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واتقوا واعلموا أن الموالاة والمعاداة في الله منها ماهو كلي كالبراءة من الكفار والمشركين وغيرهم ومنها ماهو محدود نسبي كموالاة الفساق من المسلمين والبراءة من أفعالهم وكره مافيهم من الفسق والمجون  ولذا يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى : " وإذا اجتمع في الرجل الواحد - أي من المسلمين - : خيرٌ وشر وفجور وطاعة ، ومعصيةٌ وسنّة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر مافيه من الخير واستُحق من المعاداة والعقاب بحسب مافيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تُقطع يدهُ لسرقته ويُعطى من بيت المال مايكفيه لحاجته ، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم " . 
ولذا لمّا سبّ رجلٌ من الصحابة رجل ٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر ويُقال له عبدالله فلعنه وقال عنه : " ماأكثر مايؤتى به " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتلعنه فإنه يُحب الله ورسوله " والحديث رواه البخاري . 
عباد الله : ثم إنه يجب على العبد أن لايكون محبته وولائه وكرهه ومعاداته بحسب هواه ونفسه فمن أحبته نفسه أحبه ومن كرهته نفسه كرهه وهذا بُلي به كثير من الناس وقد نبّه لذلك العلماء فيجب أن يلزم العبد ماأُمر به وينتهي عما نُهي عنه وإلا كان متبعاً لرغباته وشهوته وفي ذلك يقول الله تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) .    
وينبغي للعبد أن يتعاهد قلبه في الحب والكره ويفتش عن خلجات نفسه ومداخل الشعور عنده لمن تكون محبته ولماذا يُحب فلاناً من الناس هل هو من أجل الله أم لمطمعٍ ٍمن مطامع الدنيا ومصلحة يرغب فيها فإن كان كذلك فهي وبالٌ على صاحبها ولاتجدي لصاحبها شيئاً ولا تنفعه في أخراه وعلى النقيض من ذلك فإنه كلما كملت محبة العبد لأخيه في الله دون غيره من حظوظ الدنيا فتلك منزلةٌ يغبطُ صاحبَها الأنبياءُ والشهداء ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه  أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء " رواه الترمذي ،  وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي " رواه مسلم 
وقال في محبة الصاحب والصديق أنه قال صلى الله عليه وسلم في حديث مرسل : " ماتحابّ اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبّاً لصاحبه "  ويصحح هذا الحديث جمعٌ من أهل العلم . 

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...