الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

خطبة عن حرمة السرقة والإحتيال الإلكتروني

 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون ) ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : شرع الله وأوجب على ابن آدم حفظ الضروريات الخمس الكبرى والتي هي حفظ الدين والعقل والمال والعرض والنفس وهذه الضروريات لاتقوم الحياة إلا بها ، وبها صلاح الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع وأدلتها حفظها متواترة ومفرّقة في الوحيين ( الكتاب والسنة ) ومن هذه الضروريات حفظ المال التي جعله الله للعبد قِواماً لعيشه ونفسه وأهله ، فأمر جل وعلا بحفظه حيث قال : ( واحفظوا أموالكم . . ) ونهى ولي الأمر أن يؤتي السفيه ماله من ولد أو خادم ذكراً كان او أنثى حيث قال جل وعلا : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا ) والسفيه من الشباب من الأبناء هو الذي لايُحسن التصرف في المال فتجد أنه حالة من الإسراف والتبذير في شراء بضاعة لاقيمة لها أو يشتري أو يستخدم هذا المال في شراء بضاعة محرمة أياً كانت . 

عباد الله : المال عصب الحياة ويتحصل عليه العبد نتيجة كدح وجهد ومشقة فعندما يذهب أو يُنهب ، ويُسلب يعيش العبد حالة من الفقر والفاقه وخصوصاً في حالات السرقة التي تستحوذ على كامل المال ، وربما يكون ضمن المتسولين الذين يتكففون الناس بسبب حاجتهم وعدم استغنائهم فحفظ المال به تقوم مصالح العباد ويستغني به العبد عن الناس ،  ومن ابتلي بهبٍ أو سلب فليسترجع وليصبر ويأخذ بالأسباب من إبلاغ مسؤول ورجل أمن وإن احتاج غلى الناس فليتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسدّ فاقته ، ومن أنزلها بالله فيوشك الله له بفرجٍ عاجل أو آجل " رواه أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن . 

عباد الله : حقوق العباد مبنية على المشاحّة وحقوق الله مبنية على المسامحة والتخلص من حقوق العباد واجبٌ وسببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى وسلب حقوق الناس وأموالهم موجبٌ لدخول الجحيم وهذا مقطوعٌ به في الشرع ولافكاك للعبد من حق الناس إلا بتأديتها إليهم ولا مناص ولا خلاص إلا بذلك مهما كانت منزلة العبد عند الناس وقد روى النسائي عن محمد بن جحش رضي الله عنه قال : " كُنّا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء فقال : سبحان الله ! ماذا نُزّل من التشديد ؟ فسكتنا وفزعنا ، فلمّا كان من الغد ، سألته يارسول الله : ماهذا التشديد الذي نُزّل ؟ فقال : " والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قُتل في سبيل الله ثم أُحيي ثمّ قُتل ثم أحيي ثم قُتل ثم أحيي وعليه دين مادخل الجنّة حتى يُقضى عنه دينَه "  والحديث حسن . 

وعن جابرٍ بن عبدالله رضي الله عنه قال : " مات رجلٌ فغسّلناه وكفنّاه وحنظناه ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، فجاء معنا فتخطّى خُطى ثمّ قال : " لعلّ على صاحبكم دين ؟ " قالوا : نعم ، ديناران ، فتخلف وقال : " صلّوا على صاحبكم " وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على المؤمنين فيها رحمة عظيمة لهم ، قال : " صلوا على صاحبكم " فقال له رجلٌ منّا يُقال له أبا قتادة : " يارسول الله هما عليّ " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميّت ثمّ لقيه عليه الصلاة والسلام من الغد فقال : " ماصنعت الديناران ؟ " فقال أبو قتادة : يارسول الله إنما مات أمس ، ثم لقيه من الغد فقال : " مافعل الديناران ؟ " قال : قد قضيتهما يارسول الله ، قال : " الآن حين بردت عليه جلده " أخرجه الحاكم والسياق له والبيهقي والطيالسي وأحمد بإسنادٍ حسن  . 

