الخميس، 2 ديسمبر 2021

خطبة عن الولاء والبراء من أعداء الإسلام

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .
عباد الله : إن من عقيدة الفرقة الناجية وأهل السنة والجماعة ومن الأصول الثابتة في شرع الله التي ينبغي للإنسان أن يتعاهدها ويرسخها في نفسه ( عقيدة الولاء والبراء في دين الله ) وتعني الولاء لكل مسلم والبراء من كل مشرك وكافر أياً كانت عقيدته يهودي أو نصراني أو بوذي أو هندوسي أو غيرهم وبتعريفٍ آخر الولاء لأولياء الله وأنصاره والبراءة من أعداء الله كلهم ولو كانوا من أولي القربى وفي ذلك يقول الله تعالى : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح ٍمنه ويُدخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) فعدّهم الله من حزبه وضمن لهم الفلاح إن أدوا ماافترض الله عليهم ، والله جلّ وعلا نهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وجعل من يتولاهم بالمحبة والموالاة ومن يكون في صفهم منهم - أي من اليهود والنصارى - ولو كان ينطق بالشهادتين ويعدُّ نفسه من المسلمين ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظالمين ) وأخبر جلّ وعلا عن المنافقين من هذه الأمة هم أكثر من يوالي هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وأنهم يسرعون إلى موالاتهم يخافون من أن يغلب أعداء الله على المسلمين فيكونون في أمان باعتقادهم وزعمهم وهذا انتكاسٌ وبليّة بُليت بها هذه الأمة من فجر الإسلام إلى يومنا هذا حيث يقول الله عنهم ( فترى الذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تُصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ 
من عنده فيصبحوا على ماأسرّوا في أنفسهم نادمين ) والمؤمن يستنكر هذا الفعل ويستهجنه كما أراد الله ويعدّ ذلك من محبطات الأعمال وأن ذلك خسارة الدنيا والآخرة وفي يقول الله جل جلاله : ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ) وهو في ذلك يشيرون للمنافقين الذي كانوا يقسمون بالله العظيم بأنهم لكم أولياء وأنهم معكم في سلمكم وحربكم حبطت اليوم أعمالهم فاصبحوا خاسرين . 
عباد الله : من اتخذ دين الله هزواً من اليهود والنصارى وغيرهم هو أحق من غيره بالمعاداة والكره فالكافر المستهزئ ليس كغيره من الكفار المسالمين كما أن الكافر المحارب ليس كغيره من الكفار غير المحاربين وذلك أن المستهزئ من هؤلاء يصد عن سبيل الله ويتلقف كلامه كل من رقّ دينه وذهب عهده وضل عن سبيل الله ممن كان قبل ذلك من المسلمين ، فلذا صرّح الله بالنهي عن موالاة المستهزئين من هؤلاء الكفرة فقال سبحانه : ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعِبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعبا ذلك بأنهم قومٌ لايعقلون ) فموالاة مثل هؤلاء ممن يستهزئ بشعائر الدين الظاهرة كالصلاة وغيرها له عواقبه الوخيمة على الدين أولاً وعلى مصير العبد بعد الموت  . 
عباد الله : في أول الإسلام بعدما فرض الله الهجرة على المسلمين فمن المسلمين من فرّ بدينه إلى الحبشة وبقي أناسٌ من المسلمين لم يُهاجروا منهم العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك طلحة بن أبي طلحة الذي كان معه مفتاح الكعبة فقد آثروا المكث مع أولادهم وأهليهم حينما استعطفوهم للبقاء وكان العباس أبقى نفسه لسقاية الحاج وأما طلحة فما هاجر لأن معه مفتاح الكعبة - كما زعم - ثم إن الله  أضله الله فيما بعد فقُتل كافراً يوم أحد كما ذكرت المصادر التاريخية  وإن الله أنزل فيهم وفيمن نهج سبيلهم ( ياأيها الذين آمنوا لاتتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره إن الله لايهدي القوم الفاسقين ) فانظر إلى وعيد الله وتفسيق من يفعل ذلك نسأل الله العافية . 
عباد الله : الولاء والبراء عقيدةٌ وفرضٌ متحتم على كل مسلم وهو من أصول هذا الدين وثوابته فلا ينبغي للمسلم أن يوالي إلا من أمر الله بولائه ومحبته ونصرته ولا ينبغي أن يُعادي إلا من أمر الله بمعاداته وهجره وكراهيته ولا تُنال ولاية الله ولا محبته إلا بذلك وهي أوثق عرى الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ، وبالولاء والبراء يستكمل العبد الإيمان ففي حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان " رواه أبوداود  . . أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم . 
=========== الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للخلق أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - واتقوا واعلموا أن الموالاة والمعاداة في الله منها ماهو كلي كالبراءة من الكفار والمشركين وغيرهم ومنها ماهو محدود نسبي كموالاة الفساق من المسلمين والبراءة من أفعالهم وكره مافيهم من الفسق والمجون  ولذا يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى : " وإذا اجتمع في الرجل الواحد - أي من المسلمين - : خيرٌ وشر وفجور وطاعة ، ومعصيةٌ وسنّة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر مافيه من الخير واستُحق من المعاداة والعقاب بحسب مافيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تُقطع يدهُ لسرقته ويُعطى من بيت المال مايكفيه لحاجته ، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم " . 
ولذا لمّا سبّ رجلٌ من الصحابة رجل ٌ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب الخمر ويُقال له عبدالله فلعنه وقال عنه : " ماأكثر مايؤتى به " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتلعنه فإنه يُحب الله ورسوله " والحديث رواه البخاري . 
عباد الله : ثم إنه يجب على العبد أن لايكون محبته وولائه وكرهه ومعاداته بحسب هواه ونفسه فمن أحبته نفسه أحبه ومن كرهته نفسه كرهه وهذا بُلي به كثير من الناس وقد نبّه لذلك العلماء فيجب أن يلزم العبد ماأُمر به وينتهي عما نُهي عنه وإلا كان متبعاً لرغباته وشهوته وفي ذلك يقول الله تعالى : ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) .    
وينبغي للعبد أن يتعاهد قلبه في الحب والكره ويفتش عن خلجات نفسه ومداخل الشعور عنده لمن تكون محبته ولماذا يُحب فلاناً من الناس هل هو من أجل الله أم لمطمعٍ ٍمن مطامع الدنيا ومصلحة يرغب فيها فإن كان كذلك فهي وبالٌ على صاحبها ولاتجدي لصاحبها شيئاً ولا تنفعه في أخراه وعلى النقيض من ذلك فإنه كلما كملت محبة العبد لأخيه في الله دون غيره من حظوظ الدنيا فتلك منزلةٌ يغبطُ صاحبَها الأنبياءُ والشهداء ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه  أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء " رواه الترمذي ،  وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لاظل إلا ظلي " رواه مسلم 
وقال في محبة الصاحب والصديق أنه قال صلى الله عليه وسلم في حديث مرسل : " ماتحابّ اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبّاً لصاحبه "  ويصحح هذا الحديث جمعٌ من أهل العلم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...