عباد الله : مال المؤمن له حُرمة لايحل منه شيءٌ إلا بطيب نفسٍ منه  حيث يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث : " لايحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه " والحديث صحيح الإمام أحمد والبيهقي والدار قُطني وغيرهم وفي حديث أبي أمامة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه سلم قال : " من اقتطع حق امرئٍ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة " فقال له رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يارسول الله ؟ قال : " وإن قضيباً من أراك " رواه مسلم وفي حديث له شواهد يصححه جمعٌ من أهل العلم من حديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايحل لامرئٍ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسٍ منه " . رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما فلذا ينبغي للعبد أن يحتاط ويحذر أشدّ الحذر من حقوق العباد ومن أبتلي في ذلك فلينوِ الأداء وإيصال الحقوق لأهلها والله مُطلعٌ على قلبه ونيته ومقصوده فليحذر أن يُبيّت نية السوء وليكن عازماً على أداء الحقوق لأهلها وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه ومن أخذها يُريد إتلافها أتلفه الله " رواه البخاري . 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم " فقال له قائل : ما أكثر ماتستعيذ من المغرم ؟ فقال : " إن الرجل إذا غرِم حدّث فكذب ووعد فأخلف " رواه البخاري ومسلم 

فاللهم إنا نعوذ بك من شرّ حقوق العباد ومن سبيل الفساد والإفساد أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 

============= الخطبة الثانية ============

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من الناس من لايبالي بحقوق العباد ولا باختلاس أموالهم ويصنع من أجل ذلك الحِيَل والمكر ويستدرج طائفة ممن سلمت قلوبهم وصاروا يظنون بمن يتعامل معهم خيراً ومن ثَمّ يوقعونهم في عملية احتيال ومكرٍ فاجرة سواءٌ كان ذلك التعامل عن طريق هاتفٍ أو رسالة أو برنامج أو نحو ذلك فيجب أن يكون العبد على حذر من التعامل مع تلك الإتصالات المُوهمة والتي غالباً ماتكون من خارج هذه البلاد فهناك فئات من المفسدين من خارج هذه البلاد قد عجزت عنهم حكوماتُهم ويرون أن بلاد الحرمين والبلدان الخليجية أنهم واسعوا الثراء ولا يعلمون أن هناك منهم من هو في أمسّ الحاجة لقليلٍ من المال الذي يعول به أسرته  . 

عباد الله  : الإحتيال والجريمة والسرقات الإلكترونية هي آفة في هذا العصر لم تسلم - ياعباد الله - دول عدة في جميع اقطار العالم من هذه الآفة ، فعلى المسلم أن يحذر من المحتالين الماكرين الذين يوقعون العباد في فخ ومن ثم ينهبون أموالهم وليحذر عامة المسلمين من المغررين الذين يطلبون بياناتهم الشخصية وأرقام حساباتهم وكلماتهم السريّة والتي كثيراً ماتحذر المصارف من إعطائها لأي أحد من الناس وهذه البلاد وأهلها مستهدفون بالهجمات الإلكترونية التي تصل لملايين الهجمات في بعض المواقع . 

عباد الله : تطبيق الحدود قطعٌ للجريمة والجناية في بلاد المسلمين وغيرهم ولو أن العالم أجمع  على تطبيق  حد السرقة لن تَر سارقاً في هذا العالم وذلك أن تطبيق الحدود فيه ردعٌ للسارقين والمحتالين وهو خيرٌ للناس وحفاظٌ على أموالهم من عبث العابثين واستدراج المحتالين كما قال صلى الله عليه وسلم :  ( حدٌ يقامُ في الأرض خيرٌ للناس من أن يُمطروا أربعين صباحاً ) رواه النسائي وابن ماجه في سنَنَيهما والإمام أحمد في مسنده . 

علماً أن تطبيق هذا الحد يحتاج لتوفر شروط وانتفاء موانع ولا تُقطع يد سارق إلا بعد توفر هذه الشروط  وإذا حصلت شُبهة فيُدفع الحد ولا يُطبّق لقوله صلى الله عليه وسلم : " ادرؤوا الحدود بالشبهات " وليس كل سارقٍ تُقطع يده وهذه شريعة الله الحكيم في تدبيره وهو أعرف جل وعلا بمصلحة عباده وله في ذلك الحكمة الباهرة والحجة البالغة . . وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خطبة عن حسن الخاتمة وأسبابها

  الحمدلله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، خلق الخلق ليعبدوه ووعدهم بالعاقبة الحميدة وهو اللطيف الخبير، والصلاة والسلام ع...